أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - إزالة الالتباس عن مُشكَلات الإصلاح الديني 1















المزيد.....

إزالة الالتباس عن مُشكَلات الإصلاح الديني 1


جميل حسين عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4955 - 2015 / 10 / 14 - 19:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ماذا نعني بالإصلاح الديني.؟
إن ما يتسابق إلى فكر القارئ، ويتبادر إلى ذهن المستمع، أننا نعني بالإصلاح ما يقابل الإفساد، وبالديني ما يناظر اللاديني. وهذا ما توحي به العبارة حين نطلقها بلا تحديد لمعناها، ومفهومها. لأن الإصلاح لا يستقيم في مرتبته، إلا إذا عالجنا به نقيضه، وهو الإفساد، والديني كذلك، لا يمكن أن نضع في مرتبته إلا اللاديني. ومن هنا، فإن الإصلاح الحقيقي، لا يرد إلا على ما أفسد بفعل فاعل، لا على ما هو فاسد في عينه، وذاته، ولا يقبل صفة غير صفته. والدين لا يمكن لنا أن نقابله إلا باللادين، لا بالكفر كما درجت عليه بعض الأقلام. لأن نظير الكفر، هو الإيمان الذي نعني به التصديق، وما يستلزمه من الطاعة. وليس الدين الذي نعني به مجموعة من التصورات العقدية، والشعائر التعبدية، والأخلاق الفاضلة. ومن هنا، فإننا إذا قابلنا الإصلاح بالإفساد، فإنهما في سياق مرتبة واحدة. لكن الدين، إذا قابلناه باللادين، فإننا نقارب بين معنيين متناقضين من حيث الدلالة على المعنى، ونقيضه. فالأول له اسم، وله حدود تعرفه في الصورة الذهنية، ومصاديق تحدده في التجربة الواقعية. والثاني لا حد له في حقيقته، وهو شيء هلامي، ومستغرق في العماء. ولكن يمكن تقريب رسمه بالإلحاد، أو باللائكية، أو باللادينية، وإن كانت هذه الأسماء لا تستوعب كل مساحات الجهة المخصصة للنقيض المقابل لها. لأن ما ليس دينا، فهو اللاديني في اعتبار. أو أن اللاديني على اعتبار آخر، هو كل ما كان دينا في الأصل، ثم جردت عنه تلك الصفة التي استحق بها التفضيل. وهذا بعيد تصوره، لأن طرو زوال صفة الدين عن الشيء، لا يعني الارتداد دائما كما هو معلوم. لكن هل يعني الإصلاح الديني إزالة الإفساد اللاديني.؟ إن الإصلاح الديني، لا يستساغ لنا أن ندركه في معناه، ما لم نحدد صورة ذلك الشيء المفسد الذي نريد إصلاحه. وهذا الشيء بمقتضى المفهوم المخالف هو اللاديني، لا الدين كما يريد به صاغة الاصطلاح. لأن المُشكَل في الموضوع، هو أننا حين نقصد بمادة الإصلاح الدين، فإن الدلالة توهمنا بأحد أمرين: الأول: أن الإصلاح سيكون لما أفسد في الدين. وهنا سنبحث عن أي نوع نقصد بالدين المفسد.؟ هل ما تضمنه الجنس من أنواع.؟ أم ما تضمنته كلياته من جزئيات.؟ الثاني: أن الإصلاح سيكون بالدين لشيء هو عينه، وذاته. فكأننا نقول: إصلاح الدين بالدين، كما يقول صادق النيهوم: دين ضد دين. وهذا مشكل في الفهم، لأن ما سمي دينا، وبه يتم الإصلاح حقيقة، لا يمكن أن يكون قابلا في ذاته للفساد كما سيأتي معنا. فإذا قصدنا الثاني، فإنه غير واضح، لأن الشيء لا يكون في الوصف موصوفا تاما، وهو في ذاته ناقص. لكن إذا قصدنا المعنى الأول، فإن الإشكال الذي يعترضنا، هو: ما معنى الدين.؟ هل نعني به النص الإلهي.؟ أم النص الإلهي، وما نتج عنه من تفسير، وشرح، وتأويل.؟ أم نعني به التجربة التي أنتجها الدين في الواقع البشري.؟ أم نعني به تصحيح الفهم لما هو موروث في نصه، وتجربته، من غير التعرض لكليات مفاهيمه، وأصوله، وقواعده، ومقاصده.؟ أم نعني به نوعا آخر يشمله جنس الدين، ولكنه غير معتبر في الالتزام بحقيقة الدين.؟
إننا في الحقيقة لن نستوعب ما نريده من هذه الدلالة، إلا إذا نظرنا إلى الدين على أنه صورة ذهنية مرتبطة بالعالم الخارجي بعلاقة من العلاقات. أو أن ننظر إليه على أنه تجسدات في الواقع الحسي، تركبت منها صور في الداخل. فإذا تقابل الواقع ما هو متذهن لنا من الصورة الخارجية، فإن التجربة يحكم عليها بالصحة، وإذا تعارضت الصورة، والتجربة، فسدت الحقيقة المسماة بهذا الاسم، أو الصفة. ولذا، فإن الدين الذي نتحدث عنه في الإصلاح، إذا كنا نعني به أننا نريد إصلاح ما حدث فيه من إفساد، فإننا نُضمن أصليته في جوهر القضية، وهذا إقرار به، ثم تأتي من بعد ذلك معالجة ما طرأ عليه من عوامل أفقدته صفة الصلاح، وجعلته قابلا للفساد، أو فاسدا. لكن هل يصح هذا المعنى، لو أردناه.؟ إننا ما زلنا وإلى هذا الحد نحوم حول مجموعة من المعاني المعقدة، ولم نطق أن نفصل بينها في المراتب، والاعتبار، والتقدير، ولا أن نبين ما هو البسيط منها، وما هو المركب منها. لأن الدين في قدسيته، لا يجوز لنا أن ننعته بالفساد حتى يحتاج إلى إصلاح، ولا يحق أن نفصل بعضه عن بعض، فنقول ذا يطرأ عليه الفساد، وذلك لا يطرأ عليه، ولا أن نمزج بين ما هو ذاتي مرتبط به، وهو في غالبه مجرد عن غيره، وبين ما هو محل وموقع له، وهو في غالبه الإنسان المكلف. وذلك ما يقتضي منا أن نجزأ الموضوع إلى وحدات:
الأولى: مفهوم الإصلاح
في جذر هذا اللفظ نجد الصلاح ضد الفساد، والإصلاح نقيض الإفساد. ونجد صفة الصالح، والصليح. فنقول: رجل صالح في نفسه من قوم صلحاء. ونجد المُصلح في أعماله وأموره، وقد أصلحه الله. وأصلح الشيء بعد فساده: أي أقامه. إذا نظرنا إلى دلالة اللفظ، فإننا نجد الصلاح يدل على استواء واستقامة الشأن، والأمر، لأنه كما يكون صفة لازمة، فإنه قد يكون صفة عارضة، وطارئة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإننا إذا اعتبرنا الإصلاح فعل فاعل، لا يتم إلا بطاقة، وإرادة، وحركة، وذلك ما يعنيه التركيب للمراتب في الاشتقاق، فإننا سنلمس تلك القوة التي تتداخل فيما بينها من أجل إعادة الشيء الفاسد إلى ما سبق من صلاحه. ولذا، فالمراتب هنا ثلاثة: المرتبة الأولى: الفعل والحدث من غير قيد بالزمان، والمكان، أي الصورة الذهنية المجردة عن قيدي الزمان، والمكان. الثاني: ارتباطه بموصوف مستجمع للمعنى المقصود بالدلالة الوضعية. الثالث: ارتباطه بالفعل المستوجب للحركة المتصلة بالذات بمعية الاندماج بين الظرفين الزماني، والمكاني، وفق حدود لا تنفصل عن المحدود بالمفهوم معنى، وحسا. ومن هنا، فإن الصلاح إما أن يكون ذاتيا في الشيء، وإما أن يكون طارئا عليه. لكن ما عينه الصلاح، هل يجوز أن يطرأ عليه الفساد.؟ إن قيام الصفات بذواتها، إما أن تكون جزءا من الماهية، وإما أن تكون عارضة لها. فإذا كانت جزءا من الماهية، فإنه لا يستقيم الوصف بها إلا بوجودها، وإذا كانت عارضة، فإنها تكون مرتبطة بالعرض الخارج عن الذات، وتزول بزواله. ولذا يصح الوصف بالصلاح، أو بالفساد، لأنهما قابلان للتغيير، والتحوير. لكن الإصلاح في هذا المقام لا يدل على ذلك، لأنه عملية ممتدة من ذات إلى عينها، أو من معنى إلى معنى، لا من ذات إلى ذات، أو من ذات إلى معنى. فكيف يمكن لنا أن نفهم أي نوع نعنيه بالإصلاح الديني.؟ قبل أن نجيب عن هذا، لا بد أن نتعرض لفعل الصالح، لأن الاسم لا يكون صفة لازمة، أو تابعة، إلا إذا كان قبل ذلك فعلا مجردا في الوجود. فالفعل سابق على الذات في الدلالة. فقبل وصف الذات بالصلاح، لا بد في الترتيب المنطقي من وجود الصفة أولا، ثم من الذات الموصوفة ثانيا. فنحن حين نقول: فلان صالح، فإننا نشخص الصلاح في ذات برابطة من الروابط، لكن تسرقنا الذات عن الصفة في الغالب، ولو أثبتناها لها بالظرف، والاحتواء. إذ لا يجوز لنا أن نصف بالصلاح إلا من كان مشتملا على تلك الصفة، وإلا حصل التنافي بين الوصف، والموصوف. ومن ثم، فإن الأمر الصالح، لا يمكن مقابلته إلا بالأمر الفاسد، ولا ثالث بينهما، أو بعدهما، لأن الأمر الصالح لا يكون إلا مقبولا في الفطر السليمة، وما عداه، فهو مردود في العقول النظيفة. وهل هو صفة مجردة.؟ أم حسية.؟ ذلك مما ليس المقام محلا له. وهو نقاش فلسفي قديم، وحديث. وهكذا، فإن فعل الصلاح، لا يتأتى إلا من ذات لها ارتباط بما يتغير في محيطها من نظم، وقيم، وسلوك، لأنها بحكم حدوثها قابلة للتغير الذي يقع عليها، وهي من تغيرها غير قابلة للفناء. وفناءها معلوم للأذهان بالحس، والمشاهدة، بل صار ذلك من كبرى اليقينيات التي لا يختلف حولها اثنان.
وبناء على هذا، فإن فعل الصلاح على اعتباره صورة مجردة لمفهوم معين في الذهن، لا يتشخص إلا في ذات موصوفة، وهي التي تطرأ عليها عوامل التغير، فتتحول من حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام. ولهذا كان لفعل الإصلاح معنى، ومدلول، لأن إثبات الصلاح للذات، هو إثبات للإصلاح عند النزول والصعود بين المراتب. فالصلاح يتضمن الفساد، والفساد يتضمن الصلاح، وكل واحد منهما يتضمن معناه المرتبط بالذات. فالصلاح يتضمن الإصلاح، والفساد يتضمن الإفساد. وكل صلاح لا يكون فاسدا إلا بإفساد، وكل إفساد لا يكون صلاحا إلا بإفساد. ولهذا استحالت عملية الإصلاح حركة ضمن دائرة التغيرات التي تعطل بعض الصفات العرضية للشيء الصالح، فيكون فاسدا بوجه من الوجوه. إذ لو كان فاسدا من جميع الوجوه، فلن يصلح إلا بتحلل ذاته كاملة. وهناك يمكن له أن يتجسد في شيء صالح حتى يمكن وصفه بالصلاح.
إذا نظرنا إلى هذه المراتب التي يتكون منها الصلاح، وقدمنا ما حقه التقديم، فإن عملية الإصلاح، لا تأتي إلا في المرتبة التي تتغير فيها الذات من بعض صفاتها إلى صفات أخرى. وهذا التغير مسوِّغ لوجود المصلح، لأن وجود فعل الإصلاح يقتضي ذلك، إذ لا يتقوم إلا به. ولذا، فإن الإصلاح عملية فعل المصلح في شيء كان صالحا، ثم حدث فيه فساد غيَّر بعض صفاته. إذ لو قامت ذات ذلك الشيء بالفساد، لما قمنا بإصلاحه، ولما قبلنا قول ممن يدعيه، أو يزعم أنه يقوم به. ومن هنا يتبين لنا أن المفهوم ما زال غامضا في بعض حيثياته، ولذلك لأسباب يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولا: إن كلمة الدين تحتمل معاني كثيرة في دلالتها على المعنى المقصود بالأصالة. وسواء في ذلك ما يتعلق بمعناها الذهني، أو ما يتعلق بمعناها الاصطلاحي، أو ما يتعلق بمعناها المشخص به في الواقع. فأما معناها الذهني، فهو تلك الصورة التي رسمناها للعلاقة فيما بيننا وبين الله، وهي غير محدودة في التذهن، لأنها حقيقة لمعنى نتحرك فيه من حدود المادي المقيد إلى لانهائية الروحي المطلق. وهذا هو الدين في التصور الذهني، لأنه لا يستوجب بصورته ما يتبع ذلك من دلالات وضعية، تدل على معان مقصودة، أو ما يستلزمه من تمثلات تحدده بأثره في المتدين. لأن الاعتبار الأول للدين يدل على الطاعة، والجزاء، والشأن، والأمر، بينما الاعتبار الثاني يدل على فعل دان بكذا، أو تدين به، فهو ديِّن، ومتدين. وكلا المعنيين مأخوذ بالحواس، والتجربة، ومشخصاتهما خارجة عن الذات. وارتباطهما بالصورة الذهنية الأولى، لا تفيدها شيئا، لأنها ثابتة، وراسخة. (إلا في رأي عقدي يرى زيادة الإيمان بالطاعة، ونقصانه بالمعصية.) ومن هنا، فإن المعنى الأقرب إلى الصورة الذهنية، هو مفهوم العقيدة، لأنه يربط العلاقة فيما بين الله، والعبد. والمعنى الأقرب إلى الأخريين، هو معنى العبادة، والمعاملات، والسلوك. لكن ما يمكن العثور عليه هنا، وهو نقاش كلامي وفلسفي، هل العقيدة هي الصور الذهنية.؟ أم ما يتبع ذلك من تصديق، وتسليم.؟ إذا الصورة الذهنية لا يمكن تصورها مجردة من أثرها في النظام العقدي. لأنها في حقيقتها غير مفيدة للعلم، ولا للعمل، فأي قيمة لها.؟ لعل ما في الصورة الذهنية من تجريد، يجعلها فطرية، لا مكتسبة، لأنها جزء من ماهية الذات، ولا تحتاج إلى الحواس لكي تنمو، وتكبر، بل هي موجودة بحكم تركيب الأجزاء في كلية الذات، فلا غنى عنها، ولو لم يحصل التلاقي فيما بينها وبين الواقع الخارجي، لأنها قادرة على أن تنير الطريق نحو عالم الروح. وذلك ما قصده ابن طفيل في حي بن يقظان، وقصده الفلاسفة في نقاشهم حول نظرية المعرفة. وهكذا، فإن الصورة الذهنية إذا اعتبرناها نقشا، أو نحتا، لا تستوجب علما، ولا عملا، لكن لو قلنا بأن الصورة الذهنية هي مجموع الشيء المرتبطة به حقيقتها في مرتبة النفس، والعقل، والقلب، والروح، فإنها تستوجب ذلك، ولها أثر في الذات، ويتبع ذلك ما وقع عليه العلم والعمل سلبا، أو إيجابا. لأنها أولا ذلك الإطار النظري والفكري والمعرفي المحدد لأقوال الإنسان، وأفعاله، وثانيا كونها لا قيمة لها ما لم تطاوعها الجوارح والكواسب في القول، والفعل. وهل هي غير ذلك.؟ لو كانت من غير ما تدل عليه هذه الصورة المكنونة في الأزل مع إدراكات الذات، لكان فعل الإنسان بدون ثواب، ولا عقاب. إذ لا يمكن التنافي في مقام الدين بين ما هو فطري، وما هو مكتسب بحكم التجربة البشرية في ميدان الالتزام بأوامر الألوهية، والربوبية. ومن هنا، فإن الجزء المرتبط بالتجربة في الذهن، هو ذلك الاتصال بقايلية الصورة لمفهوم التصديق، أو التسليم. وأما ما هو حادث وواقع في الخارج، فهو المرتبط بالأمر الإلهي، وبه يتم الحكم بالصحة والبطلان على الأقوال، والأفعال. ولهذا اختلف المعنى الذهني عن المعنى الاصطلاحي في حيثيات معينة. لأن المعنى الاصطلاحي، هو ذلك المعنى الذهني وزيادة الإلزام، والالتزام. فيشمل ذلك العقائد، وغيرها من أنواع العبادات، والطاعات، ويستوجب التسليم، والخضوع. بينما تتجرد الصورة الذهنية عن مفاهيم الثواب، والعقاب، لما فيها من احتياج إلى علاقات أخرى تجعلها فاعلة، ومنفعلة. إذ هي جبلة فطر عليها الإنسان في أصل تركبه، وتكونه. وهي وما نعنيه بمفهوم الفطرة سواء. إلا أن الفطرة إذا قصدنا بها مادة الخام لما فطر الله عليه الإنسان من قدرة على معرفة الحقيقة، فهي القابلية للتعديل، والتحويل. لأن في سياق بدايتها واختراعها كوامن الطاقة، والاستعداد، والاستطاعة، والإرادة، بينما تبقى الصورة الذهنية حقيقة ثابتة في الذات، وطبعية لم تكتسب بالتجربة، ولا بالحواس. لأنها عنصر لما يحقق ذاتية الإنسان الناطق. ولولاها، لما قبلنا احتياج الذات إلى موجدها، وخالقها، ورازقها. وهي التي نستجيب لها عند الرغبة، أو الحاجة، ونجسدها في حياتنا، ويتحدد بها مدى التزامنا بالدين من عدمه. ومن هنا، تكون الصورة الذهنية، والمعنى الاصطلاحي، ومشخصات الدين في الذات، والواقع، مما يؤسس لمفهوم الدين الكلي. سواء كصورة نفسية في الذات، أو كصورة اجتماعية في الواقع. لأن مجموع الدين يعني تلك الصورة، وذلك المعنى الاصطلاحي، وذلك التشخص في الداخل، والخارج. إذ هو اعتقاد، وقول، وعمل. ومن هنا، فإننا إذا نظرنا إلى تداخل المعاني بين الصور الداخلية، والخارجية، فعن أي إصلاح للدين نتحدث.؟
ثانيا: إذا كان الدين معنى شاملا لكل المعاني التي ذكرناها، فإن تحديده في سياق دون سياق، هو تجزيئ وتشيئ له. إذ لا يمكن أن يسمى كل جزء دينا، بل لا بد من توحده في مصدر حقيقته، وإن اختلف تحديده في المشخصات الخارجية. فالدين كله من الله، وهو الجزء الفطري والمكتسب المغروس في ذواتنا. لكن كيف يمكن اعتبار دين صالحا، وغيره فاسدا.؟ إن سلامة المنطق توحي إلينا بأنه لا يمكن أن يطرأ الفساد على ما هو صالح لذاته. وإلا فقد صفته، وصار متصفا بغيرها. وأتم شيء في نسبة الصلاح إليه، هو الدين. والقائل بغير هذا، لم يفرق بين الدين، وغيره. لأن الدين كله من الله، وإن اختلف السياق بحسب ترتيب الأمر الأزلي في حركة الإنسان مع الزمان، والمكان. فما يظهره في تاريخ، لا يختلف في أصله عما ظهر بين تلافيف تاريخ آخر. لأن الاختلاف يحدث فيما له ارتباط بالإنسان، والحياة، لا فيما يُكشف له من مفاهيم الدين في زمنه. إذ بمقدار ما يسير بين دوائر التاريخ البشري، فإنه يكتشف أسرارا أخرى لم يكتشفها فيما مضى. ومن هنا، اقتضت الحكمة أن تكون الرسالات إجابات ظرفية لأسئلة الإنسان، وتحريرا له من لوثة حياته، وإعادة له إلى فطرته. لأن الرسالات لم تأت لإبطال ما مضى، ولا لنقضه، ولا لزواله، بل تثبت أن الدين أزلي، ووجودي، وكوني، وحياتي، وإنساني، وفي الاتجاه نفسه، تؤكد على أن الإنسان قد تغير من طور إلى طور في عملية نشوئه، وارتقائه نحو الكمال الأزلي. وهكذا، فإننا إذا قلنا بالإصلاح الديني، فأي دين نعني.؟ هل نعني كل ما تتضمنه الأديان.؟ أم نعني ما فيه من دلالة على عموم الأديان.؟ أم نعني تجربة دينية مرتبطة بالزمان، والمكان.؟



#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 8
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 7
- تجديد المسار... أي دور للمنبر 6
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 5
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ رقم 4
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 3
- كارثة مشعر منى... أي خيار في تفسير النكبة.؟
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 1-2
- جذور المعرفة الصوفية
- حين تلتبس المفاهيم
- ناسك في دير الحرف 1
- ناسك في دير الحرف 2
- مقالات في التصوف
- حقيقة المجرم
- مفهوم الحقيقة
- إزالة الإبلاس عن معاني الإرجاس
- أفكار مسوقة (الجزء السادس)
- أفكار مسروقة (الجزء الخامس)
- أفكار مسروقة الجزء الرابع
- أفكار مسروقة (الجزء الثالث)


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - إزالة الالتباس عن مُشكَلات الإصلاح الديني 1