أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - أسطرة نصوص العهد الجديد















المزيد.....

أسطرة نصوص العهد الجديد


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4962 - 2015 / 10 / 21 - 21:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




تقف نصوص العهد الجديد، حالها كحال أي نص مقدس آخر، على (ثلاثة مستويات) في روايتها لـ "التاريخ" المصاحب لأشخاصها وأبطال قصصها. فهناك أولاً (البذرة التاريخية) التي تصاحب السرد القصصي لتلك الرواية المقدسة. فـ "يسوع"، مثلاً، كان شخصاً يهودياً حقيقياً متواجداً في فلسطين، هذا مما لا شك فيه، وأنه كان فيما يبدو تلميذاً وتابعاً ليوحنا المعمدان، وأن يوحنا قد عمّده في نهر الأردن تكفيراً عن ذنوبه، أي ذنوب يسوع، استعداداً لقدوم مملكة الرب التي بشر بها أولاً يوحنا، فهذا هو المعنى الوحيد الذي كان يوحنا يُعمد لأجله، وأن يسوع قد بدأ دعوة لـ "مملكة الرب"، على المفهوم اليهودي حصراً وبالتحديد لهذا المصطلح، بعد اعتقال يوحنا أو ربما قتله، وأنه، أي يسوع، قد استقطب أتباع من الفقراء والطبقات الدنيا، وأن أحد أدوار "المرأة" بين أتباعه كان فيما يبدو هو (الصرف المالي عليه، أي على يسوع، وعلى أتباعه من الرجال)، إذ يسوع وأتباعه من الرجال كانوا عاطلين عن العمل خلال فترة كرازته، أما أتباعه النساء هن وحدهن "العاملات" بمهن متعددة بعضها يتم تصنيفه كعمل صاحبته "خاطئة" كما في النص المقدس المسيحي ذاته. هذه كلها "بذرة تاريخية" يستطيع الباحث أن يستخلصها من نصوص العهد الجديد بعد تفكيكها وإزالة "الأسطرة" من النصوص. أما المستوى الثاني فهي (الرواية الخرافية) [لا يوجد مرادف دقيق في اللغة العربية يُفرق بين كلمتي (Legend) و (Myth) في اللغة الإنجليزية، ولذلك سوف استخدم المصطلح العربي "الخرافة" للتعبير عن المصطلح الأول، و مصطلح "أسطورة" للتعبير عن الثاني]. هذا المستوى الثاني، أي الرواية الخرافية في العهد الجديد، فهي التي (لا تستند إلى واقعة تاريخية محددة حدثت بالفعل)، وبالتالي لا يمكن استخلاص "بذرة تاريخية" من رواية العهد الجديد ونصوصه. وكمثال على هذا المستوى "قيامة يسوع" بعد موته وصعوده إلى السماء، وظهوره بجسده لبعض النسوة ولتلامذته، وقصص معجزاته، وتغير هيئته على الجبل، هذا كلها، وغيرها كثير، تُمثل (الرواية الخرافية) في العهد الجديد، وهي التي لا تستند إلى وقائع تاريخية حدثت بالفعل وإنما كانت متأثرة (بخرافات مماثلة في الفضاء الروماني – الإغريقي) التي وُلدت فيه تلك الكتابات المسيحية. فالغرض من رواية "الخرافة" المسيحية في يسوع مشابه تماماً لغرضها في "الآلهة" و "أنصاف الآلهة" الرومانية والإغريقية، وبدون أي فرق. أما المستوى الثالث والأخير فهو (الرواية الأسطورية) (Mythological Narratives). ففي هذا النوع من الرواية الإنجيلية والرسولية فإن النص المقدس (قد – ربما – من المحتمل) أنه يستند إلى واقعة تاريخية [بذرة تاريخية] حدثت بالفعل، ولكن (تفاصيل الواقعة) التي ترويها نصوص العهد الجديد هي (مخترعة وخيالية ولا تستند إلى "حقيقة"). بعض هذا الاختراع أتى (بتعمد من المؤلف وبمعرفة مسبقة منه)، والبعض الآخر تكفلت به الرواية الشفهية التي تناقلها بينهم أتباع عقيدة بولس في يسوع والتي استمرت في التطور على فترات زمنية طويلة قبل وصولها أخيراً بصورتها المكتوبة اليوم في النص المقدس المسيحي. موضوع هذه المقالة هو ضرب مثال على هذا النوع الأخير من الرواية في النصوص المسيحية المقدسة، أي "أسطرة الرواية في العهد الجديد" على يد مؤلفي نصوصه الأوائل وبتعمد واعٍ من كاتب النص الإنجيلي.

الأمثلة متعددة ومتشعبة في نصوص العهد الجديد على (تعمد الكاتب أسطرة الواقعة التي يرويها، سواء حدثت تلك الواقعة أو ربما هو اخترعها). ولكن بما أن الحدود المتعارف عليها في "مقالة" لا تتيح سرد متشعب، وإلا لاضطررت إلى سلسلة مقالات، فإنني سوف أكتفي بضرب مثال واحد حتى لا تطول المقالة. وبما أنني سأستخدم مثالاً من واقعة قد رُويت في (إنجيل لوقا) فإن المقدمة التالية ضرورية وإنْ كنت قد تطرقت لهما في مقالة سابقة، ولكن استدعى التطرق لهما مرة أخرى نقاش دائر بصورة أشمل وأوسع خارج موقع الحوار المتمدن. فقد كانت النية أن أتطرق بالتحليل لنص إنجيل لوقا [21: 25-28] الوارد على لسان يسوع لإثبات الأسطرة التي مارسها الكاتب في روايته تلك، ثم أُعقب ذلك نص خطبة بطرس في سفر أعمال الرسل [2: 14-21] مضافاً لها تناقضات شخصية بطرس كما يصورها سفر أعمال الرسل، إلا أن ذلك النقاش الدائر اضطرني للعودة إلى هذا المثال أدناه مع المقدمة اللازمة له.

كاتب سفر (أعمال الرسل) في نصوص العهد الجديد هو نفس الشخص الذي كتب (إنجيل لوقا)، وهو مجهول الهوية قطعاً وكان يكتب إنجيله وأعمال رسله بعد حوالي خمسين [50] سنة بعد صلب يسوع ومقتله، واسم (لوقا) تم إلصاقه على تلك النصوص في القرن الثاني الميلادي. وفي بدايات تداول نصوص العهد الجديد كان إنجيل لوقا وسفر أعمال الرسل يشكلان كتاباً واحداً ذي جزئين، وإنما أتى الفصل بينهما عندما قرر المسيحيون أن يُنشؤا لهم (كتاباً مقدساً) فوضعوا بين إنجيل لوقا وسفر أعمال الرسل إنجيلاً رابعاً هو إنجيل يوحنا. وعلى عكس مما تُشيعه الدعاية المسيحية عن كاتب إنجيل لوقا مِنْ أنه (مؤرخ جيد وممتاز، بالإضافة إلى كونه طبيباً ورفيقاً لبولس)، فإن الحقيقة هي أنه (شخص مجهول، لم يلتقي بولس إطلاقاً، وروايته عن سيرة بولس في (أعمال الرسل) متعارضة مع ما كتبه بولس عن نفسه في رسائله، هذا بالإضافة إلى حقيقة أنه مؤرخ متواضع القدرات جداً وغير دقيق، ويخترع أحياناً قصصاً لا حقيقة لها). فالقاعدة هي دائماً أنه عندما ترى أي نشاط ديني يحاول أن يشيع افتراض ما على أنه حقيقة ثابتة، ويبذل جهداً غير عادي لترسيخ هذه الدعاية في الأذهان، فإن الواقع والحقيقة هما على العكس تماماً مما تقوله هذه الدعاية. بل إن البرهان المسيحي على أن كاتب إنجيل لوقا هو (مؤرخ ممتاز) لا يتعدى (ست كلمات) فقط لا غير. فعندما تطلب الدليل على هذه الدعاية الدينية المسيحية لن يخرج الجواب عن مضمون هذه العبارة: (هو قال عن نفسه أنه كذلك). ثم بعد ذلك تقتبس هذه الدعاية الدينية ما كتبه عن نفسه في مقدمة إنجيله: (قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق) [لوقا 1: 3]، وبهذا ينتهي البرهان المسيحي. ولا مكان هنا إطلاقاً لتساؤلات بديهية عن هذا (التدقيق) الذي يدعيه مِن على شاكلة: ولماذا إذن تختفي عنده تماماً قصص موجودة في إنجيلي مرقس ومتّى أو تتغير تفاصيلها؟ لماذا لم ينقلها كاتب إنجيل لوقا إذا كان تتبع (كل شيء) بتدقيق كما يقول؟ ولماذا هناك تعارض بين ما كتبه عن بولس في سفر أعمال الرسل وبين ما كتبه بولس عن نفسه؟ ضمن أسئلة كثيرة ومتشعبة. فإما هذا (التدقيق من الأول لكل شيء)، [لاحظ (كل شيء)]، الذي إدعاه عن نفسه وتروجه لنا الدعاية المسيحية قد قاده إلى استنتاج بأن هذه القصص الموجودة في إنجيلي مرقس ومتّى وبقلم بولس (غير دقيقة وغير صحيحة) وبالتالي هو ألغاها مِنْ إنجيله وأعمال رسله، وهذا الجواب البديهي بالطبع (صادم للوعي المسيحي اليوم) ولا إجابة له إطلاقاً، أو أن كاتب إنجيل لوقا (لم يتتبع كل شيء من الأول بتدقيق). بل كاتب إنجيل لوقا (يخترع) لنا قصصاً لمعجزات ليست موجودة إلا عنده، ولا نقرأها عند أحد سواه، ولا يعرفها الفضاء المسيحي إلا مِن خلاله، ولا يوجد أي أحد إطلاقاً يبدو أنه قد عرفها غيره مثل معجزة صيد السمك [لوقا 5: 4-9] والمرأة المنحنية [لوقا 13: 10-13] وإحياء وحيد أمه في مدينة نايين [لوقا 7: 11-15]، وإبراء أذن عبد رئيس الكهنة التي قطعها أحد تلاميذ يسوع بالسيف [لوقا 22: 49-51]. فهي واحدة من اثنتان، إما بولس ومرقس ومتّى ويوحنا كانوا (لا يتتبعون كل شيء من الأول بتدقيق) كما يقول كاتب لوقا عن نفسه، أو أن كاتب هذا الإنجيل اخترع لنا قصصاً جديدة عن يسوع لم يعرفها هؤلاء جميعهم في زمنهم؟ والحقيقة هي أن كِلا الإجابتين صحيحة، إذ الدليل والبرهان يقولان ذلك.

بعد تلك المقدمة الضرورية لندخل في مثال (أسطرة الرواية).

نقرأ في إنجيل لوقا هذه العبارة:

(وفيما هو يصلي على انفراد كان التلاميذ معه. فسألهم قائلاً: مَن تقول الجموع أني أنا؟) [لوقا 9: 18]

أول ما نلاحظه مباشرة أن هناك شيء (متناقض وغير صحيح) ولا يبدو متسقاً في ذلك النص أعلاه. (وفيما هو يصلي على انفراد كان التلاميذ معه)، كيف يصلي (على انفراد) وفي نفس الوقت كان (التلاميذ معه)؟!
وكيف يكون منفرداً ويسألهم في نفس الوقت ويجيبونه؟!

إشكالية هذا النص واضحة جداً، (فالجملة غير صحيحة بكل تأكيد، وغير قابلة للفهم)، وكاتب هذا النص قد وقع في خطأ ما بدون أدنى شك. فما هو الخطأ الفادح الذي وقع فيه كاتب إنجيل لوقا؟

كاتب إنجيل لوقا، عندما قرر أن يكتب إنجيله، كان (ينقل من نسخة مكتوبة أمامه لإنجيل مرقس)، أحياناً كلمة بكلمة، وجملة بجملة، وأحياناً أخرى (كان يُغّير ويُبدل متعمداً تفاصيل ما ورد في إنجيل مرقس)، وأحياناً ثالثة كان (يحذف تماماً ما قد قرأه أمامه مكتوباً في إنجيل مرقس). الأغلبية الساحقة، إن لم نقل كل، الدراسات النقدية الحديثة تنطلق الآن من هذه المقدمة. بل إنها ارتفعت الآن، حتى ضمن بعض دوائر اللاهوت المسيحي، إلى (مرتبة الحقيقة) بسبب البرهان النقدي واللغوي، والخلاف فقط عند اللاهوت المسيحي هو على البحث عن الدافع الذي لا يجرح مصداقية كاتب الإنجيل. ما يهمنا هنا هي الممارسة الثالثة لكاتب إنجيل مرقس، أي (الحذف والإلغاء) الذي مارسه على نص إنجيل مرقس، ومن خلاله سوف نفهم ما حدث لتلك العبارة أعلاه.

كاتب إنجيل لوقا (ألغى متعمداً)، لسبب ما، مِن إنجيله كل ما ورد في إنجيل مرقس من أول [مرقس 6: 45] إلى [مرقس 8: 26]، فكل ما ورد بين هذين الآيتين في إنجيل مرقس قد ألغاه (متعمداً) كاتب إنجيل لوقا لسبب أو لآخر. وهذا هو الذي يُعرف في الدراسات النقدية الحديثة بـ (The Great Omission) (الحذف الكبير – الإلغاء الكبير). فجميع القصص التي أوردها كاتب إنجيل مرقس في الربع الأخير من الأصحاح السادس، وجميع القصص في الأصحاح السابع، وأكثر من نصف الأصحاح الثامن (لا يوردها كاتب إنجيل لوقا في إنجيله إطلاقاً، ولا يتطرق لها حتى بإشارة عابرة، وحذفها متعمداً). هي محذوفة من إنجيله مع أنه (كان ينقل من نسخة مكتوبة أمامه لإنجيل مرقس)، ولكن لسبب ما يتجاوز كل هذه القصص. فما ألغاه كاتب إنجيل لوقا من إنجيله هي القصص التالية:

1- معجزة مشي يسوع على الماء ووصف تلاميذ يسوع بأن (قلوبهم غليظة) [مرقس 6: 45-53].
2- معجزة شفاء المرضى بالجملة في الأسواق [مرقس 6: 54-56].
3- قصة اعتراض الفريسيين والكتبة على يسوع بسبب عدم غسل الأيدي قبل الأكل [مرقس 7: 1-13].
4- قصة شرح يسوع لتلامذته بعد عجزهم عن فهم عبارة (ليس شيء من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه، لكن الأشياء التي تخرج منه هي التي تنجس الإنسان) [مرقس 7: 14-23].
5- معجزة شفاء ابنة المرأة الفينيقية السورية وذلك بعد أن وصف يسوع أبناء الأمم بـ (الكلاب) [مرقس 7: 24-30].
6- معجزة شفاء الأصم وذلك من خلال (أخذه من بين الجمع على ناحية، ووضع أصابعه في أذنيه وتفل ولمس لسانه) [مرقس 7: 31-37].
7- المعجزة الثانية ليسوع في إطعام الجموع من (سبع خبزات وقليل من صغار السمك)، وكانوا هذه المرة (أربعة آلاف) شخص [مرقس 8: 1-9].
8- قصة تعنيف يسوع لتلاميذه، وقوله لهم (لماذا تفكرون أن ليس عندكم خبز؟ ألا تشعرون بعد ولا تفهمون؟ أحتى الآن قلوبكم غليظة؟ ألكم أعين ولا تبصرون، ولكم آذان ولا تسمعون، ولا تذكرون؟ [...] كيف لا تفهمون؟) [مرقس 8: 13-21].
9- قصة فشل يسوع في شفاء الأعمى تماماً مِنْ أول محاولة بعد أن تفل في عينيه، واضطراره لإعادة المحاولة [مرقس 8: 22-26].

فما ألغاه كاتب إنجيل لوقا من إنجيل مرقس هو جزء كبير ومهم من قصة يسوع ومعجزاته وتفاعله مع تلاميذه، ومِنْ هنا أتت التسمية (The Great Omission) (الحذف الكبير – الإلغاء الكبير) المتعلق بنص إنجيله. فمن المستغرب جداً أن يُلغى كاتب إنجيل لوقا الذي يقول عن نفسه في إنجيله (قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق) [لوقا 1: 3] كل هذا الكم الكبير من قصة يسوع مِن إنجيله.

نعود الآن إلى اقتباسنا من إنجيل لوقا الذي ابتدأنا به المقال:
(وفيما هو يصلي على انفراد كان التلاميذ معه. فسألهم قائلاً: مَن تقول الجموع أني أنا؟) [لوقا 9: 18]
ولنحاول الإجابة عن سبب تناقض هذا النص في إنجيله. فإذا أخذنا بعين الاعتبار ما تم شرحه أعلاه، فإن ما فعله هذا (المؤرخ الممتاز)(!) يبدو واضحاً جداً. فهو عندما ألغى كل ما بين [مرقس 6: 45] إلى [مرقس 8: 26]، فإن النص المتبقي أمامه من إنجيل مرقس كان هكذا:

أ‌- عبارة إنجيل مرقس (قبل الذي حذفه لوقا مباشرة):
(وللوقت ألزم [أي يسوع] تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوا إلى العبر، إلى بيت صيدا، حتى يكون قد صرف الجمع، وبعدما ودعهم مضى إلى الجبل ليصلي) [مرقس 6: 45-46].

ب‌- عبارة إنجيل مرقس (بعد نهاية ما حذفه لوقا مباشرة):
(ثم خرج يسوع وتلاميذه إلى قرى قيصرية فيلبس. وفي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم : من يقول الناس: إني أنا؟) [مرقس 8: 27]

ما أراد هذا (المؤرخ الممتاز) أن يفعله هو أن يصل سياق القصة بطريقة ما (harmonize) بين ما قبل الحذف وما بعده. أي عندما صرف يسوع تلاميذه وذهب إلى الجبل ليصلي (وحده) وبين سؤاله لهم عما يقوله الناس عنه، أو بين ما ورد في مرقس (وبعدما ودعهم مضى إلى الجبل ليصلي)، وبين (وفي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم : من يقول الناس: إني أنا؟). فما كان منه إلا أن هداه تفكيره وأسلوبه الكتابي إلى الخروج بعبارة متناقضة جداً وهي التي نقرأها في إنجيله الآن:

(وفيما هو يصلي على انفراد [إلى هنا هو ما قبل الحذف في إنجيل مرقس، أي الإصحاح السادس] كان التلاميذ معه. فسألهم قائلاً: مَن تقول الجموع أني أنا؟ [هنا هو ما بعد نهاية الحذف في إنجيل مرقس، أي الأصحاح الثامن]) [لوقا 9: 18]

والنتيجة هي (عبارة متناقضة وغير مستقيمة منطقياً) والسبب هو هذا الحذف الكبير التي تولاه كاتب إنجيل لوقا من نسخته من إنجيل مرقس لسبب ما.
(الطريف جداً) في هذا الذي فعله كاتب إنجيل لوقا هو أن كلمة (على انفراد) التي وردت في جملته (وفيما هو يصلي على انفراد [أي: وحده] كان التلاميذ معه) أن هذه الكلمة ترد ضمن الجملة الأولى التي (حذفها) من إنجيل مرقس:
(ولما صار المساء كانت السفينة في وسط البحر، وهو على البر وحده) [مرقس 6: 47].

المحصلة النهائية أن تلك القصة، كما هي في إنجيل لوقا، (لم تقع إطلاقاً)، أو على الأقل (لم تقع كما يرويها كاتب إنجيل لوقا). (تفاصيل) تلك القصة هي (أسطورة) كان دافعها الرئيس هو (محاولة التوفيق بين سياقين مختلفين بعد أن حذف الكاتب متعمداً نصوصاً كثيرة بينهما، فاضطر لهذه الأسطرة). هو كان (يعي) تماماً ما يفعله، وكان (يعرف مقدماً) أن القصة، إذا كان لها حقيقة أو أساس تاريخي، لم تقع كما يسردها هو، إلا أن ذلك (لم يمنعه إطلاقاً من تزوير الوعي الجمعي لقراءه) من خلال اختراع "أسطورة" ليس لها حظ من الحقيقة.

الرسل الأوائل للمسيحية لم يكونوا بتلك البراءة التي ترفعهم لمرتبة "القديسين"، ولم تكن تحيط برؤوسهم تلك "الهالات" التي تراها مرسومة على جدران وأسقف الكنائس.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسطورة يسوع والشيطان
- مسألة تعمد تزوير النص المسيحي
- في مسألة الترجمة المسيحية
- بولس – 16 – بولس والنص اليهودي
- المشكلة المذهبية في الوطن العربي
- بولس – 15 – بولس والنص اليهودي
- شذوذ مفهوم الوطنية
- بولس – 14 – بولس والنص اليهودي
- بولس – 13 – عصمة النص المسيحي
- بولس – 12 – بولس والنص اليهودي
- بولس – 11 – بولس والنص اليهودي
- نصوص حرق البشر المسيحية - 3
- نصوص حرق البشر المسيحية – 2
- نصوص حرق البشر المسيحية
- بولس – 10 - بولس وإنجيل مرقس
- لقاء الصالون الثقافي النسائي
- بولس – 9 - بولس وإنجيل مرقس
- بولس – 8 – بولس وإنجيل مرقس
- بولس - 7 - بولس ويسوع
- بولس – 6 – بولس ويسوع


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - أسطرة نصوص العهد الجديد