أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ارنست وليم شاكر - عصر محمد علي - دمياط ومعاملة الأقباط ..ج2 الشهيد سيدهم بشاي .















المزيد.....

عصر محمد علي - دمياط ومعاملة الأقباط ..ج2 الشهيد سيدهم بشاي .


ارنست وليم شاكر

الحوار المتمدن-العدد: 4972 - 2015 / 11 / 1 - 14:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عصر محمد علي - دمياط ومعاملة الأقباط ..ج2
الشهيد سيدهم بشاي .

كان سيدهم بشاي واحدا من الذين هجروا دمياط [*] – لأن تعمير الإسكندرية منذ شق ترعة المحمودية والتي تم افتتاحها عام 1820م وتجديد المواني هناك كان عامل جذب لكثير من المصرين وكذلك للأجانب الذين فتح محمد علي الديار المصرية لهم ليشاركوا في نهضة وبناء مصر الحديثة – وقبل أن تنتقل أغلب التجارة الخارجية لميناء الإسكندرية كانت دمياط وحتى هذا العصر الذي نحن بصدده ميناء له أهميته التجارية – خاصة فيما يتعلق باستيراد الأخشاب.

ولما جاء صاحبنا من الإسكندرية أقام عند أخيه بحارة النصارى، وبالتأكيد إن لم يكن حاضرا فهو قد سمع عن كل ما سبق وأن قدمناه من أحداث طائفية بشعة ، مما كان له أثر سيئ جدا على نفوس أصحاب الضمائر والخلق ، فقد عمت حالة من الذعر بين الأقباط على وجه الخصوص وكل الأقليات الغير مسلمة هناك ، وحالة من التربص تفشت بين عوام المسلمين وسفهاء المقاصد التي أُطلق لهم العنان ليمارسوا سادية متوحشة بتلذذ همجي "مقدس" – (كما سبق وأن أشرنا ، مع ذكر وقائع محددة لما كان علية الوضع عام 1844م ومنذ مطلع شهر مارس - في الجزء الأول من المقال) - وصار الأقباط هم كبش الفداء المُقدم لهم لقمة سائغة ، والذي وضع على رأسه كل خيبة ألمت بهم وكل إحباط عايشوه وكل بؤس مروا به ، فلا يوجد شيء أكثر فجورا وأجراما يتحرك بغريزة الموت الشبقة كما تتحرك الجماهير الغير واعية والمشحونة دينيا.

في 21 مارس كان سيدهم بشاي ذاهبا كعادته إلى الكنيسة القبطية الوحيدة هناك – والتي كما ذكرنا سابقا – هي عبارة عن حجرة صغيرة في وسط المدافن التي كانت مسورة بأسوار عالية ، الأمر الذي جعل الاقباط الخائفين من شرور النوايا المتربصة بهم أن يتجنبوا الحديث عن الكنيسة فيقول الواحد لصاحبه : "اني ذاهب للسور" خوفا وتحسبا من التلفظ باسم كنيسة فيسمعه مارا من حرافيش العوام فيسبه ويسب دينه ويهينه بالألفاظ النابية التي صارت العملة الجارية في مجتمع بلغت به الطائفية هذا الحد القابل للتفجير لأهون سبب.

وفي طريقه إلى الكنيسة وقف أمامه أحد المتنطعين الذين تكتظ بهم البلاد والتي تشربوا أن التضييق على الذمي في الطريق العام هو ما يشعره بزلته في الكفر وما يمنحه الإسلام لأهله من العزة. استمر سيدهم بشاي في طريقة غير عابئ بهذا المتحرش حتى وقف أمامه قائلا : أشمل يا نصراني (أي أتخذ من اليسار طريقا ويفسح الطريق جهة اليمين لأهل اليمين والتكريم المحفوظ فقط لأبناء المسلمين).
لا نعرف بعدها ماذا حدث على وجه اليقين ولكن ما حدث جعل هذا النطع يصيح ويهلل ليحشد الناس حول هذا النصراني الذي ربما لم ينصاع لأمره أو أنه لم يشفي غليله من المهانة كما تاقت نفسه البائسة، وفي الحال تجمهر الغوغاء والصبية من كل فج عميق وخربة نتنة لجرابيع معقدة مستعدة للانقضاض في أي لحظة – وقد حدث ما حدث قبلها بيومين مع السيد "باسيلي الخولي" – ولأن حادث السيد "باسيلي" لم تجد رادعا من القائمين على الأمر فمن البلاهة تخيل أن ما سيحدث للسيد "سيدهم بشاي" سيتوقف عند ما توقفت عليه الحادثة الأولى، وخاصة أن الثاني ذاهبا إلى الكنيسة، واستمرت زفة العار هذه حتى مر المفتي فأعلموه بما حدث من النصراني الوقح أن فعلا – وهو الذهاب للكنيسة في وضح النهار دون ساتر - أو تلفيقا من سب الإسلام أو التطاول على مسلم باللفظ أو اليد أو لمجرد عدم الإذعان والخضوع التام لأوامر أحد السوقة المتسيدين على المستضعفين في الأرض ... أيا كان الحوار أنتهى الأمر ، وكما هي عادة هذا المفتي الشديد التعصب، أنه قال : " كيف لرجل نصراني أن يستخف بالإسلام والمسلمين ويتطاول على نبيهم والمرسلين ؟!!" – كما جاء في تقرير مخطوط وجد منه أكثر من نسخة واحدة منهم قدمت للبابا بطرس الجاولي [**].

فكانت دائما وأبدا هذه هي التهمة الجاهزة – القديمة قدم تكوين المجتمعات الطائفية – هو الاتهام بسب الدين والازدراء بدين الغالبية العظيم، والذي يكفي فيها شهادة بعضا من الرعاع لتطير فيها الرقاب ويستحل فيها المال والعرض والدم ..

** المحاكمة الشرعية – والحكم بما أنزل الله .

دبر القاضي الشرعي والمفتي شهودا على "النصراني" ولفقوا القضية كما أرادوا ثم طالبوا الجند مع لفيف من الرعاع بإحضار المتهم للمثول أمام القاضي الشرعي بحضور المفتي ، فانطلقوا يطلبون الرجل الذي استخبروا عن مكانه فأتضح لهم أنه في الكنيسة ، أخذوه من الدار للنار . فتعمدوا المرور به في شارع السوق، ليتقرب كل مار إلى الله بالصفع أو الجرح أو نتف ما بقي من لحية وشارب أو الاكتفاء بالسب وهذا أضعف الإيمان...
وبينما الحال على ما هو عليه من أحتفال المدينة بعارها وهوان حالها ، تصادف مرور رجل شهم ، صديق لسيدهم بشاي وهو على ما هو عليه مما يخجل له الكريم ويشق له الثوب وتعفر الوجوه بالتراب لو كان بين الناس ناس - ولكن الجهل قلب الناس خلائق مسعورة .. هذا الرجل اسمه المعلم "بانوب فرح ابراهيم" فرأى ما رأى ولكنه على الصمت ما قدر – فأقتحم الجمع اقتحاما ، لاءما معاتبا مهدئا مطيبا للخواطر متوسلا محتكما للعقل للشهامة للرحمة – ولكن هل تتحدث بعقل لمن تعصب وحرقته نار التعالي فأفقدته صوابه؟ .. ثم كيف تتحدث عن العدل والرحمة للرعاع صار عندهم الهمجية قداسة والجرم عزة وفخر ؟!! ... أنها ساعة الشيطان وقد حانت وشهوة إبليس تتفجر في عقول ودماء وأعصاب الجماهير الجاهلة الغبية الفؤاد ، فما كان للمعلم بانوب ما اراد بل أنه وبعد أول صفعة هان على الناس التي أبهرها ربما وقوفه الثابت وهو بمفرده بغير سلاح يواجه الجموع الحاقدة ، هان الرجل فانقضوا عليه بالجريد والعصي والطوب ثم تركوه بين حي وميت.
تنتهي المخطوطة التي رفعت للبطرك والباشا أنه بعد أيام كان قد فارق الحياة في بيته على أثر هذه التجربة المريرة القاسية المهينة.

وقف السيد "سيدهم بشاي" وكان رجل في الأربعينيات من العمر ، ولكنه في اسوء حال بعد الضرب والسحل وتمزيق الثياب ونتف شاربه ولحيته أمام المفتي والقاضي الشرعي – الذي رأى هذا الحال وكأنه ما رأى، وجيء بشهود الزور، فشهدوا عليه كما اتفق.
أودع سيدهم بشاي في السجن لحين عرضه في اليوم التالي بديوان المحافظة بحضور المحافظ "خليل أغا" والشيخ "علي خفاجة" والشيخ "البدري" ونقيب الأشراف والقاضي وبقية المشايخ ، وأرسلوا البكباشي "مصطفى فطين" ، فأحضر المتهم ليمثل أمام قضاته – فحكموا عليه بالضرب خمس مائة جلدة في ميدان المحافظة ، مع "تجريسة" في شوارع المدينة ..
** "التجريسة"
قاموا بتعريته مما تبقي على جسده من ملابس ، والبسوا المسكين "كرشة" خاروف من رأسه ، ولطخوا جسده بالأوحال وعلقوا على رأسه مقشتين ملوثتين بالقاذورات ... ثم أركبوه على جاموسة بالمقلوب واضعين على صدره صليبا كانوا قد لطخوه بالقاذورات وراحوا يجوبون شوارع المدينة يستهزأ به ويتشفى فيه كل من كان له هوى في ذلك وما أكثر الرعاع!!
بقي سيدهم بشاي ضحيتهم لأربع أيام وهو يُدار به في شوارع المدينة – حتى كان اليوم الرابع الذي استشهد فيه "سيدهم بشاي" - وبحسب بعض الروايات ان أحد المتطوعين من المعذبين قام بصب القطران المغلي على رأسيه.

كانت التجريسة لنصراني قبطي يتهم "بازدراء الدين" الإسلامي – أو "الزفة" بدخول أحد "الكفرة" في الإسلام مناسبة للسطو على تجارة الاقباط والأقليات المسيحية لذلك فهي دائما تمر بحارة النصارى .. فهي فرصة للنهب والسطو والتحرش بالنساء ودخول البيوت بغير استئذان – دون خوف لا من قانون ولا عيب ولا رادع.

** استشهاد سيدهم بشاي وبداية عصر جديد.

كما سبق الإشارة لم تكن هذه هي الحادثة الأولى في دمياط – ولكن لم يكثر عدد القضايا ضد الأقباط في غضون اسابيع قليله كل هذا العدد من التجاوزات التي مات فيها كثيرين ، مما جعل المدينة كلها في حالة فوضى وسلب ونهب طال كل المسيحيين من روم وشوام وأرمن بل صار ل الجاليات الأجنبية في غير مأمن من حالة الهياج والصراخ والفتنة القائمة التي لا تنتهي واحدة حتى تبدأ أخرى ... فقبلها ففي شهر مارس وحدة تم رصد أكثر من قصية جئنا على ذكر بعضهم ابتدأ من "باسيلي الخولي" و"إلياس يوسف" مرورا بمقتل "بانوب فرح ابراهيم " وحتى قتل "سيدهم بشاي" ..
صار الوضع في حالى يستحيل معها السكوت ، فقام مندوبين القناصل الاجنبية برفع التقارير التي تنذر بما بلغت به الحالة في مدينة دمياط وما يمكن أن يصل أليه الوضع لو لم يكن هناك رادعا للقائمين على الأمر قبل الغوغاء.. كما قام الأقباط برفع شاكيتهم للباشا يتشكون له ما وقع عليهم من غبن وشر وظلم وهم رعاياه .
كان محمد على في قصره الذي بناه في "شبرا" ، متوعكا، مما جعل الخبر يصله متأخرا، ولكن ما أن وصله الخبر حتى نهض فزعا في هبة سيذكرها له التاريخ ليصلح ما أفسده الجهل والتعصب والذي أستمر يعبث في العقول منذ قرون حتى يجد رجلا كالباشا ليغيره ليصنع بالفعل دولة حديثة لا تنسى الإنسان وهي تريد البنيان.

في المقال القادم نحن على موعد مع محمد علي باني مصر الحديثة وواضع اللبنات الأولى في مفهوم الوطن والمواطنة.

فإلى المقال القادم.
------------------
[*] لم يكن من السيد سيدهم بشاي من المقيمين بدمياط مما يجعل الروايات التي تنسب له أنه كان موظفا كاتبا بالديوان بثغر دمياط – (كما جاء في السنكسار – 17 برمهات) رواية ضعيفة – خاصة عندما يتضح أنه كان نازلا عند أخيه المقيم بحارة النصارى ، وليس له منزل خاص بهذه المدينة – وأنه كان يكلف حنا فخري الدمياطي – السوري الأصل – بالتكفل بالإجراءات الخاصة بالجمارك لشحنة خشب كانت سبب لهذه الزيارة التعسة.
[**]البابا 109 من 1809 إلى 1852م أي أنه عاصر كل فترة حكم محمد علي وابراهيم باشا القصيرة ثم الاربع سنين الأولى من حكم عباس حلمي الأول.



#ارنست_وليم_شاكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قول مواطن غلبان لرئيس همام.
- عصر محمد علي - دمياط ومعاملة الأقباط... ج1
- نعيب تراثنا والعيب فينا
- قضية مريم ملاك و-انتحار- المجند بهاء.
- فذلكة تاريخية، في أصل وتطور البظرميط - الشيخة هبة قطب، والفق ...
- الأقباط وخالد منتصر.
- عن الزيت المقدس سألوني، فقلت: وماذا عن اللبن المقدس؟!!
- يا لطيف الألطاف نجنا مما نخاف : شعار المرحلة.
- جمال عبد الناصر: الابن الروحي لحسن البنا .
- بالمختصر المفيد : جمال عبد الناصر..
- مَن قتل الراهب مرقس ؟
- محنة القرآنيون في دولة المرجعية الداعشية ..
- المثلية: بين الدين وحقوق الإنسان.. بين الله وقيصر .
- المثلية الجنسية ، ومجتمعنا الشاذ ...
- حرية التعبير في زمن قوانين ازدراء الأديان ..
- هل اجتمعت أمتي على باطل قبل البابا شنوده ؟؟؟
- هل مات أبو الفقير بطرك النصارى وأمام المسلمين ؟؟ ... البطرك ...
- مناطق الحكم الذاتي داخل الدولة المهترءة .. والتهجير القصري
- الرجل الذي سقط بين الذئاب والكلاب - -رائف بدوي- ومأساة الحكم ...
- رقصة آل سعود قبل السقوط .. مأساة الحكم بما أنزل الله / 2 .


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ارنست وليم شاكر - عصر محمد علي - دمياط ومعاملة الأقباط ..ج2 الشهيد سيدهم بشاي .