أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (15)















المزيد.....


العرب قبل وبعد الإسلام (15)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4952 - 2015 / 10 / 11 - 16:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العرب قبل وبعد الإسلام (15)
طلعت رضوان
كلــّـما قرأتُ كتب التراث العربى/ الإسىلامى ، كلــّـما ازددتُ يقينــًا بأنّ (عرب ما بعد الإسلام) الطبعة الثانية من (عرب ما قبل الإسلام) وعلى سبيل المثال فإنّ السيدة نائلة الفرائضة زوجة عثمان بن عفان (الخليفة الثالث) والتى شهدتْ أحداث التمرد ضد زوجها التى انتهتْ بقتله، تلك السيدة حذرتْ عثمان من مروان بن الحكم فقالت له ((إنكَ متى أطعتَ مروان قتلكَ)) (الطبرى – تاريخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلمى للمطبوعات – ج3- ص397)
إنّ ذلك التحذير من نائلة زوجة خليفة المسلمين ، يؤكد على أنّ أقرب أتباع عثمان ومحل ثقته لن تورّع عن قتله ، وبالتالى فهى تنصحه بالابتعاد عنه وعدم الاستماع لمشورته. فهل هذا الموقف يختلف عما كان سائـدًا بين العرب قبل الإسلام ؟
وأثناء أحداث التمرد التى أخذتْ تعبير (الفتنة الكبرى) خرج مروان بن الحكم على باب عثمان وشتم الناس ، فقال له عثمان ((قطعتَ رحمى وخذلتنى وجرّأتَ الناس علىّ)) فقال مروان ((والله إنى أذب الناس عنك (أى يُـبعدهم عن عثمان) ودخل على بن أبى طالب على عثمان وهو مغشى عليه، وبنو أمية حوله الذين قالوا لعلى : يا على أهلكتنا وصنعتَ هذا الصنيع فانصرف على غاضبًا . أى أنّ بنى أمية ألقوا أسباب التمرد على بن أبى طالب ، وشطبوا من عقولهم كل الأسباب (الموضوعية) التى أدّتْ إلى التمرد على عثمان ، وعلى رأسها انحيازه لأقاربه سواء فى التعيين أو فى نهب الأموال (جزية وخراج إلخ) وهى مجهود الفلاحين فى الدول التى احتلها العرب ، من ذلك ما ذكره الطبرى ((قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها لبعض بنى الحكم) (الطبرى – المصدر السابق - ص399) وهذا مع ملاحظة ما كتبه الطبرى ((قد ذكرنا كثيرًا من الأسباب التى ذكرها قتلة عثمان وجعلوها ذريعة لقتله. فأعرضنا عن ذكر كثير منها)) فلماذا اتخذ الطبرى هذا الموقف ؟ وما تلك الأسباب التى رفض ذكرها ؟ وهل فيها ما يُـشين ويُـدين العرب / المسلمين أكثر من الذى ذكره فى مجلداته الضخمة ؟
وذكر الطبرى أنّ أحد الأشخاص قال لعثمان بن عفان ((يا نعثل.. والله لأقتلكَ وأحملكَ على نعجة جرباء)) وكان يقصد ب (نعثل) أنّ عثمان يُـشبه رجلا يهوديًا اسمه نعثل . فقال عثمان : والله لأتخيّر الناس (أى يأخذ مشورتهم) فقال مروان ومعاوية وآخرون.. أنّ أمثال هذا الرجل ((نزل القرآن بدمه وأباح رسول الله دمه)) أى دعوة للقتل ، ومع ملاحظة أنّ عائشة زوجة النبى محمد استخدمتْ نفس الاسم (نعثل) فى هجومها على عثمان قبل وأثناء التمرد عليه ، فلماذا سكتَ عثمان ومروان ومعاوية ، ولم يستشهدوا بالقرآن وأقوال الرسول عن إباحة الدم فى مثل هذه الحالة ؟ (حالة عائشة) إنها أسئلة مطمورة فى رمال التاريخ العربى/ الإسلامى ، ولا تجد من يُـحاول (مجرد محاولة) إزالة الرمال عن تلك الأسئلة.
والمـَـشاهد التى ذكرها الطبرى ذكــّـرتنى بالملاحم الإغريقية ، من ذلك أنّ أحد الأشخاص قال لعثمان : ((إنزل ونــُـدرّعك العباءة ونطرحك ونحملك ثم نطرحك فى جبل الدخان)) فقال عثمان ((قبـّـحك الله)) ثم قام إلى عثمان خيرته وشيعته من بنى أمية فحملوه وأدخلوه الدار.
وتستمر تلك الدراما المأساوية/ العبثية حيث أنّ عثمان عندما أدرك أنّ الأمور تتفاقم ومحاصرته تشتد ، كتب إلى معاوية بن أبى سفيان وهو فى الشام ((بسم الله الرحمن الرحيم.. أما بعد.. فإنّ أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة.. ونكثوا البيعة.. فابعث إلىّ من قِـبلك من مقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول)) والعقل الحر يستنتج من رسالة عثمان المعانى التالية 1- قوله أنّ أهل المدينة كفروا ، أى أنّ التمرد على سياسة الحاكم الفرد مُـطلق الصلاحيات (كفر) كما أنه أردف (بعد التكفير) أنّ مُـعارضيه (أخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة) أى أنّ (الطاعة) قدر إلهى لايجوز الاعتراض عليه ولا مُـخالفته ، وبالتالى فإنّ (البيعة) يجب أنْ تكون أبديـــــــه 2- مغزى طلب النجدة من معاوية ليُـرسل له (مقاتلة أهل الشام) ليُـقاتلوا من ؟ (كل صعب وذلول) أى أنه يصف المُـعارضين لسياسته أنهم (أذلاء) وهو اعتراف منه بأنهم يعيشون فى (الذل) 3- الرسالة ومشاهد التمرد على عثمان ، ورفض عثمان الاستجابة لطلبات المُــتمردين ، كل ذلك أراه المُـسودة الأولى لما يحدث اليوم فى عام 2015، حيث أنّ الرؤساء والملوك العرب يرفضون الاستجابة لمطالب الجماهير الشعبية ، وعندما تحدث الانتفاضات وتشتعل الأحداث وتقترب من (الثورة) فإنّ الرؤساء والملوك العرب يلجأون إلى وسيلتهم (الوحيدة) أى القمع البوليسى وأوامر القتل الجماعى ، وما فعله مبارك والقذافى وصدام حسين وعلى عبد الله صالح وبشار الأسد إلخ ، لا يختلف عما فعله الخليفة الثالث عثمان بن عفان .
والمُـدهش فى دراما مقتل عثمان أنّ المُـعارضين لسياسته الذين اتهمهم بالكفر، كتبوا إليه ((اعلم أنــّـا نغضب وفى الله نرضى.. وأننا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة أو ضلالة..فهذه مقالتنا لكَ وقضيتنا إليك.. والله عذيرنا منك والسلام)) وتلك الرسالة تطرح سؤالا : من الذى كفر؟ ومن الذى آمن بالإسلام ؟ عثمان الذى اتهم خصومه بالكفر، أم خصومه الذين يطلبون منه (التوبة) وينتظرون رده : التوبة أو الضلالة. وأكثر من ذلك أنّ خصومه يعتبرون أنّ ((الله عذيرنا منك))
ولما تأخر معاوية فى إرسال (مقاتلى الشام) لنجدة عثمان ، فإنّ مشتشارى عثمان نصحوه بأنْ يُـعطى خصومه ما يطلبون ويسترضيهم حتى يأتيه المدد ، وكانت نصيحة مروان بن الحكم ((مُـقاربتهم حتى تقوى.. فاعطهم ما سألوك. وطاولهم ما طاولوك.. فإنهم بغوا عليك فلا عهد لهم)) لغة مروان هى لغة أحط مفردات السياسة ، فهو فى الوقت الذى ينصح فيه عثمان ب (التقرب) من خصومه ومنحهم كل ما يطلبون من مال ووظائف ، وصفهم بأنهم بغاة أى طغاة .
وعبّرعثمان لعلى بن أبى طالب عن خشيته من القتل وأنّ خصومه ينوون سفك دمه. وطلب مشروته. فقال على ((الناس إلى عدلكَ أحوج منهم إلى قتلك)) هكذا حسم على الأمر: العدل يُـجنــّـبك القتل. وأضاف على (فى حديثه لعثمان) إنكَ قد وعدتَ الناس بالاستجابة لمطالبهم.. ولكنكَ لم تفِ بوعدك.. فلا تغرنى هذه المرة (أى لا تغرينى بالتحاور معهم من جديد) فقال له عثمان : والله إنى مُـعطيهم ما يطلبون هذه المرة.. فخرج على إلى الناس وقال لهم : إنكم إنما طلبتم الحق وأنّ عثمان قد زعم أنه مُـنصفكم من نفسه ومن غيره.. وراجع (أى تراجع) عن جميع ما تكرهون.. قالوا : فاستوثق منه (أى أنهم يخشون تراجع عثمان عن وعده كما فى المرات السابقة) فنقل على ما دار بينه وبين الناس ، فقال عثمان : اضرب بنى وبينهم أجلا يكون لى فيه مهلة فإنى لا أقدر على رد ما كرهوا فى يوم واحد.. فقال له على : ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه. قال نعم ولكن أجلنى ثلاثة أيام.. على أنْ يُـرد كل مظلمة ويُعزل كل عامل كرهوه (وهذا اعتراف من عثمان أنّ الموضوع ليس له علاقة بالكفر والإيمان كما سبق أنْ اتهمهم بالكفر) فكفّ الناس عنه ورجعوا إلى أنْ يفى لهم بمطالبهم.. ومضتْ الأيام الثلاثة وعثمان لم يُـغيّر شيئـًا ولم يعزل عاملا.. فثار الناس من جديد.. واجتمعوا أمام دار عثمان وقالو له : ألمْ نُــفارقك على أنك زعمتَ أنك تائب من أحداثك.. وراجع عما كرهنا منك وأعطيتنا عهد الله وميثاقه. قال بلى.. قالوا : اعزل عنا عمالك الفـُـساق واستعمل علينا من لا يتهم على دمائنا وأموالنا (أى من لا يُـهدر دماءنا وينهب أموالنا) واردد علينا مظالمنا.. والله لتفعلنّ أو لتعزلنّ أو لتقتلنّ.. فانظر لنفسك.. فأبى عليه (أى رفض) وقال : لم أكن لأخلع سربالا سربلنيه الله)) أى أنه تراجع عن وعده ، كما أنه كان يخدع على بن أبى طالب عندما طلب منه الخروج لتهدئة الناس. وأكثر من ذلك أنّ جملة عثمان : ((لم أكن لأخلع سربالا سربلنيه الله)) هى التى اعتمد عليها (كل) الخلفاء الذين أتوا من بعده وتمسـّـكوا بها ، بغض النظر عن (عدلهم) أو ظلمهم للجماهير الذين أطلقوا عليهم (الرعية) بل إنّ عثمان أضاف ((والله أنْ تــُـضرب عنقى أحبُ إلىّ من أنْ أخلع قميصـًا قمصنيه الله.. وأترك أمة محمد.. إلخ))
وهنا جاء دور محمد بن أبى بكر الذى دخل على عثمان.. وكان مع ابن أبى بكر ثلاثة عشر من مؤيديه فى حركة التمرد.. أمسك ابن أبى بكر لحية عثمان وقال ((لقد سمعتُ أضراسه)) وقال له ((ما أغنى عنكَ معاوية.. ما أغنى عنك ابن عامر.. ما أغنتْ عنك كتبك (يقصد رسائله بقتل الخصوم ورسالته إلى معاوية لطلب النجدة) فقال له عثمان : اترك لحيتى يا ابن أخى.. إلخ
ورغم كل ما حدث فإنّ خصوم عثمان عثروا على غلام شكوا فى أمره.. فتشوه فوجدوا معه رسالة من عثمان موجـّـهة إلى أحد ولاته وفيها بعد البسملة. أما بعد.. فإذا قدم إليكَ عبد الرحمن بن عديس فاجلدهه مائة جلدة واحلق رأسه وأطل حبسه حتى يأتيكَ أمرى.. وافعل نفس الشىء مع عمرو بن الحمق وسودان بن حمراء وعروة بن النباع الليثى)) وعندما قال البعض : ما يدرينا أنّ الرسالة من عثمان ؟ قالوا : لعلها من مروان بن الحكم فيفتئت على عثمان .
وعندما ذهبوا وقابلوا عثمان قال ابن عديس له : أنّ عبد الله بن سعد بمصر تحامل على المسلمين وعلى أهل الذمة وأنه استأثر غنائم المسلمين لنفسه. وأنك كتبتَ لابن سعد تأمره بجلد ظهورنا والتمثيل بنا.. فقال : والله ما كتبت ولا أمرت.. فسألوه : فمن كتبه ؟ قال لا أدرى . قالوا : كيف تسمح بأنْ يجترىء عليك أحد (إشارة إلى مروان) وينقش خاتمك على الرسالة.. وأنت لا تعلم ؟ قال نعم وسكت.. قالوا : ليس مثلك يصلح للولاية فاخلع نفسك.. فكرّر كلامه عن القميص الذى ألبسه له (الله) وقال إنّ الرسالة خرجتْ بغير إذنه وبغير علمه. فقالوا : ما أنتَ إلاّ صادق أو كاذب فإنْ كنتَ كاذبًا فقد استحققتَ الخلع لما أمرتَ به من سفك دمائنا بغير حقها.. وإنْ كنتَ صادقــًا استحققتَ أنْ تــُـخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك لأنه لا ينبغى لنا أنْ نترك على رقابنا من يقتطع مثل هذا الأمر دونه لضعفه وغفلته.. وأضافوا : إنك ضربتَ رجالا من أصحاب النبى حين وعظوك وأمروك بمراجعة الحق.. فقال الإمام يُـخطىء ويُـصيب.. إلخ
وبسبب (العناد) والحرص على كرسى الخلافة / عرش المُـلك) كما يفعل الرؤساء والملوك العرب فى العصر الحديث ، كرّر كلامه عن القميص الذى ألبسه له (الله) ولم يكتف بذلك وإنما أدان المعارضين لسياسته فقال لهم : إنكم لم تعدلوا فى المنطق ولم تــُـنصفوا فى القضاء (الأدق فى الحكم عليه) وأضاف أنه (تاب) فقالوا له : وكيف نقبل توبتك وقد بلونا منك أنك لا تعطى من نفسك التوبة من ذنب إلاّ عدتَ إليه.. فلسنا مُــنصرفين حتى نعزلك أو نقتلك.. فقال : أما أنْ أتبرّأ من الإمارة (= الخلافة) فإنْ تصلبونى أحبُ إلىّ من أنْ أتبرّأ من أمر الله عزّ وجل وخلافته (اعتراف صريح بأنه خليفة الله على الأرض) وأما قولكم تــُــقاتلون من قاتل دونى فإنى لا آمر أحدًا بقتالكم.. فمن قاتل دونى فإنما قاتل بغير أمرى (هكذا رغم أنه أرسل رسالة لمعاوية يستنجده وطلب منه إرسال جيش من أهل الشام لنجدته ، فهل هذا الجيش سيأتى لحضور حفل زفاف أم لقمع المُـعارضين ؟)
وصل عدد الذين شاركوا فى حصار عثمان خمسمائة.. وأنّ الحصار استمر 49 يومًا ، كما ذكر الطبرى (المصدر السابق من ص404- 411) وفى مصادر أخرى 40 يومًا . وأثناء الحصار قال عثمان : اللهم اكفنى طلحة بن عبيد الله فإنه حمل علىّ هؤلاء وألـّــبهم.. والله إنى لأرجو أنْ يُـسفك دمه.. إنه انتهك منى ما لا يحل له.. ثم استشهد بحديث النبى محمد عن قتل الذى كفر بعد إسلامه وعن رجم الزانى بعد إحصانه وعن الذى قتل نفسًا بغير نفس (أى بغير حق) وحديث عثمان هذا لابد من التوقف أمامه للأسباب التالية 1- عثمان يطلب من (الله) أنْ يسفك دم طلحة ، مع إنّ طلحه أحد الذين حصلوا على تأشيرة دخول الجنة وكان ترتيبه السادس فى التأشيرة ، بينما عثمان كان ترتيبه الثالث ضمن العشرة المُـبشـّـرين بالجنة ، فهل (الله) سيستجيب لدعاء عثمان ويسفك دم طلحة ؟ وإذا فعل ، فكيف سيكون التراجع عن وعد دخول طلحة الجنة ، كما جاء فى حديث محمد الشهير ؟ أليس ذلك الموقف دراما عبثية/ مأساوية تتطلب أحد المُـبدعين من (العرب) لديه موهبة كافكا أو يونسكو أو بيكيت ليُـمتــّـع عرب القرن الحادى وعشرين بما فعله عرب القرن السابع 2- لماذا وقف طلحة ضد عثمان ؟ خاصة وأنّ الإثنين سوف يكونان معـًا فى (الجنة) 3- وإذا كان ما سبق هو رأى عثمان فى طلحة ، فلماذا تغير موقف طلحة بعد قتل عثمان ، وتباكى عليه ، وليس ذلك فقط وإنما ارتدى (قميص عثمان) بحجة قتل من قتلوا عثمان ، وانضم لجيش معاوية لقتال جيش على ؟
تصاعدتْ الأحداث وتفاقمتْ لدرجة أنّ خصوم عثمان أشعلوا النيران فى بيته (ومعه زوجاته وأولاده) فهل ذلك الفعل من خصوم عثمان يختلف عن أفعال (عرب ما قبل الإسلام) ؟ ووصف الطبرى مشهد نهاية حياة عثمان فكتب ((دخل على عثمان رجل يُـقال له (الموت الأسود) فى حضور محمد بن أبى بكر. قال الرجل : خنقتُ عثمان.. والله ما رأيتُ شيئــًا قط ألين من حلقه.. والله لقد خنقته حتى رأيتُ نفسه تتردّد فى جسده كنفس (الجان) والأكثر أهمية – فى ذلك المشهد أنّ ذاك الرجل قال لعثمان (قبل أنْ يخنقه) : بينى وبينك كتاب الله.. وكان المصحف على حجر عثمان.. ثم قطع يد عثمان بالسيف فنضح الدم على المصحف.. ويُـقال أنّ الدم نزل على آية ((فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)) (البقرة/137) وهكذا تستمر تلك الدراما العبثية/ المأساوية/ الكافكاوية : الرجل (قاتل عثمان) يقول للقتيل : بينى وبينك كتاب الله ، بينما القتيل يضع المصحف على حجره ويقرأ فيه. ولكى تكتمل عناصر الدراما فإنّ الدم يُـلطـّـخ المصحف وعلى آية بعينها تتــّــسق مع المشهد. ومن عناصر الدراما المُـشوّقة أيضًا ما ذكره الطبرى (عن آخرين عاصروا الأحداث) أنّ السيدة نائلة (زوجة عثمان) جمعتْ حـُــليها ووضعته فى حجرها.. ورغم أنّ المشهد فيه دماء وغدر، فإنّ أحد الذين حضروا مقتل عثمان قال عن السيدة نائلة ((قاتلها الله)) كما أنه ركــّـز عينيه على عجيزتها (= مؤخرتها) فقال ((ما أعظم عجيزتها)) (الطبرى – المصدر السابق – ص415)
ووصلتْ بشاعة خصوم عثمان أنهم أثناء الحصار منعوا عنه وعن أهل بيته كل شىء حتى الماء ، ولم يُـنقذه إلاّ على بن أبى طالب.. وعندما قال عثمان لخصومه : ألا تتقون الله ؟ ألا تعلمون أنّ فى الدار غيرى ؟ قالوا : لا والله ما رميناك . قال : فمن رمانا ؟ قالوا : الله . قال : كذبتم)) وهنا يجب ملاحظة أسلوب التشاحن والتلاسن بين الطرفيْن ، من حيث الاستناد إلى القرآن فى ذاك الصراع (الدنيوى) لأنّ الخصوم أنكروا دورهم فى ضرب عثمان ، وأنّ من ضربه هو (الله) استنادًا إلى الآية رقم 17 من سورة الأنفال ، ولكن عثمان كذبهم ، وإذا كان عثمان وخصومه من المؤمنين بالقرآن ، فمن على صواب ومن المُـخطىء ؟
وفى تلك الدراما الإنسانية/ العبثية/ المأساوية/ الكافكاوية قال على بن أبى طالب كلاما مهمـًا يستحق التوقف أمامه ((يا أيها الناس (كان كلامه موجـّـهـًا لخصوم عثمان) إنّ الذى تصنعون لا يُـشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين.. لا تقطعوا عن هذا الرجل (أى عثمان) المادة (يقصد الماء والطعام) فإنّ الروم وفارس لتأسر فتــُـطعم وتسقى)) (الطبرى – المصدر السابق – ص417) أى أنّ الرومان والفرس كانوا يُــقــدّمون الماء والطعام للأسرى ، وبالتالى فإنهم كانوا (أرحم وأعدل) من العرب المسلمين الذين حاصروا عثمان ومنعوا عنه وعن أهل بيته الماء والطعام.. ونصح (حنظلة الكاتب) محمد بن أبى بكر أنْ يبقى مع خصوم عثمان ولا يهرب كما هربت شقيقته عائشة. فقال له ابن الخثعمية إنّ هذا الأمر إنْ صار إلى التغالب غلبتكَ عليه بنو عبد مناف وانصرف وهو يقول (( عجبتُ لما يخوض الناسُ فيه / يرومون الخلافة أنْ تزولا / ولو زالتْ لزال الخيرُ عنهم / ولاقوا بعدها ذلا ذليلا / وكانوا كاليهود أو النصارى / سواءٌ كلهم ضلوا السبيلا)) وعندما دخل محمد بن أبى بكر على عثمان قال له الأخير: ويلك ؟! أعلى الله تغضب ؟ فهل (الغضب) من سياسة الحاكم والتمرد على نظام حكمه ، يعنى (الغضب) على (الله) ؟ فأية عقلية تلك من شخص كان هو الخليفة الثالث للعرب ؟ ثم استمرّتْ (تلك العقلية) وتمسّـك بها باقى الخلفاء الذين حكموا بعد عثمان .
ويواصل الطبرى سرد مشاهد تلك الدراما العبثية/ المأساوية فكتب ((فلما خرج محمد بن أبى بكر، عرفوا انكسار عثمان.. وثار (قتيره) وسودان بن حمران والغافقى ، وضرب الغافقى عثمان بحديدة معه.. ثم ضرب المصحف برجله.. فاستقرّ بين يديه وسالتْ عليه الدماء.. ثم ضرب عثمان من جديد حتى قتله)) (الطبرى – المصدر السابق – ص 421) فهل لهذا المشهد تفسير آخر غير أنّ الغافقى (وهو عربى / مسلم / موحد) ومع ذلك شارك فى قتل الخليفة (العربى / المسلم) ولم يكتف بذلك وإنما ((ضرب المصحف برجله)) فإذا كان قد اختلف مع عثمان لأسباب (دنيوية) تتعلق بأسلوب الحكم وانحياز عثمان لأقاربه ، فلماذا اللجوء للقتل ؟ أى لماذا يكون الحل هو العنف والتصفية الجسدية ؟ وهل ما فعله خصوم عثمان يختلف عما فعله العرب (قبل الإسلام) وهل يختلف عما حدث فى العصر الحديث ، حيث الاغتيالات داخل الأسرة الحاكمة ، خصوصًا فى الأنظمة (الملكية) مثل نظام (آل سعود) وإذا كان الغافقى (العربى/ المسلم) أباح واستباح لنفسه أنْ يقتل الخليفة (العربى/ المسلم) فما ذنب المصحف الذى ضربه برجله ؟ وهل لهذا الفعل تفسير آخر غير عدم اعترافه بما هو مكتوب داخل المصحف ؟ وبالتالى يكون معنى هذا التصرف (العودة للخلف) أى العودة لما قبل الإسلام ؟ وهل كان تصرف الغافقى هو البروفة الأولى ، حيث تبعه الوليد الثانى بن يزيد عندما قال ((تلعب بالنبوة هاشمى/ بلا خبر أتاه ولا كتاب)) وأكثر من ذلك عندما فتح المصحف ووقعتْ عيناه على آية ((واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد)) (إبراهيم/ 15) فضرب المصحف بالسهام ومزقه وقال ((أتوعد كل جبار عنيد / فها أنا ذاك جبار عنيد / إذا ما جئتَ ربك يوم حشر/ فقل يا رب مزقنى الوليد)) وبعد عدة سنوات يأتى ابن هانىء الأندلسى ويُـزايد ويُـغالى فى مدح الخلفاء ، من ذلك تملقه للخليفة (المعز لدين الله الفاطمى) حيث خاطبه قائلا ((ما شئتَ لا ما شاءتْ الأقدار/ فاحكم فأنتَ الواحد القهار/ وكأنما أنتَ النبى محمد / وكأنما أنصارك الأنصار))
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (14)
- العرب قبل وبعد الإسلام (13)
- العرب قبل وبعد الإسلام (12)
- العرب قبل وبعد الإسلام (11)
- العرب قبل وبعد الإسلام (10)
- العرب قبل وبعد الإسلام (9)
- العرب قبل وبعد الإسلام (8)
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى


المزيد.....




- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (15)