أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الفاهم - من يحكم تونس اليوم -مساهمة في تحليل طبعة الائتلاف الحاكم















المزيد.....



من يحكم تونس اليوم -مساهمة في تحليل طبعة الائتلاف الحاكم


رياض الفاهم

الحوار المتمدن-العدد: 4947 - 2015 / 10 / 6 - 19:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقوم هذا العمل على الفرضية التالية : منذ 2008 يعيش العالم أخطر أزمة في مسار ما أصبح يصطلح عليه بالعولمة .وقد نتجت عن هذه الأزمة مسارات ثورية جرى ويجري الالتفاف عليها وبالتوازي مع ذلك أو في نفس الوقت يتم العمل على تفكيك الدول وضرب وحدة المجتمعات و يبدو لنا أن ذلك واضح كفاية على الأقل في المستعمرات وأشباهها أو ما يسمى أيضا بدول العالم الثالث أو دول المحيط و ما شئنا من التسميات . و تونس هي في قلب ما حدث و ما يحدث إلى حد يمكن اعتبارها المختبر المركزي سواء من جهة الالتفاف و التدمير أو من جهة التصدي و المقاومة . والحكومات المتعاقبة منذ 14 جانفي 2011 إلى اليوم لم نخرج عن هذا التوجيه الداخلي و الخارجي أي اضطلاعها بإجهاض المسار الثوري و الانخراط في تفكيك الدولة و ضرب وحدة المجتمع. و ينتج عن ذلك بالنسبة للقوى الثورية والتقدمية مواصلة الربط الجدلي بين مهام الإنقاذ و بين استئناف تحقيق أهداف المسار الثوري.
سنبني هذه الفرضية من خلال اللحظات التالية:
- المسار الثوري مفهوما وتحقيبا
- المرحلة الحالية
-حكام تونس اليوم



المسار الثوري في تونس :
مثل مفهوم المسار الثوري أحد أهم المفاهيم التي أبدعها شكري بلعيد لفهم ما يحدث في تونس.إن مفهوم المسار الثوري هم مفهوم جدلي تاريخي بامتياز لأنه يقطع مع الأسئلة الإمية الجوفاء من قبيل هل أن ما حدث ثورة أم انقلابا و يعطي لإرادة البشر دورها في صنع التاريخ و يجعل من السياسة فعلا ديناميكيا محكوما بشروط موضوعية و تغير مستمر في موازين القوى عبر موجات قد تشهد مدا ثوريا هائلا كما تشهد ضمورا مؤقتا أو انتكاسا .و من الطبيعي أن تحدث خلال هذه الموجات صراعات بين أركان النظام القائم و حتى تصفية حسابات و أن تتدخل قوى أجنبية و أجهزة مخابرات و لكن هذه نتائج أكثر منها مبادئ تفسير. و يمكن أن نكثف المسار الثوري في تونس في المحطات الأساسية التالية:
1- لحظة الموجة الثورية الأولى و التي تجذرت فيها المطالب الشعبية تدريجيا عبر المسيرات و الإضرابات و الاعتصامات و التي كان من أهم نتائجها سقوط رأس النظام و حل بعض مؤسساته و تعليق العمل بدستور 1959 و إقرار انتخاب مجلس تأسيسي.
2- لحظة انتخابات 23 أكتوبر: وهي لحظة ترجمت انتكاسة مؤقتة للمسار الثوري وذلك بانتصار القوى المضادة للثورة في هذه الانتخابات ولم يمهل التاريخ الناس كثيرا من الوقت حتى تتجلى أمامهم حقيقة التروكيا والنهضة تحديدا فلم تعد العمالة والتطبيع والتفقير والقمع والتكفير والإرهاب والتآمر على الأشقاء...مجرد مفاهيم بل أصبحت وقائع ملموسة.
3- لحظة 23 أكتوبر 2012: نهاية الشرعية الانتخابية والسياسية والأخلاقية لحكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإعلان الانقلاب الصريح على المسار الثوري من خلال العمل على تأبيد وجود النهضة في الحكم عبر السيطرة على أجهزة الدولة وتكوين المليشيات وتعميم العنف وقمع احتجاجات الكادحين والمعطلين والمبدعين. وبالتوازي مع ذلك بدا المسار الثوري يستعيد وتيرته ويمكن أن نذكر هنا احتجاجات الأهالي في سيدي بوزيد وأحداث الرش في سليانة.
4- لحظة 6 فيفري : لا جدال في أن حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة تتحمل المسؤولية كاملة في اغتيال الشهيد شكري بلعيد. إنّ اغتيال الشهيد شكري بلعيد أثبت أن حكومة الالتفاف على الثورة بلغت حدا من الإفلاس لم يعد معه أمامها إلا تعميم العنف وتكريس منطق الجريمة المنظمة والاغتيالات السياسية فبعد رفض حركة النهضة المشاركة في المؤتمر الوطني للحوار الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل وبعد أن واجهت شعبنا المنتفض في سليانة بالرش وبعد أن أطلقت العنان لمجاميع السلفية ولعصابات تخريب الثورة للاعتداء على المواطنين والسياسيين والنساء والمبدعين دشّنت حكومة الالتفاف على الثورة بقيادة حركة النهضة مرحلة أقصى في الجريمة السياسية. ويستهدف هذا الاغتيال كلّ من يدافع عن سيادة الوطن وعن الدولة المدنية الديمقراطية الضامنة للحقوق والحريات العامة والفردية ويرفض استغلال عموم الكادحين ويتمسك بالهوية العربية الإسلامية لشعبنا وبنمطه المجتمعي ومستهدف أيضا بهذا الاغتيال كل من يتصدى للتآمر على أمّتنا العربية ويتمسك بالقضية الفلسطينية قضية مركزية ويرفض استهداف أشقائنا ويفضح تجنيد شبابنا للموت في سوريا خدمة للمشروع الصهيوني. لقد سرّع اغتيال الشهيد شكري بلعيد في إنقاذ مصر من الاخوان كما أن تخلص مصر من الإخوان يسّر اعتصام الرحيل
5-اغتيال الشهيد محمد الابراهمي و معركة إخراج النهضة من الحكم بأقل التكاليف الممكنة على شعبنا. لا يمكن أن نفهم اغتيال الشهيد محمد البراهمي إلاّ في علاقة بنفس محددات اغتيال الشهيد شكري بالعيد مع إضافة أمرين أساسيين: الأمر الأول يتعلق بالتأصيل والتحديث الذي أحدثه محمد الابراهمي في التيار القومي في تونس أما الأمر الثاني فان ما حدث في مصر جعل تنظيمات الإخوان و تفريعاتها الجهادية أكثر عنفا و دموية في علاقة بكل نفس وطني تقدمي.
في هذه اللحظة التأمت ملحمة اعتصام الرحيل بقيادة جبهة الإنقاذ وقوى المجتمع المدني والمنظمات الوطنية الكبرى وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل وذلك أدى إلى ثلاثة نتائج أساسية على الأقل:
- كتابة دستور هو أقرب إلى تطلّعات عموم التونسيين وأبعد بقدر ما عن مشاريع حركة النهضة.
- خروج حكومة الترويكا و تكوين حكومة كفاءات مستقلة.
- إجراء الانتخابات التشريعية و الرئاسية.
المرحلة الرّاهنة:
أ) الوضع الدولي :عودة على العولمة والدولة.
انتهى القرن العشرين على التبشير بالعولمة واعتبارها المرحلة الأخيرة في تطور التاريخ الإنساني من جهة كونها تمثل الانتصار النهائي للرأسمالية وانتفاء الصراعات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية وبدت العولمة كإمكانية مفتوحة للحلم بمجتمع دون دولة وأن الديمقراطية الكلية صارت ممكنة .
وتلتقي الكثير من المقاربات رغم اختلافها في اعتبار العولمة مشروع التقليص من الدولة وحتى تفكيكها. " ميشال بو" يعتبر أن العولمة تمثل نهاية دولة الرفاه في الشمال و نهاية دولة العمال في الشرق ونهاية دولة التنمية في الجنوب و هي إمبراطورية الفوضى عند"سمير أمين" و هي عصر الامبراطورية عند " نقري" وهي لحظة لا نستطيع الحسم فيها إن كانت الأمل الأخير للإنسانية أم سوء الطالع الأخير بالنسبة "لادغار موران".
لم يدم الشك كثيرا حتى انكشف الوجه الحقيقي للعولمة كمشروع هيمنة اقتصادية وسياسية.. ودون الدخول في تفاصيل، يمكن أن نقر بعدم تغير طبيعة الدولة في مراكز رأس المال إنها تعود إلى دورها الطبيعي التاريخي: كفت عن أن تكون طرفا في الإنتاج وعادت إلى كونها شرطه السياسي أي باعتبارها أداة السيطرة السياسية للطبقة أو الطبقات المهيمنة اقتصاديا و بالإضافة إلى ذلك وحتى بالمنطق الاقتصادي الخالص لم تتراجع ميزانية الدولة "القومية"في هذه المراكز و لذلك لم تتأسس دولة العالم ولم تصبح الحكومة الأمريكية حكومة العالم.
يعيش العالم منذ2008 أزمة أسطورة العولمة وهي أزمة اقتصادية لا أمل منظور في تجاوزها. و بالتوازي مع ذلك و ربما بفعل ذلك نشهد مرحلة انتقالية من عولمة ذات قطب واحد( الإمبريالية الأمريكية) إلى عولمة متعددة الأقطاب و هو ما يفسر عودة اشتداد الصراع بين القوى الإمبريالية. و لعل الرد الأمريكي على ذلك هو تجربة مفهوم الدولة الفاشلة أو المفككة و التي تحل محلها أو معها العصابات و المليشيات و الطوائف و الأعراق و حتى القبائل و العشائر. و الملفت أن هذا الأمر يتم بطرق مختلفة من الغزو المباشر ( العراق الصومال ليبيا) أو غير مباشر عن طريق الوكلاء المحليين و الإقليميين أو تكوين منظمات تنجز المطلوب وصولا إلى التدمير الذاتي من الداخل بإثارة الصراعات الدينية و العرقية والطائفية و حتى الجهوية.
.عندما يعي رأس المال عجزه عن مقاومة الميل السريع لمعدل الربح نحو الانخفاض وبالتالي عدم قدرته على إعادة إنتاج ذاته يشكل عندئذ ما يسميه دولوز "اكسيوماتيك موت" فيضطر إلى" الاستثمار"في اللاانتاج في الرياضة مثلا (بين 1994 و1998 تكلفة كأس العالم تضاعفت 100مرة) و السلاح والاعلام و هي قطاعات غير منتجة يضطر اذا إلى السير في طريق مضادة لطبيعته . يضطر إلى خرق القوانين و القواعد التي وضعها لنفسه بنفسه فينمي القطاعات غير المنتجة و يشجع الاقتصاد الموازي و يفكك الدول و يقيم كل أنواع الحروب بما فيها الديمغرافية (مالتوس لم يمت...)
بهذا المعنى يرتبط الإرهاب بالعولمة فهو ليس مجرد إفراط في استعمال العنف بل هو ممارسة للعنف يفتقد معها العنف نفسه كل هدف وكل غاية وكل معنى.ليس الإرهاب ظاهرة دينية أو عرقية أو حضارية انه واقعة سياسية بامتياز يجري إنتاجها و التحكم فيها مثل أي شيء آخر يجسد بربرية رأس المال ولذلك ليس غريبا أن يتم ذلك بضرب من التصعيد الديني لما يتضمنه كل دين من عناصر تمويه و مغالطة وقدرة على التأثير في عقول الناس و حتى التحكم فيها و الأكثر غرابة هو أن ذلك قد يتم بضرب من التصعيد الحقوقي فتتحول جاذبية حقوق الإنسان أفرادا و شعوبا إلى عنوان لغزو البلدان تفكيكا للدول وتدميرا للشعوب.
لن نضيف شيئا جديدا إذا قلنا أن ما يخاض اليوم من صراعات و ما يعد من مشاريع و تجارب يتم على مسرح أساسي هو الوطن العربي و ذلك لاعتبارات لا يسمح المجال الآن للوقوف عليها.
ب)الوضع الوطني:
خلال انتخابات 26 أكتوبر2014 لم تفعل حكومة مهدي جمعة أي شيء حتى لا يتم تزييف إرادة الناخبين مرة أخرى فإغراق البلاد بالمال الفاسد وتوظيف المساجد وتخندق جزء مهم من الإعلام واستغلال الإدارة وإطلاق العنان للجمعيات المشبوهة واللعب على جميع النعرات بما فيها الجهوية وافتعال استقطاب ثنائي وهمي بين النداء والنهضة كل ذلك مثل السمة المميزة لأغلب من هم في الحكم اليوم. وبقطع النظر عن كل ذلك يمكن أن نعتبرأن :
- هذه الانتخابات كرست مرة أخرى اختلال موازين القوى لصالح القوى المضادة للثورة. – شعبنا أرادها انتخابات قطيعة مع المنظومة القديمة بشقيها و ذلك ما يفسر الخسارة المدوية لنصف الترويكا(التكتل و المؤتمر) ورفض الرموز المكشوفة لنظام بن علي (حزب المبادرة وحزب حامد القروي).
- التصويت عبر عن اللحظة الحاسمة التي تعيشها البلاد ولذلك لم ينظر الناخبون إلى ادعاء الوسط و الاعتدال والنأي بالنفس عن الصراعات( الجمهوري التحاف اليقراطي...) بل نظروا إلى الأطراف وعلى الأصح إلى ما روج له كأطراف فسقط التصويت في الاستقطاب الثنائي الوهمي بين النداء و النهضة.
لكل ذلك لا تعبر الحكومة الجديدة عن تطلعات الشعب ولا عن إرادة الناخبين رغم ما لحقها من تزييف، إنها اقرب إلى مجمع وزارات يسنده ائتلاف هجين عاجز وخطير لم يفلح إلا في تكوين أغلبية نيابية لتمرير مشتركات اليمين من استباحة كل مقومات السيادة الوطنية(ولذلك يحدث أحيانا انطباعا بان الحكومة الحالية تشكلت برعاية السفارات الغربية والخليجية) إلى تمرير السياسات و القوانين المعادية للكادحين وعموم الطبقات المضطهدة والمستهدفة للحقوق والحريات والملتفة في المحصلة على أهداف المسار الثوري.
* على المستوى السياسي: تم إبرام اتفاقية عمالة مع أمريكا بحجة مقاومة الإرهاب و إنجاح التجربة التونسية في الوقت أن أمريكا هي في مقدمة القوى التي تستهدف المسارات الثورية العربية وهي التي تصنع الإرهاب وتعمل على تفكيك الدول وضرب وحدة المجتمعات. وهنالك عمل ممنهج لغلق ملف الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي وكل شهداء الجيش و الأمن.
إن الحكومة الحالية و رغم مجهودات و تضحيات المؤسستين العسكرية و الأمنية غير قادرة على مواجهة الإرهاب وذلك بفعل هشاشة وهجانة الائتلاف الذي يسندها وخطورته و خاصة مشاركة حركة النهضة في هده الحكومة وهي الحركة التي تتحمل المسؤولية كاملة في انتشار الإرهاب في تونس تواطؤ و تسترا على السلاح و التكفير و المال الفاسد والأمن الموازي و الاغتيالات السياسية (الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي) و هي التي لا تزال تمارس سلوكا مزدوجا في كل المجالات ولذلك حتى عندما أعلنت حالة الطوارئ تم تبريرها اقتصاديا و اجتماعيا قبل تبريرها أمنيا. ومن جهة أخرى يجري تعطيل تنزيل الدستور في قوانين أساسية ضامنة للحقوق والحريات و استكمال بناء المؤسسات الدستورية ومعركة المجلس الأعلى للقضاء خير دليل على ذلك وبالإضافة إلى ذلك يجري الترويج لمصالحة مغشوشة ترسكل الفساد و الإفساد وتضرب استقلالية القضاء و تنقلب على مسار العدالة الانتقالية على ما فيه من هنات.
*أما على المستوى الاقتصادي : هنالك مواصلة لنفس منوال التنمية القديم و لم تفعل الحكومة الحالية إلا المراجعة المستمرة لنسبة النمو باتجاه الأسفل فبعد أن كان النمو المفترض في جانفي2015 يقدرب3 % أصبح في أفريل 1.7% واليوم أصبحت الحكومة تتكلم عن 0.7% وتبشرنا بدخول الاقتصاد مرحلة الانكماش و بالتوازي مع ذلك يتواصل نزيف إغراق البلاد بالديون التي فاقت 52% من الدخل الداخلي الخام و تراجع الاستثمارالى حدود 20% من الدخل الداخلي الخام و الملفت هنا هو التطور الهائل للاقتصاد الموازي و التهريب و قد بلغ نسبة 54% من الاقتصاد الرسمي وللمقارنة فقط تبلغ هذه النسبة في فرنسا 9.9% وفي مجمل الاتحاد الأوروبي 19% وهي في تراجع مستمر منذ 10 سنوات. وبالمحصلة فنحن إزاء دولة شديدة التداين لا تنتج ثروة ومواردها في تراجع مستمر وخاضعة للاقتصاد الموازي وكل ذلك يمثل مؤشرات لما يسميه الأمريكان الدولة الفاشلة.
*وأمّا على المستوى الاجتماعي فيجري العمل على تحميل الكادحين كامل فاتورة الأزمة ولذلك يتم الترويج لإجراءات مؤلمة من الدعوة إلى هدنة اجتماعية و ربط الزيادة في الأجور بنسبة النمو و الترفيع في سن التقاعد و إسقاط قضية المعطلين والعاطلين و يتم بالتوازي مع ذلك تجريم الاحتجاجات الاجتماعية .

والخلاصة انه مهما كان تعريفنا للدولة ومهما كان موقفنا منها فان ما يجري اليوم في تونس هو مواصلة لسياسة تفكيك الدولة أو تكريس الدولة الفاشلة و ذلك بالرغم من الطبول التي تقرع كل يوم لتدعو إلى استعادة هيبة الدولة فلا يمكن للدولة أن يكون لها وجود فعلي في ظل تفشي الإدارة الموازية والأمن الموازي والاقتصاد الموازي والتهريب و المساجد الخارجة عن السيطرة والمال الفاسد وفي ظل التغطية على الإرهاب ورسكلة الفساد و الإفساد ..... يرتبط و جود الدولة بالأجهزة و المؤسسات و القوانين و هذا بالضبط ما يجري استهدافه و التفريط فيه اليوم في تونس.
حكّام تونس اليوم:
ليس جديدا أن نقول أن الأحزاب تعّبر عن مصالح طبقات اجتماعية وسنساهم هنا في تحليل الائتلاف الحاكم وفق هذه الرؤية ولكن سنكتفي بالنظر في حزبي نداء تونس و النهضة و ذلك لأنهما يمثلان الأغلبية المطلقة في هدا الائتلاف بالإضافة إلى تجربتهما في الحكم وحداثة عهد بقية المكونات بالسياسة.
1) نداء تونس: يحاول نداء تونس أن يمثل كل الفئات الاجتماعية التي كونت الدولة التونسية أو تكونت في علاقة بها منذ 1956 إلى اليوم و الإيهام بإعادة صهر كل تاريخ الدولة و لذلك يعمل على أن يكون التعبيرة السياسية الموحدة للبرجوازية الكبمرادورية بكل فئاتها و عبر مختلف مراحل تاريخها من تجربة التعاضد في الستينات إلى سياسات الهادي نويرة في السبعينات و صولا إلى أزمة الثمانينات و انقلاب 7 نوفمبر و لذلك يواجه أصحاب هذا الحزب صعوبات كبيرة في إعادة صهر مختلف فئات البرجوازية الكمبرادورية: الكمبرادور البيروقراطي والكمبرادور الصناعي الطفيلي والكمبرادور المصرفي و ذلك ما تكشف عنه ما يسمى بروافد الحزب:
- الرافد الدستوري و يمثل نوعا من البحث عن أبوة مفقودة وممتدة ويتراوح بين التعبير عن بيروقراطية الدولة و الكمبرادور الصناعي الطفيلي و لذلك ينظر بعض الدستوريين إلى أنفسهم على أساس أنهم ليسوا تجمعيين وأنهم بمعنى ما من ضحايا بن علي.
- الرافد النقابي و يسعى إلى التعبير عن البيروقراطية النقابية التقليدية و التي كانت تعد إلى أواخر السبعينات على الأقل جزء من بيروقراطية الدولة نفسها.
- الرافد التجمعي يعبر أساسا عن الكمبرادور المصرفي.
- أما حكاية الرافد اليساري( وحتى المستقل) فهده مسألة دعائية بحتة في غياب أي أساس اقتصادي واجتماعي لذلك. فما يصرون على تسميته رافدا يساريا هم في الحقيقة عناصر برجوازية صغيرة تسعى دائما بحكم طبيعتها إلى التسلق و التموقع وخاصة اثناء اشتداد الصراعات.
- هناك رافد آخر غير مسمى بعد و ربما هناك رغبة و إرادة في عدم تسميته على الاقل الآن انه الرافد الذي يعمل على تمثيل مصالح الاقتصاد الموازي أو على الأقل جزء منه بعد أن استأثر حزبي النهضة والمؤتمر بتمثيله كله أو في أغلبه خلال فترة حكم الترويكا.
ولذلك علينا أن نفهم أن ما يبدو من صراع زعامات داخل نداء تونس هو في الحقيقة صراع بين هده الفئات ذات التكوين المختلف من اجل التعبير الغائم عن الدولة مند 1956 إلى اليوم وقيادة عملية إعادة الصهر المستعصية.

2) تنظيم الإخوان المسلمين في تونس أو حزب حركة النهضة :هنالك أطروحات عديدة حاولت تحديد من هم الإخوان المسلمون من النظر إليهم بوصفهم تعبيرا عن بقايا علاقات الإنتاج ماقبل رأسمالية (أو بقايا الاقطاع) إلى كونهم يمثلون الاقتصاد الخراجي أو الريعي . وهناك مواقف توصّفهم دون أن تحدد أساسهم الاقتصادي و الاجتماعي من قبيل اليمين الديني و الرجعية الدينية و التيار الظلامي و غير ذلك كثير.
لن نناقش هنا هذه الأطروحات و هذه المواقف بل سنكتفي بطرح بعض الأفكار:
- أن يعبر الإخوان عن بقايا علاقات الإنتاج ما قبل رأسمالية أو بقايا الإقطاع ففي ذلك قدر من الحقيقة و لقد بينت تجربة حكمهم في تونس ماذا يعني ذلك على الأقل في مخيلتهم و في ذهنيتهم إذ عملوا جاهدين على إعادة الأحباس والأوقاف و بعث صندوق للزكاة وللتكافل والجمعيات "الخيرية" .... كما أن سلوكهم في علاقة بالمنظمات الوطنية الكبرى يكشف هذه الذهنية إذ استولوا على اتحاد الفلاحين وعملوا على تدمير الاتحاد العام التونسي للشغل و اكتفوا بتمثيل أدنى في الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة و أما الاتحاد الوطني للمرأة فقد أنكروا وجوده أصلا.
- والإخوان يعبرون أيضا عن الجزء الأكثر تعفنا في رأس المال المالي العالمي المتعلق بالريع النفطي و هو جزء غير قابل للرسملة و غير منتج لأي ثروة في سياقات معقدة لإشكال جديدة من الاستعمار (علينا أن نتذكر أن إحصائية الأمم المتحدة للتنمية لسنة 2004 تكشف أن الدخل الداخلي الخام لكل العرب من المحيط إلى الخليج بنفطهم و غازهم وفسفاطهم و زيتهم وبحرهم....أقل من الدخل الداخلي الخام لايطاليا وهي قوة صغيرة بالمقارنة مع القوى الرأسمالية الكبرى) هدا الجزء المتعفن في رأس المال تهيمن عليه الطبيعة الاستهلاكية و القدرة التدميرية و لذلك يتم تصريفه في اقتناء الأندية الرياضية و شراء الأسلحة وتملّك البضائع النادرة و صناعة الجنس و الموضة و الإعلام.... ولكن أيضا لصناعة الإرهاب و ما يقتضيه من استثمار في الأديان و الأعراق والطوائف ولذلك نرى انه حيث يوجد النفط و الغاز يوجد الإخوان بقطع النظر عن تفريعاتهم وحتى بالنسبة إلى تونس و في انتظار اكتشافات ممكنة علينا أن لا ننسى أنها محاطة بالنفط و الغاز من الشرق ومن الغرب . (وللتندر و دائما حسب نفس الإحصائية السابقة يمكن أن نضيف أن ما يترجم إلى الاسبانية في سنة واحدة أكثر مما ترجم إلى العربية في الألف سنة الماضية وهذه حكاية أخرى وان كانت مرتبطة بما سبق ).
- و بالإضافة إلى ما سبق يعبر الإخوان عن الاقتصاد الموازي ويرتبطون به و لذلك ازدهر الاقتصاد الموازي كثيرا زمن قيادتهم للحكم. إن التهريب اليوم يتم عن طريق المسالك المنظمة من موانئ بحرية وجوية ومعابر حدودية إضافة إلى المسالك الصحراوية و الجبلية الوعرة و هو يشمل كل شيء بما في ذلك البشر . إن القوى المشتغلة في الاقتصاد الموازي هم أساسا العاطلون عن العمل و هم من كان ماركس يسميهم الجيش الاحتياطي للطبقة العاملة. ومن المعلوم أن منطق الأشياء يجعل من الاحتياطيين أقل من الأساسيين و لكن عصر العولمة جعل من الاحتياطيين أضعافا للأساسيين.هؤلاء المهمّشون ( والذين كان لهم دور مهم في المسار الثوري في تونس و في مجمل المسارات الثورية الراهنة في العالم) لهم خاصية أساسية تتمثل في إفلاتهم من كل قيد أو رباط فإذا كان للعمال قيود يتم التحرر منها تاريخيا ليس للمهمشين قيود أصلا و خاصة الناشطون منهم في الاقتصاد الموازي. في العمل هناك تصريف للطاقة و في الاقتصاد الموازي يتم توظيف طاقة لم يتم تصريفها في كل شيء أي في التدمير. بهدا المعنى يرتبط الإرهاب بالتهريب وبكل الأجزاء الأكثر تعفنا في رأس المال و اللانتاج .إن الإرهابيين الذين يتسلون بالقتل لا يمثلون حالة نفسية أو وجدانية أو عقائدية وإن كان ذلك حاضرا فيهم إنهم حالة اقتصادية سياسية يتم تصعيدها دينيا ( تنظيم الإخوان بتفريعاته المختلفة) كما يتم ذلك حقوقيا وجهويا (حزب المؤتمر وحراك شعب المواطنين) وقد يتم الجمع بين الأمرين(حركة وفاء و رابطات "تخريب" الثورة). و المفارقة أننا نشهد اليوم صراعا بين قوى سياسية في الحكم (النهضة والنداء) وقوى خارج الحكم (المؤتمر بتفريعاته المختلفة) لتمثيل القوى الناشطة في الاقتصاد الموازي والفاعلة فيه.
لسنا في حاجة لحجج كثيرة لنتبين أن مختلف المصالح التي يسعى تنظيم الإخوان لتمثيلها هي مصالح مضادة للدولة في معناها الحديث والمعاصر دولة السيادة و المواطنة بماهي ممارسة للسلطة تقوم على المؤسسات و نمط حكم يستند إلى القانون إذ لا علاقة لبقايا علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية بالدولة الحديثة والمعاصرة كما أن الريع النفطي لم يخلق دولا إلا في التسميات الرسمية و أخيرا فإن الاقتصاد الموازي لا ينتعش إلا في ظل ضعف الدولة و تفككها
بهذا المعنى لا يمكن أن نعتبر أن حركة النهضة حزبا سياسيا بل هي منظمة معقدة تعمل على تمثيل مصالح مضادة للدولة و هي مرتبطة بأجندات القوى الامبريالية و ليس لها مشروعا للدولة غير تفكيكها و لهذا بالضبط تم اتخاذ القرار الدولي بتصعيد الإخوان في الوطن العربي إلى الحكم :أولا لإجهاض المسارات الثورية العربية وثانيا أو في نفس الوقت تفكيك الدول و ضرب وحدة المجتمعات.
تكثيف دلالي للمأزق :
- استفراد نداء تونس بالحكم قد يعيدنا إلى ديسمبر2010 و ذلك لانتفاء أي علاقة بين كل مكوناته وبين الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و كل مطالب المسار الثوري الذي تشكل ضدها أساسا.
- استفراد النهضة بالحكم يجعلنا لا فقط في مواجهة الالتفاف على المسار الثوري بل في مواجهة مشروع تفكيك الدولة و ضرب وحدة المجتمع
- ائتلافهما يجعلنا في وضع أكثر خطورة : عودة الاستبداد و استفحال الاستغلال وفي نفس الوقت تفكيك الدولة وضرب وحدة المجتمع وان بطريقة غير مباشرة.
ويمكن تكثيف هدا المأزق بالصورة الدلالية التالية: ائتلاف النداء و النهضة أقرب إلى تجاور الكلب و الذئب ( لا أستعمل هذه الصورة لا استنقاصا من الحيوانات ولا سخرية من البش)
- حزب نداء تونس يمكن تكثيفه دلاليا في سلوك الكلب بما يدل عليه من قابلية للتربية و الاجتماع و اللعب وفق قواعد مضبوطة في جغرافيا محددة حتى و إن كانت سجنا
- النهضة أو تنظيم إخوان تونس يمكن تكثيفها دلاليا في سلوك الذئب الرافض لكل تربية ولكل اجتماعية و المتأهب دائما للاجتياح والانقضاض على فريسة ممكنة و المتجاوز لكل جغرافيا ولذلك يغيب مفهوم الوطن عند الإخوان. إن الوطن هو في نهاية المطاف جغرافيا و قد تحولت إلى تاريخ أو تاريخ وقد تجسد في رقعة جغرافية ما. والغريب أن الذئب بيدأ بالمشي و هو لا يزال أعمى و أصم كأنه يمشي نحو المجهول أليس هذا ما حدث في العراق ويحدث اليوم في ليبيا و سوريا لم يبصروا شيئا و لم يسمعوا شيئا في العراق وهم اليوم لا يبصرون شيئا و لا يسمعون شيئا في سوريا و ليبيا و مصر و تونس..فقط يمشون أي يفككون و يدمرون و يقتلون.
أن نخضع لسلوك الكلب أي لنداء تونس هو أن نعيش جائعين و مسجونين ومراقبين.
أن نخضع لسلوك الذئب أي للنهضة هو أن نعيش في العراء مفقرين وتحت وطأة أن نكون فريسة في أي لحظة وفي أي مكان.
أن نخضع للاثنين معا هو أن نحي جائعين ومسجونين ومراقبين في انتظار أن نكون فريسة سهلة في كل حين.
لقد اعتقد داروين أن الكلب ينحدر من الذئب و البيولوجيا المعاصرة تؤكد هذا الأمر و تقول بان ذلك حدث في ظروف شديدة الغموض و التعقيد و لكن ما من ذئب حالي يمكن أن يتحول إلى كلب.
إن المأزق الذي انتهينا إليه يكشف عن جسامة التحديات المطروحة والتي من المفترض ان يكون عنوانها الأبرز هو الربط الجدلي بين مواصلة الاضطلاع بمهام الانقاذ وبين استئناف تحقيق أهداف المسار الثوري حتى لا ننتقل من العصابة الى مجرد الدولة بل الى الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية.



#رياض_الفاهم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يحكم تونس اليوم -مساهمة في تحليل طبعة الائتلاف الحاكم


المزيد.....




- مبنى قديم تجمّد بالزمن خلال ترميمه يكشف عن تقنية البناء الرو ...
- خبير يشرح كيف حدثت كارثة جسر بالتيمور بجهاز محاكاة من داخل س ...
- بيان من الخارجية السعودية ردا على تدابير محكمة العدل الدولية ...
- شاهد: الاحتفال بخميس العهد بموكب -الفيلق الإسباني- في ملقة ...
- فيديو: مقتل شخص على الأقل في أول قصف روسي لخاركيف منذ 2022
- شريحة بلاكويل الإلكترونية -ثورة- في الذكاء الاصطناعي
- بايدن يرد على سخرية ترامب بفيديو
- بعد أكثر من 10 سنوات من الغياب.. -سباق المقاهي- يعود إلى بار ...
- بافل دوروف يعلن حظر -تلغرام- آلاف الحسابات الداعية للإرهاب و ...
- مصر.. أنباء عن تعيين نائب أو أكثر للسيسي بعد أداء اليمين الد ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الفاهم - من يحكم تونس اليوم -مساهمة في تحليل طبعة الائتلاف الحاكم