|
ابن تيمية في (السياسة الشرعية ) (5)
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 4989 - 2015 / 11 / 18 - 18:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
معرفة الأصلح وكيف يراها ابن تيمية يرى ابن تيمية أن المهم في هذا الباب معرفة الأصلح من وجهة نظره ، فيقول وذلك إنما يتم بمعرفة مقصود الولاية ، ومعرفة طريق المقصود، فإذا عرفت المقاصد والوسائل تم الأمر. ويشرح ما يريد التأكيد عليه بقوله : فلهذا لما غلب على أكثر الملوك قصد الدنيا ، دون الدين ، قدموا في ولايتهم من يعينهم على تلك المقاصد ، وكان من يطلب رئاسة نفسه ، يؤثر تقديم من يقيم رئاسته ، يقول وقد كانت السنة أن الذي يصلي بالمسلمين الجمعة والجماعة ويخطب بهم ، هم أمراء الحرب ، الذين هم نواب ذي السلطان على الجند ، ولهذا لما قدم النبي أبا بكر في الصلاة ، قدمه المسلمون في إمارة الحرب وغيرها. ويفصّل ذلك بقوله وكان النبي إذا بعث أميرا على حرب ، كان هو الذي يؤمره للصلاة بأصحابه ، وكذلك إذا استعمل رجلا نائبا على مدينة ، كما استعمل عتاب بن أسيد على مكة ، وعثمان بن أبي العاص على الطائف وعليا ومعاذا، وأبا موسى على اليمن وعمرو بن حزم على نجران كان نائبه هو الذي يصلي بهم ، ويقيم فيهم الحدود وغيرها ، مما يفعله أمير الحرب ، وكذلك خلفاؤه بعده ، ومن بعدهم من الملوك الأمويين وبعض العباسيين ، وذلك ؛ لأن أهم أمر الدين الصلاة والجهاد. ويؤكد بأن أكثر الأحاديث كانت عن النبي في الصلاة والجهاد ، وأنه إذا عاد مريضا ، يقول: (اللهم اشف عبدك ، يشهد لك صلاة وينكأ لك عدوا). ولما بعث النبي معاذا إلى اليمن ، قال: يا معاذ إن أهم أمرك عندي الصلاة. ويبدو أن الاهتمام بالصلاة هو اهم خصيصة يؤكد عليها الرئيس لأتباعه ؛ فهذا الخليفة عمر بن الخطاب يكتب إلى عماله: ((إن أهم أموركم عندي الصلاة ، فمن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه ، ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة)) كما ينقل ابن تيمية حديثه . وذلك لأن النبي قال: {الصلاة عماد الدين}. فإذا أقام المتولي عماد الدين ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. وهي التي تعين الناس على ما سواها من الطاعات ، ويستشهد بقول الآية : {واستعينوا بالصبر والصلاة، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}. وكذلك الآية: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ، إن الله مع الصابرين} . وقال: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا، نحن نرزقك، والعاقبة للتقوى}. والثالثة: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} يقول : فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا ، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم . ويقسم ابن تيمية ذلك الى نوعين : قسم المال بين مستحقيه ، وعقوبات المتعدين ، فمن لم يعتد أصلح له دينه ودنياه. يقول : ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول: ((إنما بعثت عمالي إليكم ، ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، ويقيموا بينكم دينكم فلما تغيرت الرعية من وجه ، والرعاة من وجه ، تناقضت الأمور ، فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان)) . كان من أفضل أهل زمانه ، وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله. فقد روي {يوم من إمام عادل، أفضل من عبادة ستين سنة} قال النبي: (أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغضهم إليه إمام جائر) وقال: (سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها ، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) . وقال: (أهل الجنة ثلاثة: سلطان مقسط ، ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل غني عفيف متصدق) . وقال: (الساعي على الصدقة بالحق، كالمجاهد في سبيل الله) وقد قال ، لما أمر بالجهاد: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله}. وقيل للنبي: (يا رسول الله الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حميةى، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) . وبرأي ابن تيمية المقصود أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها القرآن ، وهكذا قال: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} يقول : فالمقصود من إرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، أن يقوم الناس بالقسط ، في حقوق الله ، وحقوق خلقه. تقول الآية التي يستشهد فيها ابن تيمية : {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب}. فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد ، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. والمقصود بالسيف القوة فلا يقيم امر ما لم تكن هناك قوة وحزم ، وهذا ما قامت عليه الدول ؛ وهو يثبت أن الاسلام ما قام الا بالسيف . يقول وقد روي عن جابر بن عبد الله قال: {أمرنا رسول الله ، أن نضرب بهذا - يعني السيف - من عدل عن هذا - يعني المصحف} فإذا كان هذا هو المقصود ، فإنه يتوسل إليه بالأقرب فالأقرب ، وينظر إلى الرجلين ، أيهما كان أقرب إلى المقصود ولي. فإذا كانت الولاية مثلا، إمامة صلاة فقط ، قدم من قدمه النبي حيث قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ولا يؤمن الرجل في سلطانه ، ولا يجلس في بيته على تكرمته إلا بإذنه) . فإذا تكافأ رجلان ، أو خفي أصلحهما أقرع بينهما ، كما أقرع سعد بن أبي وقاص بين الناس يوم القادسية ، لما تشاجروا على الأذان ، متابعة لقول النبي (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا). ويضيف : فإذا كان التقديم بأمر الله إذا ظهر، وبفعله - وهو ما يرجحه بالقرعة إذا خفي الأمر - كان المتولي قد أدى الأمانات في الولايات إلى أهلها.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استمرار إحراق القرآن
-
ابن تيمية في (السياسة الشرعية)(4)
-
أحلام الخباز
-
ابن تيمية في (السياسة الشرعية) (3)
-
ابن تيمية في (السياسة الشرعية) (2)
-
ابن تيمية في (السياسة الشرعية) (1)
-
أنتِ وأنا
-
الاوراق الجافة (1)
-
خمرُ شفتيكِ
-
نصوص قصيرة
-
ملفات أحمد الحلبي السرية
-
نصّانْ
-
ثلاثُ علاماتٍ لجنونيْ
-
الكذب والزور في الاسلام
-
ثلاثة نصوص
-
موسى النبي يفقأ عين ملك الموت !
-
أمي
-
خرافة اسمها جحا العربي
-
أبي
-
النملة التي حيرت عقول المفسرين
المزيد.....
-
رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
-
ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
-
استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا
...
-
-إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال
...
-
لولو فاطرة في رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج
...
-
مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
-
أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م
...
-
-كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13
...
-
موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا
...
-
أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما
...
المزيد.....
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
-
فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.
/ يوسف هشام محمد
المزيد.....
|