أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بشارة - وقفة مع شاعر السينما الراحل كريستوف كيسلوفسكي:















المزيد.....

وقفة مع شاعر السينما الراحل كريستوف كيسلوفسكي:


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 4982 - 2015 / 11 / 11 - 00:20
المحور: الادب والفن
    


وقفة مع شاعر السينما الراحل كريستوف كيسلوفسكي:
عند وصولي إلى باريس في بداية سبعينات القرن الماضي لم أكن أعرف الكثير عن السينما البولونية وكان الإسم الأكثر شهرة فيها هو رومان بولانسكي الذي استقر أولا في أمريكا بعد خروجه من بولونيا ومن ثم غادرها إثر قضية أخلاقية حيث اتهم باغتصاب فتاة قاصر واستقر في باريس. وكان أن شاهدت مجموعة لأفلام مخرج بولوني آخر هو كريستوف كيسلوفسكي في السينماتيك الفرنسية الذي أذهلني في موهبته السينمائية وعالمه الفيلمي الشديد الخصوصية وكان ذلك تحديداً في عام 1979 بعد أن حاز فيلمه الطويل " الهاوي" على جائزة كبرى في مهرجان موسكو في ذلك العام. ومن ثم تابعت بشغف كل ما يقدمه هذا المبدع السينمائي من إبداعات فيلمية متخمة بالدلالات والاختيارات والإشارات الفلسفية والوجودية. وكان كيسلوفسكي قد درس السينما في مدرسة لودز للسينما البولونية الشهيرة وهي نفس المدرسة التي تخرج منها قبله بعشر سنوات رومان بولانسكي، وتخرج منها سنة 1969. ومن ثم انهمك في عمل بضعة أفلام تسجيلية ووثائقية وروائية قصيرة حققها تحت الطلب وكانت تتميز بروعتها واتقانها وغرابة أسلوبها التقني والشكلي إلى جانب جرأة المضامين ومقاربات الطرح والمعالجة. وكان مصدر إلهامه ومنبع اختياراته الجمالية هو الواقع السياسي والبيئة الاجتماعية والفلسفة التي شكلت ملامح رؤيته الفنية والجمالية.
كان من الملفت للانتباه حصول فيلمه الهاوي على جائزة في حقبة الجمود البريجينيفي في موسكو آنذاك أي سنة 1979. وكان فيلما سياسياً غاضباً ومندداً ولكن بطريقة فنية مدهشة وبمواربة ذكية للغاية ولم يكن فيلماً فلسفياً ووجودياً وهو الطابع الذي ميز أفلام هذا المخرج اللاحقة. ويتحدث الفيلم عن عامل مصنع يتلقى هدية عبارة عن كاميرا للهواة سوف تهيمن على حياته وعالمه خاصة عندما يبدأ تصوير حياة الناس اليومية لتمجيد الحياة في بلد اشتراكي، لكن الكاميرا التي بيده يبدو أنها تمتلك وعياً سياسياً متقدماً فراحت تصور ما تريده بدون إرادة منه ولا من اختياره المتعمد فصارت تلتقط حقيقة الواقع الذي خرج مغايراً لما تقوله السلطة ومناقضاً للخطاب الرسمي فراحت ترصد الفساد والجمود والعقم والرهبة والخوف وفضحت حقيقة الأمور وبأنها ليست على مايرام كما تدعي الفئة الحاكمة. لم يكن " الهاوي هو أول أفلامه الروائية بل رابعها فلقد بدأ عالمه الروائي سنة 1975 مع فيلم " الموظف" وبطله شاب يعمل في ورشة للأزياء لم يتعد السابعة عشر من عمره حيث يصطدم بحقيقة الواقع المبتذل المليء بالدسائس والخصومات والمناورات الدنيئة والوشايات بين كبار النجوم وشخصيات المجتمع المعروفة التي تصمم لها ملابسها في هذا المشغل والتي هي أوياء للعروض الأوبرالية. وتأتي الذروة عندما يأتيه أمر بوشاية أحد زملائه وكتابة تقرير عنه حيث ينتهي الفيلم والشاب جالس أمام كومة أوراق بيضاء مطلوب منه أن يملأها بتقريره عن زميله وهو حائر في اختياره لا يدري ماذا يجب أن يفعل.
أما فيلمه الثاني فلقد حمل عنوان " الجرح" والذي أخرجه عام 1976، حيث يواجه البطل معضلة الاختيار الصعب وهو مهندس مكلف بالإشراف على عمليات بناء مصنع كبير للبتروكيمياويات لكنه يواجه رفض السكان المحليين ومقاومتهم لهذا المشروع الذي يشكل خطراً بيئياً وجمالياً عليهم في حين تضغط عليه السلطات الرسمية لأنجاز المشروع بأي ثمن حتى لو تطلب الأمر اللجوء إلى القوة. الملف أن المخرج لم يتناول هذه التيمة بطريقة الواقعية الاشتراكية المتبعة آنذاك بل اتسم إخراجه بالغرابة الشكلية التي حطمت الصيغة الأرسطية للعمل الدرامي " أي البداية والوسط والنهاية" التي تعرض في سياقها الحبكة، وذلك دون التضحية بالمعنى والهدف المنشود.
ثم أخرج فيلمه الثالث وهو " الهدوء" وكان إسماً على مسمى ولو إنه هدوء يسبق العاصفة. ويتحدث عن إنسان محطم يخرج من السجن تحوطه العزلة والخوف من الخارج ليس لديه سوى طموح واحد هو أن يعيش بسلام ومصالحة مع ذاته بعيداً عن عدوانية المجتمع المحيط به فهو لايرغب في الاختلاط ولا العمل ولا التعاطي مع الآخرين ولا يبحث عن حب ومغامرات وصداقات وعلاقات بل كل ما ينشده أن يعثر على مكان قصي لكي يعيش في هدوء وسلام ودعة ليس فيه أثاث سوى سرير وجهاز تلفزيون ومبلغ قليل من المال كأن يكون تقاعداً يوفر له ما يحتاجه من طعام لكي يبقى على قيد الحياة لكنه يعجز عن تحقيق هذا الاختيار، ومرة ثالثة نجد أنفسنا أمام ثيمة الاختيار المستحيل، حيث يستحيل على المرء أن يعيش حياته كما يريد ويتمنى والهروب من مجابهة العالم وتحمل قسوة المجتمع وعدوانية الآخر، على نحو مرهق وعنيف. وبهذا الفيلم ينتهي المخرج من مرحلة التشخيص والاحتجاج والإدانة للواقع السياسي والاجتماعي الذي تم على نحو رمزي من خلال ميتافيزيقية الصورة واستقلاليتها عن الحدث المروي لتحقق كينونتها الذاتية ووجودها الخاص عبر المعالجة الأسلوبية المتميزة للحكاية المروية، ففي اللقطة الأخيرة لفيلم الهاوي يصور المخرج زوجة البطل التي تهجره مع طفلهما مغتاظة من انغماره بالتصوير بكاميرته التي باتت هي كل حياته فإذا به يستدير لهما بعفوية وبصورة لا إرادية ولكن عبر كاميرته ليصور مغادرتهما البيت كما لو كان عاجزا عن التعاطي مع الواقع إلا عبر كاميرته لأنه التعبير عن الأحاسيس لا يتم إلا عبر تصويرها من خلال عدسة الكاميرا وخلق مسافة غير مرئية وغير محسوسة بين الذات والآخر سواء أكان فرد أو مجموع أو مجتمع.
المخرج الفيلسوف والشاعر:
بلور كيسلوفسكي عالمه الفني الجديد عبر طرحه لجملة من الأسئلة الجوهرية الوجودية والفلسفية العميقة على ذاته أولاً وعلى المتلقي ثانياً. بعد أن قرر الابتعاد عن طرح قضايا المجتمع على نحو تدريجي. وبدأ بفيلم ذو طابع تجريدي ميتافيزيقي وفلسفي حمل عنوان " الصدفة" والذي أخرجه عام 1981.
حدثت نقلة نوعية في عالم المخرج عند تحوله من السينما السياسية والاجتماعية إلى السينما الذاتية والفلسفية الشاعرية بعد عن يئس من إمكانية التغيير والتأثير في المجتمع الذي يعيش فيه وتغيير مصيره وكان جامداً ومترهلاً متخماً بالفساد ، أي بعد أن فقد الوهم بالإصلاح وإيجاد الحلول للمعضلات الاجتماعية، على حد تعبيره في لقاء له مع إحدى الصحف البولندية.
وكان فيلم الصدفة هو المدخل لعالم كيسلوفسكي الذاتي شكلا ومضموناً والذي سيتبلور ويتجذر في آثاره الفيليمية اللاحقة. ويحدثنا الفيلم عن شاب مراهق فقد أهله ووجد نفسه بدون سند أو مرجع بالغ يرجع إليه في شؤون حياته إلا أن الشاب كان ذو عزيمة ولم يفقد الأمل للبحث عن مخرج لحياته الخاصة ويجد طريقه بنفسه بيد أن المخرج يضعه أمام ثلاث اختيارات وإمكانيات تتوالى تباعاً بدون أن نعرف مالذي دفع الشاب لاتباع هذه الخيارات الثلاث التي تحدث له كلها. فخياره الأول هو أن يغادر مدينته ويلتزم بموقف سياسي محدد وواضح لكنه يخسر حياته العائلية مرة أخرى بعد أن خسر عائلته الأولى أمه وابيه فتهجره زوجته وبذلك يفقد كل آماله وأوهامه. بينما في اختياره الثاني لم يفلح باللحاق بالقطار الذي كان يجب أن يقله بعيداً عن مدينته وببقائه يقرر أن ينتمي لفئة سياسية معارضة مغلفة بالاعتقاد الديني الذي يدعي تقديم العون والمساعدة له لكنه لم يجد خلاصه ويبقى وحيداً حتى بدون موقف مبدئي يساعده في رؤيته للحياة . في الاختيار الثالث يبقى الشاب بدون انتماء سياسي واضح بالرغم من أنه يتزوج ويكون عائلة وينجح في حياته العملية والمهنية غير أنه يموت في حادث طائرة تضع نهاية لطموحاته ولكل ما بناه. السياسة والالتزام السياسي هنا شكلي مجرد عنصر يتحكم بمصير الشخصية وهو عنصر يفتقر للمضمون ، اختار المخرج أن يقدم الحكاية نفسها بإمكانات متعددة وبمصير مختلف وكان الرائد في هذا الأسلوب التعبيري سينمائياً وقلده كثيرون فيما بعد.
فيلمه الثاني في مساره الجمالي الجديد هو " بدون نهاية" الذي أخرجه سنة 1984 ونسمع قصته على لسان رجل ميت يقص علينا ما حدث له في سنواته الأخيرة وهو يوجه مرض ويأس ومعاناة وألم زوجته ووحدتها وذكرياتها ومحاكمته سياسياً كمنشق حيث يتكالب عليه محاموه قبل القضاة حيث فقد الجميع المثل العليا وخضعوا لإملاءات السلطة ويطالب محاميه بإنزال أقصى العقوبات بموكله فالسياسة هنا ليست سوى فعل قهر وسيطرة وإفساد وخرق للمبادئ السامية.
أما قمة إبداعه في منحاه الجمالي الذاتي، الشاعري والفلسفي، فهو فيلم الوصايا العشرة، وهو عشرة أفلام في فيلم واحد لأنه مكون من عشرة أجزاء كل واحد منها فيلم قائم بذاته. فالجزءان الخامس والسادس عرضا بالفعل كفيلمين مستقلين في دور السينما. يقدم المخرج رؤية شخصية أو بالأحرى قراءة معاصرة للوصايا العشرة المذكورة في التوراة. ويواصل هذا القراءة الشخصية المعاصرة في فيلمه " ثلاثة ألوان" المستمد من شعار الثورة الفرنسية وألوان العلم الفرنسي، وهو كذلك ثلاثة أفلام في فيلم واحد " الأزرق والأبيض والأحمر، وبين هذين العملين الملحميين يأتي فيلمه الشاعري المتميز " حياة فيرونك المزدوجة الذي أخرجه سنة 1991.
استغرق إخراج فيلم الوصايا العشرة عامين 1988 و 1989 ليقول لنا مخرجه ماذا بقي من كل الأجزاء العشرة هذه الوصايا الإلهية التي أنزلت على موسى في عالمنا المعاصر؟ يربط بين أجزاء الفيلم العشرة شخصية غريبة الأطوار نراها في مشاهد مختلفة وفي أماكن مختلفة يؤديها نفس الممثل دون أن يكون لها دور واضح في مسار الحكايات والمضامين ونشعر أنها لاتفيد شيئاً وتعود في كل فيلم أو جزء من الفيلم دون ترتبط بأية شخصية من شخصيات الأفلام أو الأجزاء العشرة ولاتنطق بكلمة واحدة ، إنها شخصية تنظر وتراقب ما يحدث فقط كأنها موجودة وفي نفس الوقت خارج الزمان والمكان إنها تعبير عن نظرة المخرج كيسلوفسكي نفسه من خارج الأحداث والحبكات الدرامية التي تدور أمامه كأنها مستقلة عنه. ولقد عبر المخرج عن فيلمه هذا بجملة بليغة حين قال " إن فيلمي يعبر عن الصراع بين فهم العالم واستحالة هذا الفهم" .
لا مجال هنا للغوص والتعمق في سرد مضامين الأجزاء العشرة والتعليق على أسلوب عرضها ومعالجتها سينمائيا فهذا يحتاج لكتاب كامل. فكل حكاية تمتليء بالتناقضات والمفارقات والنهايات المغلقة والمفتوحة تتقاطع وترتبط وتفترق مع باقي الشخصيات في كافة الأجزاء العشرة على نحو لاعقلاني أو سوريالي لكننا نلاحظ أن الجزء السادس أكثر استقلالاً ويتمتع بخصوصية تامة ويحمل عنوان حكاية حب قصيرة وعرض وحده كفيلم مستقل وليس كجزء من فيلم مسلسل. فالوصايا العشرة عمل سينمائي متكامل ومتصل رغم مظهره غير المتواصل بعضه ببعض ويعبر عن حالة القلق الداخلي التي تعتري الإنسان في سعيه للخلاص والعيش بهارمونية حتى لو عجز العقل الإنساني عن إدراك وتفسير الظواهر التي يتعذر فهمها حيث يمكن للشر أن ينبثق من صلب الخير وبالعكس . اما اللغة السينمائية التي تعالج هذه الحالة فهي غرائبية مليئة بالعدسات والمرشحات والمرايا والخدع البصرية وزجاج ونوافذ ومناظير ونظارات وشاشات تلفزيون وفيديو وغير ذلك من العناصر البصرية. الرؤية هي النسيج المشترك الذي يربط بين أبطال هذا الفيلم الملحمي سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة، واقعية أو تعبيرية أو رمزية أو تجريدية.
أراد كريستوف كيسلوفسكي في فيلمه الذي حمل عنوان حياة فيرونيك المزدوجة التعبير عن الرابط الخفي بين ماهو غامض وما هو قابل لأن يفهم على نحو عقلاني إلا أن النتيجة جاءت معالجة سينمائية تجريدية أقرب للشاعرية الرمزية ولأكثر التصاقاً بجوهر الفن السينمائي الخالص عبر مونتاج متوازي غاية في الدقة رغم بساطة موضوعه. فهناك فيرونيك بولونية تعيش مع والدها ولديها صديق تحبه وتهوي الغناء وتموت أثناء حفل غنائي ، وهناك فيرونيك فرنسية سبق لها أن زارت بولونيا والتقت على نحو غير مباشر وبدون أن تدري بفيرونيك البولونية وهي مدرسة موسيقى تلتقي بشخص صار يراسلها ويعرض عليها أن تكون بطلة روايته التي لم يكتبها بعد وبطلة استعراض غنائي يحضر له وتشعر فيرونيك الفرنسية بحضور غامض هو أقرب للطيف في حياتها وهو فيرونيك البولونية بعد وفاتها وكأنها قرينتها حيث تتقمص شخصيتها وتتماها بها. الفيلم عبارة عن حكايتين تتشابهان وتتقاطعان واحدة هنا والأخرى هناك. فهناك ازدواج وتبادل في النظرة والأدوار وتداخل في مصائر الفتاتين. لا يمكن تلخيص الفيلم من مضمونه فقط فهناك وحدة متلازمة بين الشكل والمضمون بين الحدث ولغة الإخراج المذهلة فكل شيء محسوب وباتقان وأناقة غاية في الجمال والدقة عبر عملية التماهي غير الواعي لا سيما في مشهد بكاء فيرونيك الفرنسية على قرينتها البولونية دون أن تعرف على وجه الدقة أنها موجودة حقاً.
وأخيرا يأتي فيلمه الملحمي الأخير الذي أنهى عالمه وحياته معاً حيث توفي بعد أنجازه وهو فيلم " ثلاثة الوان" وكان المخرج أعلن عن اعتزاله وتوقفه عن الإخراج بعد انتهائه من فيلم " أحمر" وهو الأخير في ثلاثيته الرائعة. لقد أخذ كيسلوفسكي جوهر شعار الثورة الفرنسية حرية أخاء مساواة، وألوان العلم الفرنسية أزرق أبيض أحمر ، ليبني عليها موضوع فيلمه الذي تتخمه مفردات التلصص، النظرة أو الرؤية ، الازدواجية، التبادل، بعيدا عن شفافية الواقع، الذي يخترق سطحه ويغوص في أعماقه غير المرئية . كما في لقطة تظهر عين البطلة ينعكس منها صورة محدثها، حيث استطاع أن يوصل جوهر فنه في آخر لقطة من فيلمه الأخير المذهل " أحمر" حيث لايمكن له أن يقدمه ما هو أفضل منه فقد جاء خاتمة لخياله وابداعه وكان قد مات بالفعل بعد أن انتهى منه. فالجزء الأول من الفبلم عنوانه أزرق وهو لون الحرية أو ركائز شعار الثورة الفرنسية. بيد أنها حرية قاسية ومرعبة من خلال تساؤلات إمرأة الجوهرية التي تطرحها على نفسها بعد أن باغتها الموت منذ البداية حيث وقفت وحيدة وسط أحزانها ووحدتها بعد موت زوجها الملحن الشهير وابنهما في حادث، وشعرت وكأنها تتحمل هي المسؤولية عن موتهما ، لكنها تقنع نفسها أن الحادثة صدفة وعليها أن تفتح طريقاً للحرية ، أي انطلاقة جديدة نحو الحياة تمحي عنها كل الذكريات وآثار الماضي مثلما تعمل الثورة ، حيث تلعب الموسيقى دوراً جوهريا معبراً وأساسياً كعنصر تعبيري سمعي يلازمه العنصر البصري المتجسد في النظرة والعين، حيث آخر ملاذ لهذه المرأة للخروج من زنزانتها المعنوية التي وضعت نفسها فيها. ولد نفذ الفيلم في فرنسا مع ممثلين فرنسيين. الجزء الثاني" الذي حمل عنوان " ابيض" نفذ غي بولونيا مع ممثلين بولونيين إلا أن أحداثه تدور في فرنسا فالبطل بولوني متزوج من فرنسية يتبعها إلى باريس دون أن يعرف كلمة واحدة من اللغة الفرنسية، لكنه في يوم الزواج يصاب بعجز جنسي فتغضب زوجته وتطلب الطلاق فيجد الرجل نفسه وحيداً في باريس القاسية بلا سقف يأويه ، فيدعي الموت ويدفن بحضور الزوجة وتقبض عليها السلطات القضائية بتهمة قتل الزوج وعندما تدخل السجن يقوم بمحاولة لاستعادة حبها لكنها لايساعدها على إثبات براءتها وإطلاق سراحها. وأخيراً الجزء الثالث من الثلاثية وهو " أحمر" الذي كان قمة إبداعه السينمائي ، وكان الحب هو النسيج الهلامي الذي يربط بين الأجزاء الثلاثة. عملية السرد لحكاية " أحمر" في غاية البساطة وتروي لنا قصة فتاة تدعى فالانتين تعمل كموديل للمصورين وتعيش في جنيف بينما يعيش حبيبها في لندن ويتواصلان عبر الهاتف بصعوبة. وتشاء الظروف أن تضع فالنتين أمام قاضي تحقيق متقاعد إثر وقوع حادث سيارة ، حيث يظهر لها القاضي بعض العدائية والنفور لأسباب تجهلها فيما تشعر هي بالانجذاب نحو هذا القاضي، وتعمل جاهدة لجعله أكثر إنسانية مع الآخرين ونكتشف أنه متلصص يسترق السمع بغية إعادة تركيبة حياة الناس، ويتجسس عليها هي أيضاً. تتعرف فالنتين على شاب بعمرها وبتدبير خفي قد يكون ورائه القاضي نفسه حيث يخيل إلينا كأنه إله يتلاعب بحياة ومصير بطليه حيث تسقط الطائرة التي تسافر فالنتين فيها مع صديقها الجديد ويغرقان في البحر ولكن سرعان ما يعيدهما المخرج إلى الحياة عبر شاشة التلفزيون. القصة وحدها مجرد إطار لا يدل على عبقرية المخرج بدون أسلوب وشكل ولغة الإخراج التي بلغ القمة فيها ولم يعد لديه ما يقدمه بعد هذه التجربة الإخراجية الفريدة حيث أعلن هو بنفسه أنه لم يعد لديه ما يقدمه وإنه سوف ينسحب من عالم السينما لكنه وبكل بساطة انسحب من الحياة كلهاوربما لم يكن مماته صدفة
ولد كريتسوف كيسلوفسكي في 27 حزيران سنة 1941 في وارشو في بولونيا وتوفي في 13 آذار سنة 1969 عن 54 عاماً . بعد انتهائه من دراسته الثانوية، دخل إلى المدرسة الوطنية للسينما في لودز بعد محاولتين فاشلتين سنة 1964 عندما اجتاز الاختبار الثالث بنجاح وقبل في قسم الإخراج وتخرج سنة 1969.







مصادر البحث

_ أفلام كريستوف كيسلوفسكي
-مقابلات خاصة لكاتب الدراسة مع المخرج.
- دوريات سينمائية متخصصة كتبت في أعداد خاصة، أو في مقالات متفرقة عن كيسلوفسكي مثل مجلات «كاييه دي سينما. بوزتيف» صورة وصوت، مجلة السينما، دراسات سينمائية "الخ ..



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإستراتيجيات الدولية في الشرق الأوسط وصراع الدول العظمى سور ...
- شرخ كبير في نسيج العلاقات بين الجالية العراقية والسفارة العر ...
- حتى لا يدعي العالم بالقول أنه لم يكن يعلم الحقيقة عن داعش
- السينما عندما كانت فن ورسالة
- هنا حوارية اليوم مع الأستاذ د. جواد بشارة حول ( الانسان بين ...
- الحقيقة الظاهرة والحقيقة الخفية لداعش 2-1
- كون واحد أم عدد لامتناهي من الأكوان؟
- فرنسا بين نارين
- الله والكون جدل العلم والدين
- كمبيوتر المستقبل : هل هو الحاسوب الكمومي أو الكوانتي ؟
- الكون المرئي في سطور خلال قرن
- هل سيتعرى الكون أمام أعين البشر يوما ما ويكشف عن نفسه؟
- دورة الحروب الحديثة التي لا تنتهي في العراق
- حرب التحالف الدولي على داعش تبدأ بالمخابرات
- الواقع الظاهر والوقع الخفي في الكون المرئي 2
- الواقع الظاهر والوقع الخفي في الكون المرئي 1
- داعش بين صورتها الحقيقية وقصور الإعلام 1
- الغرب ينظر إلينا بعين واحدة
- نقاط القوة والضعف في كينونة القوة القائدة للعالم
- داعش الآلة الجهنمية التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بشارة - وقفة مع شاعر السينما الراحل كريستوف كيسلوفسكي: