أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الشباب وسياسات التشغيل العربية: مقاربة نقدية















المزيد.....


الشباب وسياسات التشغيل العربية: مقاربة نقدية


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 4974 - 2015 / 11 / 3 - 10:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الشباب وسياسات التشغيل العربية: مقاربة نقدية (*)
الدكتور عبدالله تركماني
طرح النمو الديموغرافي السريع والزيادة الكبيرة في أعداد المتعلمين العاطلين من العمل معضلات خطيرة على الحكومات العربية. وتشير أحدث التقديرات، المرتكزة على بيانات منظمة العمل الدولية، إلى أنّ الدول العربية تحتاج إلى إيجاد ما يعادل 13 مليون وظيفة خلال السنوات (2012 – 2017)، لتحافظ على معدلات البطالة الحالية (18.5%) التي تُعتَبَر الأعلى على المستوى العالمي.
وفي الواقع تمثل أزمة البطالة إحدى القنابل الموقوتة في العالم العربي التي ينجم عنها الكثير من التداعيات السلبية الاجتماعية والسياسية، فأرقام البطالة في تزايد مستمر وبشكل مخيف حيث تراوحت بين 15% و20% بنسب تختلف من دولة لأخرى، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل أكثر من 20 مليون عاطل، وهو ما يعني أننا أمام خطر كبير يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي لكثير من الدول العربية. وتشير إحصاءات منظمة العمل العربية إلى أنّ الدول العربية بحاجة إلى توفير ستة ملايين فرصة عمل سنوية حتى عام 2020 لاستيعاب عدد الداخلين إلى سوق العمل سنوياً للحفاظ على معدلات البطالة الحالية.
واقع بطالة الشباب في العالم العربي
واحد من كل خمسة أشخاص في المنطقة يتراوح عمره بين 15 و 24 سنة، وهم يطالبون بالمزيد من فرص العمل وبتحسين الهياكل التعليمية. وفي الحراكات الشعبية التي شهدتها دول ربيع الثورات العربية كان لهم دور أساسي في الحياة السياسية والاجتماعية، وقد فرضوا أنفسهم كشركاء في وضع تصوُّر جديد لمجتمعاتهم وإعادة تشكيلها. ويبدو أنّ خياراتهم وتأثيرهم سيحدد مستقبل المجتمعات العربية.
وتشير بيانات منظمة العمل الدولية التابعة للأمم لمتحدة في مايو/أيار 2013 إلى أنّ معدل البطالة بين الشباب في العالم العربي من أعلى المعدلات في العالم، وتوضح أنّ نسبة العاطلين من الشباب في شمال أفريقيا تبلغ 23.6 % و25.1 % في الشرق الأوسط مقابل المعدل المتوسط العالمي الذي يبلغ 12.6 %. كما أظهرت دراسة أعدها صندوق النقد العربي، ونشرت في 16 أغسطس/آب 2015، ارتفاع معدلات بطالة الشباب في الدول العربية إلى نحو 28%، وهو ما يفوق ضعف معدلات بطالة الشباب المسجلة على مستوى العالم.
وأوضحت الدراسة أنّ " بطالة الشباب في الدول العربية تتسم بتركزها في أوساط الإناث والمتعلمين والداخلين الجدد إلى سوق العمل، حيث تبلغ معدلات بطالة الشباب من الإناث نحو 43.4% مقارنة بنحو 12.7% للمتوسط العالمي ".
وهكذا يتضح أنّ معدل البطالة في أوساط الشباب، خصوصاً المتعلمين تعليماً عالياً، لا يزال مرتفعاً في البلدان العربية، إذ هناك 500 ألف شاب يدخلون سوق العمل العربي كل عام. وسيظل تحدِّي النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل حاجة استراتيجية رئيسية في المنطقة على مدى العقود المقبلة.
سياسات التشغيل العربية
إنّ ارتفاع بطالة الشباب يرجع إلى الفجوة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات أنظمة التعليم، وعدم قدرة القطاع العام في بعض الدول العربية على الاستمرار في القيام بدوره كموظف رئيسي للعمالة، في ظل تزايد حجم الضغوط على الموازنات العامة. كما أنّ القطاع الخاص لم يتمكن من القيام بالدور المرجو منه، على صعيد التشغيل، نتيجة التحديات التي تواجه بيئات الأعمال في بعض الدول العربية، بما يؤثر سلباً على ديناميكية هذا القطاع وقدرته على المساهمة في استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل.
وعندما عُقد المؤتمر العربي الأول بشأن تشغيل الشباب العربي، في الجزائر ما بين 14 و 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، قال الأمين العام المساعد في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب طعمة الجوابرة: إنّ البطالة في العالم العربي تنتشر أكثر بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و25 عاماً إذ تفوق 25 %، مشيراً إلى أنّ الدول العربية تحتاج بحلول عام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة.
وكانت القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية العربية بالكويت، في يناير/كانون الثاني 2009، قد أطلقت عشرة مشاريع تكاملية عربية. منها البرنامج المتكامل لدعم التشغيل والحد من البطالة في الدول العربية، وأوصت باعتماد الفترة من 2010 إلى 2020 عقداً عربياً للتشغيل وخفض البطالة إلى النصف في نهاية المدة، وإعطاء أولوية متقدمة لسياسات التنمية في الدول العربية لدعم التشغيل المجزي والمنتج وإيجاد فرص عمل والحد من البطالة وتحسين ظروف حياة المشتغلين وعملهم. ودعت إلى تركيز الجهود الوطنية والعربية لدعم التنمية البشرية والتدريب الفعّال، المتوافق مع احتياجات سوق العمل ورفع الكفاءة الإنتاجية للعامل العربي. وحضَّت على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتيسير تنقُّل الأيدي العاملة العربية بين الدول الأعضاء، بما يكفل خفض معدلات البطالة. وطالبت بدعم مبادرات القطاع الخاص ومؤسسات وصناديق التمويل العربية لتحقيق برامج التشغيل وخفض معدلات البطالة على المستويين الوطني والعربي.
وفي أبريل/نيسان 2012 أقر مؤتمر العمل العربي خطة لعامي 2013 و2014 وتتضمن 243 نشاطاً بكلفة 5.560 مليار دولار عن كل عام، موزعة على أربعة محاور رئيسة هي الحماية الاجتماعية والتنمية البشرية والتشغيل، والإعلام والتوثيق والمعلومات، والتعاون الفني، والعلاقات العربية والدولية.
وفي المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل، المنعقد في الرياض في فبراير/شباط 2014 قال أحمد لقمان، المدير العام لمنظمة العمل العربية، أنّ الأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم العربي انعكست على قضايا التشغيل بشكل سلبى. وأوضح أنّ من أسباب ارتفاع البطالة تواضع الاستثمار في الدول العربية. كما أنّ معدلات نمو الاقتصادات العربية متدنية (2.4% سنوياً) وهي لا تتناسب مع الحاجة إلى توفير 5 ملايين فرصة عمل في العالم العربي سنوياً.
وهكذا يبدو أنّ أساس المشكلة هو في سرعة نمو الطلب على فرص العمل في وقت تتراجع فيه قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل في المنطقة. كما أنّ المنطقة العربية تواجه العديد من التحديات، مثل عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الاجتماعية، تضعف الأداء الاقتصادي في المنطقة.
مقاربة نقدية لسياسات التشغيل العربية
ساهم الأنموذج الاقتصادي، القائم على توزيع الريع والمكاسب الاقتصادية على شكل منح مالية وإعفاءات ضريبية في شكل انتقائي وغير شفاف، إلى استفحال معضلة البطالة في شكل أعمق مما تعكسه الأرقام الرسمية على فداحتها. ويمكن إيجاز النتائج السلبية لهذا الأنموذج في ما يأتي:
1 - أدى انتهاج النموذج الريعي في البلدان العربية على اختلافها، إلى تعطيل روح المبادرة والرغبة في الاستثمار.
2 - أدى الأنموذج الريعي إلى تشجيع الاستثمارات ذات العائد المرتفع والسريع في ميادين العقار والمضاربة المالية، بدلاً من الاستثمارات المنتجة في القطاعات الصناعية والزراعية الواعدة ذات القيمة المضافة، والتي عادة ما تتطلب وقتاً أطول لجني أرباحها.
3 - تميّز النمو الاقتصادي في الدول العربية كلها بتوليد أعداد كبيرة من الوظائف ذات الجودة المتدنية، والتي لا تتوافر فيها شروط العمل اللائق وفق المعايير الدولية. وتميّزت هذه الوظائف بهشاشتها وعدم استفادتها من التغطية الاجتماعية.
4 - تسبب الأنموذج الاقتصادي الريعي في إيجاد نمط من النمو يتسم بالتذبذب وعدم الاستقرار، نظراً إلى ارتباطه بعوامل خارج نطاق تحكم السياسة الاقتصادية من قبيل عائدات النفط والغاز التي ترتبط بمستوى الأسعار في الأسواق العالمية، ومحاصيل القطاع الزراعي المرتبطة بالظروف المناخية، إضافة إلى تدفق تحويلات العمالة المهاجرة التي عادة ما تحددها الظرفية الاقتصادية في البلدان المستضيفة.
ولكنَّ المشكلة أبعد من ذلك، إذ أنّ سياسات التشغيل العربية اكتنفتها العديد من السلبيات، يمكن إدراجها في ثلاثة أصناف: أولها، بالرغم من إدخال الحكومات بعض المرونة على أنظمة العمل كجزء من أجندتها للإصلاح الاقتصادي، فلا تزال تسيطر، فعلياً، على عمليات التسريح الجماعي، وتقرير منح الموافقة في شأنها أو رفضها. كما أنّ الحوافز، التي اتخذت شكل إعانات لتغطية أعباء الديون وتقديم الإعفاءات الضريبية لبعض الشركات، يمكن أن تقلل من الخسائر في الوظائف في الأجل القريب، إلا أنها مكلفة على المستوى المالي وتُولِّد آثاراً عكسية على التشغيل في الأجل البعيد، لأنها تمنع إعادة الانتشار السليمة لرأس المال واليد العاملة من الشركات غير الناجحة إلى القطاعات الناشئة والواعدة.
وثانيها، طبقت الحكومات العربية سياسات تنشيط سوق العمل بهدف تسهيل دمج الباحثين عن وظائف في سوق العمل. وتشمل هذه السياسات تأمين الوساطة والمساعدة من أجل البحث عن وظيفة، ومنح إعانات التشغيل لأرباب العمل لتشجيعهم على تشغيل مزيد من الموظفين، وتقديم برامج التدريب وإعادة التدريب لزيادة فرص تشغيل طالبي العمل، ومنح قروض بشروط تفضيلية لتشجيع مبادرات التشغيل الذاتي للشباب. لكنّ هذه السياسات انطوت عموماً على ثلاثة عيوب رئيسة جعلتها تفشل في معالجة الاختلالات الحقيقية لسوق العمل، وهي: تكلفتها العالية، وتغطيتها المنخفضة، وتأثيرها المحدود.
وثالثها، يتسم تنفيذ سياسات سوق العمل في البلدان العربية بتعدد الإدارات المتدخلة، وضعف التنسيق، وتشتت الموارد المالية والبشرية والإدارية. كذلك يفتقر تخصيص الموارد بين مختلف البرامج وبين فئات المستفيدين إلى الشفافية ولا يخضع إلى أي تقويم أو محاسبة.
بالتالي على واضعي السياسات الاستفادة من أخطاء الفترة الماضية، عبر تقويم تصميم هذه السياسات وتنفيذها لتعديلها بهدف تحسين كفاءتها، والإدراك أنّ سياسات تنشيط سوق العمل تساعد فقط في تحسين المواءمة بين العرض والطلب، ولا يمكن أن تكون البتة حلاً للاختلالات الاقتصادية البنيوية التي يعرفها جل الدول العربية مثل: انخفاض معدل الاستثمار الخاص، ومحدودية الطلب على اليد العاملة الماهرة، وعدم كفاية الأنظمة التعليمية ومؤسسات البحث العلمي والتكنولوجي التي تحتاج إلى إصلاحات عميقة.
إنّ الحاجة اليوم ملحة إلى الانتقال من مقاربة كمية لقضايا البطالة والتشغيل، إلى مقاربة نوعية في إطار أنموذج تنموي بديل يعتمد على الإنتاج والمنافسة في إطار عقد اجتماعي جديد.
إنّ أهم العوامل التي تحد من البطالة تطوير خدمات التعليم وتخفيض معدلات تزايد السكان وتقليص الفجوة بين المهارات المطلوبة والمتوفرة، والحد من أمية النساء، وتحويل العمالة من القطاع غير المنظم (غير الرسمي) إلى القطاع المنظم، وتوفير نظم الضمان الاجتماعي، خاصة إنشاء صناديق للبطالة، إضافة إلى الالتزام بالاتفاقيات والتوصيات الدولية للدعم المالي الحكومي للمساعدات العامة لضمان الحدود الدنيا للدخل لدى الذين يعانون من البطالة.
وإضافة لما ذكرناه في مقاربتنا النقدية يمكن أن نلاحظ:
1 – بالرغم من وجود حركات شبابية وأحزاب صاعدة ناشطة وقوى نقابية ونسائية متنوعة بالإضافة لقوى القطاع الخاص بتنوع أوضاعه، فإنّ غياب هذه القوى عن منظمات العمل العربي المشترك، بما فيها القمم التنموية، يتحول لأحد أهم نقاط ضعفها ويحولها لنوادٍ مغلقة بلا تفاعل مع قواعد المجتمع وممثلي قواه الإنسانية.
2 - بدلاً من أن يكون للدولة العربية دور ريادي في مجال تأمين البنية التحية الأساسية لتقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية، وتأمين المناخ الملائم للاستثمار، وتدبير السياسة الاقتصادية، وإعادة التوزيع بين الجهات وبين الفئات الاجتماعية، فقد اقتصر دورها على رعاية الرأسمالية المبنية على المحسوبية، التي كان رجال الأعمال فيها يعتمدون اعتماداً كبيراً على الدولة للوصول إلى الامتيازات والفرص الاستثمارية.
3 - على الجانب السياسي تمثل البطالة بيئة سلبية تجعل الشاب العاطل عن العمل مغترباً عن وطنه ولا يشعر بالانتماء السياسي له وتجعله عازفاً عن المشاركة السياسية الفاعلة، وهذا يدفعه إلى أن يكون عرضة أكبر لاستقطاب الجماعات والتيارات المتشددة والمتطرفة والانخراط في أعمال العنف والتخريب ضد مؤسسات الدولة والمجتمع. ولذا نجد أنّ كثيراً من الأعمال الإرهابية التي شهدها الكثير من الدول العربية انخرط فيها كثير من الشباب العاطل عن العمل ويعاني الفراغ وتدنِّي المستوى الاجتماعي.
4 - هناك جانب اجتماعي خطير لمشكلة البطالة في العالم العربي وهو تزايد حالات الهجرة من جانب الفئات الفقيرة والعاطلة عن العمل باتجاه الدول الأوروبية وما ينجم عنها من مخاطر كبيرة مثل تعرُّض كثير من هؤلاء إلى الموت أو الاعتقال فيما يعرف بمراكب الموت التي تشهدها مياه البحر المتوسط، إضافة إلى ذلك تستمر عملية نزف العقول المهاجرة والمتميزة إلى الخارج، والتي تبحث فيها الكفاءات العربية عن مستوى حياة مهني واجتماعي واقتصادي أفضل في الدول الغربية، وهو ما يحرم بلداننا من قوة اقتصادية كبيرة وموارد بشرية يمكن الاستفادة منها في حالة توظيفها وإدماجها في عملية التنمية الشاملة.
ولا يمكن تصوُّر أن تظل بعض الدول العربية تعاني من بطالة تدفع بأبنائها إلى الهجرة إلى الدول الأوروبية، بكل ما فيها من مخاطر وتأثيرات اقتصادية واجتماعية، في حين تفتح دول عربية أخرى أراضيها للعمالة غير العربية بأعداد مذهلة.
5 - ظاهرة البطالة هي انعكاس لتراجع عملية التنمية في العالم العربي، وعدم التوافق بين مخرجات التعليم وسوق العمل، وتدنِّي الاستثمارات الجديدة، والتوجه صوب سياسات الاقتصاد الحر، وتطبيق برامج الخصخصة بما يعني تسريح مزيد من العمالة، إضافة لعدم إقبال الشباب على العمل المهني بسبب النظرة المجتمعية لها، وكذلك تدنِّي الاستثمارات العربية الموجهة لخلق فرص عمل جديدة، وكلها عوامل تجعل من البطالة ظاهرة سلبية ذات إفرازات خطيرة على المجتمعات العربية.
ومن دون إعادة النظر في المنظومة التنموية داخل البلدان العربية، ومن دون الانتقال من الاقتصاد القائم على توزيع الريع والمزايا في مقابل الدعم السياسي، إلى اقتصاد يعتمد على الاستثمار المنتج في القطاعات الاقتصادية الواعدة، ويقوم على فتح المجال للمنافسة على أساس الكفاءة الاقتصادية وإزالة العقبات القانونية والإدارية التي تحول دون تأسيس المنشآت الصغرى والمتوسطة وتطويرها، فإنّ الرفع الكمي لمستويات النمو لن يكون وحده كافياً لمعالجة الاختلالات البنيوية التي تعرفها أسواق العمالة العربية وما يترتب عنها من إقصاء اقتصادي وإحباط نفسي لدى فئات واسعة، خصوصاً الشرائح ذات التمثيل الناقص مثل الشباب والنساء.
إنّ البطالة بالمنطقة العربية هي بطالة هيكلية وليست دورية أو موسمية، وأنّ القضاء عليها يتطلب استراتيجيات وسياسات تنموية طويلة المدى، واستباقية، بدلاً من الظرفية التي تعمل بها معظم الأنظمة حالياً.
مما يتطلب معالجة الخلل في التنمية الاقتصادية وإعطاء التشغيل الأهمية التي تتطلبها الحاجة، وإعطاء أولوية لتأهيل العامل الوطني والعربي وتسليحه بالقدرات اللازمة. وكذلك تطويق الفساد ووضع حد لهدر النفقات العامة وتوجيهها لتمويل التنمية وبرقابة شعبية حقيقية على المالية العامة، وأن تكون للميزانية أهداف لرفع مستوى التنمية وقيام الجهاز المصرفي بدور أكبر في التنمية العربية، والتخلص من سيطرة السياسة على حركات الائتمان في ما سمي بالائتمان السياسي، والعمل على تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
6 - تتسم العمالة العربية - عموماً - بانخفاض مستوى المهارة، نتيجة اتسام سياسات التعليم والتدريب في الدول العربية بأنها غير فعالة وغير قادرة على خلق العمالة الماهرة، القادرة على التجديد والارتفاع بمستوى الإنتاجية والجودة. لذلك فإنّ دمج السياسات الوطنية للشباب في التخطيط الإنمائي الوطني وتمكين الشباب جزءاً من الحلول التي تستهدف قطاعات مختلفة، بالاستناد إلى قدرة الشباب على استيعاب المعارف والتكنولوجيات الجديدة واستخدامها.
7 – لابدَّ من دراسة مهارات الشباب، ذكوراً وإناثاً، وقدرتهم على الاستجابة إلى احتياجات السوق في إطار النهج المتكامل في السياسات الوطنية للشباب، يركز على العلاقة بين العمل والتعليم. وإذا نُفِّذت برامج التدريب المهني على نحو سليم تساعد الجيل الجديد على اكتساب مهارات تقنية وحرفية تساعده على الالتحاق بعمل. وإذا كان لبرامج التدريب المهني أن تحقق النجاح فينبغي أن تعمل على أساس منظومات سليمة للمعلومات عن سوق العمل.
خاتمة
البطالة خطر حقيقي على السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي للدول العربية، وهي ليست ظاهرة اقتصادية تحتاج لعلاج اقتصادي فقط، بل تحتاج إلى معالجة شاملة اقتصادية وسياسية واجتماعية في إطار تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية الحقيقية والعدالة الاجتماعية وتقليل حدة التفاوت بين الأغنياء والفقراء. ولا يمكن للدول العربية، خاصة التي تعاني حالياً حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني وتعثر المرحلة الانتقالية بعد الثورات والاحتجاجات التي شهدتها، أن تتجاوز تلك المرحلة دون تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية تستهدف القضاء أو تقليل مشكلة بطالة الشباب وتحسين أوضاعهم المعيشية، والقضاء على الفساد وترسيخ الشفافية والمحاسبية والحوكمة وتوجيه الموارد الطبيعية والبشرية، خاصة طاقات الشباب المعطلة صوب التنمية بدلاً من أن تكون قنابل موقوتة قابلة للانفجار السياسي والاجتماعي.
وإذ لم تكن الإصلاحات الجزئية والحلول المتسرعة التي اتُبعت على مدى العقد الأخير مجدية في الغالب، فالإصلاح الفاعل يتطــلب إرادة ســـياسية قوية، ومشاركة حقيقية من جانب الشباب، باعتبارهم أصحاب المصلحة الرئيسيين، ونظام حوكمة أفضل لضمان استخدام الموارد العامة بكفاءة وعدالة.
ويبدو أنّ الأمر يتطلب صياغة استراتيجية عربية موحدة، تأخذ بعين الاعتبار الخصائص القطرية، تتجه بالعالم العربي نحو التعاون المجدي مع نفسه أولاً، ومع جواره الإقليمي ثانياً، ومع العالم ثالثاً.
بعض المراجع:
- الحسن عياشي: الاقتصاد الريعي في البلدان العربية وراء البطالة وإضعاف جودة الوظائف – صحيفة " الحياة " – لندن 6 مارس 2012.
- وثائق القمة العربية التنموية في الكويت 2009.
- تقرير منظمة العمل الدولية، مايو/أيار 2013.
- تقرير المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل في الرياض، فبراير/شباط 2014.
- تقرير المؤتمر العربي الأول بشأن تشغيل الشباب، الجزائر – 2009.

تونس في 30/10/2015 الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية
(*) – قُدمت في إطار ندوة " الشباب والإدماج " بدعوة من " مركز جامعة الدول العربية بتونس " و " مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية بتونس " خلال يومي 2 و 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار الليبي تحت ضغط السلاح
- الأمم المتحدة وتحديات الأمن والسلم الدوليين
- المسيحيون والمواطنة في المشرق العربي (3 - 3)
- المسيحيون والمواطنة في المشرق العربي (2)
- المسيحون والمواطنة في المشرق العربي
- روسيا وأقتعتها المكشوفة في الحالة السورية
- واقع ليبيا وسيناريوهات المستقبل
- هل ينجح ديمستورا في تغيير قواعد الحل السياسي في سوريا ؟
- حول المعطيات المستجدة لفوضى الحالة السورية
- الاستبداد في مواجهة الثورة السورية
- أي آفاق للثورة السورية ؟
- سورية مقبلة على التغيير .. ما مضمونه ؟
- جردة حساب للثورة السورية وآفاقها
- توصيف أولي لسلطة آل الأسد وتفاعلاتها
- خيار سلطة آل الأسد أم خيار الشعب السوري ؟
- سلطة آل الأسد تهرب إلى الأمام
- جذور الاتحاد المغاربي ومعوقاته وآفاقه
- هل تعيد الحالة الإسلامية تعريف دورها في مصر ؟
- ضوء على كونية وشمولية حقوق الإنسان
- رجال دولة أم عصابة سلطة في سورية ؟


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - الشباب وسياسات التشغيل العربية: مقاربة نقدية