أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - هل يصح سؤال من خلق الكون-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم















المزيد.....


هل يصح سؤال من خلق الكون-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4983 - 2015 / 11 / 12 - 15:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (48) .
- قضايا منطقية (3) .

أعتنى فى كل كتاباتى بنقد ونقض فكرة الإله والأديان ليجد قلمى سبيله فى دحض الخرافة والسذاجة البشرية بمخاطبة العقل والمنطق والمعرفة والعلم موضحاً ومثبتاً أن فكرة الإله والأديان إبداعات إنسانية محضة لا تخرج عن حدود الإنسان , فأى محاولة للتعمق العقلانى المنطقى فى الحالة الوجودية والإنسانية ستصب فى النهاية إلى نفى وجود إله كوجود مستقل وفضح الأديان والمقدسات كفعل وإنتاج بشرى .
جال فى خاطرى تأمل فى سؤال : هل يصح سؤال من خلق الكون فبالرغم من شيوع إجابة هذا السؤال بأن الله خالق الكون إلا أن الإبحار والتعمق فى هذا السؤال والتسلح بالفكر العقلانى المنطقى سيكشف ويدحض ويجهض كل أوهامنا وخرافاتنا ورؤانا المغلوطة وإجاباتنا المعلبة دفعة واحدة وذلك متى أطلقنا العقل والمنطق فى التأمل لنجد أنفسنا فى نهاية المطاف أمام فهم حقيقى للحياة والإنسان ومواجهة حقيقية أمام أنفسنا لندرك أننا من ننتج الزيف والمعنى والغاية والقيمة والجدوى وكل القصص والسيناريوهات لإعطاء معنى وقيمة لوجودنا .

= هل هناك صحة فى مقولة من خلق الكون أم هى مغالطة كبيرة .
- بداية سؤال : هل يصح سؤال من خلق الكون ؟ يفرض إجابته على السائل فلا يسأل طالباً المعرفة ولكن يُصدر ويَفرض إجابة محددة , فالقول ب "من" تعنى أن الخلق تم من عاقل , وكلمة " خلق الكون" تعنى أن وجود الكون جاء من خلق لذا السائل هنا حدد وفرض الإجابة فى أن الكون مخلوق و بواسطة عاقل وكان حرى به أن يثبت أن الوجود جاء من خلق وبواسطة كيان عاقل فمن أدراه أن هناك خلق كما أن ألف باء علم يقول أن المادة لا تخلق من عدم ولا تفنى الى العدم , ثم تجده يفرض عليك الاجابة فالفاعل عاقل بسؤاله بمن وليس بما .. لو إعتمدنا منطق الخلق المتعسف فلماذا لا نسأل من خلق الخالق .. فإذا تعسفوا كعادتهم بالقول أن الخالق لا يُخلق فحرياً بالمادة التى هى أتفه من الخالق ألا تخلق .

- سؤال من خلق الكون يأتى فى إطار البحث فى سببية الوجود , وطالما نحن أمام منطق السببية فلنتعامل معه وفق مفاهيم المنطق والعقل , فسؤال من خلق الكون يأتى على شاكلة مقولة الأعرابى القديم " البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير , ألا يدل هذا الكون على اللطيف الخبير" لتجد فى هذا القول الكثير من التعسف والمراوغة والزيف والقفز ولا أعتبر هذا يتم عبر نصب وإحتيال من مرددى مقولة الأعرابى بل من ضيق أفق وسوء فهم .

- هناك فهم خاطئ لمفهوم السببية , فالسببية تعنى إيجاد مُسبب لسبب وفق الملاحظة والرصد , ولا يعنى هذا عشوائية إختيار أى سبب , فالسببية محكومة بالواقع وتراكم المشاهدات والخبرات , فعندما نقول أن البعرة من البعير والأثر من المسير فنحن لا نخترع سببية بل نضع السَبب مع مُسببه وفق تكرار مشاهداتنا وخبرتنا ورؤيتنا لبعرة تسقط من بعير عدة مرات , فوفق هذه الرؤية والخبرة نقول البعرة من البعير , فعندما نرى بعد ذلك بعرة فنقول أنها من بعير , ومع تكرار مشاهداتنا وخبرتنا نصل إلى تحديد نوعية البعرة فنقول هذه بعرة إنسان أو حمار أو أرنب ألخ , كذا قولنا الأثر من المسير جاء من مشاهدتنا لآثار أقدام فى الصحراء أو الطين لقدم سارت عليه وتركت أثراً ومن هنا عندما نرى أثر فنقول أنه جاء من مسير , لتتراكم وتتعاظم خبرتنا نتيجة تكرار مشاهدتنا ومعارفنا وخبراتنا فنحدد نوعية المسير فهذا الأثر جاء من قدم إنسان أو فيل أو كلب ألخ .
هذا الكلام يعنى أن السببية تتحدد وفق لمشاهدتنا وخبرتنا السابقة وليس بإلصاق أى مُسبب لأى سَبب , ومن هنا تكون مقولة " ألا يدل هذا الكون على اللطيف الخبير" مغالطة كبيرة وتعسف وتزييف وقفز على المنطق فلكى نقول أن الله خالق كوننا يلزم أن تكون لدينا مشاهدات وخبرات سابقة متحققة عن آلهة خلقت أكوان , ومنها نقول أن الله خلق الكون كحال البعرة من بعير والأثر من مسير , فهل تحقق لدينا خبرات ومشاهدات من خلق أكوان سابقة أم أننا نتعامل مع منطق السببية بتعسف وبمفهوم خاطئ , كما علينا أن لا نغفل بأن السببية المبنية على مشاهدات وخبرات ليس بالضرورة سببية صحيحة وفق منطق أن ليس كل مصدر النيران يأتى من عود كبريت بالضرورة .

- يصبح سؤال من خلق الكون خاطئ أيضاً من منظور آخر , فنحن لم نرى فى كل مشاهدات وخبرات حياتنا عملية خلق أى إيجاد الشئ من اللاشئ , بل كل ما نراه بدون إستثناء هى عملية تحول وتبدل حالة إلى حالة أخرى ولم نرى ذات مرة شئ تواجد من لا شئ فكيف نقول أن هناك خلق .!

- وفق الفكر والميثولوجيا الدينية ذاتها , فالإله إذا كان موجوداً فهو ليس خالقاً , فوفق القرآن والكتاب المقدس أن الله خلق آدم من طين , وحواء من ضلع آدم , والأرض والسماء كانتا رتقاً فقام بفتقهما ولا يعتبر هذا خلقا بل صناعة وتحويل , فتعريف الخلق فى معجم المعانى الجامع والمعجم الوسيط والمعجم الوجيز هو : الإيجاد من العدم أى بلا حاجة لعنصر آخر للخلق , ولكن الله إحتاج إلى الطين ليخلق آدم كما إحتاج إلى النار ليخلق إبليس وضلع آدم ليصنع حواء , لنستنتج من ذلك أن الله ليس خالقاً فلو وُجد فهو صَانع لذا لا مجال لكلمة الخلق من الإعراب .

= إضاءات إضافية
- ترتكز فكرة وجود خالق على مبدأ السببية أي أن الكون له مُسبب هو الخالق , وبحسب منطق المؤمنين فالخالق خلق الكون كعلاقة بين السبب والنتيجة , وهذه العلاقة علاقة تسلسلية فالسبب دائماً يسبق النتيجة وليس العكس , وما يربط بينهما هو الزمن , لذا فالخالق حتى يخلق الكون يجب أن يكون خاضعاً وذو علاقة مع الزمن ليكون متسبباً في خلق الكون وهذا متحقق فى الميثولوجيا الدينية , فالإله له يوم زمنى سواء بألف سنه أو 50 ألف سنه , كما خلق الوجود فى ستة أيام , وينتظر يوم القيامة فى زمن محدد , لنسأل هنا من خلق الزمن إذا كان الزمن مخلوق فرضاً وليس علاقة أنتجها الإنسان من حركة المكان .
إن كان الخالق هو من خلق الزمن وهو خارجه فسيسقط هنا مبدأ السببية وستنسف فكرة أن الله خلق الكون في أي لحظه لأنه ببساطة لن يكون هنالك زمن ليربط السبب بالنتيجة .

- لو أفترضنا وجود خالق للكون بإعتبار أن المؤمنين لايقبلون بأن يكون هذا الكون البديع المعقد الذي يبدو مصمماً بدون وجود خالق , ولكن لا يجب التعامل مع منطق السببيية بشكل استثنائى ومزاجى فإذا كان الكون مُعقد ومُصمم وبَديع ويحتاج لوجود خالق , فالخالق بديهياً سيكون أكثر تعقيداً من الكون لذا يلزم للإله أن يكون له مُسبب أيضا وهي معضلة كبرى عند تعاطى المؤمنين مع السببية لذا يضطر المؤمن إلى الحجر على السببية وإيقافها عند حد معين .! الغريب والغير منطقى أن المؤمنين يقبلون بالشيء الأقل تعقيداً الذي هو المادة ويصرون أن يكون له مُسبب هو الله ولكنهم يغفلون أو للدقة يتغافلون عندما لا يردون الشئ الأكثر تعقيداً لمُسبب , فأليس من المنطق والعقلانية القبول بالكون الأقل تعقيد بدون مُسبب بدلاً من تلك المغالطة المنطقية بقبول خالق أكثر تعقيداُ بدون مسبب خالق لوجوده .
المنطق الإيمانى المختل الإزدواجى يتهافت ويأكل بعضه وهو دليل على ضعف الحجة وضعف المنطق وحتى الفكرة فقد جعل الإشكالية أكبر لأنه لم يقبل بالبديهية, فليس من المنطقي أن تعطل المشكلة والتناقض الأكبر وتقبل بالصغيرة وليس من المنطق التصديق بوجود شيء ليس عليه دليل لا يمكن إثباته الذي هو الخالق , بينما الكون أمامك ملموس ومثبت وهذا يكفى , لتسقط فرضية الخالق لأنها تفاقم المعضلة ولا تحلها فلتبحثوا عن حجة متماسكة .

- نرجع لسؤال "من خلق" أو صنع الكون والتى تعنى وجود عاقل مسئول عن عملية الخلق أو الصنع والتركيب , فلا تعلم لماذا أقحموا العاقل هنا لتجد إستحضار الفعل البشرى الذى صنع إناء الفخار والسيارة والصاروخ ولكن هل كل المشاهد الوجودية الحياتية تعطينا حقيقة أن العاقل هو المُنتج والصانع الوحيد , فمثال البعرة من البعير يعنى أن السَبب والمُسبب غير عاقلان ,والأثر من المسير ليس بالضرورة أن يكون المسير عاقلاً , كذا كل المشاهد الطبيعية كالزلازل والأعاصير والبراكين والأمطار والأمراض ألخ نجد أن مُسببها غير عاقل فهى نتاج فعل مادى غير واعى ولا مُصمم أو مُخطط , بل الطبيعة تقذف أمام أعينا بملايين المشاهد اليومية من بشر وحيوانات جاءوا من حيوان منوى وبويضة غير عاقلان وكأنها تعطينا درساً فى الحياة : هكذا جئتم لتختمه بقولها ألا تعقلون .!
من وجهة نظر منطقية عقلانية نقول أن ليس مصدر كل النيران جاء من عود كبريت , فهناك نيران كثيرة لا تعتمد على اشعال الكبريت ويقصد من هذا المنطق الفلسفى أن ليس بالضرورة كل فعل أو حالة هى نتاج كيان عاقل , فهناك مسببات ولكن ليست بالضرورة أن تكون عاقلة .

- الزعم بأن كل نظام يحتاج في وجوده لمُسبب عقلانى شخصاني لأن بعض النظام قد إحتاج لمثل هذا المُسبب هو زعم فاسد .. لأن معاينة مُسببات الكل هنا ممتنعة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ حتى نعتبرها قاعدة لا لبس فيها , كما لا يجوز تعميم صفات البعض على الكل إلا إذا درست صفات الكل دراسة تجريبية حصرية ينتج عنها ما يفيد بأن لكل أجزاء هذا الكل نفس الصفات , والطبيعة تخبرنا بأن كل نتائجها وأعمالها وصنائعها تتم بواسطة قوى مادية غير واعية ومن هنا نقول أن الانسان يسقط إنسانيته على إلهه .
كما ذكرنا أن كل مشاهد الطبيعة جاءت من حالة مادية غير عاقلة ولكن المدهش أن هذه المسلمة يمنع المؤمنون تطبيقها على الطريقة التى وجد بها الإله الخالق فهو النظام أو الشىء الوحيد الذى لم يخلقه أحد حسبما يصفون الخالق بالأزلي أى لم يكن حادثاً ككل المخلوقات الطبيعية , كما لم يأتِى من العدم دون أن يوضحوا لنا ما معنى اللابداية التى وُجد عليها الخالق، و التى تعنى أيضا أن أفعاله أيضا لا بداية لها، فماذا كان يفعل قبل أن يخلق مخلوقاته إلا إذا كان قد ظل ساكنا لايفعل شيئا ولا تستطيع القول أنه فى حراك وفعل .
بالطبع يمكننا القول ماذا كان قبل هذا الشيء أو ذاك , وهذا الشيء بدوره ما الشيء الذي كان يسبقه من ظواهر الكون وهكذا أما أن نقف عند شيء معين وهو "الخالق" ونقول أنه وحده الذى لم يسبقه شيء , وهو وحده الذى لم يخلقه أحد فهذا ما يجافى العقل , ليكون المعقول أن الوجود كله أزلى وفى حراك دائم لأنه لا يمكن أن يوجد من عدم , وهذا الوجود المادى الطبيعى يتجلى فى أشياء وظواهر متتابعة منذ الأزل فى سلسلة لانهائية فكل هذه الظواهر والأشياء لا تعرف الثبات والسكون وعدم التغير وعدم التحول من شىء إلى آخر .

- من المفاهيم المغلوطة القول بإيجاد شيء من اللاشيء فلا يوجد ما يسمى اللاشيء أى العدم من الأساس , فلا يمكن أن يوجد الموجود من اللاموجود , فلا يوجد ما يسمى اللاموجود الذى هو العدم فهو بلا وجود كما أن وجود الموجود ينفيه , كذا يؤكد العلم على ذلك فالطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم وهذا يعنى يستحيل وجود من العدم فلا يوجد لعدم , ولا يمكن إيجاد المادة من لاشيء طالما أنه لا يمكن وجود اللاشيء , كذا لا فناء للمادة إلى لاشئ , ولتحاول البحث عن مشهد واحد من مليارات المشاهد الحياتية والوجودية جاء فيها الشئ من لاشئ .. العدم كلمة لغوية تعنى إنعدام حالة معينة نسبية فى لحظة نسبية ولا تعنى الإنعدام المطلق .

- إذا حسمنا فكرة إستحالة وجود العدم وبالتالي الخلق منه وإتفقنا عليها فهل يمكن أن تكون فكرة الصانع صحيحة ؟ هل يستطيع الله أن يصنع من مادة موجودة بالفعل لديه , ليكون الرد الطبيعي على تلك الفكرة هو إذا كان لدى الله المادة وإستخدمها لصنع الكون فلابد أنه نفسه جزء من المادة , لأنه لا يمكن لمادته أن تخلق نفسها وكونه جزء من المادة التي يصنع منها يجعله تحت سيطرة تلك المادة ويخضع لقوانينها وبالتالي فهو ليس كامل القدرة ولا يمكن أن يسيطر بشكل مطلق على ما يصنعه, لأن المادة نفسها تخضعه لقوانينها وبالتالي هو يخضع لسيطرتها وهذا يعنى أن الله محدود القدرة وجزء من المادة ولا يمكنه التحكم فيها بشكل مطلق لتنتفى قصة الصناعة أيضا .

- أن يصنع الإله المادة جدلاً فهذا يعنى أنه كيان مادى وهنا لا توجد أى مشكلة , فالوجود المادى تم تسميته بإله ليبقى الفرق بين الإيمان والإلحاد أن المؤمنين يستطيبون الصلاة والركوع للجاذبية مثلا بينما يجد الملحد أن هذا هراء , ولكن المؤمنين يسارعون بالقول ان الله ليس وجود مادى بل وجود لا مادى أنتج مادة وهنا يلزم إثبات نقطتين الأولى : هل يوجد شئ إسمه وجود غير مادى وكيف يعرفونه وماهى ماهيته , والنقطة الثانية : هل الوجود الغير المادى ينتج وجود مادى وكيف يثبتونه .

- يتحايلون على المنطق بالقول ليس معنى أن ما لم ندركه ونكتشفه غير موجود وهذا ذكاء وخبث شديد فهذا الكلام يسرى على الوجود المادى حصراً فلا يوجد شئ غير مادى يعلن عن ماهيته ووجوده حتى يمكن أن نكتشف منه أشياء فى المستقبل , فالوجود اللامادى غير موجود أصلا وإلا فلتعرف ماهيته وكينونته كوجود وبعدها فلنبحث فى إدعاءك عن مشاهد غير مدركة فيه .!

- الأمر المثير للدهشة والتنافض أنهم يثبتون وجود الله بمقارنات مادية, فحينما تطالبهم بإثبات وجود إله غير معاين ,تجدهم يستخدمون أدوات مادية ما يلبث ان يتخلون عنها كتشبيه الإله بحالة الكهرباء ليقولون لك : أنظر الكهرباء موجودة ولكن غير مرئية لنقول يكفى أن تمسك سلك كهرباء لتدرك وجود الكهرباء . نحن لسنا بالسذاجة لنستدل على الأشياء بلمسها بل بأى حاسة اخرى وبتقنية الإستدلال المادى التجريبى .

= الخلاصة .
- هناك خلل منهجى فكرى فى التعامل مع منطق السببية ليتصور البعض أن الأمور لا تكلف شيئا فلنلصق هذا السَبب بذاك المُسبب بينما السببية لا تتحقق إلا من خلال تراكم مشاهدات وخبرات كثيرة بأن هذا السَبب جاء من ذاك المُسبب كمثال البعرة من البعير والأثر من المسير فنحن شاهدنا البعرة تسقط من البعير مراراً وتكراراً لذا عندما نرى بعرة بعد ذلك سنقول أن مُسببها بعير ..فهل رأى أحد إله يخلق حيوات وأكوان حتى يحق له القول أن حياتنا وكوننا من إله ؟!.

- هناك مشكلة فى التعامل مع السببية , فالملحد يُصر على إثبات أن هذا السبب جاء من ذاك المُسبب حصراً , كما يرفض التعسف مع منطق السببية وتوقف السببية عند مُسبب لا يوجد من سببه فطالما إعتمدت السببية كمنطق فلا تتوقف عند حد معين وترميه وراء ظهرك فهذا يُسمى تدليس ومراوغة , ولتثبت أن هذا السبب جاء من ذاك المُسبب حصراً حتى لا يكون كلامك إدعاء وتوهم .

- تكون إجابة المؤمن على سؤالى هل يصح سؤال من خلق الكون ليس بتقديم معطيات وأدلة تثبت أن هذا السبب جاء من ذاك المُسبب إنما الهروب إلى سؤال الجهل الذى أنتج فكرة الإله ليقول هل تعتقد أن الوجود جاء بالصدفة .!

- كلمة الصدفة غير صحيحة فى التعبير عن نشأة الوجود ولكن يمكن تحديد الفارق الفلسفى بين الفكر الإلحادى والفكر الدينى فى الغاية والنظام , فالمؤمن يتصور أن هناك غاية وبالتالى وجود عاقل ورائها , والملحد لا يرى غائية فى الوجود ليكون مسئولية المؤمن إثبات الغاية فى أى تمظهر من تمظهرات الطبيعة بينما الملحد يعلن على الملأ أن أى تمظهر للطبيعة معدوم الغاية , وأن الغاية فكر إنسانى أسقطناه على الاشياء لنجعل لها معنى .

- نشأة الحياة والكون وأصل المادة وكيف تكونت الخلية الحية ألغاز يستمتع المؤمن بكونه جاهل بحقيقتها لينسبها لصانع مجهول وليخلد بعدها لنوم لذيذ , ويستمتع الملحد بغموضها ومحاولة فك لغزها .

- لفهم الوجود فهماً صحيحاً لابد من إدراك أنه لا يوجد فصل بين السبب والنتيجة , فالسبب سيكون نتيجة والنتيجة ستكون سبباً فى جدلية لا تنفصم ولا تنكسر دائرتها .. الأمطار نتيجة للسحب التى ما تلبث أن تتكاثف ثانية مكونة إياها ثانية.

- هناك خلل ناشئ من طريقة تفكيرنا التى لا تسمح لنا بفهم وتحسس اللامتناهي في الأسباب والاشياء , فنعتاد تحديد نقطة نبدأ منها التفكير السببي الذي نعتمده , فمن الصعوبة بمكان البحث عن النقطة اللانهائية فهذا مستحيل فلن توجد تلك النقطة لأنها حينئذ تحددت ولكن لا يعنى أبدا إنتفاء اللامحدود وفقاً للأعداد اللانهائية فى الرياضيات مثلاً , ومن هنا إعتمدنا مرجع الأسباب للإله كحل مشكلة اللامتناهي وهذا من الاسباب المهمة لنشوء فكرة الله والتشبث بها خاصة فى العصر الحديث كمعالجة للامتناهى ولكنها لم تحل المشلكة , فتبقى اللانهائية حقيقة تؤكدها الرياضيات ونبقى نحن كنقطة على خط مسقيم لا متناهى .

- من هنا ترسخ مفهوم خاطئ بالبدايات والنهايات , فالإنسان لا يستطيع تقبل وتخيل الأمور بلا بدايات وأطراف ونهايات وأتصور أن هذا مشكلته الوجودية فهو باحث ومتماهى دوماً فى إيجاد نقطة البداية ونقطة للنهاية ليحيل البدايات والنهايات لفكرة الإله فهو الأول والآخر , الأول الذى بدأ ليحل مشكلة الوجود والآخر الذى يُنهى الحياة وبما يعرف بيوم القيامة , فلا تكون فكرة القيامة أمل فى الحياة من جديد فقط بل بتقديم حل للنهاية بالرغم أن الإنسان تناقض مع ذاته وإرتد للنهايات ثانية بفكرة الخلود . !

- لا يجد المؤمن بفكرة الإله سوى أن يطلب منك إثبات أن الإله غير موجود ليبعد الحرج عنه وهذا يعنى الإفلاس والخواء والترنح , فهو المدعى بينما الملحد لم يدعى شيئاً بل توقف أمام إدعاء المؤمن وسلسلة فرضياته .
إن فكرة تقديم جواب بديل عن الله لن يعفى ويبرر ويمرر وجود الجواب الخطأ , فالخطأ سيظل خطأ سواء فى وجود جواب بديل أم لا .. هم ينهالون بأسئلة عن سببية تكوين الخلية ومظاهر التعقيد فى الطبيعة ليطلبوا منك تقديم تفسير سببى لها بالخطوات الدقيقة التى تمت وكأنهم قدموا لنا هذا النهج عندما كانوا يتحدثون عن الإله الخالق الذى لم يقدموا عنه سوى قول تقريرى من كلمتين فقط هما الله , خالق . لذا فتقديم جواب بديل هو مسئولية البشرية جميعاً لحل لغز الوجود فلن يستفيد منه الفئة التى بحثت لتمنعها عن الفئة الاخرى , فطلب العلم والمعرفة مسئولية البشرية كلها .

- يبنى الدين وجوده على وجود إله , فهل يمكن أن نسلّم بوجود الله هكذا , ثم إن كان إثبات وجود الله ينطلق من وجود الكون , فهل وجود الكون هو حجُة على وجود الله , فهل نحن عندما نتأمل الكون نكتشف وجود لله أم نختلق وجوده , فهل الله موجود لأنه موجود بالفعل أم هو موجود لأن الأمور لا تستقيم معنا بدون إله .
عندما نقول إن وجود الله مُدرك من وجود الموجودات فإننا نقر ضمنياً ‌أن إدراكنا للموجودات يسبق إدراكنا للإله .. نحن ندرك الموجودات المادية مباشرة بالحواس , فالوجود المادي يفرض وجوده بينما الله يُُدرك من وجود الموجودات و لا يُدرك بالحواس فهو ليس ذو وجود مادى كما يزعمون أى أن الإله لا يفرض وجوده وإنما نستنتج وجوده فعندما يفكّر الإنسان كيف وُجد الكون , ينتهي به التفكير إلى الإعتقاد بوجود إله ليريح ذهنه ويعفى إجهاد عقله ويبرر جهله ومن هنا جاء قولنا أن الله فكرة إنسانية تحل إشكاليات ذهنية ونفسية بإختلاق وجوده .

- السببية طريقة عقلية مريحة لوصف الأحداث وإدراكها ولكن ليس معنى ذلك أنها عصية عن تعامل الإنسان وإنطباعاته وخياله الخاص , فالسببية ليست قانون طبيعى لذا نجد تعاطى من الإنسان بدمج أسباب غير طبيعية في سلاسل الأحداث الطبيعية , فعندما يعجز الإنسان عن الوصول لهدفه العقلي و الوصول للأسباب الطبيعية فإنه يخترع أسباباً خيالية لا طبيعية كالإله والجن والعفاريت .
هذا القفز من أسباب طبيعية إلي أسباب ميتافيزيقة دون أن يشعر العقل بأي تناقض بل يتابع التفكير ليخلق سيناريوهات عديدة لحراك هذه الأشياء وكأن تلك القفزة الرهيبة ليست مغالطة عقلية منطقية بكل المقاييس , لذا يجب أن ننتبه ونتأمل عمق الجهل الإنساني ثم نتأمل القدرة الخيالية المتحررة , كذا الغرور النفسي المصحوب بكسل فكرى يهرول نحو إجابات سريعة سهلة لا تشكل عبأ وقلق فكرى , فمن هذا الكوكتيل يندفع الشخص العادي للإيمان بالآلهة ليخلق فى ذاته مخلوقات الجهل المرتفعة إلي منزلة الكائنات الخارقة للطبيعة .

- ليست المشكلة فى إستنتاج وجود إله فحسب بل المشكلة الأكبر عملية خلط الأوراق , فعندما ينتهي التفكير بالإنسان إلى الإعتقاد بوجود إله ينسحب الإنسان ويربط بين الله والكون ربطاً واقعياً وهذا هو الخطأ الفادح , فهو قد تناسى أنه الوسيط الفكري الرابط بين الله والكون ومُبدع الفكرة والعلاقة لذا فهذا الربط ليس واقعيا ولا تشهد به حواسنا وإنما هو ربط ظنى إستنتاجى متوهم في الذّهن فحسب مع إنعدام وجود حجة أو دليل على وجوده الفعلى , لذا على المؤمن أن يعترف أنه ليس لنا سبيل لمعرفة هل خلقنا نحن الله أم إكتشفنا وجوده لأن وجوده يظل ينحدر من تأملنا في الكون بزاوية رؤية خاصة يعتريها الجهل والهرولة , لذا فمن الدقة القول أن وجود الله لا يُستنتج من وجود الموجودات وإنما من وعينا بوجود الموجودات وزاوية رؤيتنا , لذا لو إعتنى المؤمن بهذه الفكرة بما تستحقه لقفز قفزة نوعية في وعيه .

- فى الغالب لا يكون المؤمن بوجود إله ذو فكر تأملى بل فى حالة ثقافة بغبغائية ولكن هناك من يتأمل ليحول علاقته التأملية بالكون كمستوى نظري إلى علاقة إيجاد فى المستوى الواقعي فيمر ببساطة من متأمل للكون إلى مُوجِد للإله وجوداً فعلياً رغم أنّه لم يشاهد الله ولم يفعل غير التأمل .. إن المؤمن من حيث لا يشعر يحول زاوية رؤيته للواقع إلى حالة تغيير في الواقع فعلاً وكأن الكون كان بدون إله قبل التأمل وأصبح له إله بعد التأمل ولكن حقيقة الحال أن هناك تغير في النظرة لا في الكون , فالكون لا يطلق تأملات , لذا يصل المؤمن لحالة القول بأن الله موجود بدلاً من القول أعتقد أن الله موجود وهناك فرقا كبيرا بينهما.
خلاصة القول إن الإنسان بمجرد أن يشرع في التفكير في وجود الله حتى ينفيه لأن منهجية البحث تقتضي أن يوضع الإنسان في الصدارة فهو المتأمل والحكم وبذلك يكتسب مشروعية نظرية أي يقف موقف المشرع أو النافي لوجود الله , ففكرة الإله قضية فكرية بحتة وليست وجودية .

- يبقى فى النهاية سؤال من خلق الكون فهل هناك منطقية فى طرح هذا السؤال أم هو تصدير لإجابة مغلوطة مطلوبة لا يوجد أى شئ يثبتها بل هى زعم وظن ومخيلة تفتقد لأى عقل ومنطق .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " - أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسألك : كيف ترى الله – قضايا فلسفية 2
- زهايمر أم مواقف سياسية-تناقضات فى الكتابات المقدسة-جزء14
- سؤال : لماذا تعيش الحياة, وما معناها وما جدواها
- مفاهيم مغلوطة عن الحياة والإنسان والوجود
- موائمات و تدخلات وإقتراحات وما يطلبه الجمهور
- تأملات مسلم معاصر فى تاريخية النص-جزء ثان
- تأملات مسلم معاصر-إن الله يسارع فى هواك
- خمسة وخمسون حجة تُفند وجود إله
- فى ماهية الوجود-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان
- شيزوفرانيا-تناقضات فى الكتابات المقدسة–جزء13
- عاوز أعرف – مشاغبات فى التراث 8
- إستنساخ التهافت-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- الماركسية السلفية وعلاء الصفار
- إستنساخ آلهة البدواة-الأديان بشرية الفكر والهوى والتوحش
- فضائح وشجون ومخاطر على سواحل أوربا
- منطق شديد التهافت ولكن إحترس فهو مقدس
- إنهم ينفقون على الجن بسخاء-لماذا نحن متخلفون
- منطق الله الغريب - مشاغبات فى التراث 7
- أبشركم بإله ودين جديد .
- كيف تؤلف لك دين جديد -جزء ثانى


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - هل يصح سؤال من خلق الكون-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم