أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن















المزيد.....

حدث في قطار آخن


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4963 - 2015 / 10 / 22 - 03:05
المحور: الادب والفن
    


صعد إلى إحدى عربات القطار المسافر من مدينة آخن إلى مدينة دورتموند في مقاطعة "نورد راين فيستفالن" في ألمانيا... حركة المسافرين في المساء بطيئة، العربة فارغة إلا من مسافرين ثلاثة، رجلين وامرأة جلسوا متفرقين وقد أمسك كل منهم في يده كتاباً... كان يومه متعباً أمضاه بالقراءة... للقراءة أنواعها، نماذجها وسرعاتها، منها تلك القاسية البطيئة المُضنية وتلك المرنة السريعة الخفيفة، منها التحليلية الإبداعية ومنها الترفيهية الانتقائية...

بحثَ بعينيه الذكيتين عن تقاسيمَ للمرونةِ رغبةً في المحادثة وهو الذي يعلمُ تماماً عدم رغبتهم بالحديث إليه بعد يوم عملٍ مضنٍ، نظر خلسةً إلى المرأة الجالسة في مقعدٍ مزدوجٍ ومشى تجاهها، اقتربَ منها وجلس قبالتها...

نظر صوبها، لم تعره انتباهاً، احتار بأمره، أصدر ضجيجاً مقصوداً علّه يلفت انتباهها، لم تُحركْ ساكناً، نهض، وضع حقيبته على الرف المعدني فوق المقعد، لفّ رجلاً على رجلٍ، تأمّلها، كانت ترتدي فستاناً أسودَ أنيقاً يغطي جسدها المكتنز من أعلاه إلى أسفله، يغطي كتفيها، ذراعيها، ركبتيها... ربطت شعرها الطويل السميك الكثيف، ارتدت نظّارة بإطارٍ سميك أحمرَ اللّون وانغمست بقراءة كتاب...

على المقعد قربها ثمّة كيسٌ زهري اللّون أنيقٌ، وحقيبة يدوية مملوءة بأشياءٍ لا يعرف كنهها سواها، أنفها جميل، شفتاها عذبتان، استطاع أن يلمح من خلف نظارتها لون عينيها الأخضرَ الزيتوني، نهض من جديد، أنزل حقيبته اليدوية، وضعها جانبه، فتحها، أخرج كتاباً، تنحنح، لم تعره انتباهاً، فتح الكتاب وبدأ القراءة...

نظرت إليه بعد برهة، سألته: عمّ تقرأ؟
ابتسم منتصراً وأجابها بفوقيةٍ: إنّه كتاب علمي اختصاصي، وأنتِ، ماذا تقرئين؟
أجابت: لا شيء يستحق الذكر، قصصٌ عن الحب والنساء والعذاب والعزاء...
استراح كتابها في حضنها، رفعت نظارتها، وضعتها فوق شعر رأسها الخرنوبي، بانت عيناها الواسعتان، سحرته، دفش كتابه جانباً، دنا بجسده منها، لم يجد ما يسألها إلا: "ما اسمك؟"...
أجابت: سابينه، وأنتَ، هل لكَ اسم؟
- أحمد...
وأردف بحشريةٍ: ومن تكونين؟
ابتسمت له: أنا صاحبة إحدى شركات الترجمة المهمة في المدينة...

مدت أصابعها إلى حقيبتها وأخرجت بطاقة تعريفٍ بشخصها، قدمتها له، قرأ اسم الشركة واسمها، هزّ رأسه سعيداً، تذاكى وسألها: ولماذا تسافرين بالقطار في هذا الوقت المتأخر نسبياً؟
ضحكت: كي أقرأ وأصادفك... وأنت؟ ماذا تفعل في هذه الدنيا؟ من أين أنت؟
- أنا من سوريا، أعمل هنا في الجامعة.
- في الجامعة؟! أين بالضبط؟
- في شارع بونت 49.
- إِذَنْ... بالقرب من مؤسستي! بوسعك زيارتي بأقرب فرصة والتعرف على الشركة.
شكرها وحلم بوهج الزيارة.

كاد القطار يقترب من محطة "منشنغلادباخ". نهضت من قعدتها، سحرته تفاصيل جسدها، قامتها، رائحتها، كان رأسه في تلك اللحظة موازياً لبطنها.

نظرت إليه مؤنبةً وقالت: لقد تعرفنا إلى بعض بما فيه الكفاية كي أقول الآن لك: أرجو ألا تنظر إليّ حين أنزل من القطار، وألا تلاحقني بنظراتك، فهناك من ينتظرني. هل تفهم ما أعني؟
استغربَ رجاءها، وخشيةَ خسارتها احترم رغبتها صاغراً، مدّعياً التّحضّر، ودّعته وطارت.

مضت أيام على هذا اللّقاء، كان يذهب كل يوم بعد انتهاء دوامه باتجاه مقر شركتها، الشركة الموجودة في بناية ضخمة عالية نسبياً، لم يجرؤ على دخول البناية والوصول إلى باب شركتها... وذات عصر يوم جمعة حسم أمره أخيراً، طرق بابها، فُتح الباب، وجد نفسه في مكتبٍ فخم، اللون البني يغطي تفاصيل المكان، طاولة المكتب من الخشب البني، الكراسي، اللوحات، الديكورات الخفيفة، السجادة المفروشة في أرض المكتب... خلف الطاولة جلست السيدة. رائحة التبغ تضفي على المكان سحراً استثنائياً. ما إن رأته حتى نهضت، وتقدمت باتجاهه لاستقباله، عانقته، شكرته للقدوم ودعته للجلوس.
- أتشرب القهوة؟
- أشرب.
- تستطيع أن تدخّن، فأنا أدخّن في المكتب.
- شكراً.

مَدّ يده إلى جيب سترته، أوقفته، أوقفت حركة يده، وقدمت له علبة تبغها "بولمول"، أشعلت له السيجارة، وذهبت تُعدّ القهوة... سحب أنفاساً متلاحقة من سيجارته ليغطي على قلقه، شعر بنشوة غريبة، شعر بارتياح، جاء فنجان القهوة، تحادثا عن أشياء لا معنى لها، بردت القهوة قليلاً، أخذ الرشفة الأولى، مذاقها غريبٌ طيب، استعذبها، أخذ الرشفة الثانية، ولحقها بالثالثة، تَوَتُرُهُ خفّ حتى تلاشى، ودّ تدخين السّيجارة الثانية، سبقت حركة يديه إلى جيبه وقدمت له سّيجارة "بولمول" جديدة...

قالت فجأة: ليس من اللائق في عرف الضيافة أن أجلس خلف المكتب وأنت أمامه. سأعمل استثناءً لهذا اليوم وأجلس بقربك، هل تُمانع؟...
- ....

جلست قبالته، رفعت فستانها إلى ما فوق ركبتيها وطوته على وبين فخذيها، باعدت ساقيها، أرخت ثقل ظهرها إلى مسند المقعد، أشعلت سيجارتها واسترخت.
قالت: هذا ما ينبغي أن نعمله بعد نهاية أسبوع عمل، علينا بالاسترخاء.
صبّت له فنجان قهوة جديد، دخّنا كلاهما بتتابعٍ، اقترب منها، حذّرته: "لا تقترب، ستحترق!"
في ذاك المساء احترقا سويةً على السجادة البنية الممدودة في أرض مكتبها، الذي يكتنفه الغموض.

بعد الحريق غادرَ إلى غرفته الطلابية بابتسامةٍ ورأسٍ مملوءٍ بالشهوة وانتظاراتٍ لحرائقَ قادمةٍ... في الطريق إلى غرفته شَعَرَ بأنّ رأسه فارغةٌ إلا من رائحة القهوة وطعم سجائرها.
مرّت عليه عطلة نهاية الأسبوع طويلةً وثقيلة، اشتاق للّون البنّيّ، عندما عاد إلى عمله في أول أيام الأسبوع، حاول جاهداً الاتّصال بها دون جدوى، اتّصل في اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس دون جدوى، عدة مرات في اليوم الواحد دون جدوى.
عصر يوم الجمعة - وكأنه كلب بافلوف - توجّه إلى حيث مقر عملها، طرق الباب، فُتِحَ الباب، سمعَ صوتها مرحباً: كنت أحدس أنّك ستأتي في هذا الوقت...

قدّمت له سجائرها وطلبت منه أن يهدأ قليلاً، كي تُكمل ما بين يديها من عمل.
بعد دقائقَ معدوداتٍ، نهضت باتجاهه ويدها اليسرى تحاول خلع سروالها الداخلي، وما إن اقتربت منه حتى كان سروالها الأسود بين أصابعها...
قربته من وجهه، وقالت: "سأكون لك الليل بأكمله، أين ستأخذني؟ كيف ستحرقني؟"

يُتبع في الجزء الثاني



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -52-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -51-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -50-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -49-
- المرسم
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -48-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -47-
- يانصيب الفرح
- قصة فيسبوكية قصيرة 2
- قصة فيسبوكية قصيرة 1
- السرسكية
- حَسْنَاءُ بِسْنَادا
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -46-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -45-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -44-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -43-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -42-
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -41-
- جراح أدونيس
- حَمِيمِيَّات فيسبوكية -40-


المزيد.....




- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حدث في قطار آخن