النملة التي حيرت عقول المفسرين

داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 4972 - 2015 / 11 / 1 - 13:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

بينما الملك سليمان يسير في طريق عام بموكب عسكري شبه استعراضي ، ومن خلفه يسير جيش عرمرم بكامل العدة والعدد ، وهو الملك المُهاب المُطاع ، الذي تزوّج بألف أمرأة ، بحسب التوراة ، حتى مر بوادٍ يطلق عليه (وادي النمل) بحسب المفسرين ، واذا بنملة تشاهد الرتل العسكري ، والموكب العظيم ، حتى صرخت بأعلى صوتها منذرة النمل بكارثة قد تحل بهم !، وقد تسحقهم أرجل هؤلاء الجنود ، مما يدل على أن عددهم كان كثيرا جدا. وهم بحسب تفسير(الميزان) (كانوا طوائف خاصة من الجن والانس والطير) .وهذا يدل على انه كان ملكاً.
يقول القرآن : { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }/ النمل :17- 18. قال الرازي: (النَّمْل) معروف الواحدة (نملة). و(أرضٌ نَمِلَة): ذات نمل ، وطعام (منمول): أصابه النمل. (مختار الصحاح ص680، مادة ن م ل. )
*ما اسم النملة؟
واختلف المفسرون في اسم نملة سليمان هذه ! الى عدة اقوال: ففي الكشاف (كان اسمها طاخية) .وفي تفسيرابن كثير: ((أن اسم هذه النملة حرس وأنها من قبيلة يقال لهم بنو الشيصان ، وأنها كانت عرجاء ، وكانت بقدر الذئب أي خافت على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها فأمرتهم بالدخول إلى مساكنهم ففهم ذلك سليمان عليه السلام منها)).(ج3ص465). وفي تفسير القرطبي ان اسمها حرميا.
اذن ثمة ثلاثة اقوال في اسم هذه النملة او اكثر!:
1-طاخية .
2-حرس .
3-حرمية.
ولا ادري لماذا المفسرون حائرون في اسم هذه النملة المزعومة ؟ وهل ان معرفة اسمها يكون من العلوم المهمة ، والذي لا يعرف اسمها يُعد جاهلاً ؟ . اقول هي نملة وخلاص . والادعى أن ابن كثير وغيره جعل لها عشيرة عريقة .
*هل كانت النملة ذكراً أم انثى ؟!
كذلك حار المفسرون في كون هل ان تلك النملة ذكرا كانت أم انثى ؟ . وراحوا يسودون صفحات كثيرة في اثبات ذلك ، بحيث صرفوا وقتاً طويلاً من الوقت والجهد ، وفي امر تافه ولا يستحق عناه وسبر اغوار في هذه المسألة .
قال الآلوسي: ((قالت نملة روعي فيه تأنيث اللفظ وأما المعنى فيحتمل التذكير والتأنيث على حد سواء وكيف يسأل أبو حنيفة رضي الله عنه بهذا ويفحم به قتادة مع غزارة علمه، والأشبه أن ذلك لا يصح عنهما)).(تفسير روح المعاني ج19 ص177)
وقال ابن الحاجب:((التأنيث اللفظي: هو أن لا يكون بإزائه ذكر في الحيوان كظلمة، وعين، ولا فرق بين أن يكون حيواناً أو غيره كدجاجة وحمامة إذا قصد به مذكر فإنه مؤنث لفظي، ولذلك كان قول من زعم أن النملة في قوله تعالى: ﴿-;- قَالَتْ نَمْلَةٌ ﴾-;- أنثى لورود تاء التأنيث في (قالت) وهما لجواز أن يكون مذكراً في الحقيقة وورود تاء التأنيث كورودها في الفعل المؤنث اللفظي نحو: جاءت الظلمة)) (روح المعاني 19/ 177).
وفي الكشاف ((عن قتادة أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس ، فقال سلوا عما شئتم ، فسأله أبو حنيفة رضي الله عنه وهو شاب عن نملة سليمان أكانت ذكراً أم أنثى ، فأفحم فقال أبو حنيفة رضي الله عنه كانت أنثى ، فقيل له بماذا عرفت ، فقال: بقوله: (قالت نملة) ، ولو كانت ذكراً لقال قال نملة ، وذلك أن النملة مثل الحمامة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى ، وهو وهي يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ولم يقل ادخلن، لأنه لما جعلها قائلة والنمل مقولاتهم كما يكون في أولى العقل أجري خطابهن مجرى خطابهم)) (الكشاف ج3ص9399).
قال ابن كثير: ((ومن قال من المفسرين أن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره وأن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب أو غير ذلك من الأقاويل فلا حاصل لها، والغرض أن سليمان عليه السلام فهم قولها وتبسم ضاحكاً من ذلك، وهذا أمر عظيم جداً)) تفسير ابن كثير 3/ 476. الزمخشري : سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال , وكانت تمشي وهي عرجاء تتكاوس -;- وقيل : كان اسمها طاخية .
وفي صحيح مسلم 4/ 1759، حديث رقم: 2241، عن النبي: «أن نملة قرصت نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح».
*اين يقع وادي النمل الذي مر به سليمان؟!
وكألعادة أن المفسرين يختلفون في كل شيء وهم يفسرون آية او انهم يكشفون غامض ، فيقعون في دهاليز وامور لا تخدم العلم في شيء .
فقد ذكر صاحب الميزان : ((وادي النمل في الشام على ما قيل ، وقيل : في ارض الطائف ، وقيل: في اقصى اليمن )) . فأين يقع هذا الوادي؟ فحتى صاحب الميزان لم يرجح احد الاقوال الثلاث. فهم ، كما تحيروا في اسم النملة وهل هي ذكراً ام انثى ، كذلك في موقع وادي النمل .
*الخلاصة
هل أن حادثة النملة مع سليمان الملك فعلاً قد حدثت ، أم ان القرآن يروي ذلك من باب الموعظة ؟ . ثم أن المفسرين قد تجاوزوا الحد في ذكر هذه النملة ، وغاصوا في الكلام الذي تكلمت به مع سليمان ، كيف هو ؟، فالبعض قال: ان ذلك جاء من باب الايحاء ، والآخر قال : بل ان الله انطقها بكلام صريح ، لأن سليمان قد اعُطي منطق الطير ، الى غير ذلك من كلام اقوال المفسرين التي لا طائل منها ، وان تتبعها كلها لا تخدم العلم في شيء بل هي مضيعة للوقت .
إن نطق الحيوانت والحجارة وغير ذلك كان تراث جاهلي تسرب الى الاسلام . وفي هذا يقول أمية بن ابي ابي الصلت:
واذ هم لا لبوس لهم تقيهم ..........واذ صم السلام لهم رطاب
بآية قام بنطق كل شيءٌ شيء........وخان امانة الديك الغراب
(امية بن ابي الصلت – حياته وشعره ، دراسة وتحقيق الدكتور بهجة عبد الغفور الحديثي ، ص93 طبعة بغداد، سلسلة خزانة التراث) .
1/11/2015

#داود_السلمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات