|
قلنا من البداية -لا تصالح- .
صالح حمّاية
الحوار المتمدن-العدد: 4947 - 2015 / 10 / 6 - 18:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ انطلاق الرئيس بوتفليقة والنظام الجزائري من خلفه في الترويج لمشروع المصالحة الوطنية مع الإرهابيين الإسلاميين ، كان رأي أغلب العارفين بخبايا العقلية الإسلامية أن الذهاب نحو هذا الخيار هو ذهاب نحو الحائط ، فحتى إذا كان الرئيس بوتفليقة له أن يقتدي بخطى الزعيم الخالد نيلسون مانديلا في إقرار عملية السلام ، ففي الناحية المقابلة فلا يوجد أي وجه للمقارنة بين بيض جنوب إفريقيا و بين الإسلاميين لا من حيث الفكر ، ولا الوضع ، ولا المضمون ، وعليه فمحاولة تكرار تجربة حصلت في واقع أخر في واقع مختلف ، فهو أمر محكوم عليه بالفشل ، لكن طبعا النظام الجزائري بمعية الرئيس بوتفليقة أصر و ضغط نحو مسار المصالحة ، وروج للناس أنه يمكن أن نقايض المصالحة بالأمن ولو كان عليه مؤاخذات ، وعليه صوت الناس وعلى مضض على هذا الخيار المؤلم ، لكن وللأسف ورغم كل هذا الذي جرى ، فقد أضاف النظام الجزائري الحاكم على كارثة المصالحة مع الإرهابيين كارثة اشنع و امر ، وهي حين تصالح معهم بدون ضوابط واضحة للمطلوب منهم لكي يعفى عليهم ، فعلى سبيل المثال نجد انه في جنوب إفريقيا مثلا ، فنيلسون مانديلا اشترط ولكي يتصالح مع العنصريين البيض ، ان يتخلى البيض عن عنصريتهم ، و أضاف على هذا ان على كل عنصري ابيض أن يعلن و أمام الملئ تبرئه و ندمه على حمل الأفكار العنصرية ، وأن يعتذر للضحايا لكي يمكن أن يغفروا له جرائمه من باب إنسان أخطا وها هو يطلب الصفح ، لكن في الحالة الجزائرية فنحن نجد الحال مختلف تماما ، فالإرهابيون الإسلاميون كل كان مطلوبا منهم هو أن يلقوا السلاح وكفى ، أما عن يتخلوا على الأفكار التي جعلتهم يحملون السلاح ، أو أن يعتذروا للشعب على ما اقترفوه، فهذا كله تم تجاهله ، وعليه فحين تم إطلاق ما عرف بالتائبين في المجتمع ، فهذا لم يكن في الحقيقة سوى عملية رد للروح لهم بعدما كانوا على وشك الزوال ، فهؤلاء الإرهابيون الذين كان المجتمع الجزائري مرتاحا منهم وهم في الجبال ولو صدعوه بالإرهاب ، صاروا يتجولون الآن في الشوارع ، ويغزون المساجد ، وينشرون أفكارهم بين الناس ، وهو ما أدى إلى انه و بعد عشر سنوات من المصالحة التي كان من المفروض أن تقي البلاد من شبح عودة الإرهاب، ان نرى رأس الإرهاب في الجزائر ( الإرهابي مدني مزراق ) الذي عفي عليه ، يسعى وبكل صفاقة لان يؤسس حزبا يشارك به في العملية السياسية ، بل ومضاف إلى هذا الأمر أن الرئيس بوتفليقة وحين وجه له إنذارا لتجاوزه بهذا الطلب ( وهو الأمر الذي في واقع يفوق التجاوز ، فهل مثلا يمكن تخيل أبو بكر البغدادي ينشا حزبا في العراق) فالمدني مزراق تحدى الرئيس الذي لطالما حماه علانية ليقول له " ومن تكون أنت لتمعني " وهو ما يجعل الرئيس بوتفليقة ومساءلا إتجاه نتائج أفعاله ، فها هو اليوم احد الإرهابيين الذين عفا عنهم يهدده وبكل عنجهية ، ويقول انه مستعد أن يخوض معه في ما لا يحمد عقباه اذا منعه من تأسيس حزب ، فهل الرئيس عبد العزيز الآن مدرك لحجم الخطأ الجسيم الذي قام به ، ثم هل علينا توقع شيء منه بعد هذا الأمر ؟ ( على الأقل ولحد كتابة هذه السطور لم يحصل شيء ) .
عموما لا ادري ما الذي يدور الآن في عقل الرئيس أو الحاشية الحاكمة الآن في الجزائر للرد على مزراق ، لكن المؤكد الآن وللجميع أن مسار المصالحة قد تم إطلاق رصاصة الرحمة عليه ، فما قاله مزراق أنهى أي خرافات و أساطير عن وهم المصالحة الوطنية ، فهاهو الرجل يقول وبصريح العبارة انه إرهابي لا يؤمن سوى بالقوة ،وانه مستعد للعودة للجبال اذا تطلب الأمر ، وهو ما يعني أن الوعود التي سوقها النظام لمشروع المصالحة بأنه ناجح فهي كلها مجرد خزعبلات ، ومجرد أوهام ، وعموما يجدر القول أننا لم نكن نحتاج لتصريحات مدني مزراق الأخيرة لندرك أنها مجرد أوهام ، فمن مطالعة الصحف نكتشف يوميا تائبين وقد تورطوا في العودة لدعم الجماعات الإسلامية ، هذا عدى أن كل التائبين لم نرى أي منهم يهاجم المنهج الذي كان عليه ، بل اغلبهم لا يزال يفاخر بأنه كان على حق ، وعلى رأس مدني مزراق ، فالرجل وأينما حل كان وفيا وصريحا في دفاعه عن الإرهاب والإرهابيين ، بل انه وصل به الأمر للافتخار بقتل جندي جزاري بكل بجاحة ، وهذا في تحدي صريح للشعب و للسلطات ، بل و المؤسف أن نجد السلطة وللأسف هي من دفعته لهذا المربع حين حاورته في مسالة تعديل الدستور ، وجعلت منه شخصية وطنية ، فهل يعقل من نظام له ذرة عقل سياسي ان يستشيرا إرهابيا في مسالة تعديل الدستور’ ثم يقول لنا انه لا يحق له تأسيس حزب ؟ .
عموما إن هذه الدربكة، أو الغباء ، أو حتى التراخي المتعمد الذي تصرفت به الحكومة في ملف الإرهاب ، لا تكشف في الواقع سوى عن شيء واحد، ألا وهو الجهل الفظيع و المريع اتجاه فكر الإسلام السياسي ، فالنظام وكما يبدو جليا يتصور انه يمكنه اللعب مع الإسلاميين ، كما يلعب الحاوي مع الأفعى ويخرج سالما ، لكن طبعا ما لا ينتبه النظام الجزائري ، أن الأفعى إذا دفئت لدغت ، هذا عدى أنها لذغته سابقا في عهد الشاذلي وكادت البلاد تذبح إلى الجحيم ، وطبعا اليوم الإسلاميون في الجزائر يحسون بالدفئ و الراحة في ظل العز والدلال الذي جاءت لهم به المصالحة ، وعليه فمن المتوقع أن يكرروا ما فعلوا خاصة وهم يرون تلك الاهانات والتنكيل تمارسها الدولة الجزائرية ضد الجنود الذي حاربوا الإرهاب في التسعينات ، فهل اليوم يمكن للإرهابي توقع نفس تلك البسالة و الانضباط التي تحلى بها الجنود الجزائريين سنوات الإرهاب اليوم ؟ و الجواب طبعا لا ، فالجندي الذي تهينه دولته، وتقدم عليه إرهابيا يتبجح بقتله، لن يدافع عن تلك الدولة ، وعليه فالإرهابيون اليوم يعلمون ان الجيش الجزائري وبسياسة المصالحة قد تم إضعاف مشاعره الوطنية ، وتم انهاك روحه القتالية (لاحظوا حال الجيش العراقي مثلا في مجابهة داعش ) فالدولة التي لا تنحاز للجندي دائما وأبدا ليست دولة يجذر الدفاع عليها .
على هذا تعتبر اليوم حصيلة المصالحة الوطنية و بعد عشر سنوات من إقرارها خدمة للوطن ، حصيلة من الألغام المهيئة للانفجار لا أكثر ، فمن جهة هناك جحافل من السلفيين تغزوا الشوارع في ظل غياب كلي للأمن الذي عليه مراقبتهم ، أو المدرسة والجامعة التي عليه محاربتهم فكريا ، من جهة أخرى هناك شعور سلبي كارثي لدى الجنود الجزائريين سيؤثر لا محالة تأثيرا لا تحمد عقباه في حال أي حرب قد نخوضها مستقبلا مع الإرهاب ، وفي الأخير ، فهناك نظام فاقد لكل مقومات البقاء ، فلا هو سيطرة على من تصالح معهم ، ولا هو متفاهم مع من فرط في حقوقهم ، والأمر لا يندر سوى بكارثة في حرب يخوضها الطرفان ، فيما يبقى النظام يتفرج على مشهد هو اكبر بكثير من مما رأيناه سنوات التسعينات ، ول كان الواقع أن المجتمع الجزائري كاملا يريد ويسعى ويدفع نحو بقاء الأوضاع خارج عملية العنف التي يريد الإسلاميون جر البلاد إليها بأي طريقة كانت .
#صالح_حمّاية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يشيع الحجاب -البيدوفيليا- .
-
أوروبا و جزاء النجاشي .
-
المساجد كثكنات ، لا ك دور عبادة .
-
المفتي الذي سيغتال الجمهورية الجزائرية .
-
أردوغان: الإرهاب كسياسة للنهضة الاقتصادية .
-
الجزائر بين خياري الدولة الحديثة، أو الإمارة الإسلامية .
-
شكوك حول جدية الحرب على الإرهاب .
-
ماذا لو ألغينا التعليم في الجزائر ؟ .
-
كلكم داعش .
-
قصة الدولة في -تنوره -.
-
سيقان عارية و إرهابيون .
-
بعد موجة العودة للدين لنجرب الابتعاد عنه .
-
وماذا عن القمع الديني يا صحافة .
-
لا جدوى من الإسلام إلا كديانة إرهابية .
-
مشكل الطلاق ليس قانوني يا سيادة الرئيس .
-
الهمجية كقيمة إسلامية رفيعة ؟ .
-
نحن المسلمون همج وسنبقى همج .
-
الإسلام ضد العالم .
-
الإسلام ساعيا لدمار الغرب بعد أن دمر الشرق .
-
الأدلة على عدم إسلام الحسن باتيلي .
المزيد.....
-
مصر.. الدولار يعاود الصعود أمام الجنيه وخبراء: بسبب التوترات
...
-
من الخليج الى باكستان وأفغانستان.. مشاهد مروعة للدمار الذي أ
...
-
هل أغلقت الجزائر -مطعم كنتاكي-؟
-
دون معرفة متى وأين وكيف.. رد إسرائيلي مرتقب على الاستهداف ال
...
-
إغلاق مطعم الشيف يوسف ابن الرقة بعد -فاحت ريحة البارود-
-
-آلاف الأرواح فقدت في قذيفة واحدة-
-
هل يمكن أن يؤدي الصراع بين إسرائيل وإيران إلى حرب عالمية ثال
...
-
العام العالمي للإبل - مسيرة للجمال قرب برج إيفل تثير جدلا في
...
-
واشنطن ولندن تفرضان عقوبات على إيران تطال مصنعي مسيرات
-
الفصل السابع والخمسون - د?يد
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|