أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله النملي - محاربة الفساد مسؤولية لا تقبل التأجيل















المزيد.....

محاربة الفساد مسؤولية لا تقبل التأجيل


عبد الله النملي

الحوار المتمدن-العدد: 4958 - 2015 / 10 / 17 - 19:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفساد ظاهرة اجتماعية قديمة، إلا أن هذه الظاهرة تعد جديدة من حيث انتشارها الواسع الذي تعدى الحدود والحواجز بين الدول في عصرنا الحالي. و قد ارتبطت هذه الظاهرة على المستوى العالمي بعدة عوامل، مثل غياب الشفافية والمساءلة في المجتمع، أو عدم خضوع السلطات السياسية والإدارية لضوابط معينة، تمكن من ممارسة الرقابة عليها، أو بسبب جهل المواطن لحقوقه، أو خوفه من السلطات. كما تفاقم الفساد نتيجة ارتباطه بعدد من العوامل، من أبرزها انعدام حرية التعبير، فإذا كان امتلاك السلطة العامة يدفع أصحابها إلى استغلالها في غير الغايات التي منحت لهم، ومن تم ممارسة الفساد، فإن الأفراد والهيئات الخاصة قد يساعدون على انتشار الفساد، نتيجة للجهل، أو الخضوع لضغوط معينة، أو لقضاء أغراض مادية بأساليب ملتوية.

ويعاني المجتمع المغربي من آفة الفساد، كغيره من مجتمعات العالم، حيث إن الفقر الذي يُصَنف بموجبه المغرب في مؤخرة دول المعمور، ليس راجعا إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية وسوء توزيع الثروة فحسب، بل يعود بالأساس إلى مظاهر النهب التي يتعرض لها المال العام منذ عقود خلت دون حسيب ولا رقيب. وقد جاء في مقدمة مجلة " أمل " عدد 31/32، أنه منذ حصول المغرب على استقلاله " استغلت طوائف من الناس فرحة المغاربة في المستقبل، كما استغلت جهل الأغلبية وسذاجتها لتعوض الفرنسيين والاسبان في مراكز الاستغلال والاستنزاف، وبطريقة أكثر بشاعة وأقل رحمة من الاستعمار نفسه (..)، وابتدأ التأسيس للخلل والفساد والنهب، في مغرب ما بعد الحماية منذ سنة 1956 ، وَ تفاحش في مغرب الستينات من القرن العشرين، ليصبح حالة طبيعية في مغرب السبعينات، وذكاء ومفخرة في الثمانينات، وليتورط فيه مطلع التسعينيات وبداية الألفية الثالثة عناصر سياسية ونقابية (..)، و من تبعات الخلل أصبحت بعض المهن والمهام في المجتمع، لا تُحيل عن المهنة في حد ذاتها، وإنما تحيل على الغنى الفاحش (..)، و قد نشرت بعض الصحف، الكثير حول حالات الفساد، والكثير حول أرقامه وحجمه، كما نشرت الكثير من أسماء المتورطين فيه. وفرضت بعض التحولات الطفيفة التي يعرفها البلد بضغط خارجي _ وليس نتيجة قناعات حقيقية _ إقامة عدد من المحاكمات لبعض المتورطين، إلا أن النتائج لم تخرج عن إطار اللامعقول الذي حكم الخلل والفساد نفسه.."
وفي السنوات الأخيرة طفحت إلى السطح جرائم نهب المال العام بالمغرب، حتى أصبحت عبارة " دَارْ عْلَاشْ يْوَلي " مثلا سائرا، مما جعل حركة 20 فبراير بالمغرب ترفع شعارا مركزيا يُؤَطر كل احتجاجاتها ومسيراتها " الشعب يريد إسقاط الفساد ". ولا غرابة في ذلك إذا علمنا، على سبيل المثال لا الحصر، أن 80 % من مديونية المغرب أهْدَرها الفساد الذي طال الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وحده، وأن حجم المبالغ المُختلسة لا يقل عن 115 مليار درهم، أما " كوماناف " فإلى حدود سنة 1980 كانت تحقق فائضا قدره 180 مليار سنتيم، كما كانت تتوفر على 16 باخرة من أصل 64 في حوزة الأسطول التجاري البحري المغربي، وفي سنة 2000 لم يعد العدد يتجاوز خمسة، علما أن 90 % من المعاملات التجارية للمغرب تتم عبر البحر، لتجد الشركة نفسها مديونة بالملايير. أما " لارام " فقد أثبت الافتحاص أن مسؤولا سابقا بالمؤسسة اختلس الملايين من الدراهم، كما صرح أنه مستعد لأداء كل الحسابات شريطة أن يكشف عن كل الخدمات التي كانت تقدمها " لارام " لعلية القوم، لتعيش الشركة على وقع مديونية كبيرة وعجز في الميزانية.
وقد أظْهَر تدقيق سابق للقرض الفلاحي، طالب به ثلاثة ممولين رئيسيين، وهم: البنك العالمي، الصندوق الفرنسي للتنمية، والصندوق الألماني للتنمية، عن اختلاس مليار درهم، ليظل الفلاح الضمانة الوحيدة لبقاء المؤسسة، والأمر نفسه عرفته صفقة المطاعم المدرسية التي بلغت المبالغ المُختلسة فيها 0.085 مليار درهم، ووكالة المغرب العربي للأنباء 0.02 مليار درهم، والقرض العقاري والسياحي 08 مليار درهم. وتحدثت تقارير أخرى عن نهب 10 ملايير درهم من المكتب الشريف للفوسفاط، ومشروع " الحسن الثاني " لإيواء قاطني " كاريان سانطرال" الذي وصلت قضيته ردهات المحاكم طالبت بخصوصه النيابة العامة باسترجاع حوالي 100 مليار سنتيم.
وانطلاقا من الدراسات التي سبق أن قام بها عدد من الأطر المُختصة في المبالغ المُخْتَلَسة، توصلوا إلى أنها تمثل حوالي 14 مرة الاحتياطي المغربي من العملة الصعبة لسنة 2001، كما تشكل 34 % من الناتج الداخلي الخام، وكافية لبناء أزيد من 20 ألف مدرسة، وأكثر من 220 ألف مستشفى متوسط، وما يفوق عن 170 ألف سكن اقتصادي، وإحداث ما يربو عن 400 ألف منصب شغل. وقد قَدّر البنك الدولي الخسارة التي يتكبدها المغرب بسبب الفساد المستشري في الصفقات العمومية ب 3.6 ملايير درهم خلال سنة 2007، أي ما يعادل 0.5 من الناتج الداخلي الخام. وسبق لعبد العالي بنعمور رئيس مجلس المنافسة أن صرح بأن الاقتصاد المغربي يفقد سنويا ما قيمته 20 مليار درهم، وهو ما يجعل المغرب يخسر حوالي نقطة ونصف من نسبة النمو بسبب اقتصاد الريع غير المشروع وغياب المنافسة الشريفة، مضيفا أن التصدي لظاهرة الفساد كفيل بأن يربح المغرب نقطتين من معدل النمو سنويا.
وقد تتبعنا جميعا في الصحافة الغربية كيف قوبلت المستشارة الألمانية "ميركل " بوابل من الانتقادات الحادة، عندما توجهت إلى جنوب إفريقيا في طائرة خاصة لتشجيع منتخب بلادها في كرة القدم، حيث اعتبرت هذه الخطوة هدرا للمال العام، والأمر نفسه عندما توجه ولي العهد البريطاني إلى قمة " كيوطو " حول الاحتباس الحراري،حيث ووجه بعاصفة من الاحتجاجات. أما عندنا بالمغرب فيتعرض المال العام منذ الاستقلال لعمليات نهب واختلاس وتبذير، وتُقَدر المبالغ المُخْتَلسَة بعشرات الملايير من الدولارات، إما مهربة إلى الخارج أو مُسْتَترة خلف أسماء الأقارب والزوجات والأبناء، أو يتم تبييضها في مشاريع أخرى للتمويه، ولا تزال عملية سوء التدبير مستمرة إلى اليوم.
إن الواقع المغربي أتبث بما لا يدع مجالا للشك أننا لازلنا بعيدون عن ثقافة تدبير المال العام، حيث تطالعنا الجرائد يوميا عن مسؤولين يتصرفون في بعض الإدارات والمؤسسات بمنطق الضيعة والبقرة الحلوب، وهو المنطق الذي كان يتصرف به السُيّاب في خزينة الدولة إبان العصور الخالية، فهم كُرماء أكثر من حاتم الطائي نفسه في صرف المال العام وتبذيره على أتفه الأمور، مثل أن يستعمل مسؤول سيارات الدولة لأغراض شخصية، أو يقطع مسؤول آخر مئات الكيلومترات في اتجاه قرية نائية لاقتناء الحليب واللبن أو حتى الكرموس الهندي، أما الهاتف والانترنيت والنسخ والأقلام وغيرها من الأدوات المكتبية فحدث ولا حرج، وهناك آخرون يطمعون حتى في أوراق المرحاض ومسحوق الغسيل و مواد التنظيف..
وبالعودة إلى دستور المغرب نجده يُنيط مسؤولية الرقابة للمجلس الأعلى للحسابات للتحقق من سلامة مداخيل ومصروفات الأجهزة الخاضعة لرقابته، وتقييم كيفية تدبيرها، ويُعاقب عند الاقتضاء، كما أسند المشرع مسؤولية حسابات الجماعات الترابية وهيئاتها للمجالس الجهوية للحسابات، و أتاح للبرلمان تشكيل لجان نيابية مؤقتة لتقصي الحقائق، تقوم بجمع المعلومات في وقائع معينة، فضلا عن تأسيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في 2008 كمؤسسة للتوعية واقتراح التوجهات لمحاربة الرشوة، غير أن كل هذه المؤسسات ضعيفة الفعالية، والسبب راجع لغياب الإرادة السياسية في تقديم الجُناة للمحاكمة. وقد أثبتت تجارب سابقة تم فيها إحداث لجان تقصي، كما حدث سنة 1995 حول المخدرات، عندما عمدت الدولة إلى قيادة حملة سميت زورا ب "حملة للتطهير "، غير أنها لم تكن بدافع البحث عن الحقيقة، بقدر ما كانت حملة لتقديم بعض الأكباش الصغيرة فداء للحيتان الكبرى. ثم إن القانون المعروف من أين لك هذا؟ الخاص بالتصريح بالممتلكات ظل حبرا على ورق، أما المُتَاَبعون في قضايا الفساد المالي فيُسَرحون، في حين يتعرض الأشخاص الذين يفضحون انتهاكات المال العام للمضايقات بل وحتى المتابعات.
وتحرص المواثيق الدولية المتعلقة بمكافحة الجريمة والفساد على إلزام الدول الموقعة عليها، على تضمين تشريعاتها الداخلية نصوصا قانونية تُلزم الموظفين الإبلاغ عن جرائم الفساد التي يكتشفونها أو تصل إلى علمهم بحكم قيامهم بواجباتهم الوظيفية، وكذلك وضع الضمانات القانونية لحمايتهم من عواقب الإبلاغ عن جرائم الفساد، ومن ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 ، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لسنة 2000، كما تتجه العديد من الدول إلى تبني سياسة تشجيع الإبلاغ عن الفساد، كإحدى وسائل مكافحة الفساد، وحماية المبلغين والشهود مما قد يلحق بهم نتيجة قيامهم بأعمال التبليغ.
واعتبر تقرير سابق صادر عن منظمة الشفافية الدولية، أن المغرب مازال مُتَخلفا في محاربة الفساد، سواء في محيطه العربي أو الإفريقي، حيث احتل المرتبة 91 من بين 175 دولة جرى تصنيفها ضمن مؤشر إدراك الرشوة، بعدما كان يحتل المرتبة 88 من بين 182 دولة شملها التصنيف، وهي مرتبة أسوأ من مالاوي وزامبيا وبوركينا فاسو. و سجل تقرير مجلس أوروبا لتشخيص مكافحة الفساد، أن الرشوة ما زالت منتشرة في المغرب، رغم التدابير التي اتخذت لمكافحة الظاهرة. كما خَلُصَت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة "ترانسبرانسي" المغرب، في أحد تقاريرها أن المغاربة لا يُبَلغون عن الرشوة، لأنهم لا يثقون في مدى فعالية اللجوء إلى الهيئات الإدارية والقضائية.
وإذا علمنا أن للفساد تكلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية باهظة على البلاد، فإن محاربته تصبح مصلحة جماعية، مما يملي بالضرورة أن تكون الوقاية منه شاملة، تمس جميع القطاعات، وتضم الوسائل الممكنة كافة.



#عبد_الله_النملي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصويت السري والعلني بين دعاته ومعارضيه
- الوعود الانتخابية.. أسقف عالية على أعمدة من دخان
- الشائعات الإلكترونية.. من الكيبورد إلى العالم
- الموظفون بين مطرقة الاقتطاع و التقاعد وسندان إعادة الانتشار
- أضرحة أم مستشفيات؟
- تسريب الامتحانات.. خطر يتهدد المنظومة التعليمية
- يحدث هذا فقط في مصر..!
- هل أتاك حديث مقاطعة أشهر يوم عالمي للعمال !
- الدرجة الصفر في الخطاب السياسي
- المعارضة وحالة التّخَبط والتّوهان
- إدمان الفايسبوك ظاهرة مَرضية
- وإذا اللغة العربية سُئلت بأي ذنب هُمّشَت؟
- حتى لا ننسى 20 فبراير..حركة أزهرت في فصل الربيع العربي
- جريمة الإعدام حَرقا.. إدانة هُنا وصَمْتٌ هُناك
- -شارلي ايبدو-.. مَنْ أَمِنَ العِقابَ أسَاءَ الأدَب
- الغائب والمعلوم بين مصر والمغرب
- أيها الانقلابيون للصّبر حدود..
- الأمطار تَفضح المَستور
- الباقي استخلاصه..المال السّائب في ذمّة المُلزمين
- الكتاب وَحيد لا جَليسَ له


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الله النملي - محاربة الفساد مسؤولية لا تقبل التأجيل