أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - بين فراغ النماذج وضعف الطالبين، أي تغيير في سوريا؟















المزيد.....

بين فراغ النماذج وضعف الطالبين، أي تغيير في سوريا؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1361 - 2005 / 10 / 28 - 12:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


قلما يتمنى السوريون أن يكون بلدهم مثل العراق أو مثل لبنان أو مثل مصر أو مثل الأردن، وهي الدول العربية المجاورة جغرافيا و/أو القريبة ثقافيا ونفسيا واجتماعيا. قد يرغب بعض منهم في السير على دروب هذه الدولة العربية أو تلك، وقد يأمل كلهم في تبدل الحال واستقبال حال من سعة العيش ورشاد الحكم وقوة الدولة، لكن الأمل هذا مجرد لا يجد نموذجا يقتدى به، والرغبة تلك جزئية لا تجتذب أكثرية سورية واضحة.
من يريد أن تكون سوريا مثل عراق اليوم؟ لا أحد. بل إن الخشية من مسار عراقي تلون بالقاتم موقف سوريين كثيرين من الضغوط الأميركية على النظام.
ورغم ما يوفره النظام اللبناني من انفتاح على العالم وحريات إعلامية ومؤسسات تعليمية مستقلة ومتقدمة ودخل يفوق دخل السوريين بحوالي 4 مرات، فإن طوائفيته وأزماته الكيانية وذكريات حربه الأهلية وفساد نخبته السياسية، فوق صغر حجمه، يقلل من إمكانية الاقتداء به. قد نجد سوريين يتمثلون بشباب 14 آذار اللبناني لكنهم قلة، وقد نجد سوريين آخرين معجبين الإعجاب كله بحزب الله وزعيمه السيد حسن نصر الله لكنه ليس إعجابا يدفع إلى الاقتداء. بالجملة، لبنان ليس نموذجا يتطلع عامة السوريين إلى محاكاته، بصرف النظر عن رأيهم في نظام حكمهم.
ورغم أن الأردنيين يتمتعون بدخول أعلى بمرة ونصف من السوريين ومستوى حريات عامة أوسع وفساد حكومي أقل، فإن الأردن اصغر من سوريا وينظر إليه بشكل عام انه أدنى حضاريا (هذا حكم لا يقبل تفحصا موضوعيا، قيمته أنه موجود). علاقات الأردن الإسرائيلية ليست شيئا يمكن للسوري المتوسط أن يتعرف فيه على شيء يتطلع إليه. بالنتيجة، الأردن أيضا ليس نموذجا يهتدي به السوريين.
مصر مؤهلة اكثر من غيرها للعب دور القدوة بحكم حجمها وعراقتها وسوابق الشراكة معها، لكن مصر تبدو أفقر من أن يرغب السوري المتوسط لبلده أن يسير على هديها، وعلاقاتها مع إسرائيل ونوعية علاقاتها مع الولايات المتحدة ليست مثالا يستنار به.
كل من الدول العربية المذكورة يمكن "التكسير" في نموذجها بسهولة في أي نقاش بين سوريين عاديين. هذا لا يعني بحال أن أوضاع سوريا الراهنة أفضل من الدول العربية المذكورة، باستثناء العراق طبعا، لكنه يعني أن الفارق المحتمل بينها وبين سوريا الحالية لا يغري بالتمثل بها؛ يعني أيضا ضعف جاذبيتها وتعذر اقتراح أي منها مثالا لمستقبل سوري مختلف في نقاشات السوريين حول التغيير والمستقبل.
باختصار، ليس ثمة نموذج جذاب نعرفه ويمكن أن يقتدى به. الدول التي يمكن أن نتأثر بها أوضاعها ليست جذابة، إن لم تكن منفرة؛ والدول التي تتمتع بأوضاع أحسن (تركيا، أوربا، نمور آسيا...) ليست قريبة نفسيا أو جغرافيا منا.
هذا واقع يشعر به السوريون بصرف النظر عن موقفهم من النظام، ولا ريب أنه يمثل "نقطة قوة" غير متعوب عليها للقائمين على الوضع الراهن. ويمكن القول إن نقطة القوة هذه تمثل خصما من حساب تطلعات حقيقية للتغيير، وبالخصوص في ظل ضعف المعارضة. ولا ريب أنه لو توفر نموذج مفتوح الآفاق في البلاد العربية المجاورة لاكتسبت تلك التطلعات قوة وملموسية اكبر. قد نتفطن إلى أن تأثير نموذج أوربا الغربية على أوربا الشرقية كان أكبر من أن تمكن المبالغة فيه. لقد وفر على مثقفيها ومنشقيها ومعارضيها وعامة شعوبها جهدا هائلا في الشرح والتوضيح والإقناع، وشكل سندا لهم وظهيرا.
وقد نذكر أنه في خمسينات القرن العشرين تطلع قطاع ناشط من الرأي العام السوري إلى مصر الناصرية وابرم وحدة معها؛ وفي بداية الستينات تشجع البعثيون السوريون على انقلاب 8 آذار 1963 بانقلاب نظرائهم العراقيين الذي سبقهم بشهر واحد؛ وقبل ذلك وبعده بدا الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي نموذجا لـ"قوة المثال" في مجالات التنمية والعدالة والقوة عند الشيوعيين وبعض غير الشيوعيين؛ وفي السبعينات اقتبس الرئيس حافظ الأسد ملامح نظام حكمه من كوريا الشمالية وألمانيا الشرقية.
اليوم ثمة فراغ موحش في النماذج الإيجابية. النظام ذاته يفتقر إلى نموذج مقنع يقلل من شذوذه ويؤنس وحشته وينزع شيئا من غرابته. يعمد إلى اعتبار نفسه نموذجا، أو يستأنس بنموذج صيني مفترض، لا يبدو أن لدى الداعين إليه ما يتعدى فكرة انطباعية عنه. أما المعارضة فإن وجها مهما من وجوه ضعفها هو الطابع المجرد لدعوتها الديمقراطية.
هنالك، بالمقابل، نماذج مضادة أو "مثل سفلى" يخشى منها سوريون كثيرون: نموذج الاحتلال الأميركي، نموذج الحرب الأهلية (المثال العراقي مركب منهما معا، مع مخاطر انقسام البلد)، ونموذج حكم إسلامي متشدد.
على أنه يعدل من هذا الشرط، أعني غياب النماذج الجاذبة، واقع أن الكيانية السورية أقل رسوخا من نظيراتها اللبنانية والعراقية والمصرية، وأن تماهي السوريين بدولتهم أقل من تماهي أكثرية العرب بدولهم. الواقع أن سوريا هي البلد العربي الذي كانت نظم حكمه المتعاقبة، حتى قبل العهد البعثي، تبني شرعيتها على نفي شرعية وجود كيانه. ولو كانت الكيانية السورية اشد رسوخا لكان تأثير غياب النماذج الإيجابية اقوى دفعا للسوريين نحو التمسك بالأوضاع القائمة في بلدهم.
على أن غياب نماذج جذابة ليس جديدا في المجال العربي كله. إنه يعود إلى مرحلة ما بعد حرب 1973 على الأقل، الزمن الذي اتسم باتساع مطرد للفجوة بين حركية المجتمعات وحركية السلطات، زمن نهاية الانقلابات العسكرية والمشاريع الثورية والحروب ضد إسرائيل، زمن الحروب الأهلية والدكتاتوريات الفاحشة والأصوليات المقاتلة. لكن أثر غياب النماذج يكتسب أهمية أكبر في الآن الراهن، الذي يعتقد أنه يطوي صفحة ذلك الزمن وينفتح على آفاق جديدة مجهولة.
لا يقول ما سبق أي شيء عن مستقبل سوريا المحتمل. إنه محاولة لقول شيء عن حاضرها. أما المستقبل فليس ثمة ما يسوغ الاعتقاد بأنه سيكون مختلفا كثيرا عن أوضاع الدول العربية المجاورة.
كما لا يقول أي شيء عن الدول العربية المشار إليها، وإن كان يقول شيئا عن شحوب صورتها في مخيلة سوريين عديدين. وهو شحوب لا يعني بحال أن صورة سوريا أجمل من نظيراتها العربيات، ولا يطعن في دلالته افتقاره المحتمل إلى الدقة أو الإنصاف.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -إعلان دمشق-: أوفاقٌ في زمن الانشقاق!؟
- عن نقد السياسة الأميركية ونقد نقدها
- المسألة المدنية: ضد العنف والتعصب والريعية
- المأزق العربي الأميركي المتبادل
- نحو جامعة متقدمة وديمقراطية: المسألة الجامعية وقضية الطلاب ف ...
- أربع تنويعات على فكرة التسييس
- فحص الضمير الوطني السوري
- العقيدة والهوية ونزع العلمانية
- أخلاق بلا أخلاق
- أوجه اللاعقلانية في السياسة السورية
- لماذا لن ينجح تصدير الديمقراطية من أميركا للعرب؟
- تسمية الأشياء بغير أسمائها: الإعلام محصنا ضد الحقيقة
- خوض الحرب السابقة
- إصلاح سوريا ولبنان للإصلاح بينهما
- سياسة الفرط والبعثرة: إعادة احتلال الميدان العام في سوريا
- من أين يأتي التغيير؟ جدليات الداخل والخارج في -الشرق الأوسط-
- السيف والندى: تأملات سياسية
- في تضاعيف المسألة الإرهابية
- الإسلاميون ومبدأ الشرعية المتساوية
- علمانية في العالم الاجتماعي أم في عالم المثل؟


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد
- في المنفى، وفي الوطن والعالم، والكتابة / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - بين فراغ النماذج وضعف الطالبين، أي تغيير في سوريا؟