أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - تأملات مسلم معاصر فى تاريخية النص-جزء ثان













المزيد.....

تأملات مسلم معاصر فى تاريخية النص-جزء ثان


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4958 - 2015 / 10 / 17 - 18:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


- تأملات مسلم معاصر – جزء ثانى .
- الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت ( 66) .

هذا هو الجزء الثانى أو اللقاء الثانى فى تأملات مسلم معاصر مع الأخ خالد الذى يعرض تأملاته ومواقفه من النص الدينى وقد سبق له أن عرض رؤيته العامة فى مقدمة المقال السابق والتى على أساسها يؤكدها بكثير من الآيات لذا يُرجى الرجوع إلى مقدمة المقال السابق .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=488354
إذا كان خالد إعتنى فى اللقاء السابق بخصوصية النص ومواكبته للظروف العاطفية للنبى لتأتى الآيات مُعالجة ومُسعفة لما يَعترى النبى من مشاكل , ليكتفى خالد بالإعتناء بخصوصية النص ليؤكد أن الدين ليس منهج ودستور دائم صالح لكل زمان ومكان , ولأعتنى أنا ببشرية النص فالسيناريوهات التى تمت تثبت أن النبى يؤلف الآيات لتتوافق مع رؤيته ورغباته .
فى هذا اللقاء يؤكد خالد على تاريخية النص وملائمته لظروف مجتمعه ومواقفه السياسية والإجتماعية , فلنرى ماذا يقدم وأهلا به .

= خالد : أهلا بك - أحب أن أقدم فى هذا اللقاء المزيد من الأمثلة التى تؤكد ما ذكرته فى مقدمة المقال السابق من تاريخية النص بأمثلة واضحة جلية تجعل كل من يمتلك قسط بسيط من العقل والمنطق والتدبر أن يتوقف أمام من يحاول جعل النص بمثابة صنم و دستور صالح لكل زمان بينما هو خاص بزمانه وظروفه الموضوعية , وقبل أن نعطى أمثلة على رؤيتنا هذه حرى أن نلقى الضوء على فقه أسباب التنزيل , فيقول المفسر جلال الدين السيوطي في كتابه لباب النقول عن أسباب النزول مايلي :
لمعرفة أسباب النزول فوائد ويُخطأ مَنْ يقول لا فائدة له لجريانه مجرى التاريخ فمن فوائده الوقوف على المعنى أو إزالة الإشكال . وقال الواحدي : لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان سبب نزولها وقال ابن دقيق العيد : بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن , ويقول ابن تيمية : معرفة سبب ألنزول يساعد في فهم الآية وإن عِلْم السبب يورث العِلَم بالمسائل، وقد أشكلَ على جماعة مِنْ السلف معاني آيات حتى وقفوا على أسباب نزولها فزالَ عنهم الإشكال ، وقال ألحاكم في علوم الحديث: إذا أخبَرَ الصحابي الّذي شهد الوحي والتنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فإنها حديث مُسنَد ومشى على هذا أبن ألصلاح وغيره .

مازال الكلام مع خالد فيقول : تعالوا نعطى بعض الأمثلة عن تاريخية النص وأنه خاص بزمانه ومكانه , لذا فمن الخطأ إعتباره أحكاماً ونصاً دستورياً لكافة المسلمين عبر الزمان والمكان , وسأقدم بعض الأمثلة فمن الصعوبة بمكان تناول كل الآيات وأسباب تنزيلها , لذا سنعتنى ببعض المشاهد التى تثبت أن من الخطأ التعاطى مع المواقف التاريخية كسلوك ونهج وتعامل ومواقف دائمة , فخطورة هذا سيؤدى إلى تكوين شخصية إسلامية مُتعنتة مُتصادمة مُخاصمة للتعايش السلمى تفكر بعقلية قديمة .

* هل العداوات والمودات قائمة إلى الأبد .؟
فى سورة المائدة آية 82 ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً للذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ).
(لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود ) .
هذه الآية تأتى فى سياق تاريخى معروف للقاصى والدانى عن العداوات القديمة بين اليهود والرسول ليأتى وصف الله تعالى اليهود والمشركين بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين كون اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين مع أن المؤمنين يؤمنون بنبوة موسى والتوراة التي أتى بها , فكان ينبغي أن يكونوا الأقرب إلى من وافقهم في الايمان بنبيهم وكتابهم .
أما ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ) قال عنها ابن عباس : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين ، فبعث جعفر بن أبي طالب ، وابن مسعود في رهط من أصحابه إلى النجاشي ، وقال : " إنه ملك صالح لا يظلم ، ولا يظلم عنده أحد ، فإخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجاً " . فلما وردوا عليه أكرمهم ، وقال لهم : تعرفون شيئا مما أنزل عليكم ؟ قالوا : نعم ، قال : إقرأوا . فقرأوا وحوله القسيسون ، والرهبان ، فكلما قرأوا آية إنحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق .
واضح أن عداء اليهود للمسلمين ومودة النصارى لهم جاء بناء على مشهد محدد بمواقف اليهود والنجاشى والقسيسون والرهبان حينها ولكن لا يمكن إعتبار هذا الحكم والتقييم قائم وصحيح على مدار التاريخ والأزمنة فليس بالضرورة أن يحمل النصارى المودة للمسلمين دوماً والدليل الحروب الصليبية مثلا وكما قلنا يستحيل وجود مواقف ومشاعر ثابتة أبد الدهر وهذا ما دعى ابن عباس إلى تكذيب قول أن كل النصارى على مودة للمسلمين فيقول : من زعم أنها في النصارى فقد كذب , وإنما هم النصارى الأربعون الذين فاضت أعينهم حين قرأ النبي صلى الله عليه وآله عليهم القرآن اثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام. وسارعوا إلى الاسلام ولم يسارع اليهود .إنتهى .
كذلك لا يعقل أن يكون اليهود عجينة واحدة من العداوة والكراهية على مدار التاريخ فهذا ينافى العقل والمنطق وطبيعة الحياة البشرية , كما يُعيب فى الله ذاته , فاليهود خلقته التى جبلها , كما يتصادم مع قوله لا تزر وازرة وزر أخرى.

* خطأ إعتبار هذه الآية دائمة الموقف .
فى سورة البقرة 120( لنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلّتَهُمْ ) . هذه الأية تعتبر من الآيات التى تؤسس لحالة من التصادم والتحفز والإستنفار والتوجس لدى المسلم تجاه الآخر وللأسف نجحت المؤسسات الدينية السلفية بكل أجنحتها على إشاعتها بين المسلمين لتكوين ثقافة ورؤية وموقف للمسلم معادى لليهود والنصارى , ومن هنا ندرك سبب حالة التحفز والتوجس لدى المسلم من الغرب وتوهمه أن الغرب يتآمر ويعتنى أن يزيحه عن إسلامه فتتولد فى داخله حالة من التشرنق والتحفز والتوجس تدفعه للتصادم , ولم يفكر أحد ولو لبرهة ما الذى يجعل اليهود والنصارى يعتنون بهذه القضية , فالعالم المعاصر غير مشغول بالشأن الدينى بل اليهود والنصارى يندفعون نحو العلمانية ولا تجد فى كنائسهم زبائن , والغرب الصليبى كما يدعونه يسمح بحرية الاعتقاد وبناء مساجد للمسلمين بل الدعوة والتبشير بالإسلام على أراضيه .. الغريب والخطأ فى هذه الآية أن اليهود على وجه الخصوص ليس لديهم أى رغبة فى أن ينضم أحد لملتهم , فهم أصحاب دين مغلق لا يقبل الأغيار خارج نسل إسحاق ويعقوب .
آية ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) نزلت لمشهد محدد ذو خصوصية سببها إنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويطمعون أنه إذا هادنهم وأمهلهم إتبعوه ووافقوه فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال ابن عباس: هذا في القبلة وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم، فيئسوا منه أن يوافقهم على دينهم، فأنزل الله هذه الآية.
هذا يعنى أننا أمام حدث مُحدد فى زمانه يعتنى بإقتراح اليهود والنصارى بإتباع قبلتهم فلا معنى على الإطلاق أن تكون هذه الرؤية وهذا الموقف اليهودى النصرانى ثابت ودائم وقائم وحاضر حتى الآن بعدم الرضى من المسلمين , فهذه الآية جاءت متفاعلة وكرد فعل لمشهد محدد , فما الذى يجعلها نهج فكر وسلوك , ومن هنا نجد خطأ التعاطى مع حدث تاريخى بقدسية بنزعه من سياقه ليكون حاضراً فهذا سيعطى نتائج وخيمة .

= أنا : عرض جيد عزيزى خالد يثبت بالفعل أن الآيات ملك ظروفها وزمانها وأتصور أن العقلية المصمتة ستهاجمك بالقول أنك تروج للغرب الصليبى والصهيونى وتدعو لمهادنته لنزع المقاومة من روح الأمة .
- خالد : بِئس وبُؤس هذا الفكر المتهافت فأنا لا أحث على تقديم الرضى والمودة للغرب وإسرائيل أو كراهيتهما , فليكن التعامل مع الغرب وإسرائيل وفق مصالحنا وما تجلبه تلك العلاقة من نفع أو ضرر لتتحدد على أساسها علاقتنا معهما ولا يكون وفق موقف إنسان قديم له ظروفه ومواقفه الخاصة .

* هل نبذ ولاية الكافرين ذات ديمومة .؟
( لا يَتّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) . هذه الآية أمر إلهى مباشر بعدم إتخاذ الكافرين ولاة بدلاً من المؤمنين وهى تؤسس بذلك فكر عنصرى تمايزى وتنسف المواطنة والتعايش السلمى بين البشر , ولكن دعونا نرى سبب حضورها فقَالَ ابْن عَبَّاسٍ: كَانَ الْحَجاجُ بْنُ عَمْرٍو وَكَهْمَسُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ - وَهَؤُلاءِ كَانُوا مِنَ الْيَهُودِ يُبَاطِنُونَ نَفَرًا مِنَ الأنصَارِ لِيَفتِنُوهُمْ عَن دِينِهِمْ- فَقَالَ رِفَاعَةُ ابن الْمُنْذِرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ خَيْثَمَةَ لأولَئِكَ النَّفَرِ: اجْتَنِبُوا هَؤُلاءِ الْيَهُودَ وَاحْذَرُوا لُزُومَهُمْ وَمُبَاطَنَتَهُمْ لا يَفْتِنُوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ، فَأَبَى أُولَئِكَ النَّفَرُ إِلا مُبَاطَنَتَهُمْ وَمُلازَمَتَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ .
وَقَالَ الْكَلْبِي : نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ الْيَهُودَ وَالْمُشْرِكِينَ وَيَأْتُونَهُمْ بِالأَخْبَارِ وَيَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الظَّفَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ. - وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الأنْصَارِيِّ وَكَانَ بَدْرِيًّا نَقِيبًا، وَكَانَ لَهُ حُلَفَاءُ مِنَ الْيَهُودِ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَوْمَ الأَحْزَابِ. قَالَ عُبَادَةُ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ مَعِي خَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ يَخْرُجُوا مَعِي فَأَسْتَظْهِرُ بِهِمْ عَلَى الْعَدُوِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ .. من هنا نجد أن الآية خاصة بحدث ومشهد محدد فى زمانها فكيف نعتبرها نهج وحكم وشريعة جديرة بالإحتذاء .

* ما الذى يجعل إنتفاء الولاية لليهود والنصارى دائمة .؟
آية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ۘ-;-بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ): قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِي : جَاءَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَهِ إِنَّ لِي مَوَالِيَ مِنَ الْيَهُودِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ حَاضِرٌ نَصْرُهُمْ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ مِنْ وِلايَةِ الْيَهُودِ، وَآوِي إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيّ : إِنِّي رَجُلٌ أَخَافُ الدَّوَائِرَ وَلا أَبْرَأُ مِنْ وِلايَةِ الْيَهُودِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :يَا أَبَا الْحُبَابِ مَا بَخِلْتَ بِهِ مِنْ وِلايَةِ الْيَهُودِ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَهُوَ لَكَ دُونَهُ , فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى فيهما: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَى قوله تعالى فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ( يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ) يُسَارِعُونَ فِيهِمْ (أى فِي وِلايَتِهِمْ) يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ.الآيَةَ.
نخلص من هذا أن تلك الآية التى تدعو إلى رفض أى ولاية لليهود والنصارى والكافرين هى خاصة بحدث ورواية محددة فجاء التعقيب عليها وفقاً لها ورغماً عن ذلك فقد أصبحت تلك الآية حجر زاوية فيما يُعرف بفقه البراء الذى يعتبر السبب الرئيسى فى تدمير ذهنية ونفسية المسلم وتخريبها لتنحو نحو التصادم والإقصاء والإستعلاء الأجوف فى نبذ المواطنه , ولنتذكر أن العالم المتحضر العلمانى لا يقصى أحد بناء على معتقده أو جنسه أو عرقه .

* هل مازال أهل الكتاب يجتهدون ليردوا المسلمين عن إيمانهم .؟
آية ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا ) .قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة بدر ألم تروا ما أصابكم ولو كنتم على الحقّ ما هُزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم .
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شُعيب عن الزهريّ قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه أن كعب بن الأشرف اليهودي، كان شاعرًا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، ويحرّض عليه كفار قريش في شعره، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤْذُون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشدّ الأذى، فأمر الله تعالى نبيه بالصبر على ذلك والعفو عنهم وفيهم أنـزلت: وَدَّ كَثِير مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلى قوله: فَاعْفوا وَاصْفَحوا.
هذه آية أخرى تجد حضورها فى الفكر الإسلامى بأن اليهود والنصارى يودون أن يردوا المسلمين عن إيمانهم لتجد تهيؤات بالمؤامرات الصليبية اليهودية الدائمة وما يصاحب هذه التهيؤات من حالة كراهية وتوجس تجد حضورها فى ذهنية المسلم ولم يسأل أحد نفسه إذا كان اليهود والنصارى يحسدون المسلمين على إسلامهم فلما لا يسلمون ؟! بينما الآية تعتنى بقول تافه عن شماتة اليهود وبمشهد ساذج محدد له خصوصية لشاعر يهودى يهجو النبى أو نفر من اليهود كما جاء على لسان ابن عباس فى ذاك الزمان فهل يعنى هذا أن نعممها على مدار التاريخ لتنتج عداوات وخصومات من لا شئ .

* هل يعقل قتال المشركين بعد الأشهر الحرم دوماً .؟
فى سورة التوبة 1- 5 ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ , فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).
يفسر لنا ابْنِ عَبَّاسٍ هذه الآية والظروف المحيطة بها فيقول : " حَدَّ اللَّهُ لِلَّذِينِ عَاهَدُوا رَسُولَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، يَسِيحُونَ فِي الأرْضِ حَيْثمَا شَاءُوا ، وَأَجَّلَ أَجَلَ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ ، انسلاخَ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى انْسِلاخِ الْمُحَرَّمِ ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً ، فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فَيمَنْ لا عَهْدَ لَهُ " .
بالرغم أن هناك أمر إلهى صريح بقتال المشركين بعد إنسلاخ الاشهر الحرم " فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُل مَرْصَدٍ ... " إلا أن هذه الآية شديدة الوضوح فى إرتباطها بحدث وتاريخ محدد لذا لا يجرؤ مسلم عاقل القول بأننا مُكلفون بقتال المشركين بعد إنسلاخ الأشهر الحرم من كل سنه بإعتباره أمر إلهى واجب التنفيذ , كما أننا لم نرى على مدار التاريخ الإسلامى العنيف حرص المسلمين على القتال بعد الأشهر الحرم دوماً , فأليس هذا يثبت أن الآية موجهة لنفر محدد من المسلمين فى زمانهم ولحدث وظرف محدد , فكيف نعتبر هذا ناموس ودستور لكل المسلمين عبر الزمان .!

الطريف والغريب فى الأمر أن هناك أمر إلهى آخر بعدم القتال فى الأشهر الحرم ولكن إن عُرف السبب بطل العجب( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ) لتأتى هذه الآية فى سياق ظرف تاريخى مُغاير , فالنَبى عِندما جَاءَ في الحُديبية،أَراد هو وأصحابه أن يعتمروا فمَنَعَهم المشركون ، فلما نزلت سورة المائدة بعد ذلك وجاء النّبي صلى الله عليه وسلم للحَجّ لأنَّ هذه السُّورة - سورة المائدة - نزلت قبل حَجَّة الوداع أو قبل الحجّ ، وبعد صلح الحديبية رُبَّما فى السَّنة التاسعة إلى أوَّل العاشرة – فالله يقول وينهى المؤمنين ( ولايَجرِمَنَّكم ) بُغضُ المشركين لأنّهم صَدُّوكم عن المسجد الحرام فلا يحملكم ذلك على أن تعتدوا في فِعل أو في قول .
يستطرد خالد : للأسف ما يفسد ذهنية المسلمين إنسياقهم للتفسيرات السلفية القديمة المتشددة لدرجة إعتبار سورة التوبة ناسخة لكل آيات الصفح والمسالمة وأنها الحكم الذى يجب الإحتذاء به , وللأسف أيضا لم تنجب أمة الإسلام علماء وفقهاء محدثين ,فالجميع يجترون من تفسير وفكر سلفى قديم لترتفع رايات النقل قبل العقل .

= أنا : أشكر تحليلك أخ خالد ولكن لماذا تعتنى بوجه واحد من الحقيقة بإثبات أن الآيات تحمل تاريخيتها وتهمل الوجه الآخر أنها تحمل بشريتها فتأتى متوافقة لموازين القوة كما فى الآيتان السابقتان فإستدعى تعامل المؤلف مع كل حدث على حدة .
- خالد : أكتفى بسرد هذه المشاهد التاريخية وما أنتجته من نصوص ولكن إسمح لى التطرق سريعاً لبعض السلوكيات والمواقف التى تجد منى نفوراً كان حرى ان تكون فى لقاء مستقل ولكنى لا أضمن إلا لقاء واحد سيتناول منحى آخر فى تاريخية وخصوصية النص .

= أنا : تفضل ياعزيزى وإن كنت أأمل فى مزيد من اللقاءات .
- خالد : هناك تأملات لا يكون التوقف عندها كونها مرتبطة بجذورها وظروفها التاريخية السياسية القديمة بل يأتى التوقف والنفور من تصادمها مع الذوق والقبول النفسى وعدم القدرة على بلعها وهضمها وإنتهاجها وفق معايير عصرنا وأتصور أن شرائح عريضة من المسلمين تشاركنى هذا الإحساس بالنفور بالرغم أنها تفتقد ثقافة البحث فى بواطن الأمور , فالأمور تتوقف لديها على الذوق الإنسانى والحضارى فقط .

* أتوقف أمام آية ( والمحصنات من النساء إلاّ ما ملكت أيمانكم ) وأرى أننى لست مَعْنِى بها ولا تشكل لى أى مَعْنَى , فأنا ليس لى جوارى وملك يمين ولا أأمل فى ذلك , فقناعاتى بإمراتى التى أحبها علاوة أننى غير مقتنع بالرق والأماء , فعصرى تجاوز هذا الزمن البغيض حيث العبودية والإنتهاك والإغتصاب لأسأل لمن تخاطب آية "والمحصنات من النساء إلاّ ما ملكت أيمانكم" فى عصرنا , وأضيف أن عصرنا وإنسانيتنا وحضارتنا تَستنكر وتُدين وتُجرم إسترقاق النساء وإغتصابهن تحت راية ملك اليمين , وأرى المسلمين أول من يَستنكرون ويُجرمون فعل داعش , أليس كذلك .؟!

* كذلك آية ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا ..) لأتوقف أمامها مستنكراً هذا السلوك مع زوجتى بضربها , فالحياة الزوجية لا تسمح بكل هذه الحدة والقسوة ويجب أن أتفهم إحساس زوجتى وأعتنى بمشاكلها وظروفها النفسية والجسدية فهى إنسانة , والممارسة الجنسية والحقوق الشرعية لا تتم بشكل بوهيمى , وعندما نعجز عن التوافق فليكن الطلاق ولا معنى للضرب , ولو تصورنا انها إنصاعت بالضرب رغماً عن أنفها فهذا قهر وإستعباد وإنتهاك لإنسانيتها لا أقبله , قولى هذا ليس غريباً ولا معانداً ولا شاذاً فكما قلت أن غالبية المسلمين لا ينهجون العنف والضرب مع زوجاتهن بل القوانين المدنية تعاقب بالحبس الإعتداء الجسدى على المرأة بجنحة أو جناية حسب الضرر الواقع عليها .

* أتوقف أمام : ( واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرّسول ) ، فبداية نحن أمام آية تاريخية حيث تحدد خُمس الغنائم لله والرسول ولكن هذا الحكم لم يعد له معنى فى المشهد المعاصر , فلمن تذهب خمس الغنائم إذا كان الرسول غائب , فإذا قلت من ينوب عنه من علماء وفقهاء , فالآية لم تذكر ذلك علاوة على أن هذا يؤسس للكهنوت فى الإسلام .
ولكن كما قلت أن الأمور لا تتوقف على خصوصية النص بل على الذوق الحضارى الإنسانى , ففكرة الغنائم والسبى تتصادم مع القوانين الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان , علاوة أن تركيبتى النفسية والفكرية والثقافية لا تجعلنى أميل للغزو والغنائم فأنا رجل فنى تقنى مسالم فلن تعنيني آيات الغنائم والفيء والسبي حين أقرأها في القرآن , لأتساءل عن مصير مثل هذه الآيات , فهل ما يزال بوسعها أن تجد حضوراً فى عصرنا إلا مع أصحاب الهمجية البربرية كالدواعش .

= خالد : بعد هذا العرض الذى يثبت تاريخية النص أرى من الخطأ إسقاط النص على واقع مغاير وإعتباره دستور ومنهج سلوك وحياة , كما أرى الإشكالية فى تعامل الفكر الإسلامى مع الآخر بأسلوب الماضي بينما الأصح أن نقيم العلاقات بأسلوب الحاضر بتفاعلاته وظروفه وملابساته وتوزاناته وليس بفكر وأسلوب الماضي , ولكن يطفو سؤال : هل المسلمين يريدون بناء علاقاتهم مع الناس بأسلوب الحاضر أم لا , فالمسلمون الأصوليون عندما يتعاملون مع غير المسلم يريدون فرض الجزية مثلاً عليه لكن الجزية أسلوب من أساليب الماضي التي كانت موجودة قبل وجود الإسلام نفسه , فالإسلام لم يبتدع الجزية والغزو مثلا بل إقتبسها , إذن هو أسلوب من الماضي البعيد ولا وجود له في حاضرنا , ومع ذلك يريد هؤلاء السلفيون تطبيق هذا الأسلوب العتيق علي الآخر على الرغم من أن المنطق البسيط يطلب عدم إقامة علاقات مع الآخرين بأسلوب وفكر الماضى .

- أنا : شكراً على هذا العرض عزيزى خالد , ولكن دعنى أضيف بعض النقاط التى لن تبتعد كثيرا عن طرحك , فأنا أرى الإشكالية الحقيقية للفكر الإسلامى أنه يريد إستحضار التاريخ بشخوصه ومواقفه وتفاعلاته ليصير نهج وموقف وسلوك وتفكير وتعاطى المسلم , فقد ربط كهنة الإسلام التاريخ والسياسة بالقداسة لتكون مواقف النبى التاريخية والسياسية دستور ونهج حياة . !

أٌقول أن الدين الإسلامى من أكثر الأديان وضوحاً وشفافية عند دراسته وقراءته قراءة عقلانية حيادية موضوعية , فنحن أمام تشكل دين بكل ديناميكيته وحراكه على الأرض ليأتى معبراً فى كل لحظة عما يعتريه وفقا لمعادلات القوة والضعف , معالجاً لمواقف سياسية اجتماعية بكل برجمايتها بل إنفعالها أيضاً , فالدين الإسلامى هو الوحيد الذى جاء فيه النص مواكباً للحدث معالجاً له بينما الأديان الأخرى تم تأليف مواقفها وقصصها فى وقت لاحق عن الحدث , لذا فقه أسباب التنزيل ذو دلالات خطيرة وهو ما أشرت له حضرتك فهو يعتنى بتبيان الحدث الذى إستدعى نص ليعالجه أى أن الحدث ظهر ليشكل إشكالية وإلحاح للتعاطى معه فيظهر النص للتعامل معه لنجد الكثير من الآيات القرآنية ماعدا قصص الأنبياء جاءت فى سياق حدث يعالج بآيات , لتندهش أن الكثير من تلك الآيات جاءت لمشهد بسيط للغاية بل رداً على قول فلان أو علان !! وهذا يحث من لديه قدر ضئيل من المصداقية والمنطق والتعقل أن يتوقف ملياً أمام نصوص تمت كتابتها خصيصاً لحدث واجه الرسول لتأتى الإجابة والمعالجة بعدها من خلال نص , فألا يعنى هذا أننا أمام فكرة بشرية الأديان وجهاً لوجه .

الطامة الكبرى فى الفكر الإسلامى أنه يتعاطى مع اللفظ ولا ينظر إلى خصوصية الحدث , فعلماء الإسلام قرروا قاعدة متعلقة بأسباب النزول , مفادها أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , وهذه القاعدة تعنى بإختصار أن النص الشرعي إذا ورد بسبب واقعة معينة حصلت في عصر التنزيل , فإن الحكم لا يكون مقتصراً على تلك الواقعة فحسب , وإنما يكون حكماً عاماً في كل ما شابهها من وقائع ونوازل , وذلك لرؤيتهم بأن أحكام القرآن من حيث الأصل هي أحكام عامة لكل زمان ومكان وليست أحكاماً خاصة بأفراد معينين ومن هنا نجد الغرابة والجمود , فالغرابة أن الآية جاءت لمعالجة لحدث بعينه بخصوصيته فمن المستحيل أن تتشابه الحوادث فالماء لا يجرى فى النهر مرتين , أما الجمود يأتى من إعتبار المعالجة السياسية والتاريخية لمشاهد حياتية قديمة ناموس ودستور .

ألقيت الضوء سابقاً على رؤية أن أسباب التنزيل تعنى بشرية النص وقد قدمت حضرتك أمثلة عديدة تصفع العقول الغافلة أو للدقة المتغافلة بأن الأمور لا تعدو سوى حالة بشرية واضحة لإنتاج النص ولكننا سنعتنى فى هذا البحث إلى التوعية التى ترمى أن ما يعتبره المسلمون نهج ودستور وسلوكيات يجب إتباعها لا تزيد عن مواقف سياسية فى ذلك الزمان , لذا فمن الخطأ بل قل من الخطورة أن تجد لها حضوراً فى واقعنا فهذا يعنى أننا نتعاطى مع فكر وموقف إنسان قديم بكل أحداثه لنسقطه على واقع مُغاير تغيرت ملامحه ودوافعه ومواقفه ونسق تفكيره تماماً , فعملية التعميم والتقولب والتشرنق فى داخل مواقف قديمة ستعطى نتائج وخيمة وهو ما أشرنا له بهذا السلوك التصادمى الإزدواجى الإستعلائى .

هناك إشكالية خطيرة فى الفكر الإسلامى عند التعاطى مع النص كما هو منزوعاً من زمانه وظرفه الموضوعى ’ فسيؤدى هذا إلى تشكيل ثقافة إسلامية متعنتة تقوم على الإختزال الشديد والأحكام الشمولية التعميمية المقولبة , فكل اليهود مثلا أعداء للمسلمين عبر الزمان وكل العداء للكفار دوماً , فلا يوجد أى منطق بسيط يُدرك أن البشر يتغيرون ويتطورون فى مواقفهم وسلوكهم فمن المستحيل بقاء البشر على نهج وسلوك ومواقف واحدة على مر التاريخ , لذا هذا الفكر الطفولى المتقولب سيعطى نتائج وخيمة فى تأجيج عداوات وخصومات من لا شئ .

أرى الخلل الرئيسى والمحورى لسبب تداعى حال المسلمين هو أن نسق تفكيرهم وسلوكياتهم يتعامل مع الواقع والحياة بأسلوب ونهج الماضى , فعلاقات ومواقف ورؤى وتفاعلات الماضى صارت نسق تفكير وتعامل وتعاطى ومواقف وهذا شئ خطير أن تبنى تفكيرك وسلوكك على ظرف موضوعى لإنسان آخر قديم بما إكتنفه من تحديات وظروف وإعتراه من وعى ومعرفه وحالة نفسية ومزاجية فهذا سيؤدى إلى الجمود والتخلف بالضرورة .

أشكرك على هذا الحوار وأحترم رؤيتك وتوقفاتك وإن كنت أتجاوز رؤيتك لأقول أننا أمام نصوص بشرية فكراً ولحماً وإنفعالاً مما يؤكد نظريتى بأن الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت , وإلى لقاء ثالث مع تأملات مسلم معاصر .

دمتم بخير.
" من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات مسلم معاصر-إن الله يسارع فى هواك
- خمسة وخمسون حجة تُفند وجود إله
- فى ماهية الوجود-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان
- شيزوفرانيا-تناقضات فى الكتابات المقدسة–جزء13
- عاوز أعرف – مشاغبات فى التراث 8
- إستنساخ التهافت-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- الماركسية السلفية وعلاء الصفار
- إستنساخ آلهة البدواة-الأديان بشرية الفكر والهوى والتوحش
- فضائح وشجون ومخاطر على سواحل أوربا
- منطق شديد التهافت ولكن إحترس فهو مقدس
- إنهم ينفقون على الجن بسخاء-لماذا نحن متخلفون
- منطق الله الغريب - مشاغبات فى التراث 7
- أبشركم بإله ودين جديد .
- كيف تؤلف لك دين جديد -جزء ثانى
- كيف تؤلف لك دين جديد - جزء أول
- سؤال فى تأمل-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- تغييب السبب الرئيسى إما جهلاً أو خجلاً
- تهافت البلاغة – مشاغبات فى التراث(6)
- تصعيد ثقافات وليس صراع حضارات-فى نقد نظرية صموئيل هنتنجتون
- وهم الوجود(1)- نظرية البحث عن علاقة .


المزيد.....




- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - تأملات مسلم معاصر فى تاريخية النص-جزء ثان