أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رواية متشظيّة بتسع وحدات قصصية رشيقة















المزيد.....

رواية متشظيّة بتسع وحدات قصصية رشيقة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4973 - 2015 / 11 / 2 - 10:47
المحور: الادب والفن
    


عوّدنا الروائي الأفغاني - الأميركي خالد حُسيني في روايتيه السابقتين "عدّاء الطائرة الورقية" و "ألف شمس ساطعة" على الشخصية المحورية التي تفرض حضورها الطاغي على مَدار النص الروائي. أما في روايته الثالثة "وردّدت الجبالُ الصدى" فقد تعمّد فيها الكاتب تشظية ثيمته الرئيسة إلى تسع وحدات يمكن أن تُقرأ كل وحدة منها كقصة قصيرة قائمة بذاتها، كما يمكن أن تُقرأ كنص روائي لا يخلو من الحبكة والترابط ووحدة الموضوع خصوصًا إذا أخذنا بنظر الاعتبار شخصيتي عبدالله وشقيقته باري اللذين يفترفان في طفولتهما ويتحدِّان، بعد فوات الأوان، في مرحلة الشيخوخة التي يكون فيها عبدالله قد أُصيب بمرض الزهايمر ولم يعد يتذكّر شيئًا حتى عن أخته التي كان يمحضها حُبًا من نوع خاص.
لم تكن هذه الانعطافة في التقنية فقط وإنما في الثيمة التي نأت عن الحرب الأفغانية وابتعدت عن حركة -طالبان لتنفتح على موضوعات متعددة مثل الحُب، والفقد، والخيانة الزوجية، والهجرة، والخلاص وما إلى ذلك.
تشكِّل الجملة الاستهلالية مدخلاً ترويضيًا لعبدالله وشقيقته باري لكنه يُحرِّضهما في الوقت ذاته على التنبؤ واستشراف المستقبل. فالفلاح بابا أيوب الذي يسكن في "ميدان سابز" يُضحّي بأجمل أبنائه قيس حينما يهاجم القرية غول مخيف يأخذ الأطفال إلى حصنه البعيد في أحد الجبال الشاهقة. وحينما شاعت الأقاويل بأن الأب سلّم ابنه بطريقة جبانة ولم يواجه الغول قرّر بابا أيوب أن يذهب إلى حصن الغول ويُرجع ابنه إلى كنف الأسرة لكنه فوجئ بالحياة السعيدة التي يعيشها ابنه، وبالمستقبل الكبير الذي ينتظره فقرر العودة إلى القرية والانهماك في العمل الذي أفضى إلى تحسّن أوضاعه المعاشية، ثم تزويج أبنائه وبناته لاحقًا لكنه ظل يسمع رنينًا كرنين الجرس الذي علّقه ذات يوم في عنق ولده الجميل خوفًا عليه من الضياع. وتأكيدًا لتقنية الوحدات، المُشار إليها سلفًا، فإن هذه الحكاية هي قصة قائمة بذاتها حتى وإن اندغمت في النسيج العام للرواية.
يتمحور الفصل الثاني على بيع الطفلة باري إلى أسرة السيدة نيلا وحداتي، زوجته رجل الأعمال سليمان وحداتي. وقد هيأ هذه الصفقة العم نبي الذي يعمل طاهيًا وسائقًا عند أسرة وحداتي في كابول. وقد أخبر والدها بأن شرط هذه الصفقة هو عدم زيارة الطفلة نهائيا. لعل أهم ما في هذا الفصل أن باري تخبر السيدة نيلا بأن لديها كلب يُدعى شوجا "وهو يعرف متى تكون حزينة!" وحينما اختفت باري اتجه الكلب نحو التلال ولم يره أحد في قرية شادباغ! توقف سابور عن سرد القصص وكأنه باع هذه الموهبة كما باع ابنته. هنا يتذكر عبدالله القصة التي رواها الأب عن الفلاح المُسنّ بابا أيوب الذي ضحى بأجمل أبنائه للغول. كما فتح صندوق باري فوجده مليئًا بريش الديكة والبطّ والطيور الملونة. وسوف يلعب هذا الصندوق دورًا مهمًا في التعرّف على شقيقها عبدالله في نهاية المطاف.
يدخل الفصل الثالث في إطار التأثيث للرواية ففيه نتعرف على بروانه، شقيقة نبي التي توافق على الزواج من سابور بعد وفاة زوجته الأولى في أثناء الولادة. كما تُحيلنا بروانة إلى شقيقتها الحسناء معصومة التي لفتت أنظار أهل القرية. فقد كانت بروانة بالنسبة لها أشبه بالعشبة الضارة التي تقف إلى جوار زنبقة الماء، لكن هذه الأخيرة تسقط من الشجرة فتُصاب بشلل نصفي.
نتعرّف في الفصل الرابع على شخصية وحداتي من خلال عيني الطاهي والسائق والخادم نبي الذي يرى في السيد سليمان وحداتي الإنسان الأكثر وحدة في العالم، فهو انعزالي، ومتغطرس، ولا يمتلك روح المرح والمغامرة. كما أنه لا يفعل شيئًا سوى أن يقرأ أو يرسم من دون أن يُطلع الآخرين على رسوماته، وحينما تزوج قيل إنه اقترن بفتاة متفتحة تكتب أشعارًا جريئة جدًا. لم يكن زواجهما سعيدًا، كما يرى نبي، لأنه لم يلمح أي نظرة ودٍّ بينهما، بل أنها اختارت هذا السائق الشاب كي ينتشلها من وحدتها فحكت له عن رحلة الصيد إلى جلال آباد وزيارتها إلى فرنسا بينما هو يسترق النظر إلى مفاتنها الجسدية.
تبدو نيلا هي الشخصية الأكثر إثارة في النص الروائي ليس لجهة تنوِّرها فحسب، وإنما لجرأتها في البوح بعواطفها، فحينما أخبرت السائق برغبتها الجدية في زيارة عائلته في قرية شادباغ والتعرّف عليها من كثب لم تجد حرجًا في القول بأنها "امرأة بلا رحم" فلقد خسرته في أثناء العلاج وأصبحت امرأة عقيمة. أما شخصية نبي البسيطة فإنها تنطوي على جوانب عميقة أيضًا من بينها إعجابه بالقصائد الحرة التي سمعها من نيلا وهي تقرأها في حفلاتها الخاصة علمًا بأنه المتلقي البسيط الذي اعتاد على سماع الأشعار الموزونة المقفاة لحافظ وجلال الدين الرومي وغيرهما من الشعراء الكلاسيكيين. لم تخبئ نيلا مشاعرها تجاه نبي حيث أخبرته بأنها تعتقد أحيانًا "أنه صديقها الوحيد" لكنه لم ينتبه إلى حرارة هذه الصداقة التي كانت تعتمل تحت الرماد. ومما فاقم رغبتها في الرحيل إلى باريس هو إصابة زوجها بجلطة تركته طريح الفراش، ومحاولتها الجدية لإنقاذ ابنتها المتبناة باري من العسف الذي يمكن أن تلاقيه في المجتمع الأفغاني المتشدد، فلاغرابة أن تهمس في أذن نبي قبل الرحيل بأنه كان الوحيد في حياتها لكنه لم يعرف ذلك!
لم يكن نبي سعيدًا بوصية البيت والأموال التي تركها السيد وحداتي له كما أنه لم يتفاجأ بخبر انتحار نيلا عام 1974. وكل الذي كان يتمناه من صديقه الطبيب اليوناني ماركوس فافاريس أن يُدفنه إلى جوار سيده سليمان وحداتي في مقبرة (عشوقان- عرفان)، وأن يُوصل بعد وفاته رسالة إلى ابنة أخيه باري يوصي لها بالبيت والمال وبعض الممتلكات الأخرى.
تتأكد باري بأن نيلا لم تكن أمها البايلوجية لذلك تشرع بالبحث عن أهلها. وحينما قرأ لها الدكتور فافاريس الرسالة أشرقت الذكريات في ذهنها، لكنها ما أن تلتقي شقيقها عبدالله حتى تكتشف أنه مُصاب بالزهايمر ولم يعد يتذكر حتى أبيات الشعر التي كانا يرددانها في صغرهما ومع ذلك فقد أيقنت بأنها عثرت على جزء ضائع من ذاتها. ثم لفت نظرها صندوق قديم وما أن أزاحت مزلاجه ورفعت الغطاء حتى وجدته ممتلئًا بالأرياش الملونة التي أعادتها إلى طفولتها المبكرة في قرية شادباغ فبدأ الضباب ينقشع عن بيوتها المتواضعة كلما أمسكت أناملها بريشة حمامة أو بطة أو طاووس.
إذا كانت روايتا حُسيني الأولى والثانية عن الأبوة والأمومة فإن روايته الثالثة هي عن العلاقة بين الأخوة والأخوات وأبناء العمومة كما هو الحال بين عبدالله وباري من جهة، وبروانة ومعصومة من جهة أخرى، وإدريس وتيمور من جهة ثالثة حيث عاد الأخيران إلى كابول عام 2003 كي يستردا أملاكهما.
تنطوي الرواية على مفاجآت كثيرة، فالقائد ساهيب ومؤسس شادباغ الحديثة الذي يوزع الأموال على الفقراء، إنما هو في حقيقة الأمر أكبر مجرم حرب وقد سوّى القرية بالأرض وشيّد محلها قصرًا كبيرًا شامخًا بينما كان إقبال، الأخ غير الشقيق لعبدالله، ومالك الأرض، يعيش في مخيم للاجئين في باكستان. جدير ذكره أن هذه الرواية قد بيع منها 3 ملايين نسخة بعد خمسة أشهر من صدورها. كما تُرجمت إلى 40 لغة عالمية.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الباندا. . . الحيوان الأكثر فتنة وجمالاً على الأرض
- ضعف السيناريو في فيلم قلوب متحدة لحسن كيراج
- السخرية السوداء في مياه حازم كمال الدين المتصحِّرة
- حكايتنا. . . فيلم عن السجون التركية في عهد الجنرالات
- أدب السجون في تجربة الكاتب ياسين الحاج صالح
- الدورة التاسعة والخمسون لمهرجان لندن السينمائي 2
- الدورة 59 لمهرجان لندن السينمائي 1
- نازك الملائكة وهاجس التجديد
- كيف روّضت باريس الوحش النازي؟
- استرجاع ذاكرة الطفولة والمكان في فيلم ما تبقى منكِ لي
- الجيكولو في مخالب المتعة
- الروائية العراقية سميرة المانع تترجم صباح الخير يا منتصف الل ...
- قنبلة المخرج الأميركي رَشمور دينُويَر
- بانتظار مامو. . . البطلة التي أخرجت 100 طفل من السجون النيبا ...
- المخرج جوناثان هالبرين وموت عقد الستينات
- محاكمة الفكرة المستحيلة في ليلة الهدهد
- ومضات من السيرة الحياتية والشعرية لديلِن توماس في شريط سينما ...
- رسائل حُبٍّ للرجال العظماء
- الليالي العربية في الخطاب البصري الغربي
- الفن الفقير


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - رواية متشظيّة بتسع وحدات قصصية رشيقة