أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - شاهدْ الهرم... ثم مُتْ














المزيد.....

شاهدْ الهرم... ثم مُتْ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4989 - 2015 / 11 / 18 - 12:35
المحور: الادب والفن
    


حينما شاهدتُ صورة النجم الأمريكي الأسمر الآسر "مورجان فريمان" عند سفح الأهرام، أثناء زيارته الأخيرة لمصر، يعلو من وراءَه ذلك الشامخُ السموق الذي حيّر عقولَ علماء العالم فلم يعرفوا بعد على وجه الدقّة كيف بناه أجدادُنا الجبابرة، تذكرتُ مشهدًا ماسًّا فادحَ الجمال من فيلم The Bucket List الذي تشارك فيه فريمان مع الممثل الأمريكي العظيم هو الآخر "چاك نيكلسون".
الحدوتة باختصار: رجلان لا يعرف أحدُهما الآخر: الأول فاحشُ الثراء (نيكلسون)، والآخر عاملٌ ملوّن يحيا على الكفاف (فريمان). ما كان ليجمعهما مُشتركٌ إلا محنةٌ خطيرة جمعت بينهما في الأيام الأخيرة من عمريهما. وحدها المِحنُ والنوازلُ الفاجعات، تجمع الفرقاءَ، ببساطة لأن الفواجعَ لا تُميّز بين الناس لا طبقيًّا ولا عَقَديًّا ولا عِرقيًّا. النوازلُ والفواجعُ لا تعرفُ سوى الإنسان، الكائن البشريّ المجردّ من الألقاب والمعتقدات.
كلاهما، ضربه السرطانُ وكانا ينتظران الموت بين لحظة وأخرى، بعد استنفاد كل مراحل العلاج المعروفة، وما عاد أمامهما سوى الموت الوشيك القادم على عجل ليطرق الأبواب خلال شهر أو أيام.
ونعود إلى عنوان الفيلم: “قائمة الدلو”. وهو آت من مصطلح إنجليزي شعبي يعبر عن "الموت" كما ورد في قاموس المحكية السوقية the Dictionary of Vulgar Tongue الصادر عام 1785". المصطلح هو: اِركِلِ الدلوَ"، أو Kick the Bucket. ويُعدُّ مجازًا عاميًّا مُخفّفًا للتعبير عن الموت، بدل المفردة القاسية. أصل التعبير مازال مجهولاً، إلا أن هناك عديدَ نظريات حول الاشتقاق اللغوي للمجاز. أشهرها جاء من طريقة الإعدام بالشنق، أو الانتحار، في العصور الوسطى. حيث تُعقدُ أُنشوطةٌ حول عنق شخص يقف فوق دلو مقلوب. وبمجرد أن يُركل الدلو، تموت الضحية.

ونعود إلى حدوتة الفيلم. إذن، التقى المحتضران في مصحّة. وبعد بعض مشاكسات ناجمة عن التقاء الثراء بالفقر، والغرور بالقنوط، والسلطان المادي، بالزهد والتقشف الذي يجعل لا شيء يُعبأ به، حتى الموت، تصادق الرجلان. إنها أقصرُ صداقة في التاريخ ربما. إذ كانا يعلمان أن كليهما ينتظره الموتُ العَجول. وفي تلك الحال، إما أن تعني تلك الصداقة العابرةُ كلَّ شيء، إذ تُزامِنُ تلك الصداقةُ آخرَ لحظات العمر الغالية، أو لا تساوي شيئًا على الإطلاق، كونها صداقة خاطفة لن تلبث أن تموت، بموت طرفيها.
المهم. قرر الثريُّ قرارًا جنونيًّا، ليس فقط من باب استعراض أمواله، ولكن كذلك لأن تلك الأموال لن يكون لها معنى بعد موته الوشيك. خاصةً وقد قطّع كل وشائجه العائلية وتبرأ من ابنته الوحيدة وذريتها. ففيمَ ولمَن يحافظ على ثروته؟ فليبددها الآن إذن.
قال لصاحبه: هيا نكتب قائمةً بكل أحلامنا المجنونة، وننفذها جميعها خلال أيامنا المتبقية في هذه الحياة، قبل أن نركل الدلو. وكانت القائمة:
مشاهدة أكثر المشاهد سحرًا في العالم.
مساعدة شخص غريب.
الضحك حتى البكاء.
قيادة أغلى سيارة فورد في العالم.
عمل وشم (تاتو) على الجسد.
تقبيل أجمل فتاة في العالم.
القفز بالمظلات.
زيارة متحف صخور ما قبل التاريخ بإنجلترا.
قضاء أسبوع في متحف اللوفر.
زيارة روما.
مشاهدة الأهرامات.
كلما نفّذا حلمًا، شطبا عليه، ثم يشرعان في الحلم التالي. زارا روما، وقفزا بالبراشوت، واستمتعا باللوفر، ولمسا صخور ما قبل التاريخ، وجرّبا جنون الفورد، وحفرا الوشم على جسديهما، وضحكا على كل هذا حتى فاض الدمعُ من عيونهم. أما أجمل فتاة في العالم، تلك التي حلم الثريُّ أن يُقبّلها، فكانت حفيدته بعدما نجح صديقه الفقيرُ الأسمر في أن يُرجع الابنة والحفيدة إلى حضن العجوز العنيد المحتضر. وأما حين زارا الأهرامات، وهنا جوهر المقال، جلسا وقت الغروب يتأملان مشهدًا ساحرًا يحسُدنا عليه العالم. شطبا على هذا الحلم من القائمة، ثم أعادا الإمساكَ بالقلم ليشطبا على حلم آخر في القائمة: الحلم الأول: "مشاهدة أكثر المشاهد سحرًا في العالم". الهرم، هرمُنا الأكبر، هو أكثر المشاهد سحرًا في العالم!!
ذلك هو المشهد الذي نشاهده نحن المصريون، ولا نشعر أننا أمام لوحة تُبهر البشرية، ومن أجلها، يسيل لعابُ بلاد ليس لها حظ من حضارة، تتمنى لو أن لها جزءًا يسيرًا من حضارتنا، لتصنع حوله ما يليق بأن يشاهده العالم، ويشير ببنان الدهشة. ذلك هو تاريخنا وأمجاد أجدادنا. عجيبة عجائب الدنيا، الهرم اليوم، في مزاد علنيّ، فمن يدفع أكثر! لا تنسَ عزيزي القارئ أن تشاهد الهرم، قبل أن تركل الدلو بقدمك.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَن كان منكم بلا إرهاب، فليضربنا بحجر
- محاضرة من القرون الوسطى
- تعليم خفيف الظل
- أيوا مصر بتحبك
- السيسي وحده لا يكفي!
- رحلة جمال الغيطاني الأخيرة
- لماذا تسمونها: معركة انتخابية؟
- المُغنّي والزعيم... وشعبٌ مثقف
- عسل أسود
- المال مقابل الكرسي
- جمال الغيطاني... خذلتني
- قانون مكافحة التجهيل العمدي
- هكذا الحُسنُ قد أمر
- ما العلمانية؟
- سجينة طهران
- السلطان قابوس والاستنارة
- حزب النور سنة 1919
- السيف والرمح والقرطاس والقلم
- المراجعات على نهج ناجح إبراهيم
- أرجوحةُ الخَدَر ودولةُ الحاجة


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - شاهدْ الهرم... ثم مُتْ