أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - تقادمية حالة حرب














المزيد.....

تقادمية حالة حرب


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 4987 - 2015 / 11 / 16 - 14:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين نحدّق في هذا الوضع ، بلا خلط ، علينا أن نعترف أن العقل الذي دهمته دموية الإرهاب الذي ضرب عميقا في لبنان و سوريا و العراق و ليبيا و فرنسا ...يعلن عبر تكاثر مذهل من العواطف المحمومة بأن تاريخنا ينوء بميراث ثقيل حافل بالقتل و الإبادة ، تاريخ صاعق عصيّ عن الفهم و الوصف. تضاريسه أشبه بنسق تدويني لعبثية القتل الذي يحدث بلبلة في بطن الإنسانية التي ترتجف من فضائحية بعض الشامتين . إن القتل المؤسّس يحيل إلى انقلاب أعمق يتطلّب إذابة و تفكيك رواسب الثقافة المتعاقبة التي تقطن في الكوناتوس بالمعنى السبينوزي للكلمة.
إن هذا التجاور المطلق بين الحرب و السلم ، بين الإرهاب و التسامح بين الحياة و الموت ــ رغم مأساويته ــ يظل مقيما في هذه المثالية النابعة من الكوناتوس بما ترمز إليه من رغبة في الوجود و الاستمرار في الحياة . إن هذا التمركز للإرهاب هو شكل من الانزياح الرهيب إلى رواسب أخرى مخفيّة في التاريخ و في بنية الذات البشرية . ربما بتعبير ريكور نتيجة الهشاشة التكوينيّة للذات الإنسانية ، أو ربما لأن الايتيقا لا تجد حيزا تتمظهر فيه أفضل من الموت و السعادة بتعبير عبد العزيز العيادي ، أو لأن السقوط في براثن الإرهاب هو وجه من اللامعقولية المتّحدة بالحضارة ، بالإنسان ...
يتعلّق الأمر إذن بهذا التكافل بين التاريخ و الإرهاب. ومع هذا فإن حديثنا عن الإرهاب لن يختتم أبدا . فإذا أردنا أن نتعقّب مراحله التاريخية و موطنه الأصلي الذي نبع منه كمنطلق لتكوين مقاربة نقدية لاقتضى ذلك تفنيد بعض المفترضات الخاطئة التي تجعل من الإرهاب شأنا متخصّصا للحضارة العربية الإسلامية. بحركة مائلة مجازفة غير بريئة نلمح لدى البعض جنوحا لوضع حضارتنا تحت طائلة الشك . و تكون المفارقة أن نغمس حضارتنا في بحر الإرهاب و ننسى اللحظة المنحطّة التي يتأسس فيها ضمن أنموذجية السادية الصهيونية و الغطرسة الأمريكية و بالأمس القريب الاستعمار الفرنسي نفسه في الجزائر و ليبيا و حاليا في سوريا .
ما نريد قوله علينا ألاّ نبحث عن منابع الإرهاب في بضع مشاهد منثورة في قلب حضارتنا بل يجب أن تستمدّ هذه القواعد المبدئية لإدانة الإرهاب من حضور مليء موجّه إلى الذات الإنسانية بكلمات لا تمحى: كن عادلا ، كن سمحا ، كن رحيما و لا تكن غشوما ظالما قاتلا...
إن الإرهاب منتظم الحضور في حضارتنا ، هذا أمر مؤكّد ، و ربما يكون تعبير عن فشل الأحزاب الليبرالية الذي فتح الطريق لحركات الإسلام السياسي الذي قدّم نفسه كبديل عن الممارسة الديمقراطية ؛ و لكن حذق الإرهاب في التسلل إلى بنيتنا لا يردّ إلى إسراف حضارتنا في التطرف كما قرأنا بعض الاتجاهات الحبيسة للنسق الثقافي الغربي. إن من يفهم التحدي الحقبوي للإرهاب على أنه من صميم حضارتنا و من ضلع ثقافتنا إنما يباشر بلا أدنى شك فعل ترميم الذاكرة المستبطنة للمركزية الثقافية كما نظّر لها رينان و لا يدعنا ننتبه لشروط حيازة تنقية الرسم اللامنطقي الذي قام عليه تاريخ الإنسانية عموما.
بلغة فلسفية شاملة إننا بحاجة إلى عقل يعبّر عن نفسه عبر تجميد الرؤية المميّزة لأنموذج الغرب كبراديغم تفسيري لثقافة مثالية .
إن النظرة الاتهامية لثقافتنا كثقافة قوامها الإرهاب هي ثقافة موسمية تدمّر فكرة التثاقف و التصالح بين الهويات . علما أن تساؤلنا عن الإرهاب لا يمثّل ردة فعل على نظرة الآخر لنا لأننا نعترف وفق العقل النقدي الذي يشكّل مدخلا ممهّدا لمكافحة الإرهاب بأننا بحاجة لكي نبدأ التفكير و التشكك في مناهجنا، في نظمنا السياسية ...لا ريب أن هناك ألغاز خفيّة ماثلة في بنية العقل العربي الذي يحتاج إلى تفكيك و تشريح و مراجعة لمقصد أصالته التي تشوّشها حركات الإسلام السياسي التي تنسج ــ على عكس تعاليم الدين ــ خلقا في هيئة عفاريت مفصولة عن قيم الإيتيقا التي تنادي بعلوية الذات الإنسانية .
إننا نحقّق وعيا بخطورة الإرهاب و عرضه عاريا أمام نظائرنا متى كنّا في خدمة الإنسان كوحدة غير قابلة للفصل. تمتزج هنا مأساوية الإرهاب أينما حلّ بوصفه استعجال لإفناء البشرية بأسلوب غريب يقوم على انبثاق مؤسس للشر.
هذه اللحظة ينبغي أن نقرّر فيها أنه عندما يموت مواطن عربي في سوريا أو فلسطين أو البوسنة أو فرنسا ...فذلك ناقوس خطر لإنسانية مراقة هجرتها الرحمة و العدالة و التآزر. هذا ما يجب أن نقرّ به و نحترمه كسلوك أمّا أن تستيقظ معاني الإنسانية حينما يقع الإرهاب داخل تضاريس الغرب فحسب ، فاعلموا حينئذ أن قراءتنا للإرهاب ستكون تحايلا لثقافة ضد ثقافة أخرى.
إن مخطط الإنسانية اليوم يكمن في : كيف نتفادى الإرهاب الذي يفلت من قبضة رقابتنا رغم حذرنا و توجّسنا ؟ كيف يواصل مهمة العبث بأمن شعوبنا ؟
في الواقع إننا نغامر بضرب من الانزلاق غير الفعال لمكافحة إرهاب معولم لا يعترف بالحدود ، متماسك بشكل تناظري ، ممسرح لحماسة وهمية بطولية ، إرهاب التحامي مع الهدف ، يمر بجميع الصور ، يفلت من المحاجة العقلية ، طاقيّة غير متشكلة في العلن ، تباغت بترتيب استراتيجي ينتشر في كل الاتجاهات.نحن نتحاشى ضرباته المفزعة بوثبات تفتقر إلى وحدة التخطيط ، رؤية مشوّهة بانتظام لأنها غالبا ما تكون في شكل ردة فعل ، مدفوعة الأجر مغروسة في بنية وعي ليس له نظرة تخطيطية شاملة و قراراتها غالبا ما تكون ارتجاعية لا تقبض سوى على الأسباب السطحية للإرهاب التي تقيم في جنس الراوي : أنت إرهابي...



#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مكان ما خارج حزب ما
- فقدان الاتجاه أم واقع سياسي جديد في تونس؟
- تونس ما بعد أزمة النداء
- أحزاب تونسية مفخّمة و مفتولة العضلات، تهوي و تنال دفنا جميلا
- النهضة و النداء يضعان أقدامهما في مرحلة ما بعد التاريخ
- في أروقة النداء: تهجير اليسار أم قصف الحكومة؟
- هل نتجه إلى فراغ سياسي في تونس؟
- مصالحة أم مضاجعة لثورة الكرامة في تونس؟
- تمثلات نقابية و سياسية رابضة في قلب الهوية
- أي مستقبل نريد؟
- اليمن و الكذب المقصود
- و انتصرنا
- يا ناصريين... ثمة شيء إسمه اليمن...
- اليمن و تجاذب القوى في الداخل و الخارج
- هايدغر و الإنتقال من الميتافيزيقا إلى فلسفة الوجود
- آل سعود و النازية الجديدة
- الدولة الوطنية و المصالحة القومية
- العمل النقابي و سلطة الوساطة: قوة كلمة أم قوة نضال؟
- العمل النقابي و التحزب: تسامح أم تنافس؟
- القوى الناصرية : مستلزمات البناء و مهام عاجلة


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا لاغة - تقادمية حالة حرب