أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ممدوح رزق - الفراغ الثابت في العلاقة بين الذات والموضوع















المزيد.....

الفراغ الثابت في العلاقة بين الذات والموضوع


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 1362 - 2005 / 10 / 29 - 09:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


رؤية تساؤلية حول طبيعة الأنساق وإشكالية الشر

تمثل العلاقة بين الذات والموضوع مدخلا جوهريا لمناقشة علاقة الفرد بنفسه وعلاقته بالعالم وما ينتج عن هذه العلاقات من قضايا وإشكاليات ترتبط إرتباطا وثيقا بالمفاهيم والأفكار التي تحكم الوجود الفعلي للإنسان في هذا الكون ، وحينما نتعرض لهذا الأمر ينبغي الوقوف على العديد من تلك التي تبدو مسلمات وبديهيات إعتقادية تشكل في مختلف الأحوال التي تتبناها ما يمكن تسميته بـ ( اليقينيات السائدة ) التي تحدد فكرة الإنسان عن نفسه وعن الأشياء المحيطة به .

حينما أفكر في الأشياء .. ما الذي يعمل في تلك اللحظة ؟
التفكير لا يبنى على إختيار أو إلتزام معلن أو ضمني بين الأنا والخارج عنها .. الأنا المفكرة تفكر أساسا بالطريقة التي ينبغي ولابد أن تفكر بها .. كيف ؟ .. إذا أمكن التجاوز للطبائع المشتركة أو المختلفة لمفاهيم النفس والعقل والروح والوجدان وتم الإتفاق فقط على تحليل النتيجة التي ينتهي إليها رصد حركة التفكير الدائبة للأنا تجاه الأشياء سنتمكن حينئذ من التوصل لصيغة تكاد تكون واحدة لماهية التفكير عند الإنسان بشكل عام تجاه الأشياء .. لماذا هي واحدة ؟ .. هل لأن الإنسان ـ أي إنسان ـ مجهز أصلا بمكونات وجدت لتعمل بطريقة معينة وثابتة مهما إختلفت الخبرات أو المعارف أو الظروف المعيشية أو التاريخية ؟ .. ماهي هذه المكونات ؟ .. وما أثر تواجدها المشترك بين مختلف الذوات على طبيعة التفكير التي تنتج عنها ؟ .
هناك نوعان من الغياب يشكلان المكون الجوهري لدى الإنسان وهما :
1 ـ غياب الإكتمال .
2ـ غياب مفهوم الإكتمال .
هذان النوعان من الغياب ثابتان منذ بداية حياة الإنسان وحتى نهايتها وهما ما يوفران الإحساس بالألم ( الشر ) كما يوفران المجاهدة التي لا تهدأ للخلاص منه أملا في تحقق ( الخير ) .
( ويحدد ( دياكريشنا ) التحليل الذي قدمه الهنود الأوائل للموقف البنياني للإنسان ، فهو يعني أن الإنسان قد وصل إلى النتيجة التي تقول بأن المرء يكون دائما غريبا عن نفسه اللهم إلا في الأحوال النادرة التي يصل فيها إلى تحرير ذاته ( حالة الموساكا ) _ "1" وعلى هذا وكما يؤكد ( دياكريشنا ) فإن مشكلة الإغتراب يجب أن تفهم خارج أي نطاق ديني وبعيدا عن أي حصر لها وذلك لأنها ليست مشكلة بعض الطبقات التي تنتمي إلى بعض المجتمعات مع مراحل معينة من التاريخ .. إنها تتصل بالأحرى بالطبيعة البشرية ذاتها ) _"2" .
فمفهوم غياب الإكتمال هو ما يعني النقص الأزلي وعدم وجود الإشباع النهائي والإحتياج الدائم لمعالجة الخلل والعجز وهو ما يحدد للإنسان طريقة التفكير التي ينبغي أن يتبناها في هذه المواجهة .
أما غياب مفهوم الإكتمال فهو مايعني عدم العثور على الوصفة الحقيقية أو القانون الواضح والثابت للقضاء على هذا العجز أو النقص الذي يضع نهاية مضمونة للألم ويحقق للإنسان الإشباع النهائي .
( لم تواتني الدنيا لأكون من الخائضين فيها ، والآخرة لم تغلب علىّ لأكون من العاملين لها )_"3"

يمكن للراصد أن يصف طريقة التفكير لدى الإنسان هكذا مثلا :
حينما أفكر فالذي يعمل عندي في تلك اللحظة هو غريزة السعي المحموم لتفادي الأذى وترويض الألم ـ الغريزة هنا ليست الغريزة التقليدية المشتركة بين مختلف الكائنات التي تقوم بأداء مهمتها لمحاولة تنفيذ الواجب التقليدي في البقاء والتكاثر في مواجهة الفناء أو يمكن القول أن الغريزة التي نتحدث عنها هي شكل متطور للشكل المألوف المقترن بمفهوم الغريزة ـ الغريزة هنا تعمل دائما عن طريق التفكير ضد ما هو شر والذي هو نسبي بالتأكيد بإرجاع الأمر للموروث المختلف والخبرة المختلفة المتلقاة منذ النشأة الأولى في تحديد ما هو شر عند الإنسان ولكن الأمر الثابت هنا هو ذلك الوجود الدائم للشر المتمثل في الأذى ـ أيا كان ـ وأيضا في ضرورة القضاء عليه أو تفاديه بأي طريقة كانت .
هذا يقودنا بطبيعة الحال للعودة إلى المكون الإنساني المرتبط بتلك الصورة من التفكير فطالما هناك ذلك الوعي بضرورة الخلاص من الألم فلابد أن يسبق ذلك عملية الوعي بوجود الألم أصلا وبالتالي فالمكونات التي تشكل ذلك الجوهر الإنساني مجهزة أساسا للشعور بأن هناك أمر سيء يسمى الألم وهو ماتطلق عليه الأنا ( الشر ) الذي يعمل ضدها ..
ما أثر التواجد المشترك للإحساس بالألم بين مختلف الذوات على طبيعة التفكير التي تنتج عنه ؟
هنا ينبغي العودة لتثبيت الإقتران بين مفهوم ( الألم ) ومفهوم ( النقص ) والذي يعني عدم الإكتمال والحاجة للقضاء على الإحتياج .. وبهذه الطريقة يمكن التوصل إلى أن العجز الذي أصبح صفة ملازمة للإنسان يقتضي منه الشعور بالضآلة والخوف ويقتضي أيضا بطبيعة الحال السعي للتغلب على هذه الضآلة وهذا الخوف كما يقتضي السعي هو الآخر إتخاذ وسائل من قبل الإنسان تمكنه وتعينه على هذه المواجهة مع عجزه وغياب إكتماله .. ماهي هذه الوسائل ؟ .. ما علاقتها برغبة الإنسان الغريزية في السعي للخير والتغلب على الألم ( الشر ) ؟ .. ولماذا هذه الوسائل بالذات ؟ .. وهل حققت ما كان يفترضه الإنسان من رغبات ؟ .

التبني الإجباري لأنساق الغريزة
حينما يولد الطفل ويبدأ في المرور بمراحل إكتساب الحواس للمدركات المعرفية والشعورية تبدأ مجموعة من الأنساق المحددة في تثبيت قواعدها داخل المدركات الحسية والفكرية للطفل .. من أمثلة هذه الأنساق ما يلي :
الله ـ الأب ـ الأم ـ الأخوة ـ الأقارب ـ الجيران ـ الأصدقاء ـ المدرسة ـ الوطن ـ الديانة ـ الغرباء .... إلخ .
فضلا بالتأكيد عن مجموعة من الأنساق الضرورية القائمة على الإحتياجات المباشرة كالأكل والشرب والنوم وقضاء الحاجة .. إلخ .
أما عن الرغبات الطفولية التي تعني آمال الطفل لنفسه وللآخرين للمستقبل فلا تخرج عن هذه الدائرة من الأنساق فأجوبة الطفل عن الأسئلة التي تطرح عليه عادة ما تكون إجابتها أن يحفظ الله أسرته من كل سوء وأن يحتفظ بصداقاته أو يقيم صداقات جديدة وأن ينجح في دراسته ويعمل ويتزوج وينجب ويحتفظ بولاءه لوطنه وأن يؤدي طقوس العبادة وأن يدخله الله الجنة بعد أن يموت .
هل يمكن أن نطلق إجمالا على هذه الأنساق التي نعرض أمثلة منها ( موضوعات الإنسان ) ؟ .. أو بمعنى آخر هل يمكن أن نطلق على هذه الأنساق تدابير الإنسان في السعي لمواجهة العجز وغياب الإكتمال ؟ ..
التناول هنا لا يطلق على ما هو شاذ أو ما يبدو إستثنائيا على الرغم من أن هذا الشاذ أو الإستثنائي ليس مقياسا ولكنه يندرج بطريقة أو بأخرى داخل هذه التفاعلات بين الإنسان والأنساق .. ولكن التناول هنا يتم إنطلاقا مما هو عادي أي مما هو طبيعي وملحوظ ومهيمن ومسيطر وواضح ومن السهل جدا رصده واكتشافه .. أي ما يمثل ( الوضع الطبيعي العام للحالة الإنسانية وعلاقتها بأشياء هذا العالم ) .
لو عدنا للأسئلة السابقة .. ما هذه الوسائل ؟ ...
سنقول أنها مجموعة من الأنساق المتوارثة والمتسعة الناتجة عن عمل المكون الإنساني الساعي لمواجهة العجز ( تحقيق الخير ) والتغلب على الألم ( الشر ) .. حسنا .. لماذا ينتج عن المكون الإنساني هذه الأنساق بالذات وليس غيرها ؟ .. المكون الإنساني بتركيبته الغير بسيطة يعمل أولا وأخيرا على تفادي الأذى وتحقيق الخلاص .. وهو بسعيه الدائم لمواجهة العجز يستوعب القصور الأصلي لدى الإنسان والذي يعني غياب الإكتمال وغياب الإكتمال هنا يفترض بالضرورة ذلك الإدراك المبهم بأن هناك شيء إسمه الإكتمال .
وفكرة الإكتمال هنا ليست فكرة دينية فحسب بل أنها خاصية جوهرية من الخصائص التي تشكل مدركات الغريزة لدى الإنسان والتي ينتج عنها تبني الأنساق فمن بدء اليقين بوجود المطلق الكامل ( الإله ) وما يترتب على ذلك اليقين من الأداءات المختلفة تجاه الحصول من ( الكامل ) على ما يسد ثغرات العجز اللامنتهية لدى الإنسان ( الغير كامل ) مرورا بدرجات تراتبية من الأشخاص والمفاهيم للـ ( قريبين من الإكتمال ) كالأب والأم والأخ والمعلم والوطن والجمال والحق والخير والأخلاق .. إلخ .. وحتى المطلق النهائي ( الكامل ) في الحياة وهو الموت يظل الإنسان خاضعا لفكرة خالدة وهي فكرة ( ضعف الغير كامل ) تجاه ( الكامل ) .. أي كامل .. لأن الغير كامل في إحتياج دائم و( غريزي ) للحصول على ما يعينه على مواجهة عدم إكتماله من الكامل . الكامل كإله .. كديانة .. كمعتقد .. كموروث .. كفكرة .. كمبدأ .. كشخص .. المهم .. أن يكون هناك ما يحتفظ بتلك الصفة ( الكمال ) طالما أن هناك دائما وطوال الوقت كائن ما يعاني لأنه ( غير مكتمل ) .
( الحقيقة الموضوعية تقع خارج فكر الإنسان وتتجاوز كل أفكاره الذي لا نهاية لكمالاته فبالضرورة لا يكون الإنسان ـ الناقص ـ هو مصدر هذه الفكرة ويتعين بالضرورة أيضا أن تكون هذه الفكرة في ذهن الإنسان إنعكاسا لموجود ـ بالفعل ـ كامل كمالا مطلقا وهو الله تعالى ) ـ"4"
إذن فيمكننا التوصل إلى إكتشاف صيغة توافق بين المكون الجوهري للإنسان ( الذات ) المتمثل في غريزة تفادي الألم ( الخير ) و الخلاص من العجز ( الشر ) الناتج عن إدراك غياب الإكتمال وإدراك غياب مفهوم الإكتمال واليقين الراسخ بوجود المكتمل وبين الأنساق الحياتية الناتجة عن أداءات هذا المكون والتي ـ أي الأنساق ـ تعتمد على وجود ثوابت ويقينيات ( كاملة ) ينبغي إعتناقها للحصول من خلالها على ما يعالج الخلل الناجم عن ( عدم إكتمال الإنسان ) .
ولكن ..
هل أصبح الإنسان كاملا ؟ .. هل نجح في تفادي الألم ( الحصول على الخير النهائي ) والقضاء على العجز ( الشر ) ؟ ..
الأنساق التي منحها الإنسان رغبته في الخلاص كغير مكتمل يسعى بإتجاه الإكتمال تحت وطأة غريزته المقدرة بفعل مكونه الجوهري جعلت الألم ( الشر ) هو العالم الحقيقي والواقعي للفرد .. حيث أن الأنساق التي تبناها الإنسان لم توفر الحماية له بل على العكس كانت هي المسؤولة عن ركام يمتد بعمر العالم من الإخفاق بما يعني أن الغريزة فرضت على الإنسان إعتناق النسق المفترض كماله لمواجهة عدم إكتماله لتمعن في ترسيخ حقيقة أن الإنسان تبدأ حياته وتنتهي وهو غير مكتمل ولا يعرف ماذا يعني الإكتمال سوى أن هناك فقط مطلقات كاملة لابد من السعي إليها موفرة له كل السبل الأكيدة لتفاقم الألم ( الشر ) . والأمر يبدأ ببساطة متناهية من جسم الإنسان حيث :
( إن ما يعرف كل الأشياء ولا يعرف بإحداها هو الذات .. وكل فرد يجد نفسه ذاتا فقط إلى الحد الذي يعرف فيه لا إلى الحد الذي يصبح فيه موضوعا للمعرفة ولكن جسمه يكون موضوعا لأن الجسم موضوع من بين الموضوعات وهو مشروط بقوانين الموضوعات .. والجسم كشأن كل موضوعات الإدراك الحسي يقع داخل الصور العامة للمعرفة أي الزمان والمكان والعلية وهي الصور التي تعد شروطا للكثرة ) ـ "5"
فجسم الإنسان بإعتباره موضوعا فهو بالتالي محل فكرة للذات عنه واستيعاب الذات هنا للجسم تتمثل في ذلك الوعي بقصوره وضعفه والحاجة الدائمة لمعالجة الخلل الذي يتسم مكونه الأساسي .. من الممكن الإنطلاق هنا للحديث عن مسبب معتاد للألم كالمرض مثلا .. والمرض هنا بإعتباره مسببا للألم فهو ( شر ) والتداوي منه طبيا ليس بالأمر المستمر لذا فسطوة الحضور الطاغي للألم يقف كتعبير عن حقيقة النسق ( المفترض كماله ) ووجوب وحتمية إعتناقه أملا في الخلاص وعدم منح النسق لهذا الخلاص بل تكريس للعجز عن مواجهة النقص ( الألم ) .
( إن أجزاء البدن يجب أن تناظرها تماما الرغبات الأساسية التي من خلالها تكشف الإرادة عن نفسها فهذه الأجزاء هي ضرورة بمثابة التعبير المرئي عن هذه الرغبات ، فالأسنان والبلعوم والأمعاء هي جوع متجسد وأعضاء التناسل هي رغبة جنسية متجسدة والأيدي المتشبثة والأقدام المسرعة تناظر رغبات الإرادة المباشرة التي تعبر عنها ) ـ"6"
لذا فالطبيعة العادية للجسم البشري هي في حد ذاتها أرض خصبة لحضور الألم .. هذه الطبيعة عاديتها تعني خلودها أي صفاتها التي لا تتغير طالما هناك حياة .

العالم الحسي المجهّز للإنسان
المقصود بالعالم الحسي هنا هي تلك الأشياء المادية التي تكون محل أفكار الإنسان عنها في شتى صور وجودها والتي سبقت وجود الإنسان والتي تمثل أيضا ( موضوعات فهمه ) للكون .. كيف يمكن إعتبار هذه الأشياء كأنساق ؟
تمثل هذه الأشياء أحد أوجه ( الوجود المكتمل ) بإعتبار أن هذه الأشياء لم يصنعها الإنسان بنفسه ولا يعرف كيفية صنعها .. لذا .. فلابد أن تتخذ تلك الصبغة من ضرورة التبني والإعتناق اللازم واستخدامها بالطبع لمواجهة ( ماهو غير مكتمل وناقص ) لدى الإنسان .. إذا كان هذا هو الدور الواجب والمفترض تحقيقه من قبل هذه الأشياء لرغبات الإنسان .. لكن هذه الأشياء كان لها دور مختلف ففضلا عن أنها نجحت بكفاءة في ترسيخ مفهوم العجز لدى الإنسان عن التوصل لماهية ( المكتمل ) فأيضا نجحت في تثبيت حقيقة هذا الوجود المكتمل الغير مفهوم لدى الإنسان وعدم الخروج عن دائرة الخضوع له من أجل تحقيق الخلاص عن طريقه ومرة أخرى هذا يمثل صيرورة تظل باقية بقاء الحياة فعدم العثور على الخلاص من هذا الخضوع ليست له أية نتيجة سوى المزيد من الألم مع الإستمرار الحتمي بالطبع لتبني هذه الأشياء التي تمثل موضوعات العالم الحسي للإنسان كفكرة مثالية عن ( الكمال ) وبمبرر أكثر سهولة من أي تصور وهو عدم وجود أشياء أخرى يدركها الإنسان بسمات أخرى يمكنها أن تمنحه القدرة على التخلص من العجز الناجم عن عدم إكتماله .
المعرفة واليقين والجدوى
المعرفة التي تقع في نطاق الذات وتخرج حيث الوجود الخارجي كفاعل ليست معرفة مدعومة بحرية من أي نوع حيث أن هذه المعرفة تقتضي الإنطلاق من حاجة للإثبات أو نفي أو إستفهام داخل مجمل التحول من حالة الإحتياج إلى حالة الإشباع والإحتياج هنا ليس أمرا إختياريا وإنما إدراك حتمي لطبيعة النقص وبالتالي فإن السعي للإشباع عن طريق هذه المعرفة ليس إختياريا أيضا وإنما يمثل رد فعل بديهي بمحرك الغريزة الساعية لقتل أو تفادي الألم .
أما عن المعرفة ذاتها فهي إستيعاب أصلي للقصور يتشارك في صنعه الوعي بغياب الإكتمال ووجود فكرة الإكتمال ذاتها كوجود مستقل غائب حتى لو إتخذت هذه المعرفة صفاتها الموضوعية ( أما في نظرية المعرفة فإن الذاتية تعني أن التفرقة بين الحقيقة والوهم لا تقوم على أساس موضوعي فهي مجرد إعتبارات ذاتية وليس ثمة حقيقة مطلقة أم الموضوعية فترى إمكانية التفرقة وفي علم الأخلاق تذهب الذاتية إلى أن مقياس الخير والشر إنما يقوم على إعتبارات شخصية إذ لا توجد معيارية متجاوزة أما الموضوعية فترى إمكانية الوصول إلى معيارية ) ـ"7"
إذا الموضوعية لا تفقد نسبيتها هي الأخرى بالمقارنة مع الذاتية في التعامل مع موضوعات العالم حيث أن تفكير الإنسان لابد له من أن يواجه حقيقة تفكير أخرى من إنسان آخر ينطلق من نفس الأسس ولكنه يتبنى عوامل مغايرة محكومة بأداءات الموروث والطبيعة المعيشية المختلفة مما يمنحنا إدراكا إضافيا حول مدى الألم الناجم عن هذا الإختلاف تحت مظلة نسق واحد وهو ( الوصول لسد الفجوات الدالة على عدم الإكتمال وتثبيت النقص ) .
( يجب على كل كائن بشري أن يتصرف بحيث يشعر بنفسه ( كموضوع ومشروع ) في الوقت نفسه ذلك بأنه بالنظر لكونه الإنسان المطلق فهو لايستطيع الخضوع في سلوكه لأية قاعدة خارجية بل يخضع للقواعد النابعة عن إرادته الذاتية فحسب .. ولكن يجب على على هذه الإرادة أن تتذكر أن الأشخاص الآخرون هم أيضا مطلقون فلا يستطيعون بالتالي الشعور بالإلتزام تجاه قانون أخلاقي إلا إذا كان صانعه ذاته ـ وهو المساوي لهم ـ يشعر بالخضوع له ) ـ"8"
ماجدوى الخضوع ليقين أخلاقي أصلا؟ .. بالطبع الحديث وارد في تلك اللحظة عن الفضيلة كطوق نجاة أو الوجود الأرقى ولكن الأرق بجدوى القانون الأخلاقي يعطي تفسيرات متجددة على الدوام حول علاقة النسق كنمط فهم للعالم وبين معنى الإلتزام بيقين نهائي تنتهي عنده كل الأجوبة حتى لو كان القانون الأخلاقي يتوقف عند حد التعامل الذاتي الأحادي الجانب مع الطبيعة في الشكل الباحث عن الكينونة المتآلفة مع ذاتها أو مع الآخرين فإنه في النهاية يظل التساؤل عن الجدوى وعلاقتها بالألم طريقا للبحث عن ماهية الأنساق التي لا بد أن تكون دائما هي الأساس لكل شيء هي ونقائضها التي تدخل هي الأخرى في صميم خصائصها التي لا تعترف بالخلاص .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش :
1ـ ظاهرة الإغتراب في فن التصوير المعاصر ـ ص ( 19)
2ـ السابق ـ ص (19)
3ـ السابق ـ ص ( 21)
4ـ نظرية المعرفة في الفلسفة ـ د/ السيد محمد باقر الصدر
5ـ ميتافيزيقيا الفن عند شوبنهاور ـ ص ( 57 )
6ـ السابق ص ( 58 )
7 ـ الموضوعية والذاتية ـ د/ عبد الوهاب المسيري
8 ـ كانت ـ التجاوز والإضفاء



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل طيب يدعى مندل
- الكتابة التي تثمر ولا تغني من جوع
- أعتني بفقاعة لأنسجم مع موكب جنائزي يمر في رأسي
- أخلاقيات التفكير في الوجود / صدر الدين الشيرازي
- عرض بطيء للتخلص من نفاية
- طاولة صغيرة لا تفسد عتمة المقهى
- علاقة ابتسامة النظرة المحدقة بمتطلبات الإيمان


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ممدوح رزق - الفراغ الثابت في العلاقة بين الذات والموضوع