أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم الحيدري - -الربيع العربي- ودولة المواطنة؟!















المزيد.....

-الربيع العربي- ودولة المواطنة؟!


ابراهيم الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 4982 - 2015 / 11 / 11 - 20:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تجتاز المجتمعات العربية اليوم مرحلة عسيرة من تطورها، فبعد الاطاحة بعدد من رؤوس الانظمة العربية الدكتاتورية لم يحقق" الربيع العربي" المنشود ما وعد به. فبدلا من نشر وترسيخ مبدأ المواطنة والديمقراطية والدولة المدنية الحديثة، اخذت الولاءات للعصبيات الأثنية والقبلية والطائفية بالصعود على حساب الانتماء والولاء الدولة وروح المواطنة، حيث تحول الأنتماء والولاء الى العصبيات الضيقة والهويات الفرعية بديلاً من الولاء والانتماء الى الوطن، وبذلك يتراجع مفهوم المواطنة، في وصفه أهم منجزات عصر التنوير والحداثة وأحد الاعمدة المركزية للديموقراطية، لمصلحة الكيانات والهويات الفرعية، مما يجعل قضية المواطنة احدى أهم القضايا الرئيسة في اعادة انتاج الدولة الديمقراطية الحديثة.

مفهوم المواطنة
المواطنة مفهوم ذو دلالات انسانية واخلاقية وسياسية مستمد من كلمة وطن بكل ما تحمله الكلمة من معاني الارتباط بالأرض والدولة والمشاركة في السلطة. وبهذا المعنى تعني المواطنة منظومة من القيم ومشاعر الولاء والانتماء التي تكرس معنى المساواة بين المواطنين وتحترم التعددية والتنوع وتلغي الفوارق الاثنية والدينية والطبقية والجنسية بين البشر. وبهذا فالمواطنة ليست شعارا محليا أو داخليا أو خاصا بمجتمع ما، وانما هي إطار فلسفي عام وشامل لكل الامم والشعوب، ولا يرتبط بالمعنى القانوني للجنسية فحسب، وانما يتجاوزه الى معنى أوسع واشمل هو الولاء الأقوى والانتماء الاشمل الى الارض-الوطن. وبهذا يكون الوطن الضمير الجمعي لأي مجتمع وحضارة والذي يخلق قانون المواطنة الرشيدة ويحرص على حماية المواطن وصيانة حقوقه وكذلك حماية الملكية العامة، لأن الوطن ملك جميع المواطنين.

وبالرغم من ان المفهوم في شكله الكلاسيكي يعود الى العصور القديمة، وخاصة الى المجتمع اليوناني، إلا أنه تطور خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، خصوصاً في المجتمعات الغربية وارتبط بحاجة المجتمع والدولة ومؤسساتها الى تحديد الحقوق والواجبات. كما شهد تطورا في معانيه ودلالاته واستخداماته الفلسفية والسياسية.

اشتقت كلمة المواطنةcitizenship من كلمة مدينةcity كما ارتبطت بدولة-المدينة polis، وتعني حقوقيا المشاركة في شؤون المدينة. فاليونانيون الآثينيون استخدموا كلمة
مواطن لوصف الرجل الحر المتميز عن سائر سكان المدينة-الدولة من عبيد وتجار وحرفيين وغرباء. في هذا السياق كتب ارسطو «ان المواطن الجيد يجب ان يعرف، وان تكون لديه القدرة ليِحكُم ويُحكم، وهذا هو صلب فضيلة المواطن». أما في روما فقد حدد شيشرون صفات المواطن الصالح بقوله: «ان المواطن الجدير والشجاع الحقيقي والذي يستحق ان يتولى مقاليد الحكم يهب نفسه للخدمة العامة حيث لا يبتغي أي ثراء او سلطة لنفسه، والذي يعتني بالمجتمع بكامله فلا يتجاهل أي جزء منه. والذي يفضل ان يفارق الحياة على ان يعمل أي شيء مناقض للفضائل».

المواطنة والديمقراطية
تطور مفهوم المواطنة في العصر الحديث الى عنصر رئيسي في النظام السياسي مع تطور الأفكار الاجتماعية والفلسفية في العصر الحديث في المجتمعات الغربية، بحيث يمكن القول ان مفهوم المواطنة هو الإبن الشرعي لفكر عصر الانوار وللثقافة السياسية التي تولدت عنه في تلك المرحلة الغنية من تاريخ الصراعات السياسية والايديولوجية والاقتصادية وتطور الفكر الاجتماعي.
ومنذ القرن الثامن عشر وحتى اليوم استمر الفكر السياسي بالتطور بعد صراعات اجتماعية وسياسية مريرة وارتبط ارتباطا وثيقا بشعار الديموقراطية وثقافتها ونظامها السياسي منذ الثورة الاميركية في سبعينات القرن الثامن عشر، مرورا بمبادئ الثورة الفرنسية عام 1789 حتى وصل الى اعلان حقوق الانسان، حيث يتساوى الناس في الحقوق، وتستند السلطة الى قرار الشعب، ويصبح القانون اساسا للإرادة العامة وما يرافقها من اعلان حرية الرأي واحترام الرأي والرأي الاخر باعتبارها في مقدمة حقوق الانسان.
ان عصر التنوير وما انتجه من فكر فلسفي واجتماعي وسياسي شكل اللبنة الاساسية لتطوير مفاهيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان وجسد في الاخير روح المواطنة في المجتمع والدولة والسلطة. وبدون أدنى شك، فان فلسفة الانوار، التي دعت الى مبادئ الحرية والعقلانية والتقدم الاجتماعي، كانت قد ولدت فكرا سياسيا ارتبط بمفهوم استقلاليته الفرد وتحرره من كل وساطة وشكل البنية الاساسية لإنتاج مفهوم المواطنة الرشيدة وثقافة الحرية والديمقراطية.

ويرتبط مفهوم الوطنية مع مفهوم القومية ويتداخل معه من جوانب عديدة، وفي ذات الوقت يختلف معه. فمفهوم الوطنية هو اوسع واشمل من مفهوم القومية وقد تتعايش عدة قوميات في وطن واحد. ومفهوم القومية جاء من مفهوم القوم الذي يقوم على رابطة الدم والقربى والولاء لها اساسا، أما مفهوم الوطن فجاء من الارض، ومنه جاء مفهوم المواطنة المشروطة بالولاء والانتماء للوطن وامتلاك مشاعر الحب والاخلاص له والفخر به وامكانية التضحية من أجله. والانتماء والولاء للوطن هو ولاء وانتماء للأرض أكثر من أي ولاءات وانتماءات أخرى كالولاء للقوم والقبيلة والطائفة وغيرها.

الأمة والدولة

اشتقت كلمة المواطنة في اللغة العربية من كلمة وطن، وهو المنزل الذي يقيم فيه الفرد، وهو موطن الانسان ومحل اقامته. وَوطن المكان اقام فيه واتخذه موطنا له. والمواطن هو من استوطن الارض واتخذها وطنا له.
ولم تكن القبائل العربية المترحلة قبل الاسلام تعرف مفهوم الوطن والمواطنة وانما عرفت شيئا معنويا آخرا هو مفهوم "الديرة" أو "الحمى"، وذلك لان نمط الانتاج الرعوي الذي ساد الصحراء يجبر القبائل على التنقل من مكان الى آخر وراء العشب والمطر. ولذلك أصبح مفهوم الوطن-الحمى متحركا وليس ثابتا ينتقل مع القبيلة في ترحالها وبقي رمزا ميتافيزيقيا يشير الى القبيلة وليس الى الارض-الوطن.
وعندما جاء الاسلام وجد ان العصبية القبلية هي محور القبيلة والقانون الاساس الذي يحميها ويدافع عنها فحاول تجاوزها. وعندما هاجر المسلمون من مكة الى المدينة وضع الرسول الكريم مفهوم "الأمة الإسلامية" بدل العصبية القبلية. وبذلك أصبح الاسلام هو الوطن وهو ارفع المعاني التي تتعلق بالأرض-الوطن، واصبحت التضحية من أجل الأمة بدل الوطن. وعلى طول التاريخ فان الأمة الاسلامية اصبحت مركز الثقل في تشكيل الوعي الجمعي عند المسلم وليس الدولة. وما يوضح ذلك هو ان الدولة في المجتمع العربي والاسلامي لم تكن محور العلاقات الاجتماعية، وانما هي مجرد وسيط خارجي لتحقيق المصالح. وفي حالة تحطيم هذا الوسيط تفقد الجماعة واسطة عقدها ومركز توازنها كجماعة سياسية. ولهذا بقي مفهوم الدولة بمعناه الحديث من أكثر المفاهيم غموضا والتباسا في الوعي الجمعي العربي ويعود ذلك الى عوامل سوسيو-ثقافية ترتبط تاريخيا بالتكوينات الاجتماعية-السياسية وبخاصة مؤسسة القبيلة والنظام الابوي -البطريركي، حيث ان التاريخ العربي-الاسلامي هو تاريخ صراع مستمر بين الدولة المركزية من جهة، والقبيلة والطائفة والجماعات المحلية وعصبياتها من جهة اخرى.

دولة المواطنة

في العصر الحديث اصبحت المواطنة صفة المواطن، الذي له حقوق وعليه واجبات باعتباره ينتمي الى وطن، فهي تحدد اذن علاقة الفرد بالدولة، وهي علاقة يحددها الدستور والقوانين. وتشترط اولا وجود دولة تقوم على اختيار ارادة العيش المشترك بين المواطنين. وثانيا نظاما ديمقراطيا يوازن بين الحقوق والواجبات دون أدني تمييز بين المواطنين. وفي جميع الاحوال هناك عناصر ومقومات مشتركة لمفهوم المواطنة تعبر عن قناعات فكرية تقوم على عقد اجتماعي يعتبر المواطن هو مصدر الحقوق بدون تمييز وان جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات امام القانون. كما ان الوعي بالمواطنة يعني الوعي بالحقوق والواجبات والالتزام الخلقي بتطبيقها وفق القانون. وهذ ما يعطي للمواطنة معنى مقدسا في ضمائر المواطنين يرسخ شعورهم بالولاء الى الوطن الذي ينتمون اليه، وبالمقابل فعلى الوطن ان يوزع الحقوق والواجبات بين جميع افراد المجتمع بدون تمييز، وفي مقدمتها حق المواطنة، أي حق الانسان بحياة حرة آمنة وكريمة، لأن جوهر المواطنة هو الحرية التي يتمتع بها كل فرد من افراد المجتمع وكذلك المساواة امام القانون في الحقوق والواجبات والعدالة في توزيع الثروة بين المواطنين.
وإذا كانت الحرية والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات جوهر المواطنة، فان مشاركة المواطن في جميع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومساهمته في صنع القرار والمراجعة والمراقبة والمحاسبة عن طريق مؤسسات الدولة والمجتمع المدني هي جوهر المواطن الصالح وما يقدمه لوطنه من خدمات وما يؤديه من واجبات اتجاه ما يحصل عليه من حقوق المواطنة. وكلما استطاعت دولة المواطنة توفير الفرص والامكانات للعمل والانتاج ووزعت الحقوق والواجبات بعدالة ومساواة وبدون تمييز بين المواطنين، كلما وفرت للمواطن الأمن والاستقرار للقيام بما عليه من واجبات بحرص وكفاءة وروح وطنية نزيهة.

فالمواطنة تعني اذن: ان أعلن ولائي وانتمائي لوطني أولا، وان اشارك المواطنين الاخرين في الحقوق والواجبات ثانيا، وان اكون مسؤولا امامه فيما اقوم به ثالثا.

ان تحقق دولة القانون والمواطنة الصالحة لا يمكن ان تتحقق إلا بقيام نظام ديمقراطي تعددي يحترم حقوق الانسان. فهل توفر "الدول التي تمخضت عن سيرورات" الربيع العربي الدامي" المجال والامكانيات لتحقيق دولة القانون والمجتمع المدني والمواطنة الرشيدة، خاصة وان العقلية التي تقود هذه الدول مازالت نتاج سلطات استبدادية، ماضوية وأبوية-بطريركية.



#ابراهيم_الحيدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات جمال الغيطاني تراجيديا كربلاء
- الدولة المدنية والدولة الدينية
- علي الوردي وتحدي الحداثة
- إشكالية الركود الاجتماعي والاستبداد عند عبد الرحمن الكواكبي
- مجلس الاعمار ودوره الريادي في عملية التنمية في العراق
- هل هي دولة عشائر أم دولة مؤسسات ؟!
- الأزمة الاقتصادية العالمية من وجهة نظر مدرسة فرانكفورت
- مدرسة فرانكفورت ونظريتها النقدية
- «الطبل الصفيح» لغونتر غراس ...والاعتراف بالخطايا والذنوب
- حملات التحريض الديني والانخراط في الحركات الجهادية المتطرفة
- سوسيولوجيا العنف والإرهاب
- الحداثة دخلت من أبوابنا الخلفية
- سيكولوجية الإرهاب: التكفير بدل التفكير
- الحداثة والبنى التقليدية في المجتمع العربي
- سوسيولوجيا الإرهاب: هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابياً؟!
- تراجيديا كربلاء-سوسيولوجيا الخطاب الشيعي
- عصر التنوير والحداثة
- الفساد آفة تنخر جسد الدولة والمجتمع
- التسامح فضيلة أخلاقية يجب رعايتها
- النظام الأبوي الذكوري وهيمنته على المجتمع والسلطة


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم الحيدري - -الربيع العربي- ودولة المواطنة؟!