أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العصافير لا تموت من الجليد القسم الثالث الفصل الثالث














المزيد.....

العصافير لا تموت من الجليد القسم الثالث الفصل الثالث


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4965 - 2015 / 10 / 24 - 11:07
المحور: الادب والفن
    


أجمعت كل الصحف على إدانة الحدث، ادعى بعضها أنه مخطط له، وبعضها لا. اختلفت الأولى حول الفاعل: رأت بعضها فيه إيماءة من الإدارة، وبعضها تصفية حسابات بين الضحية والجلاد. رمت الثانية بالأسباب على كاهل عمال الشهوة، على نقاباتهم المشجعة إياهم على احتلال المصنع، وإلحاق الضرر بالقانون (أيه؟)، وإعاقة الإنتاج! إضافة إلى ذلك، لو لم يتدخل العمال، لما وقع ما وقع! أما السلطة، فقد أيدت فكرة "تصفية الحسابات"، مكتفية بوصف الأمر "بالشوفينية"، بينما قررت ألا تبقى مكتوفة اليدين، وأن تعاقب بقسوة، غير أن لاجرانج وباقي القتلة بقوا طليقين من أي قيد.
لا كلمة واحدة عن قضيتنا الأساسية.
لا كلمة واحدة عن بيير الذي يحتضر في المستشفى ولا عن دموع مادلين.
لا كلمة واحدة عن مارتين وألبير، لا كلمة واحدة عنا.
قررنا النزول إلى الشارع.
امتلأت باريس بأصحاب الملابس الزرقاء المزيتة والقبضات الخشنة، ونهر السين دائب الموج، يواصل عبوره صوب مصبه. ارتفعت لافتات عديدة، على مدى الموكب، ولم يعد هناك مكان نضع فيه القدم على الأرصفة. من العادة أن تكون هذه الأرصفة خالية في الصيف، باستثناء بعض السياح والعاطلين عن العمل. من العادة أن تكون باريس في أغسطس صحراء تذكر بالعرق والقرف والأشعة الحارقة. من العادة أن تكون سيقان الملكات العاريات في قصر فيرساي، ولا تغادر تماثيلها إلى فصلنا. هناك شيء غير عادي اليوم: هذا الموكب السلمي! لتغدو العادة غير العادة وغير العادة العادة. ليغدو ملح العرق حلوًا، وتتخلى الحرارة عن شدتها! كانت المرة الأولى التي أبيع فيها "الحُلم" للمتظاهرين، وبعد أن أعاد الأشقر "تَبًا للعالم" عدة مرات، همس في أذني:
- سترى، ستعود مارتين وألبير وبيير، ستنتصر المقاومة في بيروت!
بعد الظهر، رجعنا إلى ورشاتنا وعملنا، رغم نفاد المحروقات، وعجز البلديات الصديقة عن مدنا بالكابرولاكتام، أيضًا في طريق النفاد.
في الساحة، تكلف البعض بالأمن، حملوا البالات الضخمة لرفع الحواجز، ودعم المداخل. عندما سألنا عن أسباب هذه الاحتياطات، أجابونا أن بعض أسر عمال الشهوة استلموا رسائل تهديد، وأن رجال الدرك يستعدون للهجوم.
في المساء، خلال حراستنا لمصنعنا، اقتربتُ أكثر من المارتينيكي وشارل وجورج الأشقر، وأعلمتهم أنني عقدت النية على الانضواء تحت لواء الحزب الشيوعي. لم يكن ذلك على التأكيد لحبي للنضال، أنا لا أحب النضال. كان ذلك لشيء آخر. بِلا مارتين، أنا أشعر بالضياع. كان ذلك على الخصوص لأجد نفسي، لأجد آخر أمل لي.

* * *

بينما كانت مارتين وألبير عاريين في الفراش...
- لماذا لم تعترف لي بحبك خلال ثلاث سنين قضيناها نناضل معًا؟ سألت مارتين.
- سأقول لكِ، فَكَّرَ ألبير.
- بلا سلطة غير سلطة قلبك عليك.
- لماذا لم أعترف بحبي لك؟
- نعم، لماذا؟
- لأن الإيديولوجيا استطاعت تدجين الذئب الذي فيّ.
- ذئب! أنت؟
- كل عاشق ذئب على طريقته.
- لهذا مزقتَ لي جسدي بأنيابك! انظر، كل هذه الجراح على صدري وعلى بطني وعلى فخذي!
- كنت أرغب في التأكد من كوني استرددت وحشيتي على أكمل وجه، وغدوت عاشقًا كما يجب عليّ أن أكون، إنسانًا.
- الشيوعية إنسانية.
- الإنسانية شيوعية.
- بل وحشية، أيها الذئب!
هجمتْ عليه، وقبلته بعنف.
- أنتِ أيضًا ذئبة.
- ليس لأني أحبك، أنا أحب سالم.
- لماذا إذن؟
- لأني لا أحبك.
- كيف إذن؟
- نحن نعيش شرط خطفنا، هذا كل ما هنالك.
- شرط...
- نحن نعيش ظرفنا الاستثنائي.
- ...خطفنا.
- نحن نعيش ظرفنا العابر.
- ظرفنا العابر.
- لأنه ظرفنا الاستثنائي.
- ظرفنا الاستثنائي.
- ليس خطفنا كل السبب وكل هذا الترف الذي جَعَلَنا خاطفونا ننعم به، لا ليس كل السبب، هناك الكامن فينا، شيء فردي جدًا، شخصي جدًا، جحيمي جدًا. صُبْ لي كوب شمبانيا (صَبَّ لها)، أَلْقِمْني بعض الكافيار (أَلْقَمَها)، داعِبْ لي ثديي الأيسر (داعَبَها).
- لماذا الأيسر؟
- لأنه مثلنا يساري.
- ظننته الأكثر امتاعًا.
- لا تعد إلى قفص شيوعيتك بمحض اختيارك.
- أنا أم الذئب الذي فيّ؟
- أنت، الذئب... لم يكتمل بعد شرط حريتك. عضه! آه، يا إلهي! أكثر، أكثر، أكثر... يا أمم المغول! يا قوى الرعود والبروق! يا ميتافيزيقيا العناقات الجحيمية منذ آدم وحواء مرورًا بمضاجع ملوك فرنسا وانتهاء بكل قضبان العرب!
- لماذا العرب؟
- لأنهم يقتحمون خيال الأنثى كما اقتحمت خيولهم التاريخ وأخضعوه، ثم تنازلوا له عن كل انتصاراتهم، وخضعوا له إلى يوم الدين.
- لهذا وقعتِ في غرام سالم؟
- لهذا.
- كان عليّ ألا أخضع للإيديولوجيا لتقعي في غرامي، أن أخضع للتاريخ.
- الخضوع... آه! الخضوع... صرخت مارتين.
- الخضوع... همهم ألبير.
- إنه القوة الدينامية للفلسفة المادية للتاريخ التي لم يفهمها أحد غير العرب.
- ...آه! الخضوع.
- الخضوع! الخضوع لثديي الأيسر!
- وثديك الأيمن؟
- لا تعضه، اتركه وشأنه!
- لماذا؟
- ليبقى الخضوع.
- لن يبقى الخضوع إلى الأبد طالما أن للنعوظ نهاية.
- سيبقى.
- بقدرة الإيديولوجيا؟
- بقدرة الدم.
- أفهمُ الآن لماذا إهراق الدماء.
قبض ألبير على ثدي مارتين الأيمن بأظافره، وراح يلوح به، مرددًا:
- اشتر الحُلم، يا رفيق! اشتر الحُلم، يا رفيق!
- هذا الحُلم ليس للبيع!
خلصته ثديها، وقبضت بأظافرها على عضوه، فانتصب:
- هذا الحُلم للبيع!
انقض عليها، وجسداهما طبقتان تتصارعان، بِلَذة التصارع، ومتعة الأخذ والعطاء، حتى غدوا طبقة واحدة مستسلمة مسالمة.


يتبع القسم الثالث الفصل الرابع



* يرجى من الناقد والقارئ اعتماد هذه النسخة المزيدة والمنقحة وباقي روايات المرحلة (مدام حرب، المسار، النقيض، الباشا، الأعشاش المهدومة، العجوز، الشوارع...) التي أعدت كتابتها منذ عدة سنوات في "الحوار المتمدن".

















#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثالث الفصل الثاني
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثالث الفصل الأول
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الحادي عشر وال ...
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل العاشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل التاسع
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الثامن
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل السابع
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل السادس
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الخامس
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الرابع
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الثالث
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الثاني
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الأول
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل السادس عشر والأ ...
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الخامس عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الرابع عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الثالث عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الثاني عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الحادي عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل العاشر


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العصافير لا تموت من الجليد القسم الثالث الفصل الثالث