أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - محطّات / قصة قصيرة














المزيد.....

محطّات / قصة قصيرة


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4955 - 2015 / 10 / 14 - 22:31
المحور: الادب والفن
    


محطّات

بعد عناء طويل، أقتطف تذكرة السفر فرحاً، أحزم حقائب شوقي لامرأة لم أرها من قبل، تداعبني أحلام اليقظة, تسابقني الخطوات، وأنا أشاكس ضوءاً مندلقاً من بين عربات القطار، يتلو بعض انتظاري. كانت عيناي معلّقتين بعقارب الساعة، لمّا تطهّرت بدمي عند لحظة غياب، معتّقاً بالندم، تائهاً وسط ضجيج المسافرين؛ فتراني آخيت متاهات الدروب، مذ أتيت هنا، متخبطاً أسير على ذات الدرب، خطوة خطوة. الهنا محطة لا غير، يلفّها العويل ودخان كثيف ورائحة شواء، قابع فيها وحدي، قدماي تطويان أرصفة الذعر، ذراعاي معلّقتان في فضاء مغلق، أبحث عن نافذة، أتنفس جحيم احتراقي، ظلّي يهرب إلى جهة قصية، أهرول إلى منعطف التذكّر، أنشد حكاية قديمة، تبوح بجرح ما زال فاغراً فاه؛ لعلّي أرتّب ما تبقّى من ثياب الأماني، أعبر ضفة المحطة، أقتفي أثري، عيناي تخطّان حلماً يعزف تراتيل الأمس، أمضي على عجل صوب البدايات، كان الفجر يتنفس براءتي؛ وأنا أحبو بين بساتين النخيل، مرايا ( نهير الليل)* تداعب خيالي، أخلع قماطي، أرتدي ماءه، أبحث عن سرّ وجودي. خالي الذي رأيته في أول المحطات، عند طرف قريتنا البائسة، يهتف بالجموع أملاً، دثّرني بهمسه،
" أراك تتبع خطى الحرائق، عد إلى قريتك فما زال الوقت باكراً "
آنسته وهجاً في حلكة الليالي، ألوذ بكلماته زهواً، مرتدياً ظلّ خطواته، وأمضي منتشياً بعبقي السومري، أحطّ الرحال على ضفاف السواقي، وتراب الحقول، خضرة وماء، طيور البط والخضيري وأم سكة، حكايات تنبلج منها رائحة التبغ ورنين دلّة القهوة، كانت أنفاسي تدغدغ سعف النخيل، تشدو غناء بقصائد السياب، فرحاً أغازل شناشيل بنت الجلبي، أهطل حبوراً على شط العرب، أنزف مطراً. وحين أزهرت الأرض جفافاً في غفلة منّا، انتصبت الأحزان جسراً يحملني إلى المدن البعيدة، غريباً أهبط هناك، خلف السدة الترابية، شرق العتمة، والقلب يخفق شوقاً لظلّ شجيرات الحناء، لظلّ أبي، ودثار أمي. كانت المدن رقعة شطرنج بلا ملوك، وكنّا بيادق لا لون لها، تحركنا أيد خفية، ولمّا امتنعنا عن اللعب، ولم نتحرك فوقها؛ كانت المنافي رقعتنا، وفضاء من مواجع تأسرنا. أوقدوا نار الحروب، لم تكن برداً وسلاماً، لثمنا ضرع الخراب وسنوات التيه، نلهث خلف أحلام من سراب، أحلام بعرض السموات والأرض، نهذي بملامح تحلم بالفناء؛ فتعمّ العتمة ولم نسمع آذاناً للفجر... هكذا تولج محطة قلب أخرى، فلماذا تتّشح كلّ المحطات بالحنين لأيام خلت؟ ولماذا تنتصب الآن أمامي؟،
" إنّه لأمر عجيب، من أيقظ رقاد السنين؟ "
أنفاسي تتوقف عند نداء ينطلق من أقصى المحطة،
"جاء القطار".
المسافرون لملموا حقائبهم، عيناي تعانقان ظلّ شبحين يهبطان من علو، يرتديان ثياباً من ضباب ناصع البياض، تلفّني موجة هلع، أرتبك، أرتجف رعباً، أبحث عن منفذ، ولو ثقب إبرة، أحاول أن أتحسّس ساقيّ؛ كي أطلقهما تسابقان الريح، يصيبني الذعر، كنت بلا ذراعين، عيناي تحدّقان بي عن بعد، تغرقان في موجة دمع، يداي تلوحان لي بالوداع، لم يكن أمامي غير أن أتدثّر بآخر أنفاسي، تاركاً أشلائي وصرة أسفاري على رصيف مكتظّ بالنواح. ابتسمت لعقارب الساعة المعلّقة على بوابة المحطة...كان الموت صحواً.

* نهير الليل: نهر يقع في محافظة البصرة، كان يسكن حوله فقراء الناس




#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( انعتاق ) قصة قصيرة
- تحليق على سطر الهامش / قصة قصيرة
- قرابين البحر
- سروال داخلي
- ((اللغة الشعرية و حوارية القصة القصيرة ))/ دراسة نقدية معمّق ...
- امرأة القمر / قصة قصيرة
- المعبر
- لإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراسم ...
- الإيروس قصيدة مغنَّاة: قراءة مفاهيمية ورؤية في التجسيد الراس ...
- (( الواقع والشاعرية في ... هبوط عابر )) دراسة نقدية لقصة ( ه ...
- استفزاز الذاكرة في (ما بعد الخريف) دراسة نقدية للمجموعة القص ...
- غرائبية اللغة والحدث في نص ( ارتعاشة آخر ليلة ) للقاص عبدالك ...
- ( أنخاب ) / قصة قصيرة
- ( مرايا الشيب ) نص يؤسس لنمط مميز في السرد
- بلاغة الغموض في رسائل الموتى / دراسة نقدية - بقلم الناقد الم ...
- ( مدارج العتمة )
- ( الرفيق ديونيسوس )
- في قباء الكوابيس
- رفيف التجلي
- عند منعطف النسيان


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - محطّات / قصة قصيرة