آزاد نبي
الحوار المتمدن-العدد: 4967 - 2015 / 10 / 26 - 23:17
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ثمة اعتقاد مشترك لدى جميع الأطراف الضالعة في الحرب السورية إن ما من مخرج من الأزمة دون سحق طرف لآخر, أو كما يقال بالمفهوم الشعبي "قاتل أو مقتول" حتى النهاية, فالجميع على علم إن المعركة السورية غدت مصيرية فاصلة. هذا الاعتقاد ترسخ بعد نسف عدة مبادرات سياسية وميدانية أمكن لها تحقيق وقف إطلاق نار نسبي, لولا الاستعلاء عليها والاستخفاف بها من جانبي السلطة والمعارضة السياسية, لكن حقيقة الأمر, إنه في كلتا الحالتين سواء بنجاح مبادرات السلام أم بعدمها لما تغير شيء من المسار الميداني, نظراً لتداخل الميليشيات والمجاميع والفصائل المسلحة وتعدد غايتها, وهي بطبيعة الحال لا تعترف بأي جهة سياسية رسمية أو غير رسمية سورية سواء من جانبي السلطة أو المعارضة, مخابراتية المنشأ و مجهولة الهوية.
بروز المليشيا كظاهرة تحمل أبعاد عدة لا يمكن تحديدها في إطار مجتمعي واحد, أو ربطها بانهيار سلطة الدولة الناظمة للحياة, ليس لأنها لا تمارس السلطة في ضوء القانون والشرعية الدولية, بقدر عدم إقرارها بما هو سياسي أو قانوني, وبطبيعة الحال فإن الركيزة الأساسية التي تستند عليها كل جماعة خارجة عن إطار الدولة والقانون تبرز في كسب الشرعية إما من نصوص دينية أو فتاوة مذهبية أو من مظلومية جماعة أهلية عانت من الاضطهاد, ودوماً ما تطرح خطب عدوانية, أساسها إلحاق ضرر وغبن بمكون أهلي في حدود تمييزه سياسياً وإعلامياً ليس سياسياً طائفياً فحسب, إنما سياسياً أيديولوجياً على مستوى الجماعة المتمايزة في الانتماء الإثني والطائفي, ذلك ما يعززه تنوعها ضمن طائفة أو جماعة سكانية محددة, من حيث التصور الطائفي الأيديولوجي الذي يختلف من جماعة لأخرى, ويبدو جذرياً في مواضع عدة, كتصور تنظيم داعش الذي يختلف مع نظيرته جبهة النصرة في التعاطي الاجتماعي والأهلي وحتى الديني ممارسةً وسلوكاً. ما يهمنا في هذا السياق, هو امتدادها وتطبيعها في المجتمع السوري بهذا النطاق الواسع, فهي بحال من الأحوال تفوق فرض حالة العسكرة القسرية على جملة العلاقات الاجتماعية والمدنية في المجتمع السوري إلى ما هو أخطر, إلى فرض بعد أيديولوجي الذي يغذي روح العدوانية والعنف, ويعدهما ظواهر طبيعية كجزء من الممارسة الطبيعية في حياة السوريين, ويغدو عامل مهم في تحقيق الشروط المطلوبة لبقاء الذات, إنه يكرس لمحو الأنسنة ويدفعه إلى نوع من التوحش البدائي.
إذاً أدلجة المجتمع على هذا النحو الشامل الذي يتخذه الوعي المليشياوي يمنح نوعاً من المشروعية للصراعات الدائرة بين الجماعات الأهلية على اختلاف تنوعها, ويضفي عليها أن العنف القائم ضد الآخر هو حق وضمان لبقاء الذات إزاء العنف الصادر عنه.
غالبية الجماعات التي تقاتل في سوريا اقتنعت أن مشكلتها ليست سياسية أو مع سلطة قائمة مناطقية أم مركزية, أو أنها جاءت لإنقاذ مكون سوري, إنما مشكلة نزاع على نفوذ واحتلال لأكبر قدر ممكن من المساحة كي تجد موطئ قدم وملجأ وموارد ومقدرات يؤسس عليها سلطانها ويمارس عليها سطوتها, وأكثر ما يساعدها على ذلك ويعزز دورها هو الانقسام الأهلي والديني الحاصل,وغياب استقرار حقيقي للحياة السياسية والدينية, وهي تدرك بالتأكيد أنها عابرة ومرحلية, لكنها تستفيد في الوقت ذاته من هذه الفوضى, وتحصل ما يمكن تحصيله. بتعبير آخر, فهي قوة بارعة الانتهازية في استغلال الظروف الأناركية والاضطرابات السياسية, والتعايش معها والتأقلم في بيئاتها, ومن ثم سن القوانين التي تدعم وجودها وبقاءها وتحريم ما يهدد مستقبلها.
هذا ما يفسر أن كل دولة لها ارتباط عميق سواء جغرافي مذهبي أو عرقي..بالأزمة السورية لديها ميلشيات تخدم سياساتها وامتيازاتها, تسير وفق توجهاتها, وتعمل طبقاً لما تخطط لها, لقاء دعمها إعلامياً ومالياً, أي أن عملية تصدير السلاح وتجنيد العناصر تعتمد على سياسة دولة بعينها, وهو ما يؤشر أن ثمة إرادة متعمدة لحل المليشيا بديلاً عن جيش وطني أو مقاومة شعبية, الشيء الذي يضع نهاية غير معروفة للصراع, فهو بمثابة عملية تحوير لجوهر الصراع الدائر وتغليفه بوقائع أو مسائل دينية أو أهلية. بمعنى آخر, إطالة عمر الحرب وتأزيمها عبر تحويل المطالب الشعبية الوطنية العادلة إلى نزاعات مدنية وأهلية لها امتدادات فوق وطنية من خلال حشر أكثر عدد ممكن من الجماعات المسلحة من مغارب الأرض ومشارقها في دائرة خصبة وملائمة للعنف. وبالنظر إلى المجريات الميدانية, فإن كل دولة لها فعلياً أذرع عسكرية ولو بشكل غير معلن, أصبحت تمتلك أوراق تفاوض هامة في الصفقات والمقايضات, وتستطيع بذلك تصدير أزماتها وتناقضاتها الداخلية إلى الخارج, نلاحظ على سبيل المثال أن الدعم السعودي بات شبه محصور لميليشيا ما يسمى بجيش الإسلام, والقطري لتنظيم القاعدة المتمثل بجبهة النصرة, أما التركي فلا يجد حرجاً في دعم تنظم داعش. في المقابل, تقوم إيران والعراق بدعم كامل لمليشيا ما يسمى بالجيش الدفاع الوطني وما تبقى من الجيش السوري, ولن تتردد في تضعيفه بكل السبل المتاحة, حسب تصريحات الجنرالات الإيرانيين.. إنه في النهاية, وعي دوغمائي محض لا يأبه لمعاناة ملايين البشر ولا لمستقبلهم, منهم جرحى, مهجرين "الذين يتحولون إلى مجرد أرقام بأفضل الأحوال". وعي يتكئ على مواصلة القتل والاحتراب وسحق بلد كامل تحت الركام, قائم على تهديم ما يمكن تهديمه.
بهذا الاعتبار, يمكننا القول أن القوة الفعلية للمليشيات المتقاتلة في سوريا مركب من بعدين أساسيين, أيديولوجي رئيس يكفل بتهيئة الظروف لظهوره وتقويته, وهو ما يعتمد بدوره على البعد الدولي الذي يشكل الخزان المالي والبشري له, وكل ذلك ليبقى البلد مشلولاً لأجل غير مسمى.
#آزاد_نبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟