أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - رحلة جمال الغيطاني الأخيرة














المزيد.....

رحلة جمال الغيطاني الأخيرة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4972 - 2015 / 11 / 1 - 22:48
المحور: الادب والفن
    


تصورتُها رحلةً من رحلاتك الاستكشافية التي تغوص فيها شهرًا أو شهرين، دهرًا أو دهرين، برهةً أو برهتين، سائحًا بين متون كتب التاريخ، أو هائمًا بين دروب القاهرة وحواريها وأزقّتها، أو جائلاً في أروقة مساجدها وكنائسها ومعابدها، بمحاريبها وهياكلها، متفحّصًا فسيفساءها ومشربياتها وعراميسها وأجراسها وأبراجها وأيقوناتها، لتعود إلينا بعدها مُحمّلا باللُمَح والأفكار والتأملات والإبداع التي تشكّل منها "تجلياتك المصرية" لتضخّها بصوتك الرخيم ودارجتك المصرية العذبة في ثنايا أرواحنا، فنمتلئ غِنًى وجمالاً ومعرفةً بتاريخنا وتواريخنا. تصورتُها جولةً معمارية بين أبنية مصر العتيقة المتهالكة التي تعرف عنّا أكثر مما نعرف، تحجُّ إليها لتجمع اسكتشات رؤيوية ثم تنبئنا ماذا قال لنا السَّلفُ الصالحُ في حكاياته الخالدة، فنتعلم ونثرى معارفَ وإيمانًا وتاريخًا. تصوّرتها رحلة صوفية إلى سِدرة المُنتهى، تصعدُ فيها إلى أعلى العِليّين، تجوبُ صفحة المياة بين ضفّتي الكوثر، وتقفُ عند قدمي العرش العظيم لتسأل الرحمن أن يرأف بحال مصر وأبنائها، ثم تعود إلينا مُحمّلا بالبشرة بأن الله يدخر لمصر نورًا ورغدًا ووعدًا بالجمال والتحضر، كما كتب لها منذ فجر التاريخ. تصورتُها رحلتك داخل الهرم الأكبر، أيها الأديبُ الأكبر. هل تذكر؟ حين قضيتَ ليلةً كاملةً في غرفة الدفن، ورقدت داخل تابوت أقصر من طولك، ليتمدد الزمن وتستطيل ساعاتُ الليل القِصار لتغدو كأنها الدهر السرمديّ الذي لا فجرَ بعده، من فرط الهول وغول الظلام الذي كأن له وبرًا تكاد تلمسه بيديك من فرط إدماسه وكثافة عتمته! أخبرتنا أن جسدَك فقد ماديتَه، فتحوّل إلى "طاقةٍ" لا قانونَ فيزيقيًّا لها. وأن طاغوتَ الظُلمةِ قد أفقد عقلَك سيطرتَه على سائر أعضاء الجسد. فيعطي أمرًا لليد أن تتحرك، ولا تستجيبُ اليدُ! كأنما الأعضاءُ قد اِسْتُلِبت جميعُها نحو آمرٍ ناهٍ جديد، ليس هو العقل، إنما هو قداسةُ اللحظة وهَوْلُ فرادتها! لحظة أن تُتاح لأحد أبناء الراهنِ، أن يرقدَ في تابوتٍ صنعته يدٌ عاشت قبل خمسةٍ وأربعين قرنًا من الزمان، داخل قُدْسِ أقداسِ أعظم بناية شيدها الإنسانُ على مرّ التاريخ. داخل تابوتٍ يرقدُ في قلب أول وأقدم عجيبةٍ من عجائب الدنيا، والوحيدة التي ما تزال تنظرُ بصَلَفٍ وتحدٍّ إلى جبروت الطبيعة من زلازلَ ورياحٍ وعواصفَ وأعاصير . لماذا خفتَ من الظلام أنت الذي عاين ألوان الظُلمات في معتقلات العدو وخنادق حرب الاستنزاف التي كادت رصاصاتُها تحصد روحك مرةً ومرّات، لكن الله كان يُنجيك من أجلنا. هل تذكر؟ كنت تقول لنا: “أنا اليومَ أعيش بالمصادفة!” فلماذا خذلتنا المصادفةُ هذه المرة ولم تعد من رحلتك التي عشتَها شهرين فيما أسماه الأطباء غيبوبة! ما أقبح المرض حين يباغتُ قلبًأ مبدعًا مثل قلبك! هل تذكر دموعك في معهد العالم العربي بباريس 2003، حين لمحت سمير سرحان محمولا على مقعد متحرك يصعد خشبة المسرح ليرحّب بك روائيًّا كبيرًا، وبأحمد عبد المعطي حجازي شاعرًا كبيرًا وبي، أنا الشاعرة الصغيرة آنذاك؟ ظمأ سرحان وطلب الماء، فكنت أسرعنا بإروائه رغم الخصومة العابرة التي ألقت بظلالها عليكما وقتها. ثم ترقرق الدمعُ في عينيك مثل لؤلؤ النبل والعذوبة حزنًا على الرجل الذي هزّ أركان الهيئة المصرية العامة للكتاب أعوامًا، وزلزل خشبة المسرح بمسرحياته عهدًا.
لماذا طالت رحلتُك الأخيرة؟ حتى التحمتْ بالأبد التي لا يعود منها المسافرون؟ أين أنت الآن ولمن تحكي تجليّاتك المصرية؟ ألم نخبرك أن رموزنا المتبقية باتت عزيزةً شحيحةً، بعدما نزفناها رمزًا في إثر رمز في السنوات القليلة الماضية؟ لماذا لم تعش ألف عامٍ كما أخبرتُ مُحبيك في مقالي عنك حين دخلتَ في غيبوبتك الصوفية الأخيرة؟ لماذا لم تُشارف المائة عام على الأقل كما فعل عرّابك وحبيبك نجيب محفوظ؟! كان لديك الكثيرُ لتخبرنا به، ولدينا آذانٌ ظامئة تودّ سماع حكاويك، وعيون جائعة تهفو لقراءة إبداعك. جمال الغيطاني، نمْ في سلام، سامحك الله.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تسمونها: معركة انتخابية؟
- المُغنّي والزعيم... وشعبٌ مثقف
- عسل أسود
- المال مقابل الكرسي
- جمال الغيطاني... خذلتني
- قانون مكافحة التجهيل العمدي
- هكذا الحُسنُ قد أمر
- ما العلمانية؟
- سجينة طهران
- السلطان قابوس والاستنارة
- حزب النور سنة 1919
- السيف والرمح والقرطاس والقلم
- المراجعات على نهج ناجح إبراهيم
- أرجوحةُ الخَدَر ودولةُ الحاجة
- الأوغاد لا يسمعون الموسيقى
- حوار شامل مع الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت حول التيارات المتطر ...
- صباحُ الخير يا زينب
- الكارت الخائب
- أنا أغنى امرأة في العالم
- مسيحيو حزب النور


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - رحلة جمال الغيطاني الأخيرة