موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4987 - 2015 / 11 / 16 - 01:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في طرح سابق ، حُدِدَت القوة وفق شرطيّ (( التملّك )) و (( التفاعل )) ، و ذُكر فيه من جملة ما قد ذُكر : [ الله , المطلق , ما لم يُملك (يُتفرد به) و يُتفاعل به , يفقد كل معنى . فالله , معناه و قيمته لا تتحدد حيث يكون , بل حيث نكون نحن , على هذه الأرض الواقعية . و حتى الله ذاته , يبقى أسيرا لقوانين الوجود الإجتماعي , فماذا ينفع الله إن لم يكن حكرا , إن لم يحدث تفاعل به ؟! . الله مع الجميع , هي نفسها : الله ليس مع أحد , و كلاهما تماثل : الله غير موجود ! . (...إلخ) ] .
في هذا الطرح سأتناول (( الإيمان )) و (( الإلحاد )) من منطلق القوة ، و إن كانت القوة ها هنا محسوبة ضمن إطار التجريد ؛ أي لا وجود مادي لكل منهما .
فعلى الرغم من أن (( الإيمان )) و (( الإلحاد )) يبدوان نقيضين ؛ و بشدة ، إلا أنهما كتوصيف لموقف من الدين أو الإله ، يُعبران عن وحدة ضمن دائرة الدين أو الإله ــ و يمكن تأطيرهما معا بمسمى : وحدة النقيضين . إذ يُصبحان و يُمسيان معا ، فلا (( إيمان )) دون (( إلحاد )) / و كذلك لا (( إلحاد )) دون (( إيمان )) ؛ بل إن الموضوع يذهب أبعد من ذلك إلى إحتواء (( الإيمان )) ذاته على نقيضه الظاهري (( الإلحاد )) / و (( الإلحاد )) هو الآخر يحتوي في ذاته على (( الإيمان )) ، أي نقيضه الظاهري . و جدير بالذكر أن بين (( الإيمان )) و (( الإلحاد )) ما يمكن تسميته بــ[ درجات بين البين ] ؛ إذ لا يتجاوز كل من (( الإيمان )) و (( الإلحاد )) موقع النقيضين الظاهرين الرئيسيين ــ أي أن هناك نقائض أخرى ظاهرية لكنها ثانوية ؛ على سبيل المثال لا الحصر الموقف اللا أدري من الدين أو الإله ==> إذا يصح القول : وحدة نقائض بدل وحدة نقيضين / إلا أن النقائض بشكل عام تتمركز بين طرفين ؛ نقيضين ؛ رئيسيين ــ فتتقدم في كل ٍ تبدو فيه وحدة نقيضين .
وردت كلمة [ ظاهري ] كذا مرة في الفقرة السابقة في وصف التناقض الكائن أو الحادث ؛ لأنه تناقض لا يدفع فيه أحد الطرفين الرئيسيين إلى إلغاء الآخر ، بل العكس تماما هو ما يحدث ، إذ يزداد تأكيد الآخر و تثبيته ــ فأقصى ما يمكن للـ(( الإيمان )) أن يقود صاحبه إليه ، ينتهي من حيث بدأ ، مع (( الإلحاد )) / و أقصى ما يمكن للـ(( الإلحاد )) أن يقود صاحبه إليه ، يبدأ من حيث إنتهى ، مع (( الإيمان )) .
يتحدث بعض المُفكرين عما يُسمى (( ما بعد الإلحاد )) كتوصيف مُمكن للموقف التالي لنفي النقيضين (( الإيمان )) و (( الإلحاد )) _و إن بدا المُسمى الوصفي غير موفق ؛ صراحة_ ، و الذي يبدو أنه على وزن (( ما بعد الحداثة )) . و بقدر ما يعالج هذا المُسمى الإشكال الكائن [[ مع ]] النقيضين ؛ كطرف ناقض حقيقي ، إلا أن سرير بروكروست (( ما بعد الحداثة )) يحيله إلى إشكال آخر [[ بين ]] النقيضين ؛ كنقيض ظاهري ثانوي ؛ عدمي .
نعود إلى محور الطرح : القوة . إن الإيمان ذاته لا يحوي أي شرط من شروط القوة السالفة الذكر ، و كذلك الإلحاد ، إنما الدين أو الإله ذاته يُصاغ ضمن شرطيّ القوة ؛ أي [ الشيء ] الذي أؤمن به أو [ الشيء ] الذي ألحد به يُصاغ ضمن شرطيّ القوة : (( التملّك )) و (( التفاعل )) ــ بما يشبه أو يكاد يشبه مخرجات المدرسة الظاهراتية / الفينومنولوجيا .
إذا فالموقف سواء (( إيمان )) أو (( إلحاد )) مرتبط بـ[ الشيء ] ، الذي قد يكون دين أو إله . فيكون عندئذٍ بـ[ الشيء ] لا بـ[ الموقف ] : صياغة شرطيّ القوة .
* أنا لا أمتلك (( الإيمان )) ؛ لكنني أمتلّك (( وجود | الله )) ــ و به أتفاعل في المجتمع / و بقدر ما أمتلكه أتفاعل به : القوة .
لكن صور هذا الإمتلاك تختلف ، على سبيل المثال ما يورده نيتشه في مؤلف { إرادة القوة } عن إمتلاء الصوفي بالله ؛ بتعبير آخر إمتلاك القوة / فالصوفي يفرغ ذاته أو بالأحرى يستفرغ ذاته ، فلا تبقى هناك أي قوة ، لا يبقى إلا الفراغ و الضعف _العدم_ ، ليمتلئ بالقوة المطلقة ؛ الله ؛ إرادة العدم [!] .
* أنا لا أمتلك (( الإلحاد )) ؛ لكنني أمتلك (( نفي | الله )) ــ و به إتفاعل في المجتمع / و بقدر ما أمتلكه أتفاعل به : القوة .
المثير للسخرية ها هنا ، أنه بمقدار ما يمتلك الملحد حجة أخرى لنفي الله (بتعبير أوضح يصبح أقوى [تملّك ـ تفاعل]) ، يقوم بدور تأكيد وجود الله و تثبيته أكثر _و الأمر سيان بالنسبة للمؤمن ؛ إذ الإتيان ببرهان آخر على وجود الله ، هو تأكيد آخر على نفيه_ .
ساخرة بفظاظة هي هذه المعادلة العكسية : كلما أثبتت وجود الله أثبتت نفيه / و كلما أثبتت نفي الله أثبتت وجوده [!] . لكننا في الحالتين معا (( الوجود )) و (( النفي )) أو في الموقفين معا (( الإيمان )) و (( الإلحاد )) ؛ نبقى أسرى [[ الشيء ]] : [[ الله ]] : [[ الدين ]] ــ و السخرية لا تقف هنا ، فالمؤمن يصوّر علاقته بـ[[ الشيء ]] على أنها عبودية للـ[[ الشيء ]] ؛ بينما الحقيقية أنه (( يمتلك )) هذا [[ الشيء ]] . و الملحد هو الآخر يصوّر علاقته بـ[[ الشيء ]] على أنها تحرر من [[ الشيء ]] ؛ بينما الحقيقة أنه في علاقته لا يختلف عن المؤمن في عبوديته للـ[[ الشيء ]] .
إن الأحاسيس و المشاعر التي تعتري المؤمن هي هي التي تعتري الملحد ، و الأمراض النفسية هي هي ، بل و كذلك الإنقلابات (مؤمن > ملحد / ملحد > مؤمن) ؛ و هي إنقلابات وهمية في نظرنا ، إذ ( المؤمن ) هو هو ( الملحد ) ذاته ، و العكس صحيح .
لعل في الترسيمة الطبقية أو الوضع الإجتماعي منفذ حجاجي ، فيُقال : أن رجال الدين يمثلون طبقة أو فئة طبقية ، لكن هل هناك في المقابل طبقة أو فئة طبقية لمن يمثل النقيض ؛ أي الإلحاد ؟! . إن الفئة الطبقية المُشتغلة بالكلام [ رجال الدين و الإنتلجنسيا ] تمثلان أقصى ما يمكن لتملّك (( الله )) و التفاعل به ؛ أي قوة ــ سواء كوجود أو كنفي ؛ إيمان أو إلحاد . و نركز هنا على أحد شروط القوة : (( التفاعل )) _و إن كانت القوة ها هنا كما سبق القول ؛ تجريد_ ، فلا يكتفي رجل الدين بتملّك (( وجود | الله )) إنما يتفاعل به ، و كذلك الإنتلجنسي لا يكتفي بتملّك (( نفي | الله )) إنما يتفاعل به ــ و قد يصل إنعكاس هذا التفاعل في إطار الصراع الطبقي إلى شن حروب دينية أو طائفية ، أو إلحادية إن صح أن نرى في القرامطة مثالا على ذلك .
لحسن الحظ ، لا يمكن للجميع في المجتمع أن يكونوا رجال دين أو إنتلجنسيين ، و إن بدا هذا إن تحقق : شيوعية ــ إلا أنها شيوعية الفقر و الكآبة و الجوع ؛ فما عساها جماهير رجال الدين و الإنتلجنسيين أن تنتج ، غير الكلام ؟! .
في الختام ، في حين أن (( ما بعد الإلحاد )) ، الذي سبق و أُشير إليه في الطرح ، قد يُمثل إشكال آخر [ عدمي ] ، لكن أيضا قد يُمثل معالجة لإشكال (( الإيمان )) و (( الإلحاد )) ؛ كنقيض حقيقي لهما ــ لكن شرط ذلك تحقيق فهم للوضع الإجتماعي العام القاضي بنفي [ رجال الدين و الإنتلجنسيا ] ؛ أي الفئة الطبقية التي موضوعها (( الإيمان )) و (( الإلحاد )) / حيث تتملّكه و تتفاعل به : القوة ــ من حيث هي تجريد ، و بذلك هي لا تنفي صنفا من القوة [ الوهمية ] فحسب ، بل تحيل إلى التركيز إلى صنف من القوة [ الحقيقية ] ــ من حيث هي واقعية مادية .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟