أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبا مطر - ليلة اغتراب














المزيد.....

ليلة اغتراب


صبا مطر

الحوار المتمدن-العدد: 4976 - 2015 / 11 / 5 - 12:20
المحور: الادب والفن
    


تمطى الوقت على خارطة خصرها النحيل في محاولة للهرب من سباته . لملمت اطراف ثوبها المعجون بخيوط الشمس وانثالت خصلات شعرها الذهبي على كتفيها العاجيين في تمرد واضح وتساءلت في سرها .. الى متى ساستمر بالوقوف في حضرة احزانه المسائية ؟؟ ترى متى سيطلق سراحي وانا الاسيرة في دائرة الوانه المبهمة؟؟ ترى هل سيرسمني انا ام سيرسم شيئا اخر ؟؟ ترى من يكون؟ و كيف سرت معه الى هذا المكان النائي تاركة عالمي الصاخب في المرقص الليلي؟؟
كانت ترقص على مدارات الاحتمال لتلحق بأمنياتها الضائعة وسط ضوضاء المدينة .. متكسرة كقطرة ندى تعتليها الاف الصور لوجه واحد. لم يكن وجهها هي بل وجه اخر لا تعرفه .. وجه من انكسار , يشبه الالم المتصاعد من اعماق كابتها , وجه يشبه الانتظار وهو يعوي بين المحطات والمرافئ. ترا قص اعوامها الاربعين وتثمل من بقايا ايامها الراكدة في بحيرات الرتابة. لابت روحها مع الموسيقى الصاخبة وتمايلت مع بقايا المكان المسكون بوحدتها!!.
كان يراقبها من بعيد مستفزّا بخطواتها الراقصة على نغمات يعزفها قلبه الباحث عن الحياة في هذه المدينة الغريبة عنه. لاحقتها نظراته كمن يلاحق خطوات ظله الراكضة نحو النور. ارتشف من عينيها الحزن الذي نسيه حال قدومه الى المكان الجديد. استفاقت ذاكرته من خدرها وبدأت توخز تاريخه الذي ركنه في مدنه المنسية. التفّ حولها مطوقا خصرها بيديه ساحبا اياها بهدوء من بين الجموع الراقصة. لم تسله الى اين بعدما اطلقا ساقيهما للريح ذاهبين بصمت الى حيث لا اتجاه, فلا خرائط اتسعت لحزنيهما ولا عنوان يلملم شتات فكريهما بعدما تركا صخب المرقص.
قال بانه يود ان يرسمها هذا المساء فهو رسام اتى من الوجه الاخر للارض, محملا بالوان ظلّت طريقها دهرا الى الحرية. أخبرها في الطريق الى مرسمه بانها ستكون اول موديل له في هذه المدينة من بعد رحلة هروبه شبه مستحيلة.
رشق الالوان على اللوحة ليرسمها بطلة قادمة من عمق الليل, وحيدة تصطادها فراشات المساء الراكضة عبر حقول المجهول. تصاعدت فجأة من فوهة فرشاته الامه الممتدة من زمنه العتيق الواقف على ضفاف نهر مدينته المنسية. لا شيء غير بساتين النهر تعوم في فضاءات روحه المشتعلة. وثمة قمر محمل بالوجوه واللوعات وبقايا صور لعشاق مضرجين بدماؤهم تحت وصاية العشيرة. نزف الوقت الثائر من ذاكرته المتسربة الى قاع النهر مواصلا سكب الالوان على اللوحة وهي تنظر اليه بعدما تنصبت في احدى زوايا المرسم بابهى حلتها وبكل شموخ احزانها النابعة من الخواء. تنتظر صورتها الجديدة علها تجد نفسها التي طالما بحثت عنها.
سطع من بين مذبحة الالوان تلك قمر بعنفوانه الفضي ناتئا في عتمة المساء والروح .. يتساءل الفنان في سره.. ترى لم استحضرت القمر وهو الساكن ابدا في رواية بلدي الذي يحتضر؟
مرّ بفرشاته الندية على ابواب احزانه الموصدة متذكرا كل الحكايا.. رسم النهر بلون الليل يطفو على سطحه وجه حبيبته المسكونة بالفراق والضجر, تجدل ظفائر الليل باناملها العاجية.. تتلوى مع الغياب وتتوارى خلف شغاف الروح خلسة. تكدّس بقايا الشوق والاغتراب بعدما افلتت اناملها جدائل الليل والقمر. كبرت فضاءات لوحته واضحت كمجرّة مهجورة تسكنها الالوان و بقايا اشياء بلا انتماء. مثل ليل اغترابه المتكّسر على خاصرة النسيان. ومثلها الواقفة على نتوء جرحها الصامت, ترصد ملامحها المتشكلة بعد كل ضربة لون . خالت نفسها ملكة متحررة من قيود اعوامها المتهالكة, عائدة بالزمن الى ذكراه العطرة حيث وجه حبيبها الاول الباحث عن الابدية!! خالت نفسها زهرة نرجس بيضاء تعانق وجه الارض وتسمو بعطرها الى السماء.
اتسعت مجرّته المحمومة بالالوان وفاضت من حدود المكان واللون المعتّق لتصل الى الهناك المتروك على ضفاف ذاكرته المشبعة بالشجن, تنخر جدران معابد صمته المتأرجح بين الرفض والاستكانة !! تراقص النهر ووجه الحبيبة.. تراقص الفجر وبقايا قمر. ترتمي في احضان الأرض المحمومة بقصص العشق غير المكتملة, وتهيم في فضاءاته مرددة بقية الحكاية .

تترك مكانها مع بزوغ الفجر وتاتي لتكشف الستار عن صورتها بعد ان غفا الرسام على كرسيه المتهالك ... تصرخ عاليا ... اين انا؟؟ اين وجهي الذي انتظرته دهرا بأكمله ؟؟ اين مملكتي ؟؟ اين صولجاني؟؟ اين وجه الحبيب الذي انتظر ؟؟ اين حدائق النرجس البيضاء ؟؟
لا شئ غير قمر لاه في سماء مجرّة مخضّبة بالالوان ونهر يطفو على سطحه وجه الحبيبة .



#صبا_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقويم بلا نيسان
- كلكامش المعذّب
- سجون
- تاريخ معطل بالاحزان
- نشرة الاخبار
- حكاية حرب وموسيقى
- الى وطن في القلب يمشي بخطى من نور
- حقائب سفر
- امنيه العام الجديد
- هذيانات نثريه
- اشتياق


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبا مطر - ليلة اغتراب