أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - أبو نؤاس في مصر 3















المزيد.....

أبو نؤاس في مصر 3


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 1363 - 2005 / 10 / 30 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


طريق الرحلة :
سلك أبو نؤاس في رحلته الى مصر طريقا تجارية ، متعرجة ، مأهولة ، ومأمونة في الوقت نفسه ، مثلما كان أصحاب القوافل التجارية يريدون ذلك في تعاملهم التجاري ما بين بغداد عاصمة الإمبراطورية العباسية زمن رحلة أبي نؤاس الى مصر ، وبين أطراف الإمبراطورية هذه شرقا وغربا ، وشمالا وجنوبا .
ويبدو أن الرحالة من غير التجار في ذلك الزمان كانوا يفضلون هذه الطرق الآمنة التي تصل بهم الى غاياتهم ، فأشخاص مثل أبي نؤاس ، أو مثل ابن بطوطة ، أو ابن حوقل لا يقون بمفردهم على توفير حماية لقافلة ما ، وفي طرق لا يعرفون اتجاهات سيرها ، ومحطات توقفها ، بذات القدر الذي يعرف به أصحاب القوافل التجارية تلك الطرق عن سابق خبرة وتجربة ، وعلى هذا قلما رأينا مثلا الرحالة المشهور ابن بطوطة مسافرا دونما قافلة تجارية ، أو قافلة حجيج يصحبها نحو مبتغاه في هذه الدولة من الدول ، أو هذا البلد من والبلدان ، شأنه في ذلك شأن الشعراء والأدباء والمؤرخون المسافرون في تلك الأزمنة .
كانت الرحلة التجارية البرية المنطلقة من بغداد الى البلدان الأخرى تتخذ مكان تجمع للقوافل المغادرة يكون على مقربة منها ، وباتجاه البلد المغادر إليه ، وبذات الوقت يكون هذا المكان هو محطة استراحة للقوافل التجارية القادمة لها ، ويبدو أن محطة التجمع هذه للرحلات التجارية المتجهة من بغداد صوب الشام ومصر ، وما وراءهما ، وفي زمن الشاعر ، أبي نؤاس ، كانت هي محطة عقرقوف ، تلك المدينة العراقية التي كانت عاصمة للملوك الكيشيين الذين بسطوا سيطرتهم لفترة وجيزة على بابل ، وكانت هي تحمل قديما اسم : دور كوريكالزو ، نسبة للملك الذي ابتناها .
من هذه المدينة التي لا زالت قائمة للان ، والتي تبعد عن بغداد بأكثر من عشرين كيلومتر ، وتقع الى الشمال الغربي منها ، انطلقت الناقة الهوجاء التي حملت أبا نؤاس على ظهرها ، حين كان الفجر يكحل بأول خيط من خيوطه عيون تلك المدينة القادمة من أعماق التاريخ :
إليك رمت بالقوم هوج كأنما ...... جماجمها فوق الحِجاج قبورُ *
رحلن بنا من عقرقوف وقد بدا .... من الصبح مفتوق الأديم شهيرُ
وبعد مسير مجد ، وحين غارت الشمس وراء الأفق ، كانت النوق الهوج هذه تغور في مكان يقع بعد الأنبار ، تقطنه قبائل أياد من العرب ، يدعى : عين أباغ ، ومنه واصل الركب سيره ليلا حتى بلغت ماء يسمى : ماء النُقيب** ، حيث شفت تلك الإبل غليلها منه ، وقت أن حان من الديك صياح يعلن فيه عن مولد يوم جديد من أيام هذه الرحلة النواسية المتواصلة ، والتي مرّ فيها الركب بتدمر والغوطتين والجولان من الشام ، لينحدر بعد ذلك جنوبا نحو فلسطين في ليل مدلهم ، بهيم ، عانت به تلك النوق ما عانت من وعثاء الطريق ، وهي تمر دون مدينة بيسان ، ومن ثم دون الرملة ونهر فرطس القريب منها ، منحرفة في سيرها عن بيت المقدس ، نازلة في غزة من أقرب نقطة تقع في جنوب مدينة الرملة تلك ، ثم من غزة الى مدينة الفرما الفرعونية ، المصرية التي لا تبعد أثارها القديمة اليوم كثيرا عن مدينة بور سعيد الحديثة التي ظهرت الى الوجود بعد حفر قناة السويس زمن سعيد باشا ، ومن هذه المدينة القديمة تحث النوق تلك خطى السير ، ليلقي الشاعر عصا الترحال في مدينة الفسطاط*** التي اختطها العرب سنة 20 للهجرة وقت أن كانت القاهرة التي قامت على لصق منها في بطون القادم من الأيام ، حيث لم تكن هناك دولة فاطمية قد قامت بعد ، وحيث كان جوهر الصقلي ، بانيها ، أمشاجا في ظهور أجداه تفصله عن زمن الشاعر والخصيب ما ينيف على المئة سنة .
بعد أن طرحت على القاريء الكريم خط سير الرحلة النواسية من بغداد الى مصر نثرا ، ها أنذا أطرح هذا الخط عليه ثانية شعرا ، ومن لسان الشاعر نفسه ، ليستمتع به ، رغم شحط المسافة الزمنية بيننا وبين الشاعر ، ووقت جريان تلك الرحلة . يقول أبو نؤاس :

إليك رمت بالقوم هوج كأنما ...... جماجمها فوق الحِجاج قبورُ
رحلن بنا من عقرقوف وقد بدا .... من الصبح مفتوق الأديم شهيرُ
فما نجدت بالماء حتى رأيتها ...... مع الشمس في عيني أباغ تغورُ
وغمّرنَ من ماء النُقيب بشربة .... وقد حان من ديك الصباح زميرُ
ووافين إشراقا كنائس تدمر .... وهن الى رعن المدخن صورُ
يؤممن أهل الغوطتين كأنما ....... لها عند أهل الغوطتين ثؤورُ
وأصبحن بالجولان يرضخن صخرها .. ولم يبقَ من أجراحهن شطورُ
وقاسين ليلا دون بيسان لم يكد .... سنا صبحه للناظرين ينيرُ
وأصبحن قد فوزن من نهر فُرطس ... وهن عن البيت المقدس زورُ
طوالب بالركبان غزةَ هاشم .... وفي الفرما من حاجهن شقورُ
ولما أتت فسطاط مصر أجارها ... على ركبها أن لا تزال مجيرُ
من القوم بسام كأن جبينه .... سنا الفجر يسري ضوؤه وينيرُ
زها بالخصيب السيف والرمح في الوغى .. وفي السلم يزهو منبر وسريرُ

الأبيات هذه جاءت في ختام قصيدة من قصائد المدح التي قالها أبو نؤاس بأمير مصر ، الخصيب ، وقد افترضت أنا فيما مضى من الكلام أنها كانت هي أول قصائد المدح التي أنشدها الشاعر لممدوحه ، فالشاعر منحها عناية خاصة ، وقدم فيها لممدوحة وصفا لرحلته ابتدأه من مطلع هذه القصيدة الذي طرح فيه تبريرا لهذه الرحلة حيث قال :
أجارة بيتينا أبوك غيورُ ... وميسور ما يُرجى لديك عسيرُ
والقصيدة هذه ، بعد ذلك ، كانت من قلائد شعر الشاعر ، وقد طارت شهرتها ، فحفظها العامة والخاصة ، مثلما يقول ابن المعتز في طبقاته ، ويبدو أن الشاعر قد أعد لها العدة قبل أن تطأ أقدامه مصر ، ولهذا فقد زاد عدد أبياتها عن نظيراتها الأخرى ، كما أن المرء يلحظ أن الأبيات التي اشتملت على وصف طريق الرحلة قد أضيفت الى القصيدة بعد ساعات الوصول الى مصر ، وذلك من خلال سبق الأبيات التي اختصت بمدح الخصيب ، ومن ثم تأخرها عنها فيما بعد .
عدا قصائد المدح الأربعة هذه لم يظهر في ديوان الشاعر إلا ثلاث مقطوعات شعرية قالها الشاعر في مصر ، واحدة في بنت الخصيب ، لُباب ، والتي عرج على مدح أبيها فيها كذلك ، والثانية في فتى قبطي قضى معه الشاعر ليلة غلامية على عادته في بغداد ، والثالثة ألقاها في مسجد على بعض من أهل مصر الذين شغبوا على الخصيب ، ففرق أبو نؤاس شملهم بأبيات تلك المقطوعة ، وأعفا الخصيب بها من قتالهم .
= = = = = = = = = = = = = = =
* الخطاب في البيت موجه الى الخصيب .
** النُقيب ليس تصغيرا لصحراء النقب من فلسطين مثلما ظن محقق الديوان وشارحه ، فالطريق التي سلكها أبو نؤاس لا تؤيد هذا الظن ، وربما كانت هي عين ماء ، أو شريعة على نهر الفرات بهذا الاسم ، حيث سارت القافلة بأبي نؤاس بمحاذاته ، والبيت الذي يحمل كلمة : النُقيب ، بعد ذلك ، مستقر في مكانه الطبيعي من القصيدة ، وليس زاحفا عنه على ذلك الظن .
*** وصف ابن حوقل في صورة الأرض مدينة الفسطاط بعد ما يزيد من قرن وثلاثين سنة من رحلة أبي نؤاس إليها فقال : ( الفسطاط مدينة كبيرة نحو ثلث بغداد ، ومقدارها نحو فرسخ ، على غاية العمارة والخصب والطيبة واللذة ، ذات رحاب في محالها ، وأسواق عظام ، ومتاجر فخام ، وممالك جسام الى ظاهر أنيق وهواء رقيق وبساتين نضرة ، ومنتزهات على مر الأيام خضرة ... وقد استحدث المغاربة بظاهر مصر مدينة سمتها القاهرة ، استحدثها جوهر صاحب أهل المغرب عند دخوله الى مصر لجيشه وشمله وحاشيته ، وقد ضمت من المحال والأسواق ، وحوت من أسباب القِنية والارتفاق بالحمامات والفنادق الى قصور مشيدة ، ونعم عتيدة ... )



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو نؤاس في مصر 2
- أبو نؤاس في مصر 1
- محكمة الشعب !
- عصا علاوي !
- العشائر العراقية والحوزة الإيرانية !
- مظاهرة المخابرات الإيرانية في البصرة !
- فسوة صولاغ !
- في الجمهورية الخضراء الكشميري يطارد الحلفي !
- ما وراء الدستور !
- انتظروا نكبة البرامكة الجدد !
- دواقنة هذا الزمان !
- الجريمة والقرن الأفريقي !
- خطى في الجحيم !
- الحكمة من تشكيل الائتلاف العراقي الموحد -
- دستور مشلول لا ولن ينقذ بوش من الورطة !
- الصرخي علامة من علامات تخلف العراق في العهد الأمريكي !
- السستاني يصفع الجميع !
- إمارة الحكيم الإيرانية !
- بعد تعاظم الورطة السستاني يمزق صمته !
- الجوع سيوحد العراقيين !


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - أبو نؤاس في مصر 3