أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - نوري السعيد / الحلقة التاسعة عشرة















المزيد.....


نوري السعيد / الحلقة التاسعة عشرة


حامد الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 4959 - 2015 / 10 / 18 - 12:12
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى
الحلقة التاسعة عشرة
حامد الحمداني 18/10/2015

مهمات حكومة نوري السعيد الجديدة
كما أسلفنا سابقاً فإن نوري السعيد كان دوماً رجل المهمات الصعبة بالنسبة البريطانيين، الذين كانوا يوعزون للوصي [ عبد الإله ] أن يكلفه بتشكيل الوزارة كلما دعت الحاجة لتنفيذ مهمات خطيرة، فقد تم على عهده إبرام معاهدة 1930 الجائرة، وقام بالدور المعروف في مقتل الملك غازي، وتولي عبد الإله وصاية العرش، وولاية العهد، وقام بمهمة الانتقام من المشاركين والمؤيدين لانقلاب بكر صدقي، وعمل نفس الشيء مع رجالات حركة رشيد عالي الكيلاني ورفاقه العقداء الأربعة -قادة الجيش ـ الذين نفذ فيهم حكم الإعدام، وأعلن الحرب على ألمانيا وإيطاليا أبان الحرب العالمية الثانية، وشن الحرب الشعواء على الشيوعية، ونفذ حكم الإعدام بقادة الحزب الشيوعي، وانتقم من كل من كان له دور في وثبة كانون الثاني المجيدة عام 1948.

وها قد استجدت مهام جديدة تتطلب القيام بها حكومة قوية قادرة على تحدي إرادة الشعب، وتفرض ما تكلفها به السفارة البريطانية، فكان والحالة هذه لا بد من تكليف نوري السعيد بتشكيل الوزارة من جديد تأخذ على عاتقها تنفيذ المهام التالية وهي:
1 ـ ربط العراق بالأحلاف والمخططات الإمبريالية
2 ـ مفاوضات النفط مع الشركات البريطانية والأمريكية.
3 ـ الاستمرار في حملة مكافحة الشيوعية والحركة الوطنية.
4 ـ التصدي للحركة الكردية .
وهكذا تم تكليف السعيد بتأليف الوزارة في 15 أيلول 1950، وتم تشكيل الوزارة على الوجه التالي : (1)
1 ـ نوري السعيد ـ رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية .
2 ـ شاكر الوادي ـ وزيراً للدفاع ووكيلاً للخارجية .
3 ـ ماجد مصطفى ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية .
4 ـ حسن سامي التاتار ـ وزيراً للعدلية .
5 ـ خليل كنه ـ وزيراُ للمعارف .
6 ـ ضياء جعفر ـ وزيراً للاقتصاد .
7 ـ عبد الوهاب مرجان ـ وزيراً للمواصلات والأشغال، ووكيلاً للمالية .
كان مجيء نوري السعيد إلى الحكم من جديد نذيراً باشتداد الصراع بين الشعب وقواه السياسية الوطنية من جهة ونوري السعيد ورهطه، ومن ورائه الإمبريالية من جهة أخرى.
ولقد بدأ الصراع أول الأمر داخل مجلس النواب عندما قدم 28 نائباً من نواب المعارضة مشروع قانون لتعديل قانون الانتخاب، يقضي بجعله على درجة واحدة بدلاً من درجتين، لكي يمنع السلطة من التدخل في الانتخابات عن طريق التأثير على المنتخبين الثانويين، سواء كان ذلك عن طريق شراء ضمائرهم، أو ترهيبهم، لكن المجلس الذي يضم أكثرية سعيدية رفض مشروع القانون بأغلبية 52 صوتاً ضد 32، وغياب 56 نائباً عن حضور الجلسة، وبذلك افشل مشروع القانون.

نوري السعيد يسعى لربط العراق بالأحلاف الغربية:
منذُ نهاية الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء على دول المحور، وبروز الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة كقوتين عظميين، وكل قوة تحمل أيديولوجيا مناقضة للقوة الأخرى،عاد الصراع بينهما، الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي من جهة، والدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة من جهة أخرى، وأخذ الصراع يتصاعد يوماً بعد يوم بين المعسكرين، وكل معسكر يسعى إلى ضم دول أخرى إلى صفوفه، وكان الصراع حول منطقة الشرق الأوسط يتسم بجانب كبير جداً من الأهمية نظراً لكونه اكبر مستودع للنفط في العالم .
وعلى ذلك فقد سعت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى ربط الدول العربية بمخططاتها للوقوف بوجه الاتحاد السوفيتي تحت شعار[الدفاع عن الشرق الأوسط ].
لقد رأت العديد من الدول العربية أن من الخطأ الجسيم ربط مصير بلدانهم بهذه المخططات، ولاسيما بعد الذي حل بفلسطين على أيدي أولئك الإمبرياليين، فليس للعرب والحالة هذه مصلحة في ارتباطات كهذه، وأن من الأصلح لبلدانهم الحياد بين المعسكرين، وتجنب شرور الحرب الباردة بين المعسكرين، والأعباء التي تفرضها الأحلاف العسكرية على العراق.
لكن نوري السعيد كان في وادٍ آخر، وادي الإمبريالية، حيث سعى بكل جهوده لربط العراق بالأحلاف الغربية، مما أثار حفيظة الوطنيين العراقيين الداعين إلى الحياد بين المعسكرين، حيث أصدروا بياناً إلى الشعب نددوا فيه بالمخططات التي يسعى إليها نوري السعيد، ومخاطرها على مصير البلاد، وطالب البيان الشعب العراقي برص الصفوف، والعمل الجدي الحازم لمنع زج البلاد في الحرب الباردة بين المعسكرين وتعريض أمن البلاد والشعب لمخاطر جسيمة، وقد وقع البيان الشخصيات السياسية التالية:
1ـ كامل الجادرجي 2 ـ صادق البصام
3 ـ مزاحم الباجه جي 4 ـ طه الهاشمي
5ـ حسين جميل 6 ـ محمد حديد
7 ـ حسين فوزي 8 ـ عبد الرزاق الظاهر
9 ـ حسن عبد الرحمن 10 ـ عبد الهادي الظاهر
11 ـ جعفر حمندي 12 ـ عارف قفطان
13ـ صالح شكارة 14 ـ جميل صادق
15 ـ جعفر البدر 16 ـ برهان الدين باش أعيان
17 ـ قاسم حسن 18 ـ رجب علي الصفار
19 ـ عبد الرزاق الحمود 20 ـ محمود الدرة
21 ـ نائل سمحيري 22ـ عبد الرحمن الجليلي.
23 ـ عبد الجبار الجومرد

أحدث هذا البيان دوياً هائلاً في صفوف أبناء الشعب، فانهالت البرقيات لتأييد الموقعين على البيان، وقامت حملة واسعة في الصحف ضد توجهات نوري السعيد، مستنكرة ربط البلاد بالمخططات الإمبريالية، وداعية إلى الحياد بين المعسكرين.
وانتقل الصراع إلى داخل البرلمان، حيث ندد العديد من النواب بهذه التوجهات، وطالبوا بإبعاد البلاد عن آتون الحرب الباردة بين المعسكرين وبالنظر لتصاعد حملة الاحتجاجات هذه اضطر نوري السعيد إلى إصدار بيان أنكر فيه نيته ربط العراق بالأحلاف الغربية. (2)

لكن الشخصيات السياسية التي وقعت على البيان، والتي ضمت أحزاباً وطنية عدة لم تتراجع عن مواقفها، بل صعدت من مجهوداتها، بالاتفاق فيما بينها على تأليف [الجبهة الشعبية المتحدة]، وقدمت طلباً رسميا إلى وزارة الداخلية لإجازتها في 14 نيسان 1951.
وقد اعترضت وزارة الداخلية على تأسيس الجبهة في 19 نيسان، مدعية أن الجبهة تتألف من عدة أحزاب سياسية، وهيئات وأفراد، وأن ذلك مخالف للمادة الثالثة من قانون الجمعيات، لكن المؤسسين اعترضوا على قرار وزير الداخلية لدى مجلس الوزراء الذي أحال بدوره الاعتراض إلى وزارة العدل.

غير أن وزارة العدل أيدت قرار وزير الداخلية، وطالبت بإلغاء الفقرة الواردة في طلب التأسيس، والمتضمنة عبارة [ من أحزاب وهيئات وأفراد] وتم إجراء الطلب في 16 نيسان 1951، بعد أن انسحب الحزب الوطني الديمقراطي من الهيئة المؤسسة للجبهة، على أن يوحد الطرفان جهودهما المشتركة من أجل تحقيق مطامح الشعب العراقي في الحرية والاستقلال والعيش الكريم، بعيداً عن الهيمنة الإمبريالية ومخططاتها العدوانية، وقد صدر بيان مشترك بين الطرفين يؤكد تعاونهما ونضالهما المشترك ضد كافة محاولات الإمبريالية الهادفة إلى ربط العراق بمشروع ما سمي [ الدفاع عن الشرق الأوسط ] أو غيره من الأحلاف العدوانية، وحذر البيان الحكومة من مغبة السير وراء تلك المخططات المعادية لمصالح الشعب والوطن، وما يمكن أن تؤدي إليه تلك السياسة من مخاطر جسيمة.
كما طالب البيان أن لا يصبح العراق قاعدة عسكرية لتهديد الآخرين، وإبعاد البلاد عن التكتلات الدولية التي تؤدي إلى إقحامها في حرب لا مصلحة لها فيها، وطالب البيان بصيانة الحريات الدستورية للشعب، وتعديل قانون الانتخابات، وجعله على درجة واحدة [انتخاب مباشر] لمنع أي تزوير أو تأثير على الناخبين الثانويين، وعلى نتائج الانتخابات. وطالب أيضاً بإجراء تحقيق في حوادث التعذيب، ومعاقبة المسؤولين عنها، وإغلاق المعتقلات السياسية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وحل مشاكل الشعب المعيشية، وتوفير الغذاء والكساء بأسعار معقولة، ومحاربة الاحتكار، وقد وقع على البيان عن الحزب الوطني الديمقراطي الأستاذ كامل الجادرجي، وعن الجبهة الشعبية السيد طه الهاشمي . (3)

السعيد يفاوض شركات النفط البريطانية والأمريكية
تأميم الدكتور مصدق للنفط الإيراني وتأثيره على العراق:
خاضت القوى السياسية الوطنية في إيران الانتخابات النيابية تحت ظل الجبهة الوطنية التي شكلتها تلك القوى بقيادة الوطني البارز الدكتور [محمد مصدق ] وتمكنت من تحقيق الفوز في تلك الانتخابات عام 1951، وأصبح الدكتور مصدق رئيساً للوزارة الإيرانية.
وضعت حكومة مصدق نصب أعينها معالجة الغبن الذي أصاب إيران من قبل شركات النفط التي يمتلكها الكارتيل العالمي، وسعت بكل جهدها رفع هذا الغبن.
لكن الشركات أصّرت على عدم تلبية المطالب الإيرانية، مما دفع بحكومة الجبهة الوطنية إلى إصدار تشريع بتأميم النفط الإيراني في 20 آذار 1951.

أحدثت خطوة الحكومة الإيرانية دوياً هائلاً أقضّ مضاجع الإمبرياليين، وبدأت أبواق دعاياتهم، ووسائل إعلامهم ترعد وتزبد، وتتوعد بالحكومة الإيرانية، وسارعت بريطانيا إلى إنزال قواتها العسكرية قرب[عبدان] بحجة حماية أرواح الفنيين والمهندسين البريطانيين العاملين في شركات النفط، والبالغ عددهم 3000 فرد.

لكن قرار تأميم النفط الإيراني قوبل في العراق بموجة عارمة من الفرح والتأييد لدى مختلف فئات الشعب، وظهرت الدعوات التي تنادي باقتفاء أثر الحكومة الإيرانية، وتأميم النفط العراقي، في الصحف الحزبية والوطنية المستقلة، والمجالس العامة، وفي البرلمان.
فقد تقدم عشرون نائبا في البرلمان بلائحة قانون لتأميم النفط العراقي في 25 آذار 1951، ونشرت الصحف نص الطلب في 27 آذار. (4)
كما تقدم محامو البصرة بمذكرة للحكومة بطلب تأميم النفط العراقي، وانهالت برقيات التأييد من كل جانب لهذا الطلب. حاولت الحكومة جاهدة تأخير تحديد موعد مناقشة الطلب في البرلمان بذرائع مختلفة حتى انتهت مدة دورته في 31 أيار، ولم تعين الحكومة موعداً لمناقشة اللائحة المقترحة، وطواها النسيان فيما بعد، بعد أن حذرت الحكومة البريطانية حكومة نوري السعيد من مغبة فسح المجال للمعارضة في البرلمان لطرح هذا الموضوع بالنظر لما يشكله من خطورة على مصالحها النفطية في العراق. ( 5)

في الوقت الذي كانت حملة المطالبة بتأميم النفط في أوج عنفوانها على الصعيد الشعبي، والمعارضة البرلمانية، كانت حكومة نوري السعيد تجري مفاوضات مع شركات النفط لإتمام المباحثات التي بدأتها معها الوزارة السويدية الثالثة، وشكل نوري السعيد وفداً لإكمال المباحثات مؤلفاً من نائب رئيس الوزراء [توفيق السويدي]، ووزير المالية [عبد الوهاب مرجان] ووزير الاقتصاد [عبد المجيد محمود].

وفي الوقت نفسه نشرت الصحف العراقية الصادرة في نيسان 1951 نص برقية التهديد الصادرة من لندن من مغبة أية محاولة من جانب البرلمان العراقي لتشريع قانون بتأميم النفط العراقي، وجاء في البرقية ما يأتي : { يعتقد المراقبون السياسيون أن المسؤولين هنا يدرسون فكرة اتخاذ إجراء بريطاني ـ أمريكي مشترك لوقف مطالب التأميم الجديدة في الشرق الأوسط، وإن بريطانيا والولايات المتحدة قد اتفقتا على توجيه إنذار رسمي للحكومة العراقية تحذرها فيه من مغبة اتخاذ أية خطوة لتأميم النفط في العراق من قبل البرلمان العراقي }. (6)

وفي المقابل أعلنت شركات النفط عن قبولها مبدأ مناصفة الأرباح مع العراق ولو اسمياً، ووقع نوري السعيد اتفاقاً مع الشركات يقضي ببيع [مصفى الوند] في خانقين للحكومة على أن تستمر شركة نفط خانقين البريطانية بأعمال التوزيع بالنيابة عن الحكومة حتى عام 1961.
كما جرى الاتفاق على إنشاء [مصفى الدورة] ببغداد،على أن تناط إدارة توزيع الإنتاج بشركات النفط حتى عام 1961، لكن شركات النفط غير مسؤولة عن تجهيز النفط الخام.
كما جرى الاتفاق على أن تنتج شركة النفط العراقية مالا يقل عن 22 مليون طن من النفط كحد أدنى، وتنتج شركة نفط البصرة 8 ملايين طن سنوياً.

وتعهدت شركات النفط بأن لا يقل دخل العراق عن 20 مليون دينار خلال سنتي 1953 و 1954، و25 مليون دينار عام 1955 والسنوات التي تليها، ولاشك أن هذه الموارد تبقى ضئيلة جداً بالنسبة لما تحققه الشركات من أرباح خيالية. (7)
وفي جلسة مجلس النواب السابعة بتاريخ 9 شباط 1952 تقدم نوري السعيد للمجلس بالاتفاقية التي وقعها مع شركات النفط، طالباً التصويت عليها بصورة مستعجلة وتصديقها، ولما كان لنوري السعيد الأغلبية في المجلس فقد جرت مناقشتها بصورة سريعة، وتم التصديق عليها في 14 شباط 1952 على الرغم من احتجاجات نواب المعارضة الذين قدموا استقالاتهم من المجلس في 27 شباط .



كما اصدر الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الجبهة الشعبية، بياناً مشتركاً يندد بالاتفاقية الجديدة التي أبقت على سيطرة شركات النفط على موارد البلاد ونهبها، وفضح البيان مبدأ مناصفة الأرباح، واصفاً إياه بأنه لا يعدُ أن يكون للتغطية، وهو بعيد كل البعد عن الحقيقية، وأكد البيان أن هذه الاتفاقية بدلاً من أن تزيل الغبن فقد زادته أكثر فأكثر، فقد حددت الاتفاقية أسعار النفط الذي تأخذ الحكومة العراقية حصتها على أساسه، أدنى من السعر العالمي، مما الحق بالخزينة خسائر فادحة، هذا بالإضافة إلى استلام العراق لحصته بالإسترليني، مما حرم العراق من الحصول على العملات النادرة الأخرى، وكان الإسترليني معرضاً باستمرار إلى الهبوط.

ففي 17 أيلول 1949 خفضت الحكومة البريطانية قيمة الجنيه الإسترليني من أربعة دولارات للجنيه الواحد إلى دولارين وثمانون سنتاً، وتبعاً لذلك هبطت قيمة الدينار العراقي بنفس المعدل، مما أوقع البلاد في اخطر أزمة نقدية واقتصادية، واضطرت حكومة نوري السعيد إلى إعلان حالة التقشف القاسية لتدارك العجز الهائل في الميزانية. (8)

وقد دعا البيان إلى استلام حصة العراق المقررة 50% عيناً، أي [ نفط خام ] ليتصرف بها كما يشاء كإجراء حالي لى أن يتم حل المشكلات مع الشركات جذريا ًبتأميم النفط الذي غدا مطلب الأمة. (9)
وقع البيان كل من السيد كامل الجادرجي، والسيد طه الهاشمي .
أما حزب صالح جبر فقد رفض مشاركة نوري السعيد بتحمل وزر هذه الاتفاقية الجائرة بحق العراق وثروته الوطنية، فأعلن نوابه في البرلمان انسحابهم من الجلسة، لكن المعتقد أن صالح جبر لم يكن جاداً في معارضته للاتفاقية، وإنما أراد أن يبيّض صورته السوداء أمام الشعب وهو لو كان جاداً في مواقفه لبقي النواب المنسحبون من الجلسة وصوتوا ضد الاتفاقية مع نواب المعارضة، فقد سهل انسحابهم من الجلسة على نوري السعيد تمرير الاتفاقية بصورة مستعجلة.

أدى تصديق الاتفاقية إلى الإضراب العام في البلاد تلبية لدعوة الأحزاب الثلاثة المعارضة، في 19 شباط 1952، من الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة الثانية عشرة ظهراً، احتجاجاً على توقيع الاتفاقية، وقد شمل الإضراب كافة قطاعات الشعب، فيما راحت الحكومة تهدد أبناء الشعب عبر بيانها الصادر يوم 18 شباط بإنزال اشد العقوبات بحق كل من يحاول التصدي للحكومة. (10)
ومع ذلك فقد قامت المظاهرات الشعبية، وجرى صدام عنيف مع قوات الشرطة التي تصدت للمتظاهرين، مما تسبب في وقوع العديد من الجرحى، وقامت السلطات باعتقال أعداد أخرى من المواطنين بينهم العديد من طلاب المدارس والكليات، وكتحدي للشعب، أمرت حكومة نوري السعيد بصرف مكافئة نقدية لأفراد الشرطة وضباطها الذين تصدوا للمظاهرات وأصيبوا فيها، وكان نصيب ضابط الشرطة 20 ديناراً والمفوض 10 دنانير والشرطي 5 دنانير.

السعيد يواصل حملة مكافحة الشيوعية والحركة الوطنية
تفننت حكومة نوري السعيد في إيجاد كل الوسائل والسبل لمكافحة الشيوعية في العراق، فأصدرت المراسيم الجائرة، وعدلت قانون العقوبات البغدادي لكي تستطيع اعتقال وسجن كل من يُشك في صلاته بأي نشاط شيوعي، وهكذا ملأ نوري السعيد السجون بخيرة الأساتذة والمفكرين، والمثقفين، وطلاب الكليات.

لكن تلك الإجراءات لم تكن كافية لنوري السعيد الذي وجد أن السجون قد تحولت إلى مدارس تثقيفية للسجناء العاديين لإصلاحهم، ووجد لدى السجناء السياسيين الإصرار على مواصلة النضال من أجل قضية الشعب والوطن، فتفتق ذهن السعيد عن إبعاد السجناء الشيوعيين إلى السجن الصحراوي النائي في [ نقرة السلمان ] الذي يبعد عن[ السماوة] 150 كم في قلب الصحراء، بعيدين عن أهلهم وذويهم وشعبهم، وحيث تستطيع الأجهزة القمعية للسلطة ممارسة كل أنواع التعذيب النفسي والجسدي ضدهم دون رقيب، ونتيجة لسوء أوضاع المسجونين الذين ضمهم سجن نقرة السلمان، والبالغ عددهم 162 سجيناً تقدم هؤلاء بمطالب للحكومة تضمنت ما يأتي: (11)

1ـ نقلهم إلى سجون قريبة من ذويهم .
2 ـ منحهم الحقوق المقررة للسجناء السياسيين .
3 ـ توفير المعالجة الطبية لهم .
4 ـ الكف عن توجيه الإهانات لهم، وإعادة النظر في الأحكام الصادرة بحقهم من قبل المجالس العرفية العسكرية.

لكن حكومة نوري السعيد رفضت تلك المطالب، مما دفعهم إلى إعلان الإضراب عن الطعام حتى تلبى مطالبهم، وتمكنوا من إيصال قرارهم بالإضراب إلى أهلهم وذويهم الذين قاموا بدورهم بالاتصال بالأحزاب السياسية والصحف لشرح مطالبهم، ومطالبة السلطة بتنفيذها.
وعلى الأثر شنت الصحف الوطنية حملة شعواء على الحكومة متهمة إياها بانتهاك حقوق الإنسان، وانتهاك الدستور الذي كفل حرية الرأي والعقيدة.
وقامت الأحزاب الوطنية بحملة واسعة للضغط على الحكومة، أصدرت البيانات المنددة بإجراءاتها المنافية للدستور، وحقوق الإنسان. (12)
كم قامت عائلات السجناء من النساء والأطفال بمظاهرة في بغداد يومي 25 و28 تموز مطالبين بإطلاق سراح أبنائهم، وإلغاء سجن نقرة السلمان.

لكن قوات الحكومة القمعية جابهتهم بعنف، وفرقت مظاهرتهم، مما دفع الصحف الوطنية إلى مهاجمة الحكومة، والمطالبة برحيلها، واضطر نوري السعيد إلى إصدار بيان يحاول فيه تبرير نقل السجناء إلى سجن نقرة السلمان ويعد بإعادة كل من يحترم قوانين السجون! وقام فيما بعد بنقل عدد من السجناء لامتصاص غضب الجماهير الشعبية. (13)



#حامد_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا ما يناضل من أجله الشعب العراقي المنتفض
- نوري السعيد/ الحلقة الثامنة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة السابعة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة السادسة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الخامسة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الرابعة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الثالثة عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الثانية عشرة
- نوري السعيد / الحلقة الحادية عشرة
- نوري السعيد / الحلقة العاشرة
- نوري السعيد / الحلقة التاسعة
- هذا هو الطريق لإجراء الاصلاحات الجذرية في البلاد يا سيادة رئ ...
- نوري السعيد / الحلقة الثامنة
- نوري السعيد / الحلقة السابعة
- هكذا جرى تشريع الدستورالعراقي ، وهذه عوراته
- نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - الحلقة الخامسة
- نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - الحلقة الرابعة
- نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - الحلقة الثالثة
- نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - الحلقة الثانية
- نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى - الحلقة الاولى


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - نوري السعيد / الحلقة التاسعة عشرة