أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد -3- مبروك للعروسين















المزيد.....

عهد قديم وعهد جديد -3- مبروك للعروسين


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4954 - 2015 / 10 / 13 - 00:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دعاني صديقي المسلم في منتصف الثمانينات من القرن الماضي لحضور حفل زفاف شقيقته. كان صديقي يعيش بعيدا عن عائلته بحكم العمل وكنت على معرفة سطحية بأفراد العائلة إذ كنت ألتقيهم عند زيارتهم له. ذهبت الى حفل الزفاف، استقبلني صديقي وهنأته بالمناسبة السعيدة. كان العروس والعريس جالسين على منصة عالية، لكنني لاحظت وجوم العروس وامتناع الطرفين عن تبادل البسمات والنظرات التي عادة ما ترافق هذه المناسبات السعيدة. تقدمت الى العروس والعريس لكي أقدم لهما أمنياتي بمستقبل سعيد، لكنني أدركت سريعا ان الرجل الجالس الى جانب العروس لم يكن العريس بل شقيقه. استغربت الموضوع. هل حصل للعريس مكروه منعه من حضور حفل زفافه؟ وإن كان الامر كذلك لماذا استمرت العائلة بإجراءات الزفاف؟ سألت عن الموضوع فقيل لي أن العريس يسكن في فنزويلا وأن شقيقه هو وكيله في إتمام إجراءات الزواج ولسوف يقوم الوكيل لاحقا بنقل الوكالة لصاحبها الشرعي.

طبعا استغربت الامر. لكن اللافت في الموضوع ان صديقي وأنا نتعايش على هذه الارض الواحدة منذ مئات إن لم أقل آلاف السنين، لكن التاريخ والجغرافيا اللذان جمعانا وصهرانا في بوتقة واحدة لم يمنعا نشوء اختلافات حضارية وثقافية بيننا. فالزواج، بحسب فهمي، لا يمكن ان يتم بهذا الشكل، إذ لا بد من وجود العروسين ذهنيا وفكريا وجسديا لإتمام هكذا عهد. الزواج بالنسبة لي عهد وليس عقدا. لكن ما كان مستغربا لدي، كان عاديا وطبيعيا جدا لدى معظم الحضور إن لم يكن جميعهم. كان الكل يتعامل مع الحدث بشكل عفوي وطبيعي جدا. كثيرة هي العادات التي تثير استغراب شعوب لكنها عادية لدى شعوب أخرى. خذ على سبيل المثال زواج الاقارب، فهو شائع جدا في منطقتنا الشرق الاوسطية بين المسلمين وجزء كبير من المسيحيين، لكنه غير مألوف ومستغرب جدا لدى شعوب الغرب. إذا فهمي للآخر يتوقف على فهمي لثقافته.

أعود الآن للعهد القديم والجديد. غالبا ما لا نفهم العهد القديم بأحداثه وشخصياته وقيمه الحضارية والثقافية. لكننا نادرا ما ندرك أيضا أننا نطلق الاحكام على أهل العهد القديم من زاويتنا الثقافية والحضارية والدينية. فلو نحن عشنا في زمن الآباء، ابراهيم وموسى وداوود، على أرض كنعان، لانجلى الكثير من الغموض عن أعيننا ولاستعطنا فهمهم بشكل أكبر وأعمق. سوف أستعرض بعض الأحداث التي كانت تثير الاستغراب لديّ، مما دفعني للشك أو رفض العهد القديم. نقرأ أن ابراهيم كان زوج سارة. لكن سارة كانت اخت ابراهيم من والده وليس من امه، أي نصف شقيقة. كانت سارة عاقرا. وعندما قطعت الامل من إنجاب طفل، قامت بإعطاء جاريتها هاجر لزوجها ابراهيم كي ينجب منها. كلا الأمران يدعوان للاستغراب. كيف لابراهيم ان يتزوج شقيقته؟ وكيف لسارة أو لأي امرأة أن تهب جاريتها لزوجها كي ينجب منها؟ لو أتيح لنا أن نعود أربعة آلاف سنة الى الوراء كي نعيش في ربوع بلاد ما بين النهرين لوجدنا تصرفات سارة وابراهيم طبيعية جدا ومنسجمة جدا مع واقعهما الثقافي.كشفت حفريات راس شمرا في مدينة أوغاريت السورية أن بعل، الذي كان اسمه يعني السيد، كان إله المطر . وكانت أنات زوجته وشقيقته في آن معا وكانت متجددة العذرية. تفيض الميتولوجيا المصرية القديمة بزواج الآلهة والملوك على مثال أخ وأخت أو أب وابنة. واستمرت علاقات الزواج هذه في مصر على ارض الواقع حتى مجيء العصر اليوناني. مثلا تزوج الفرعون المصري توت عنخ أمون بشقيقته أنكرسنا أمون وهو أيضا كان ثمرة زواج والده أخناتون ونصف شقيقة لوالده. ويذكر التاريخ القديم أن علاقات مثل هذه، خاصة زواج نصف الاشقاء، كان شائعا في حضارات قديمة أخرى مثل اليابان والصين.

أما الموضوع الآخر الذي كان يثير استغرابي هو إعطاء سارة هاجر جاريتها لابراهيم كي ينجب منها. كان الموضوع غريبا عليّ، أنا الذي أحمل إرثا مسيحيا عمره ألفي عاما. فكنيستي لا تبيح أي علاقة خارج إطار الزواج بين رجل واحد وامرأة واحدة، كما أنها لا تبيح للرجل أن يتزوج امرأة اخرى الى جانب امرأته حتى لو كانت الزوجة عاقرا. لكن عند قراءتي لشريعة حمورابي لفتت نظري القوانين التي كانت تحكم المجتمع البابلي والارامي والذي كان ابراهيم جزأ منه. مثلا ينص القانون رقم 145 على التالي"إن اتخذ رجل زوجة ولم تنجب له أطفالا، وقرر الزواج من امرأة اخرى فأتى بها الى منزله، لا ترتقي الزوجة الثانية الى مرتبة الزوجة الاولى". أما القانون 146 فينص على التالي "إن أعطت امرأة زوجها جارية وأنجب منها أطفالا، وحاولت الجارية ان تضع نفسها بمرتبة الزوجة لأنها أنجبت، لا يحق لمالكها بيعها، إنما عليه أن يدفع لها فضة ويسكنها مع العبيد".

على ضوء ما تقدم، أصبح فجأة ابراهيم، سارة وهاجر أشخاصا حقيقيين خرجوا من إطار الرواية الادبية او الاسطورة، ليصبحوا بشرا منسجمين مع ثقافتهم التي سبقتنا بأربعة آلاف عاما، كما يصبح العهد القديم مصدر ثقة في نقله للأحداث بناء على ما كشفته لنا حفريات راس شمرا وشرائع حمورابي. إذا ماذا يعني كل ذلك بالنسبة لي، أنا قارئ العهد القديم في القرن الواحد والعشرين؟

أستطيع القول أني كما استغربت زواج شقيقة صديقي في الإطار الذي تم فيه، مع أننا نتشارك في الثقافة والتاريخ والجغرافيا والزمن، كذلك لم يعد مستغربا ألا أفهم تصرفات أشخاص يفصلني عنهم الزمن والثقافة والدين. لكن، كما أن استغربي من زواج شقيقة صديقي لم يلغ الحدث أو يشكك بصحته، كذلك استغرابي لتصرفات بعض شخصيات العهد القديم لا يمكنها أن تلغيهم، خاصة عندما تصادق الحفريات والدراسات على طريقة حياتهم التي تنسجم مع الزمان والمكان الذين عاشوا فيهما. لكن قد يطرح السؤال نفسه "لماذا أرى تصرفات هؤلاء الاشخاص شاذة؟ في الحقيقة هي ليست شاذة بقدر ما لا يكون تصرف الطفل المختلف كليا عن تصرفي شاذا. إنما النموذج الذي أعطتني إياه المسيحية وبنيت عليه فكري وفلسفتي وعقائدي في الحياة كان محجوبا عن ابراهيم بفعل العامل الزمني. فلو أنا أردت أن يؤمن ابراهيم بما أؤمن أنا به، لكان عليّ أن أخرجه من الالفية الثانية قبل الميلاد كيما أدربه على قيم العالم والزمن والتراث الذي أحيا وأتنفس به، عندها لن يكون عندي اي حرج في فهمه.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عهد قديم وعهد جديد -2- بين الطائرة والمدرسة
- عهد قديم وعهد جديد -1- البداية
- يسوع الثائر 10 - الخاتمة
- إنها الحياة-6- كلب على لائحة الشرف
- يسوع الثائر-9- يسوع والانسان
- يسوع الثائر-8- الرياء وازدواجية المعايير
- يسوع الثائر-7- نقد للتقاليد
- يسوع الثائر-6- رجال الدين
- إنها الحياة 5- الجنون فنون
- إنها الحياة 4- حرب البندورة
- إنها الحياة 3- شحاد ومشارط
- يسوع الثائر-5- رجال الدين
- إنها الحياة 2
- لبنان يا قطعة سما
- يسوع الثائر-4- من هو يسوع؟
- يسوع الثائر 3 مارتن لوثر كينغ والمسيح
- إنها الحياة 1
- يسوع الثائر 2 غاندي والمسيح
- أرجوكم،لا تكسروا زجاج السيارة!
- أتعهد بأن أحبك حتى الموت


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - عهد قديم وعهد جديد -3- مبروك للعروسين