أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 7















المزيد.....

تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 7


جميل حسين عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4952 - 2015 / 10 / 11 - 22:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إحدى عشر: إذا أدركنا أنه ليس في مكنة الخطيب الاجتهاد في القضايا المختلفة الأنظار، والمتعددة الأفكار، فإن دوره يتجسد في لم شمل جميع شرائح المجتمع على المُجمع عليه من الأحكام الفقهية، ورص الصفوف حول القضايا المشتركة للأمة المتحدة الثوابت، والخصوصية. وذلك لا يـأتى لنا إلا بعد إدراك الخطيب للأهم في ترتيب أبجديات الدين التكليفية، وترسيخ أدبيات أخلاقه التكميلية. وبذلك الوعي يسعى إلى القضاء على الفرقة، والخلاف، والنزاع، لكي تتحد جميع الألوان والأطياف في المسجد، وإن تعددت وجهاتها فيما عدا ذلك من سياقات لها أماكنها، ومجالاتها. ومن هنا، فإن الخطيب الناجح، هو من يوحد الجماعة في مسجدها، بعد أن توحدت في سجودها، لا من يفرق بين الناس بانحياشه إلى مورد التنفير بجفائه، والتحقير بغلظته. وهو من يستثمر دور المنبر الروحي في حياة الإنسان المندفع إلى ماديات الحضارة بعنف، وشراهة، حتى يكون الخطاب الديني تخفيفا للآلام، وتبديدا للآثام، لا خطابا مجللا بالعتمة، والسواد، والضبابية، والتشاؤم، والألم، واليأس، والإحباط، ومكللا بمفاهيم الخلاف والصراع الذي يشق طريقه نحو خلق الفجوات بين لغة المتحدث، وفكر السامع. وإذا حدث ذلك في واقع منابرنا، فإن فيه ضررا على فكرة الدين التوحيدية، وخطرا على القلوب الذي لن يجتمع نجماها المُشرق أحدهما، والمُغرب الآخر منهما. ولذا، فإن الخطيب الناجح في دوره، وفي وظيفته، هو من يجاري سياقات بناء القناعات بمقتضيات معاني الدين الموجهة لملكوت الأرض إلى رحموت السماء، ويداري الوقائع ببحثه الحر عن إيجاد الحل الأنسب لمعضلات الحياة، وهمومها، ومشكلاتها، لا ذلك الخطيب المتحدث من برج عاج بلغة الأب المتعالي عن أبنائه القصَّر الفاقدين لرشد الإدراكات الواعية، ولا ذلك الخطيب الذي يجسد آماله بشطح الحركات الفاقدة للتوازن النفسي، والاعتدال الخلقي. لأن لغة المنبر سلسة، ومفرداتها مرنة، وعباراتها محبوبة، ومعانيها مرغوبة، لما فيها من نفحات الوفاء، ونسمات النقاء. ولا يناسبها في الكمال إلا الصوت الجميل، والسمت الفضيل. إذ لولا ما فيها من قوة الوحي، ورقة النص، لكانت شبيهة بما يخاطب به الإنسان غيره في موارد أخرى، ورديفة للساقط من أحاديث العامة في مجامع اللغط، والسفه، والطيش. ومن هنا، فإن مدارات المقام لا يتواءم معها إلا اللفظ المحترم، واللباس الملتزم، ولا يتلاحم مع خصوصياتها إلا ما يشع عن القلوب من صدق النغمة، ونبل النبرة. إذ لا يجوز في عقل من درس تاريخ الحقيقة أن يشهد على سمو جمالية المنبر لغة ركيكة، ولا مظاهر بغيضة، ولا معالم حسيرة. فالمصلون قد تعودوا في سالف عاداتهم وسابق تقاليدهم على التزام الخطيب للفظ المهذب، وللباس المؤدب. وإلا، كان خطاب المنبر سوقيا، ولباس الخطيب مبتذلا، ودروه متجاوزا. ومن هنا، فإن التزام المغاربة بالبرنس، والجلباب، والقميص، والعمامة، واعتيادهم على اللون الأبيض، والمنبر الخشبي المنقوش، والعصا، والخطبة المكتوبة، والمعاني المختصرة، لم يكن إمعانا في التقليد المتخلف، والمتزمت، بل كان إظهارا لخصوصية محلية جرت بها العادة، وتعارف الناس عليها قديما، وحديثا، وغدت مع تراكم التجربة ملزمة للاتباع، ومقتضية للالتزام. فلا غرابة إذا استقبح الناس من الخطيب ما يخل بمروءته، أو ما يسقط عنه هيبته، أو ما يجرح عدالته، لأنهم يرونه الأكمل منظرا، والأتم مخبرا. وذلك مما لا يسوغ لنا تنقيصه، أو تحقيره، أو محاولة تغييره، وتبديله، لأنه جزء لا يتجزأ من التاريخ المحلي، ومكون من مكونات الشخصية المحلية.
إن تتبع الخطيب لما يجد في مسار الحياة من مستحدثات، ومخترعات، ليس في تفخيم المصطلحات، ولا في تضخيم العبارات، بل في ملازمة ما يدني الموروثَ من قيم الدين والتاريخ والحضارة إلى نقاوة العقول، وطراوة القلوب، من غير تشويه لمعالمه، ولا ابتذال لملامحه. وهنا يكون الخطيب ناجحا في دوره، وقاصدا في طريقه، لأنه يجيب عن أسئلة الحياة بما يستلزمه ذكر الله عز وجل، وفي الوقت نفسه، لم يفقد لازم خصوصيته، ولا تابع وظيفته، ولم يضيع وسيلة التأثير في محيطه بسبل لا تتبنى حُمى النقاشات التي تتداولها الإيديولوجيات المتباينة، والمتعارضة. فالخطيب يصير هنا كالنسيم المتهلل على الأرواح، ينفذ إلى الحقائق بمرونة، ولكنه صلد في تحريره لمحددات القضايا بما يقتضيه ما كلف به من حماية، وما أنيط به من رعاية. ومن ثم، يكون الخطيب ذكيا في طرحه، وفطنا في معالجته، ولبقا في تصرفه، لأنه لا تعيقه عوائقه الذاتية في دائرة توجيه معين، بل يفرض هيبة خطابه على الجميع، ويرسل صوت نصحه إلى العموم، من غير أن يفقد أحدا من الراغبين في سماع خطاب الدين البعيد عن القطبية التي تفرضها عملية الاجتماع في سائر البلدان. وهذا قد يتطلب وعيا تاريخيا، وإدراكا حقيقيا، ومرجعية قويمة تعتمد على ميراث الآباء، والأجداد، وتستلهم من وسائل العصر ما يخدم الثابت، والمقدس، والمطلق، ويحرر فقه الدين مما لحقه من نزاعات فقه المعيشة. لأن لغة الخطيب إذا فقدت قيمة روحانيتها، وصارت متخمة بما هو محل نزاع بين الأطراف المتحركة في بؤرة المجتمع، فإن ما تقوم به من هدم غير مرعي العاقبة، لا يوازيه ما تبنيه من بناء، أو ما ترفعه من عماد. ولذا، فإن عملية المحافظة على كيان التاريخ الذي خلف فينا أدبيات تأصلت من قبلنا بالتجربة الميدانية، لن تستمر إلا إذا احتفظنا على هذه المأثرة، واحتمينا بهذه المنقبة، واكتسبنا عقول الناس بحكمتنا، وقلوبهم بصدقنا، لا بطرح المواضيع الساخنة التي لها مورد آخر، وهو الإعلام بكل مكوناته البارزة، أو المنابر الأخرى المختلفة المناهج، والمقاصد، ولا بالنزو على المراتب والمقامات التي لم تتحقق لنا في إدراكاتنا العلمية، والمعرفية، والثقافية. فلو سايرنا صيرورة المجتمع بما ترشح به من نبض سريع نحو الانفلات من القيود، وقاطعنا بقسوة ما تنضح به آفاق الحياة المبهمة الحدود، ولم نطق بخطابنا أن نستظهر العلل، ونستجلي الزلل، فإننا سنؤثر بسلبية على علاقات الناس بذواتهم، وواقعهم، وسنربك سيرة تماسكهم حول الهدف الأسمى، وترابطهم في ملحمة الوجود الغضة بالآلام الجلى. وإذ ذاك سنغرق المجتمع في حُمى الصراع حول القضايا السياسية بلغة المنبر الروحية، وسنشغل باله بمخيبات الأمل التي تبعد عنه عوامل السعادة، والهناءة، وتزرع فيه أسباب العناء، والشقاء. وذلك مما يفقد المسجد مكانته، ومزيته، ويجرف دائرتنا الدينية إلى التشاحن، والتقاطع، والتناحر. وحينئذ سيتدنس المقدس، ويغدو ما نراه دليلا على الرحمة سببا في الشقاء.
ولعل ما يقوم به الخطباء من الدعوة على الغير من علمانيين، وليبراليين، وحداثيين، مما يؤجج الصراع بين شرائح المجتمع، ويفضي بنا إلى معرة الاختلاف حول تحديد المفاهيم التراثية، والسياقات التاريخية، ويؤدي بنا إلى أضيق السبل، وأفجعها بالأزمات، وأترعها بالنكسات. ولذا، فإن الدعاء على الغير كائنا من كان، من غير الحاجة إلى ذلك في لغة الخطابة، لاسيما وأن هذه الفئات ممن لها وجهات نظر تحترم الدين، ولا تنفيه، ولا تنقضه، بل تؤمن بالمقدس، وبالمدنس، هو انتكاسة عن درك صورة اللحظة، ووعي لغة الواقع، وفهم طبائع القضايا الجوهرية من الصفات الطارئة على تراكم المعرفة، والعارضة على مجال التجربة. وهذا مما يفرح به أقوام، ويحزن به آخرون، بل يمنح الحركات الدينية فرصة للقضاء على الخصوم الدينيين، والسياسيين، بل يتم الافتخار بذلك في تبجح مقيت، وتعصب رهيب، وهم يقولون بأن الخطيب قد دق اليوم مسمارا أخيرا في عقول الكفرة، والملاحدة، والزنادقة، والفسقة. وهنا تتحول القراءات الشخصية إلى آراء وثوقية تستغل أماكن العبادة الطاهرة، لكي تكتسب صبغة الدين، فتؤثر في السير العام لبنيات المجتمع. وذلك مما له خطر على الوحدة، والألفة، وضرر كبير على سيرة المسجد، والمنبر. لكن ما الذي يجعل الخطيب يميل إلى ملازمة السير على هذه المجاهل الغامضة، وهو الأصغر حظا في دائرة المعرفة، والثقافة.؟ إنني لا أحتقر الخطيب المشبع بروح العلم، والفكر، والعصر، ولكنني أعني فداما، جهاما، كهاما، ليسوا في العير، ولا في النفير، بل ولجوا في لحظة الغفلة إلى ميدان الخطابة، فاستغلوا جهل العوام وبراءتهم، وسيطروا على هزائم عقولهم، ثم غدوا علماء مع صمت أهل الاختصاص بين هدير أمواج الرداءة. فلا العلم من رصيدهم، ولا العمل من حصيدهم. فقصارى الجهد أن أمثال هؤلاء، هم الذين أفسدوا صورة الخطيب، وأساءوا إلي فضيلة قيمتها، ووظفوها في الأغراض الدنيئة، والمقاصد الخسيسة، واحتطبوا بها متعة الدنيا الرخيصة، وزهرة الملذات الحقيرة، وسادوا بها فئاما حرموا من بهجة الحياة الناعمة، فأدخلوهم غيابات الظلمة الحالكة، وأغرقوهم في بحر الكآبة البائسة، وصاروا أقرب إلى السفه من الفطنة العاقلة.
إنني لا أجانف الحقيقة إذا قلت: إن هؤلاء الخطباء المتسترين بسربال العلم الوفير الذمة، هم أفرغ فؤادا من سر المعرفة، وأحقر حظا في نيل كرامة المنة، لأن ما انفصل عن ذواتهم من سؤر الرغبة في الأنصبة الدنية، لم يجعلهم أسوياء في توازنهم النفسي، ولا في تقابلهم الاجتماعي، بل عاشوا أضيق لحظات الحرمان، وتشظوا بين حيرة المجتمع بأحلام السكران. فهؤلاء حرموا براءة الفطرة، ونقاوة الجبلة، ومنعوا من التسامي بكيانهم المعنوي، والمادي، فأفقدهم ذلك سكينة الطمأنينة، وعنفوان الأريحية، ثم تفرعت أحلامهم في تربة مأبونة بغوائلها العنيفة، فكان مآلهم الرفض لصيغ المجتمعات المختلطة، لا لأنهم كانوا أقوياء في كيانهم الفكري، ولا في بنائهم المعرفي، بل لكونهم لم يستطيعوا أن يستوعبوا ما طرأ من تغيرات على الأنظمة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، فأقعدهم ذلك عند حدود الشكوى، ورسوم البلوى، وأفقدهم سر الاندماج في كيان مجتمع متناسل بين أحضان حياة متسرعة الخطى. وقد مرت لحظات عسرة على وطننا العربي والإسلامي تخبط فيها بين مخاضات عسرة، كادت تعصف بالأوطان بين رعود هزاتها الخطرة، لولا ما رافق ذلك من حس المقاومة، وجد الممانعة، وقد تجسد ذلك في حركات التحرير، وما تلاها من نيل صك الاستقلال، ودخول الدول المستعمَرة بأجساد مثخنة بجراح الاستعمار إلى سياقات كونية أخرى، لها ركائزها، ودعائمها، ومواقعها، ومواقفها. فكل هذه الأسباب والمؤثرات والتغيرات التي واكبت الفتوحات الدينية، واللغوية، والحربية، والسياسة، وأسست لمفهوم جديد في تاريخ البشرية، ولواقع متكون من تيارات مختلفة، ومتنوعة، قد أثر سلبا على هوية تلك البنيات التي لم تصل إلى محطة تزيح فيها عن ذاتها أغلال القهر، والجبر، بل أثر ذلك سلبا على علاقتهم بالذات المتذمرة، وبالبيئة المتشنجة. ومن هنا، لم تجد الحركات الدينية سندا يقويها، ويعضدها، إلا زناد هؤلاء الذين كانوا مضغة سائغة لمكرها، وخداعها، فاستغلت جهلهم بما تعد به من خلاص مرتقب، وفداء منتخب. ومن هنا، فإن ظهور الحركات الدينية على مرآة الأحداث المنفعلة، لولا ما توفره من مسحة الأمل للنفوس الحزينة، لما استطاعت أن تخترق جسم الأمة المتعب بجراح السنين الكسيرة. فما تمني به من جرعات الأمل، هو الذي كان طعما تقتنص به أمثال هؤلاء المنتحرين بقرب الأجل، فتدمجهم في سؤر محيطها، لكي تغسل أدمغتهم بمفاهيمها، ثم تملأها بلغة العنف، والكراهية، لا لكون هذه الذوات تحمل مقاومة، ومناعة، بل لكونها مؤهلة الاستعداد لقبول هذه الفكر، ومباركته، ومجاراته. وهذه القابلية، لم تكن في الحقيقة إلا صورة نفسية تقابل ألوانا مشابهة لها في هوامش التاريخ، ولذا كانت العودة إلى الماضي ردة فعل دالة على وجود فراغ، وضياع، لا على ضمور الاستواء، والاعتدال.
قد كان من وراء هذا الاستحواذ شيء من خدعة اللغة المترعة بالألم، سواء في احتياج هؤلاء المصدومين بالفكر الوافد علينا بصفة المخلص، أو من قبل هؤلاء الذين يدجنون الشعوب الإسلامية بأحلام وهمية، وخرافية، لا محل لها في الواقع المتشظي، ولا في الخيار المتصدي، بل تستبطن ذلك العمق المتناقض، لكي تتحول أسطورتها المتفتقة عن الافتراض، إلى أداة بديلة للتعويض. ولا غرابة إذا سيطرت لغة البكاء في لحظة من اللحظات على المنابر، واستبدت أصوات غاضبة بالحديث عن مآسي الأمة العراض، وهي التي أنتجت مناخا قابلا لدغدغة المشاعر، وزلزلة الأحاسيس، لاسيما في زمن مترع بشعور مفعم بفاجعة الأزمات، والنكبات. وقد كان ذلك خطابا سائدا في زمن الصراع العربي، الإسرائيلي، وما تلاه من أحداث أظهرت فيها الحركات الدينية حماستها، وشجاعتها، لا لأنها قادرة بما تعول به من خطاب على أن تفك أزمة الصراع المحتدم في قضية من قضايا وطننا الإسلامي، بل لكونها تستغل ذلك من أجل استعداء بواطن هؤلاء العطشى إلى لغة الألم على ما هو طارئ في محيط الأمة، ثم تخلق في أذهانهم صورة مزيفة لتخاذل الأنظمة العربية والإسلامية عن نصرة قضية فلسطين الكبرى. وهنا سعت إلى إنشاء عقدة الكره للدولة، ولأجهزتها، ومؤسساتها، والنقض لكل العهود التي تحدد نمط العلاقة بين الحاكمين، والمحكومين، بل تطورت هذه الهوة إلى حد الخروج عن الاتجاهات العامة للسياسة المحلية، والدولية، لعلها تقطع الصلة بالوطن الذي محل التلاد، والنشأة، وتؤسس لمفهوم الأمة المستغرق في الضبابية، والعماء، وترسم ملامح صورة ذلك المخلص الذي سيحرر فلسطين وما عداها من مناطق النزاع في أمتنا الإسلامية، ويقيم ظلال الدولة الإسلامية التي تحمي بيضة الملة، والأمة، وتقود البشرية إلى بركة التقدم الراسخ، والشامخ، والباذخ. والأغرب أن الحركات الدينية، قد اعتمدت في سياسة ترويضها على مفردات تراثية فرغتها من محتواها الحقيقي، لكي تؤثر بوساطتها في محيط هؤلاء المنكوبين، والمحرومين، وتحدث في أعماقهم تصورات مخالفة لما درجوا عليه من أعراف، وعادات. سواء فيما هو مرتبط بالذات، أو فيما مرتبط بالمجتمع. أو سواء فيما هو مرتبط بالفكر، أو بالسلوك. وأكبر مفهوم طاله ذلك التشويه المغرض، هو معنى الوطن، فقد جعلته شيئا هلاميا بلا حدود، ولا رسوم. كلا، بل صيرته فكرة مرتبطة بالعقيدة، لا أرضا محدودة في رقعة من رقاع هذا الكوكب الأرضي. فقالت بأن الوطن هو الإسلام، لا تلك المنطقة التي تربى الإنسان فوق فراش أرضها، وشم عبق نسيمها، واحتمى بشوكة قوتها. وهنا ابتذلت معاني هذا المفهوم، لكي تبني في عقول كاسدة معنى وطن لا قيود على ماهيته، بل المقصود منه هو هويته، لا حقيقته في الاعتبار، والتقدير. ومن هنا نشأت لدى الجماعات المتطرفة فسيلة الطمع في السيطرة على الأمة العربية، والإسلامية، لما يوحي إليه ذلك من السيطرة على الكون، والاستحواذ على خيراته، والاستعباد لخلائقه. ولا غرابة إذا كان هذا المعنى للوطن مجافيا للجدل الفكري الذي يضع إطارا للواقع المعني بالتصور، ومخالفا للملاحظة القائمة على التجربة، وحركة الحياة. لأن الانتماء الكلي إلى الأمة، لا يمكن وجوده إلا بالانتماء إلى الأسرة، والعشيرة، والقرية، والقبيلة، واللغة، والوطن، والدولة. وذلك مما لا يكون وجودا حقيقيا إلا إذا اعتبرنا الحكم الكلي مؤسسا على الحكم الجزئي. فالحكم الكلي بصلوحية الأمة لجمع شتات الأفراد، والجماعات، ولو اختلفت أعراقهم، ولغاتهم، لا يعني نفي الحكم الجزئي عن الأفراد المرتبطين بعلاقات تتركب منها قيمة ذلك المعنى العام للكيان المعنوي، والمادي. فهل يعني مفهوم الأمة أن نستغني عن أوطاننا.؟ أم يعني أن ننسى أعراقنا، ولغاتنا.؟ أم يعني أن لا تكون لنا خصوصية تربطنا بالفكر، والأرض، والتاريخ.؟



#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجديد المسار... أي دور للمنبر 6
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 5
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ رقم 4
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 3
- كارثة مشعر منى... أي خيار في تفسير النكبة.؟
- تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 1-2
- جذور المعرفة الصوفية
- حين تلتبس المفاهيم
- ناسك في دير الحرف 1
- ناسك في دير الحرف 2
- مقالات في التصوف
- حقيقة المجرم
- مفهوم الحقيقة
- إزالة الإبلاس عن معاني الإرجاس
- أفكار مسوقة (الجزء السادس)
- أفكار مسروقة (الجزء الخامس)
- أفكار مسروقة الجزء الرابع
- أفكار مسروقة (الجزء الثالث)
- أفكار مسروقة (الجزء الثاني)
- أفكار مسروقة (الجزء الأول)


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - تجديد المسار... أي دور للمنبر.؟ 7