أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العصافير لا تموت من الجليد القسم الثالث الفصل الثاني















المزيد.....

العصافير لا تموت من الجليد القسم الثالث الفصل الثاني


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4964 - 2015 / 10 / 23 - 14:29
المحور: الادب والفن
    


لم أعلم بخبر الخطف إلا في اليوم التالي عندما أنبأني جورج الأشقر مع بالغ دهشتي أن مارتا ترغب في محادثتي. وجدتها برفقة عادل، الذي تركها أول ما رآني أتقدم منهما، وأنا لا أفهم سبب سلوكه. هل أخافته لافتاتنا أم ماذا؟ سألتني مارتا لماذا أنا ومارتين لم نعد إلى البيت أمس مساء.
- مارتين لم تعد إلى البيت مساء أمس؟ سألتُ مذهولاً.
اضطربت المرأة العجوز:
- لا تقل لي إن مار...
تحجرت في حلقها الكلمات.
- لم تعد إلى البيت مساء أمس!
- ...تين...
في تلك اللحظة، وصل المارتينيكي راكضًا، وصاح:
- لقد اختفى ألبير!
أوضح لاهثًا:
- اتصلت عائلته بنا لتعرف إذا ما كان معنا، لأنه لم يعد إلى البيت الليلة الماضية.
- كان مع مارتين.
- يا مومس الرب! لا تقل لي، يا رجل، مارتين كذلك!
انفجرت مارتا باكية.
- اهدأي، قلت لها.
- أين راحت؟ رددت مارتا، أين مارتين؟
رافقتها إلى الداخل، وأنا أطلب منها أن تهدأ، فمن اللازم التأكد مما وقع لمارتين.
ذهب الأشقر يهاتف الشرطة، وأحاط بي المارتينيكي وشارل وأبراهام وبيير. لم يكن لدى الشرطة أي خبر عن المختفيين، فقال الأشقر إن هذا الاختفاء المفاجئ، إن لم يكن نتيجة لحادث سيارة –شيء لا تؤكده الشرطة- فهو نتيجة لخطف.
- سينتهي بنا الحال إلى إيجاد مارتين، قلت لمارتا، سأعود بها إلى البيت بنفسي، هذا المساء.
طلبتُ منها الرجوع إلى الدار، وعدم القلق، فلا بد أن مارتين مرت على صديقة أو صديق، لسبب أو لآخر.
اتصلتُ بكل الأصدقاء بلا جدوى.
حل المساء، ولم أعد إلى البيت مع مارتين، كما وعدتُ مارتا.
- لم نجد مارتين، قلت لها.
كانت على وشك الانهيار، تماسكت، وسألتْ إذا ما كانت الشرطة تعمل ما يلزم لإيجادها. ليس على ما يبدو، فمن هي مارتين؟ من هو ألبير؟ ومن نحن؟ لو كان رب العمل الذي اختفى، لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها.
- إذن، لماذا هاجموا مارتين؟
- لكسر حركتنا.
- أوه! أيتها السماء!
- لكننا سنجدها، سنجد لكِ مارتين.
دق الجيران الباب، ودخلوا: حسين، لحسن، أنطونيو، إيزابيل، أندريه، أم أندريه، مدام ريمون، أنطوان. سألوني عن أخبار مارتين، فأجبت لا خبر. خبلت حسين الخمر، فراح يسب ويشتم، يرغي ويزبد.
- لماذا لا تبحثون عنها بوسائلكم الخاصة بكم، يا ماخور الرب؟! قال لي. رجال الأمن لا يفعلون شيئًا للأمن! العالم كله متواطئ: ينظر إلى مذابح بيروت بلا تأثر!
دخل عادل، واعتذر لمغادرته المصنع بسرعة هذا الصباح، في الواقع كان لديه موعد هام.
- يجب على عمال الشهوة وكل الأحاسيس النزول إلى الشوارع لتحرير ألبير ومارتين، زايَدَ عادل. يجب أن يكون الضغط على هذا المستوى: الشارع ضد النظام. هكذا فقط سيطلقون سراحهما. لو أني هنا لكنت على رأس كل المظاهرات. مع الأسف، سأغادر البلد (لم يسعد هذا الخبر مدام ريمون)، هذا ما أكده لي موعدي. قلت لك، كان لدي موعد هام هذا الصباح. هذه هي الحياة، ما العمل؟ لم أقل لك، لا منحة لي السنة القادمة، وعليّ أن أستغل الفرصة، وأستفيد من عطلة الصيف لأكسب نقودًا. أنت تعرف جيدًا أن الحياة صعبة في باريس!
قست نظرة حسين:
- وإلى أين أنت ذاهب؟
- إلى الكونغو.
- إلى الكونغو! صفّر حسين.
لم نمنع أنفسنا عن الابتسام.
- نعم، إلى الكونغو. يحاسبوننا بالدولار هناك، وأجورنا جيدة.
- ماذا ستفعل في الكونغو، يا مومس الغائط؟! ستصطاد الأسود؟
- سأعمل كأستاذ في كلية الفلسفة.
انفجر حسين ضاحكًا:
- في الكلية، خلال عطلة الصيف! أنت تستغبينا، خراء، أم ماذا!
- لا يوجد فصل صيف الآن في الكونغو، لأنه بلد استوائي، الأمطار بالأحرى التي ستستقبلني.
- وأطروحتك، ومومس كتابك عن الحرب في لبنان، و... و...؟
- سأكتب كتابًا عن مارتين، عندما أصل هناك.
أدار بوجهه إليّ.
- سأرسل إليك نسخة مطبوعة على الآلة الكاتبة، على أن تزودني بأخبارها أولاً بأول.
- لا تقل لنا إنك مسافر هذا المساء؟ قال لحسن.
سلم عليّ، وقال:
- سترجع حتمًا إلى المصنع، وربما لن أراك.
وخرج دون أن ينظر إلى أحد.
جاء والد لحسن وزوجة لحسن وكذلك حميد وفرانسواز، ونزلت امرأة رونيه وأولادها. قلت لهم إن رونيه يسهر في المصنع، ولا شيء يُخشى عليه. بدت الزوجة مرتبكة.
- من اللازم الصمود، قالت مارتا، لكن جِدوا لي مارتين.
ابتهلت أم أندريه، وتوسلت، ابتهلت إلى الله من جديد، وتوسلت.
أخرج حسين راديو ترانزستور من جيبه، وسمع آخر أخبار القتال في بيروت. لم تكن الأخبار مطمئنة، فأخذ يسب ويشتم، يرغي ويزبد، معيدًا أن العالم كله متواطئ. أعلمنا أن هناك إشاعة تقول إن الطبيب البيطري يلعب دور الوسيط في بيع الأسلحة للأعداء، وذلك بعد الزيارة التي قام بها الكتائب له، ثم طلب بيرة.
- لماذا لا نطرده من الرَّدْب لنتخلص منه؟ أو لماذا لا نحرق عيادته؟ تابع.
في النهاية نهض، وغادر. في وسط الرَّدْب، سمعناه يغني: كانت هناك حديقة اسمها الأرض! وما لبث الجميع أن عادوا إلى بيوتهم.
- سأعود إلى المصنع، قلت لمارتا.
- لماذا لا تنام هنا، هذا المساء؟
- ربما حصلت على أخبار مارتين.
تركتُ الرَّدْب إلى الشارع، فلفني الليل الساكن.
امتد على جسد الصيف ليل العرايا، وباريس في الصيف مرايا. لحنُها أرغن الحب، ومهدُها وَرِكُ النار. بدا لي أن هذه الباريس التي تومض من بعيد، لا تبالي بغياب مارتين. فجأة، سمعتُ صوتًا يختنق بشهقاته. كان أحد السكارى، كان يبكي، ويقيء، وفي قيئه يسعل بحدة، وكأن حنجرته تتمزق. وأنا أمر أمام مقهى عازفة الأرغن، سمعتُ نفس الأصوات البشعة تغني: "بلدي، ليس بلدًا... إنه الشتاء!" رفعتُ رأسي إلى السماء، غير قادر على عد النجوم، والسماء تبدو كسلة من اللآلئ. نشف حلقي قليلاً أكثر، ونزلتُ إلى المترو. تذكرتُ، والهواء الملوث يصفع الأبواب، آخر نبأ سمعته من ترانزستور حسين، بخصوص المعارك. منذ مدة طويلة لم يكتب لي أخي عبد السلام، وتساءلت إذا ما كان حيًا دومًا.
قبل وصولي إلى مصنع الأحاسيس، سمعت نفير عربة إسعاف، كانت تخترق البوابة الكبيرة، وعمال أهواء الروح أشباح تقفز من بعيد.
أخذت أركض بكل قواي، فرأيت بيير يغرق في الدم، ويتخبط على الأرض، بين ذراعي المجنون ستيفان. وغير بعيد، كان ثلاثة آخرون من الجرحى.
نقلناهم إلى داخل سيارة الإسعاف التي ما لبثت أن انطلقت ممزقة صمت الليل.
أوضح لي الأصدقاء:
- تحرش أفراد من ميليشيا أرباب المهن عن عمد بنا، مدعين أن إضرابنا لا جدوى منه، وأن احتلال المصنع ضد المصلحة العامة.
وهذه الأصداء: مصلحة أرباب العمل، مصلحة أرباب العمل، مصلحة أرباب العمل!
- عند ذاك، انقض أحدهم على لافتة، ومزقها، فلوحنا بمكانسنا، وفجأة، "لاجرانج"، الذي نعرفه كلنا، استل مسدسه، وفتح النار. في نفس اللحظة، هرعت سيارة فورد، انفتحت أبوابها، وانقذف أفراد الميليشيا في جوفها، لكننا تمكنا من تحطيم أجنحتها بعصينا، وسجلنا رقمها.
- وبييرو، بييرو...؟ وبييرو؟
فكرتُ في مادلين: ماذا ستفعل، المسكينة، لو عرفت؟ سيجن جنونها.
- اندفع ليقف على ما يجري، لكنهم أطلقوا عليه، قال المارتينيكي لي، والدموع في عينيه، أطلقوا عليه، يا رجل. وهو يقاوم الموت، أوصانا التحكم في عجلة القيادة، يا ماخور الرب! عدم التفكير في الانتقام، لأنها مكيدتهم.
كنت أفكر طوال الوقت في مادلين، وأنا أقول لنفسي إنهم اليوم يتبسّلون لبيير، وأمس خطفوا مادلين وألبير! أحسست بي مُصَمًا، كأن حجر طاحون يسحقني.
انتشرنا في مدينة الليل الدموي، لنبلغ كل عامل. جاءت النقابات، الحزب كذلك، واجتمعنا كلنا على الساعة الثالثة صباحًا. قررنا أن نعمل مؤتمرًا صحفيًا في بورصة العمل على الساعة التاسعة، يليه اجتماع عام في الورشات.
لم يتوقف الليل الدموي للصيف عن الخفق، معلنًا ساعة الحسم.

* * *

قال المارتينيكي لرب العمل:
- نحن لم نتفق على هذا، يا معلم!
سأل رب العمل:
- لم نتفق على ماذا، يا المارتينيكي؟
- مع ما فعله المجرم لاجرانج ازداد الأمر تعقيدًا.
- هذا ما نريد، أن يزداد الأمر تعقيدًا، كلما تعقدت الأمور كلما سهل حلها.
- وبوجهه المكشوف فوق هذا!
- هذا المغفل لا ينفذ تعليماتي كما أقول له.
- سيلقون القبض عليه...
- لا تقلق من أجل لاجرانج، هو الآن في مكان آمن.
- ...وسيعترف بكل شيء.
- لن يمسك أي سوء.
- سيفتضح أمري.
- لن يفتضح أمرك.
- أنا على كل حال سأختفي من الوجود.
- ليس بعد أن نجني الثمار.
- تقصد خطف مارتين وألبير؟ أنا نفذت، والباقي عليك، يا معلم! الباقي لن يكون من المنافع ما تجنيه الكثير، بعد فعلة لاجرانج!
- لا تتعجل حُكْمًا، يا المارتينيكي!
- سأظل في خدمتك دومًا، أنا الوفيّ، يا معلم!
- أنا أعرف فيك الوفيّ الأكثر من بينهم كلهم، يا المارتينيكي!
نهض المارتينيكي، وقبّل يد رب العمل، ثم أعطاه ظهره، وغادر المكان.



يتبع القسم الثالث الفصل الثالث


* يرجى من الناقد والقارئ اعتماد هذه النسخة المزيدة والمنقحة وباقي روايات المرحلة (مدام حرب، المسار، النقيض، الباشا، الأعشاش المهدومة، العجوز، الشوارع...) التي أعدت كتابتها منذ عدة سنوات في "الحوار المتمدن".





#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثالث الفصل الأول
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الحادي عشر وال ...
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل العاشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل التاسع
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الثامن
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل السابع
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل السادس
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الخامس
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الرابع
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الثالث
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الثاني
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الثاني الفصل الأول
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل السادس عشر والأ ...
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الخامس عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الرابع عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الثالث عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الثاني عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل الحادي عشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل العاشر
- العصافير لا تموت من الجليد القسم الأول الفصل التاسع


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العصافير لا تموت من الجليد القسم الثالث الفصل الثاني