أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - هو الخلل الهيكلي لدول المنطقة














المزيد.....

هو الخلل الهيكلي لدول المنطقة


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 4956 - 2015 / 10 / 15 - 18:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تبدو المشكلة في الشرق الأوسط الآن، وكأنها مجرد مشكلة عصابات مسلحة ذات أيديولوجية دينية ‏بدائية ووحشية، وبالتالي يكون الحل الذي يرد مباشرة للأذهان، هو الدحر العسكري لهذه العصابات، ‏مع تجفيف المنابع البشرية لها، بحملات توعية دينية مستنيرة، تدعو للتسامح وقبول الآخر. هذا ‏بالتأكيد مطلوب، لكنه بالتأكيد أيضاً غير كاف، ولن تجد هذه المنطقة سلاماً واستقراراً، ما لم تحل ‏إشكاليات تكويناتها الهيكلية.‏
ما نسمية "الإرهاب" يرجع إلى عوامل ذاتية خاصة به، على رأسها توطن أفكار وأيديولوجيات مقدسة، ‏نعدها الآن بدلائية ووحشية، مقروناً بفشل النخب الثقافية ونظم التعليم في المنطقة في الارتقاء بعقلية ‏الإنسان، لتمكنه من التخلص من رواسب الميراث الثقافي الوبيل. هذا بالطبع بالإضافة إلى عشرات ‏العناصر الفرعية، ما لسنا الآن بصدد استعراضه. لكن جذر الإشكالية التي نعيشها اليوم مع دول ‏وشعوب تتبدد، ليس مجرد هذا "الإرهاب" الذي يملأ الدنيا صراخاً ودماء. فالإرهاب واحد من أخطر ‏منتجات البيئة المنتمية إلى عصور مضت، لكنه ليس المسبب الوحيد لكل ما نشهد الآن.‏
هي مشكلة عضوية في صميم تكوين العديد من دول المنطقة، وعلى رأسها العراق وسوريا وليبيا واليمن ‏والسودان، وتكمن في أنه قد سكنت هذه المنطقة منذ عصور قبائل وجماعات متنافرة متناحرة، ومتباينة ‏عرقياً ودينياً وحضارياً، وتحمل ضد بعضها ثارات وميراث طويل من التطاحن.‏
لم تجمع بين هذه الشذرات الفسيفسائية دول إلا في أوائل القرن العشرين، حين حاولت القوى ‏الاستعمارية الأوروبية وهي تنسحب من المنطقة تخلصاً من أعباء حكمها المباشر لها، خلق كيانات ‏كبيرة منها، يضم كل كيان بعضاً من هذه المكونات غير المتجانسة المتجاورة جغرافياً، وفرضت في ‏البداية عليها شروطاً لنظم الحكم، كانت كفيلة بأن تؤدي مع الوقت إلى تقارب هذه المكونات، بما ‏يكفي لكي تعيش مع بعضها البعض ومع محيطها في سلام وتوافق، مثلما حدث في أوروبا‎.‎
بالطبع كانت الجغرافيا حاكمة في تكوين هذه الكيانات الجديدة، لكن ما اتضح الآن هو أنها لم تكن ‏كافية، لتجميع مكونات متنافرة أو متضادة ثقافياً ودينياً ومتباعدة حضارياً، الأمر الذي لم يكن من ‏الممكن حينها تفاديه، ليتعلق الأمل بقدرة الدولة الحديثة على تذويب تلك المكونات في واحد، بالطبع ‏مع احترام خصوصيات الجميع.‏
ما حدث هو عدم التزام القوى الأكثر قوة وتمكناً في كل من هذه الكيانات، بالشروط ومنهج الحكم ‏الكفيل بسير الأمور باتجاه توحيد الفرقاء، وكان انتهاج الاستبداد في الحكم الذي شمل جميع المكونات ‏بلا استثناء، وعنصرية وطائفية نظرة وموقف نظم الحكم والفئات الأقوى من سائر مكونات الدولة ‏الأخرى، ما أدى إلى تفاقم الخلافات والعداءات، وليس تخفيض وتيرتها. وكان للتعصب المذهبي ‏والديني وأيديولوجيا العروبة، المساهمة الأكبر في اضطهاد وتهميش الأقليات وحصارها، ما خلق حالة ‏تتفاقم مع الوقت من التوتر والاحتقان. لتكون النتيجة أن فشلت الأنظمة الحديثة في تأصيل الانتماء ‏الوطني للدول الناشئة، بدلاً من الولاء القبلي والعرقي والديني والطائفي، لنرى الآن الناس بعد قرابة قرن ‏من الزمان من الانضواء في دول وطنية، ومازالوا على انتماءاتهم القديمة البدائية، ينساقون لهدم دولهم، ‏لصالح الأحقاد والصراعات العنصرية‎.‎
لنتأمل مثلاً فرار الجيش العراقي الوطني دون قتال، من أمام داعش في الموصل والرمادي وغيرها، ‏مقابل استبسال الميليشيات الشيعية، التي رفعت شعارات عنصرية، مثل "لبيك يا حسين". هو الانتماء ‏التلقائي العنصري المتجذر، مقابل بقاء الحديث عن الوطن، مجرد رطانة يلوكها المثقفون في ‏المناسبات!!‏
الحقيقة أن الدول الاستعمارية التي أوصت الكيانات الجديدة هذه، كما لو بوصايا عشر يلتزم بها ‏‏"الناس الطيبون"، كانت حالمة وساذجة إلى حد كبير. فمن أين لأناس نشأوا وترعرعوا هم وأباؤهم ‏وأجدادهم في بيئات وثقافة قبلية أبوية وعنصرية متخلفة، أن ينتقلوا هكذا فجأة إذا ما تركت لهم الحرية، ‏إلى سلوكيات وطنية حداثية، ويؤسسوا نظم حكم ديموقراطية، توفر جواً صحياً لتوافق المكونات البدائية ‏الأولى؟!!. . هذا الخطأ نفسه ارتكبته أمريكا، حين تصورت أن تحرير الشعب العراقي من طغيان ‏النظام الصدامي، يمكن أن يؤدي تلقائياً إلى نشوء نظام ديموقراطي حداثي.‏
بالطبع لا ينبغي أن تفوتنا هنا الإشارة، إلى طبيعة وقدرات إنسان هذه المنطقة بصورة عامة، وعجزه عن ‏التطور وقبول الرؤى والمعايير الحداثية. ‏
الخلاصة أن ما نشهده الآن في سائر أنحاء الشرق الأوسط هو تحلل وتفجر هذه الكيانات المصطنعة، ‏بعد أن فشلت مكوناتها العرقية والدينية في التعايش، وثبت فشل الرؤية الاستعمارية، التي حاولت نقل ‏هذه الشعوب من مرحلة القبائلية إلى مرحلة الدولة الحديثة‎.‎
الإرهاب الذي يجتاح المنطقة الآن بكل سهولة ويسر، هو الوحش الذي تكون في رحم هذه الكيانات، ‏ويسري الآن في شقوقها وتصدعاتها، كما يسري الماء الآسن في شروخ صخور قديمة متصدعة وبالية‎.
هناك خريطة سياسية جديدة يرسمها الإرهاب وشعوب المنطقة الآن على أرض الواقع، ولن يعود الحال ‏أبداً إلى ما كان عليه. ليس لأن الاستعمار والإمبريالية الأمريكية والصهيونية والماسونية يريدون ‏تقسيمنا، ولكن لأن خطة الاستعمار قد فشلت في تجميعنا وتطوير حياتنا ونظمنا ورؤانا، وعدنا أكثر ‏تفرقاً وهمجية ووحشية‎.‎

ملحوظة: لتكوين رؤية شاملة لتاريخ دول المنطقة، انظر كتاب "الدولة العربية" لمحفوظ أبو كيلة- ذات ‏للنشر والتوزيع



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين من خارج الصندوق
- في الإرهاب الفلسطيني
- في مستنقع الإرهاب السوري
- احتفالات أكتوبر المكرورة
- علي سالم. . رحل الرجل وعاشت القضية
- إطلالة على قصة الفساد المصرية
- صنم الشعب
- سؤال الثورة أم الفوضى؟
- نحن وإيران غير النووية
- الليبرالية في زمن الغوغائية
- الإرهاب والضباب
- الليبرالية ومأزق المثلية
- البحث عن معادلة جديدة
- المسيحي الملحد
- القاعدة وداعش وأمريكا
- هو الخيار الداعشي
- نبضات علمانية
- مع خطاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
- في غبار عاصفة الحزم
- العبث باليمن العبوس


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - هو الخلل الهيكلي لدول المنطقة