أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أويسال هالي - لكنت لأنساك














المزيد.....

لكنت لأنساك


أويسال هالي

الحوار المتمدن-العدد: 4973 - 2015 / 11 / 2 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


تطأ قدماه تراب أرض قريته التي ما لبثت ملامحها تختفي من ذاكرته. نظرته لما حوله من الناس مختلفة ، بدت كنظرة أجنبي مشمئز ، مشمئز مما حوله من حمير، و بغال، مما حوله من مزارعين بثياب بالية، مما حوله من صغار متسخين، يلعبون بالطين، كما فعل هو سابقا، لكنه نسي أنه فعل ذلك، يساعد زوجته على النزول ،هي كانت نظرتها مختلفة، لم تنظر إلى التخلف المحيط بها، اكتفت بالاستمتاع بالهواء المنعش، و الطبيعة الخلابة، لم تر وساخة الاطفال، بل رأت عيونهم البريئة، لم تر ملابس المزارعين البالية، بل رأت وجوههم السعيدة، و نظرة الافتخار بزوجها في عيونهم، و كيف لم يتمالكوا أنفسهم ليرحبوا به .
يمشي في الطريق بسرعة، و كأنه لا يريد أن يرى القرية، كأنه يكره خطواته، أما "أليسيا" ما لبتت تلتفت هنا و هناك، تلوح بيديها للجميع، كانت ردة فعلها مختلفة عن ردة فعل زوجها، هي أحبت المكان، و سرعان ما قالت بالفرنسية: "أهو بعيد؟ " فلم يجب، و اكتفى بالمشي الى بيت أبيه. كانت بسمة أبيه كافية بالنسبة ل"أليسيا" لتعرف مدى حبه لابنه الغائب، لكن كانت ردة فعل زوجها "نمر" الباردة كافية لتعرف مدى كرهه لقريته.
و بعد سهرة طويلة مع والده، لحقت "أليسيا" بزوجها الذي سرعان ما دخل غرفته القديمة، والتي تمنى و هو في المطار، ألا يدخلها تانية ،و ظن أنها خارج حياته عند وصل الى أوروبا، لكنه نسي ان الغرفة جزء منه ، و من حياته ، كما والده، و القرية كلها تنتمي اليه، و ينتمي اليها، و لكنه أصبح لا يدرك ذلك ، حتى الآن، لم يفهم بعد، انه لا يمكنه الهروب بقدر ما يمكنه الاصلاح .
دخلت "أليسيا" الغرفة بدت لها مختلفة، و رائعة، كانت بالنسبة لها بسيطة، مليئة بالدفء ،و الحياة، مختلفة عن غرفتها في اوروبا، لا تحتاج للكثير، ارادت "أليسيا" البقاء لأنها احست بمعنى جديد للحياة ، و لم تفهم بعد السر وراء كره نمر لقريته، رغم أنها اعطته الكثير، و بينما كانت التساؤلات تتراكم في ذهنها، وجدت نفسها تسأله: " ألا تعرف كيفية رد الجميل؟"
نظر إليها بدهشة، و قال : "أي جميل؟"
فأجابته بانفعال: "رد الجميل لوالدك، لأهل قريتك، لأصدقائك، لتراب هذه القرية".
و بدا كمن صفع فجأة، و هو يقول : "أنت لا تفهمين، و لن تفهمي"
فقالت : " أنا لست غبية ، فقط أخبرني أستطيع أن أفهم"
أجاب: "أنا أكره القرية".
فأجابته: "أنت كمن أصيبت رجله بمرض يمكن شفاؤه فقطعها، أ هذا ما تريد فعله؟ قطع علاقتك بالقرية و من فيها، و منهم والدك" .
فقال: " نعم ، فلا دواء لهذه القرية".
سرعان ما قالت : "إن نسيت فسأذكرك ، لقد كنت مثلهم ، لقد كنت منذ زمن من الاطفال الذين يلعبون بالطين، و لولا مجهود والدك لكنت فقط مثلهم، و ما كنت لتحلم بالذهاب لباريس، و الدراسة فيها، و لكنت انت ايضا فلاحا بجلباب بال ، و صندل مقطع، لكن هم سيكونون افضل منك، انهم يحرثون ارضهم بحب، لكن انت لا تريد حتى النظر اليها، و ان كنت تريد بلدة مثالية فسيجدر بك البدء يا متعلم ، فأمثالك هم الأطباء، انت لا يمكنك انكار جذورك، لأنك إن تركتها ستلاحقك ، لقد هربت لسنين في اوروبا لكنك عدت، لان جذورك تلاحقك، انها ثابتة في الارض ، حتى انك لا يمكنك التحرر منها".
بدا كمن يتذكر ذكريات صادمة، و بنبرة تخللها الغضب ،و الدموع ، قال: المشكلة انها تلاحقني، في هذه القرية رأيت امي تموت و هي تلد أخي، لأنها لم تجد طبيبا، لم ار في هذه القرية سوى البؤس ، و الدمار، لا تذكرني القرية الا بصرخات أمي الأخيرة..."
فقاطعته قائلة: "فلم تجد حلا سوى ترك القرية، حتى يرى اطفال آخرون نفس بؤسك، نفس آلامك، آسفة ، لكن كلامك لم يغير وجهة نظري، لا زلت فقط ناكرا للجميل".
نظر اليها بدهشة، و شعر بنفسه شريرا و قاسيا، وجد نفسه غبيا عندما ظن ان القرية سبب بؤسه، و أن تركه لها سوف يخفف من آلامه، او كما قالت "أليسيا" احس بنفسه ناكرا للجميل، فقط ناكرا للجميل،
فأجابها بنبرة تراجع:" لن أرحل سأبقى هنا...سأبقى هنا...".



#أويسال_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أويسال هالي - لكنت لأنساك