أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام ساخي - سوء فهم














المزيد.....

سوء فهم


هشام ساخي

الحوار المتمدن-العدد: 4991 - 2015 / 11 / 20 - 17:04
المحور: الادب والفن
    


(صباح شاحب، ومن متجر كبير يخرج رجل بدينٌ، ألفَت ملامحه بين الوقار والتوثر، بكسرة خبز في يد ورشاش في الأخرى، يقتعد؛ في حديقة مُجاورة نُحتَ فوق بابها تمثاله؛ كرسيا وثيراً هيكله من ذهب وبطانته من حرير.. وتَنهيدة من عميق روحه توقفُ جيشاً من النمل المُثقَل بالعصي والرماح، ليُجتَذَبوا رُكضا متمرغين في الأوحال بعدما تأكدت لهم صحة الخَبر.. ينحني الرجل البدين لالتقاط الكسرة التي أفلتتها يده، ومشهدٌ لعشرات الجياع التي تنهب من خيرات القمح بين الثنايا والثقوب جعله يزدادُ تعرقا واحمراراً قبل أن يصوب مُسدسه في وجه أحدهم).
- المتهَم : (يبرر بارتعاد) يا سيدي الإنسان، نعتذر عن تهورنا هذا، وكما ترى فنحن فقط جندٌ مؤمَرون، ثم إنه الجوع حال دون انتباهنا بأن للكسرة مالك. أرجوك أن ترفع سبابتك عن الزناد وسننصرف حالا، فقتيل في صفوفنا يعني رفع شارة الانهزام قبل بداية معركة الحبوب التي كنا متوجهين لخوضها، ومن فضلك لا تنثُرنا من على هذا العلو فمعنا حوامل، ولا داعي بأن تجهض أحلام أجنتنا في الكَد والتنفس.. هذا طبعا إن كنت تمانع في اقتسامها معنا.
- الرجل البدين : (بتوثر بلغ أقصاه) كيف تجرؤ على محادثت إنسان بهذا الأسلوب السافل، خاصة وهو صاحب الأرض والخبز...؟
- المتهم : لم أقصد إثارة غضبك يا سيدي، أعرف أن لساني بذيءٌ يستحق القطع، ويبدو أنه لا مَحيد إذاً عن خوض هذه الحرب.. أما عن الخُبز فهو حقا لكم، وأما بخصوص الأرض؛ فلما كانت عندكم الرغبة روح الجسد فكذلك صارت أجسادنا -نحن معشر النمل- محاريث للجغرافيا؛ ونحن بذلك أدرى بمخبوءاتها وأصغى إلى حكمتها منكم، رغم أنها لكم بطبيعة الحال. وبعد إذنك أنزلنا بلطف.
- الرجل البدين : نعم، نعم، لكن أخبرني قبل ذلك عن أسرارها.. فمنذ عامين وهي متصلبة أمام معاولنا، عبوسة في وجه فلاحينا. ولكم حريتكم وكذا ما أتيتم على طلبه رغم استحالته.
- المتهم : (بخبث البؤساء) طبعا سيدي سأخبرك بكل تفاصيل الموضوع، ومنذ فجر حضارتكم، بل وقبل إن ترغبون. لكن؛ وإن لم يكن لديكم مانع؛ إرمي بنصف ما اتفقنا عليه أرضا، هكذا أضمن قسطاً من العيش لقريتي وطمأنينة أسترجع بها صفاء ذاكرتي ..
(يتفنن الرجل البدين في إبداء ارتيابه قبل أن يقذف بالقطعة للجوعى المُترقبين)
- المتهم : (مسترسلا) .. قلت، منذ بداية التاريخ والتراب يرتطم بالتراب، فقط، ليُحفَظ سر لا يعنينا نحن الموجودات في شيء، ومنذ ذلك الحين والموت يلتحم بالمني كما تلتحم في المقابر التعازي بالتهاني. أشكال وألوان من البذور تشق أرضكم أبداً لرسم غاياتها السريعة في أثير اللاغاية واللامعنى..
- الرجل البدين : ولكن.. ماذا عن الحقول القفار وعن يُبس الثمار؟ أنا في انتظار جواب مُشفي، وكفاك تلاعبا بالكلمات.
- المتهم : لا شيء يدعوكم للقلق سيدي، فلا خصب ولا جفاف، لا موت ولا حياة.. فكل كنوز الأرض صمت رهيب وظلام طميس، فلا تلال ولا وهاد سوى الأفق الثابث، ولا ماض ولا آت غيرَ السراب الخادع.. فليس ثمة من رواية، وليس ثمة من راوي.
- الرجل البدين : أحاول استيعاب قصدك، لكن هل من جديد على هذا المُعطى في قادم الفصول؟ أو لا مفر إذا من هجر الحقول وتقليص الأجور؟
- المتهم : لا، لا جديد يُذكر، فالترابُ باق يَقضمُ الترابَ، ولا نتاج يُؤمَل. فدع عنك الترقب إذاً واستَنجد بالصلاة لعابثَة لا تَكل الوَئدَ والبَعث، وعش اللحظة أزلاً بين سندان الماضي ومطرقة الآتي، وخاصة ظَل جَديراً بألَم الطرق.
- الرجل البدين : (وقد أطلق سراحه أمام اندهاش الحشد) ولكن، متى ستبتسم أرضنا في وجه آلاتنا، فالزبائن في تناقص مستمر.. وهذا شيءٌ يدعو فعلا للقلق.



#هشام_ساخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار الغرباء -مونولوج-
- عالمٌ مرهَق
- قرابين التوحيد


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هشام ساخي - سوء فهم