أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (13)















المزيد.....


العرب قبل وبعد الإسلام (13)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4947 - 2015 / 10 / 6 - 00:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



يرى الإسلاميون والعروبيون وأدعياء الليبرالية وأغلب الماركسيين (المصريين) أنّ أهل العراق والشام والمغرب ومصر (عرب) فإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا تعتدى السعودية على (اليمن العربى) وتقتل الشعب اليمنى ؟ وبالرجوع إلى عهد الخلافة الإسلامية ، فلماذا كان (غزو) عرب قريش لأهل الكوفة ؟ بل إنّ عثمان بن عفان (الخليفة الثالث) قال (((انتكث أهل الكوفة.. اللهم تــُـب عليهم)) فهل هذا مُـبرّر للغزو؟ وعن فلان عن فلان أنّ (حذيفة بن اليمان) كان على رأس الجيش الذى غزا الكوفة. وأمده عثمان فى سنة عشر بأهل الشام وعليهم (حبيب بن سلمة القرشى) فتأمّـر عليه (سلمان بن ربيعة) ولكن (حبيب) رفض ذلك فقال أهل الشام : لقد هممنا بضرب سلمان . فقال الناس فى ذلك : إذا والله نضرب حبيبًا ونحبسه ، وإنْ أبيتم ( أى رفضتم) كثر القتلى فيكم وفينا. فقال أوس بن مغراء ((إنْ تضربوا سلمان نضرب حبيبكم/ وإنْ ترحلوا نحو ابن عفان نرحل/ وإن تقسطوا فالثغر ثغر أميرنا / وهذا أمير فى الكتائب مقبل/ ونحن ولاة الثغر كنا حماته/ ليالى نرمى كل ثغر وننكل)) (الطبرى – تاريخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلمى للمطبوعات – بيروت – لبنان – ج 3 – ص353)
فهل ذلك المشهد يختلف عن المشهد الحالى فى 2015 ؟ وهل يختلف عما كان (عرب ما قبل الإسلام) المنعوتين ب (الجاهلية) وما فعلوه ضد بعضهم البعض ؟
وعن فلان عن فلان عن ابن سيرين قال : بعث ابن عامر الأحنف بن قيس إلى (مروروذ) فحضّ أهلها فخرجوا إليهم فقاتلوهم فهزمهم المسلمون (الأدق العرب) حتى اضطروهم إلى حصنهم فأشرفوا عليهم فقالوا : يا معشر العرب ما كنتم عندنا كما نرى ولو علمنا لكانت لنا ولكم حال غير هذه فأمهلونا ننظر يومًا (أى ننتظر يومًا) وارجعوا إلى عسكركم فرجع الأحنف. فلما أصبح غاداهم وقد أعدوا له الحرب فخرج رجل من (العجم) معه كتاب من المدينة فقال إنى رسول فأمنونى فأمنوه.. فإذا رسول من مرزبان وترجمانه.. وإذا كتاب المرزبان إلى الأحنف.. فقرأ الكتاب.. قال : فإذا هو إلى أمير الجيش : إنــّـا نحمد الله الذى بيده الدول.. يُـغيّر ما شاء من المُـلك ويرفع من شاء بعد الذل... إلخ إنه دعانى إلى مصالحتك وموادعتك ما كان من إسلام جدى وما كان رأى من صاحبكم من الكرامة والمنزلة.. فمرحبًا بكم وأبشروا وأنا أدعوكم إلى الصلح فيما بينكم وبيننا على أنْ أؤدى إليكم خراجـًا ستين ألف درهم.. وأنْ تــُـقروا بيدى ما كان ملك الملوك كسرى أقطع جد أبى حيث قتل الحية التى أكلتْ الناس.. إلخ.. فكتب إليه الأحنف ((بسم الله الرحمن الرحيم.. من صخر بن قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان ومن معه من الأساورة (والأعاجم) قد أجبناك إلى ما سألتَ وعرضتَ علىّ أنْ تؤدى عن أكرتك (مكتوبة هكذا) وفلاحيك والأرضين ستين ألف درهم إلىّ وإلى الوالى من بعدى من أمراء المسلمين.. والأرض لله ولرسوله يُورّثها من يشاء من عباده.. وإنّ عليك نصرة المسلمين (الأدق العرب الغزاة) وقتال عدوهم بمن معك)) فما النتيجة (والأدق ما المُـقابل لو فعل) ؟ قال الأحنف قائد الجيش العربى : لا خراج عليك ولا على أحد من أهل بيتك من ذوى الأرحام.. وإنْ أنتَ أسلمتَ كان لك من المسلمين العطاء والمنزلة والرزق.. إلخ..
فهل التزم الأحنف (قائد الجيش العربى) بما وعد ؟ كتب الطبرى : عن فلان عن فلان عن أبى الأشهب السعدى عن أبيه قال : لقى الأحنف أهل مروروذو الطالقان والفارياب والجوزجان فى المسلمين ليلا حتى ذهب عامة الليل ثم هزمهم الله فقتلهم المسلمون حتى انتهوا إلى (رسكن) وكان مرزبان يحمل ما كانوا صالحوه عليه لينظر ما يكون من أمرهم . قال : فلما ظفر الأحنف سرّح رجليْن إلى المرزبان وأمرهما أنْ لا يُـكلماه حتى يقبضاه.. ففعلا. فعلم أنهم لم يصنعوا ذاك إلاّ وقد ظفروا فحمل ما كان عليه (الطبرى – مصدر سابق – من ص 355- 357)
وهذا المشهد فيه تأكيد على 1 – أنّ الصلح بين الأحنف قائد الجيش العربى ومرزبان تمّ مقابل دفع (إتاوة الخراج) وقدرها ستين ألف درهم ، والمغزى أنّ ما حدث ليس له أدنى علاقة بنشر الإسلام ، وأنّ الدعوة للإسلام (ستار من الدخان للغزو والحصول على الخراج) 2- أنّ الأحنف (قائد الجيش العربى) وافق على تأدية الخراج وبشرط أنْ يستمر لمن بعده من الــولاة 3- تركيز الأحنف على اللغة الدينية ليُـطعـّـم بها الغزو، عندما قال ((الأرض لله ولرسوله يُورّثها من يشاء من عباده 4- الأحنف يُجبر المرزبان على أنْ يُـساعد فى ((نصرة المسلمين (الأدق العرب) وقتال عدوهم)) 5- رغم أنّ مرزبان أوفى بوعده وأحضر مبلغ الخراج ، فإنّ الجيش العربى تسلــّـل (ليلا) وحارب أهل مرزبان ((فقتلهم الله والمسلمون)) فإذا كانت العقول الحرة أدانتْ كل أشكال الغزو والاحتلال (أيـًا كانت جنسية الغزاة) فهل ما فعله الغزاة العرب يختلف عما فعله غيرهم من غزاة ؟ وهل ما فعله (عرب ما بعد الإسلام) يختلف عما فعله (عرب ما قبل الإسلام) ؟
كما أنّ من حق العقل الحر أنْ يتأمل ما ذكره الطبرى عن الموقف من أهل الكوفة ((كتب عثمان (الخليفة الثالث) إلى معاوية بن أبى سفيان أنّ أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرًا للفتنة.. فقم عليهم . فإنْ آنستَ منهم رشدًا فاقبل منهم.. وإنْ أعيوكَ فارددهم عليهم.. فلما قدموا على معاوية رحـّـب بهم وأنزلهم كنيسة تــُسمى مريم وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يجرى عليهم بالعراق.. وجعل يتغدى ويتعشى معهم وقال لهم : إنكم قوم من العرب (؟!) لكم أسنان وألسنة وقد أدركتم بالإسلام شرفــًا وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم و(مواريثهم) وقد بلغنى أنكم نقمتم قريشـًا.. لو لم تكن عدتم أذلة كما كنتم.. إنّ أمتكم لكم إلى اليوم جنة فلا تسدوا عن جنتكم.. وإنّ أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور ويحتملون منكم المؤونة.. والله لتنتهنّ أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم.. ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على (الرعية) فى حياتكم وبعد موتكم.. فقال رجل من القوم : أما ما ذكرتَ من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها فى الجاهلية فتــُـخوّفنا.. وأما ما ذكرتَ من الجنة فإنّ الجنة إذا اخترقتْ (خلصتْ) إلينا.. عاتبه معاوية بكلام كثير من بينه : أظنكم (يا أهل الكوفة) لا تفقهون أنّ قريشـًا لم تعز فى جاهلية ولا إسلام إلاّ بالله عزّ وجل.. والناس فى الجاهلية ((يأكل بعضهم بعضـًا)) أفٌ لك ولأصحابك.. وأما أنتَ يا صعصعة فإنّ قريتك شر قرى عربية.. وأنتنها (من النتانة) نبتــًا وأعرفها بالشر وألأمها جيرانــًا لم يسكنها شريف قط .. ثم كانوا أقبح العرب ألقابًا وألأمهم أصهارًا.. (وفعلة فارس) حتى أصابتكم دعوة النبى.. فأنت شر قومك.. حتى إذا أبرزك الإسلام أقبلتَ تبغى دين الله عوجـًا.. إنّ الشيطان عنكم غير غافل.. قد عرفكم بالشر)) (الطبرى – مصدر سابق – ص 361، 362)
معاوية بن أبى سفيان الذى تآمر ضد على بن أبى طالب وحاربه وتسبّب فى إراقة دماء (العرب/ المسلمين) يتهم أهل الكوفة بأنهم (أهل ذل) ويفعلون الجور (= الظلم) ويُهـدّدهم بأنّ (الشيطان) ليس بغافل عنهم.. إلخ.. ولكنه لم يكتف بذلك وإنما تمسّـح فى صاحب الدعوة المحمدية فقال إنّ ((الرسول ولانى وأدخلنى فى أمره.. ولما استخلف أبو بكر ولانى . ولما استخلف عمر ولانى . ولما استخلف عثمان ولانى.. ولم يولنى أحد منهم إلاّ وهو راضٍ عنى.. وطلب رسول الله للأعمال أهل الجزاء عن المسلمين والغناء ولم يطلب لها أهل الاجتهاد والجهل بها والضعف.. وأنّ الله ذو سطوات ونقمات يمكر بمن مكر به.. وأنّ الله غير تارككم حتى يختبركم ويُـبدى للناس سرائركم)) ثم تلى عليهم آية من القرآن.. وبعد ذلك كتب معاوية إلى عثمان : أنه قدم على أقوام ليست لهم عقول ولا أديان.. أثقلهم الإسلام وأضجرهم العدل.. همهم الفتنة وأموال أهل الذمة.. والله مُـبتليهم ومُـختبرهم ثم فاضحهم ومُـخزيهم)) (الطبرى – ص 363) وهذا النص غاية فى الأهمية والسبب 1- معاوية بكل جرائمه (ليس ضد غير العرب/ المسلمين فقط وإنما ضد العرب/ المسلمين أنفسهم) ومع ذلك يتمسّـح فى اللغة الدينية التى تمسّـح فيها كل الطغاة عندما تلى على أهل الكوفة آية من القرآن 2- يتباهى بأنّ النبى وأبى بكر وعمر وعثمان وثقوا به وولوه الإمارات ليظلم وينهب أموال (المسلمين) وأنهم (من محمد حتى عثمان) كانوا (راضين عنه) 3- تخويف أهل الكوفة بأنّ الله ((ذو سطوات ونقمات)) وأنّ الله مثله مثل البشر ((يمكر بمن مكر به)) مما يدل على أنه قرأ القرآن و(حفظ) الآيات التى عبّرتْ عن ذلك مثل ((ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)) (آل عمران/ 54) والأعراف/ 99 ويونس/21 4- مغزى قوله أنّ القوم ((أثقلهم الإسلام وأضجرهم العدل ، همهم الفتنة وأموال أهل الذمة)) أى العودة (بالمصرى الفصيح) إلى الوضع السابق قبل دعوة محمد ل (الإسلام)
وذكر الطبرى أنّ سعيد بن العاص دخل الكوفة.. فجعل يختار وجوه الناس (الذين) يدخلون عليه. ويسمرون عنده ، وأنه سمر عنده ليلة وجوه أهل الكوفة.. منهم مالك بن كعب الأرحبى والأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس النخعيان وفيهم مالك الأشتر.. قال سعيد : إنما هذا السواد بستان لقريش.. فقال الأشتر: أتزعم أنّ السواد الذى أفاء الله علينا بأسيافنا (الأدق لغويًا بسيوفنا) بستان لك ولقومك ؟ والله ما يزيد أوفاكم فيه نصيبًا إلاّ أنْ يكون كأحدنا)) فى هذا النص اعتراف صريح بأنّ (بستان قريش) تمّ ب (السيوف) أى بالحرب والقتال والضحايا ، بل أكثر من ذلك أنّ (البستان) فىء ((من الله)) وبعد ذلك قال عبد الرحمن الأسدى.. أتردون على الأمير مقالته ؟ وأغلظ لهم فقال الأشتر: مِنْ ها هنا لا يفوتنكم الرجل.. فوثبوا عليه فوطؤوه وطأ شديدًا حتى غـُـشى عليه.. ثم جـُـر من رجليه فألقى فنضح بماء فأفاق.. فقال له سعيد : أبكَ حياة ؟ فقال : قتلنى من انتخبتُ للإسلام.. فقال : والله لا يسمر منهم عندى أحد أبدًا.. فجعلوهم يجلسون فى مجالسهم وبيوتهم يشتمون عثمان وسعيدًا.. فاجتمع الناس إليهم حتى كثر من يختلف إليهم.. فكتب سعيد إلى عثمان يُـخبره بذلك ويقول إنّ رهطــًا من أهل الكوفة سماهم له يؤلــّـبون ويجتمعون على عيبك وعيبى والطعن فى ديننا.. وقد خشيتُ إنْ ثبتَ أمرهم أنْ يكثروا.. فكتب عثمان إلى سعيد أنْ سيرهم إلى معاوية.. ومعاوية يومئذ على الشام.. فسيّرهم وهم تسعة نفر إلى معاوية. فيهم مالك الأشتر وثابت بن قيس.. إلخ فكتب معاوية إلى عثمان : بسم الله الرحمن الرحيم.. لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبى سفيان.. أما بعد فإنك بعثتَ إلىّ أقوامًا يتكلمون بألسنة الشياطين وما يملون عليهم ويأتون الناس.. وزعموا من قبل القرآن فيشبهون على الناس وليس كل الناس يعلم ما يريدون.. وإنما يريدون فرقة ويقرّبون فتنة.. قد أثقلهم الإسلام وأضجرهم وتمكــّـنتْ رقى الشيطان من قلوبهم.. وقد أفسدوا كثيرًا من الناس ممن كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة. ولستُ آمن إنْ أقاموا وسط أهل الشام أنْ يغروهم بسحرهم وفجورهم.. فارددهم إلى مصرهم (= بلدهم) فلتكن دارهم فى مصرهم الذى نجم فيه نفاقهم والسلام)) (الطبرى- مصدر سابق – من ص 314- 317)
وهذا النص يجعل العقل الحر يتساءل : 1- مَـنْ مِنْ الجبهتين على صواب ومن على خطأ ؟ خاصة أنّ أعضاء الجبهتيْن يحتكمون إلى القرآن ؟ ومع ذلك فإنّ معاوية يتهم خصومه بأنهم ((يتكلمون بألسنة الشياطين)) 2- أنّ أى شخص يُـبدى بعض الاعتراض يكون مصيره الضرب مثلما حدث مع الأشتر الذى وثبوا عليه ووطؤوه حتى غـُـشى عليه ثم جـّـر من رجليه.. إلخ)) 3- مغزى قول الأشتر ((قتلنى من انتخبتُ للإسلام)) فتلك الجملة فيها التأكيد على أنّ (الإسلام) لم يُـغيّر من طبائع العرب ، وإذا بهم فى وضع (محلك سر) أو- بصيغة أكثر دقة - العودة إلى ما قبل الإسلام من غدر وقتل كل مختلف . وما يؤكد ذلك الخبر الذى رواه الطبرى (عن كثيرين) أنّ أحد (المسلمين) واسمه (حمران بن أبان) تزوج من امرأة وهى فى فترة (العدة) أى قبل انتهاء المدة المنصوص عليها فى القرآن بالنسبة للمرأة المُـطلقة أو الأرملة.. وكان ذلك فى عهد عثمان بن عفان الذى نكل بالرجل وفرّق بينه وبين زوجته (الطبرى – ص368) ومعنى ذلك أنه بعد عهد محمد وعهد أبى بكر وعهد عمر وحتى عهد عثمان ، فإنّ ذلك الرجل : إما أنه قرأ القرآن ولم يستوعب ما فيه من حكمة خلو الرحم من الجنين قبل الزواج ، أو أنه لم يقرأ القرآن ، وفى كلتا الحالتيْن فإنه كان يعيش ويُـمارس العادات الاجتماعية اتى كانت سائدة قبل الإسلام . والأشتر الذى سبق أنْ تعرّض للضرب والاهانة من أتباع معاوية ، إذا به (أثناء بدايات الانقلاب على عثمان بن عفان) يقتل شخصًا (مولى له بعير) لم يذكر الطبرى اسمه ولم يذكر تفاصيل السبب الذى جعل الأشتر ((يضرب عنقه)) (الطبرى – ص 372)
وعثمان بن عفان (بعد أنْ بلغته أخبار بدايات التمرد عليه) قال له (عامر بن عبد قيس) أنّ أناسًا من (المسلمين) نظروا فى أعمالك فوجودك قد (ركبت) أمورًا عظامًا.. فاتق الله عزّ وجل وتب إليه. وانزع عنها (أى عن الخلافة) فقال عثمان لمن حوله : هذا الرجل يزعم أنه (قارىء) ثم يجيىء ويُـكلمنى فى (المُـحقرات) فوالله ما يدرى ((أين الله)) فسأله عامر: أنا لا أدرى ((أين الله)) ؟ فقال عثمان : نعم والله ما تدرى ((أين الله)) فقال عامر: ((بلى والله إنى أدرى أنّ الله بالمرصاد لك)) فجمع عثمان المُـقربين منه وسألهم (المشورة) فى هذا النص يتوقف العقل الحر أمامه ليتأمل دلالته 1- أنّ (عرب مسلمين) هم الذين عابوا على عثمان ارتكاب (الأمور العظيمة) بمعنى (الآثام العظيمة) 2- هؤلاء المُـعارضون لسياسة عثمان يطلبون منه أنْ ((يتقى الله)) وما مغزى تلك الجملة الخطيرة ، وهل لها معنى غير أنه لا يعمل بما أمر به (الله) ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فهل هناك معنى آخر غير أنّ (الإسلام) لم يُـغيّر من طبيعة عقليته البدوية / الرعوية التى كانت سائدة قبل الإسلام ؟ 3- مغزى ذلك الحوار (العبثى) والذى دار حول محور: (هل تعرف أين الله) ؟ ولما طال الحوار فإنّ عامر بن عبد قيس حسمه بقوله لعثمان ((والله إنى أدرى أنّ الله بالمرصاد لك))
نتج عن ذلك أنّ عثمان قرّر الاجتماع بحوارييه المُـقربين منه لأخذ (مشورتهم) فيما طالبه به المُـعترضون على سياسته ((بعزل عماله)) (؟!) فقال له عبد الله بن عامر: رأيى يا أمير المؤمنين أنْ تأمرهم بجهاد يُـشغلهم عنك.. وأنْ تــُـجمرهم فى (المغازى) فلا يكون همة أحدهم (أى اهتمام أحدهم) إلاّ نفسه وما هو فيه ((من دبرة دابته)) أى أنّ عبد الله بن عامر (أحد ولاة عثمان) من رأيه إبعاد هؤلاء المُـعارضين بتكليفهم فى الاشتراك فى الغزوات ، فيحصل على حصته من (الأنفال) نظير اشتراكه فى الغزو، وهو ما عبّر عنه بقوله (( الاهتمام بنفسه وما هو فيه من دبر دابنته)) وعندما جاء الدور على سعيد بن العاص قال ((يا أميرالمؤمنين إنْ كنتَ تريد رأينا فاحسم عنك الداء واقطع عنك الذى تخاف واعمل برأيى تصب)) فسأله عثمان : وما هو؟ قال سعيد ((إنّ لكل قوم قادة متى تهلك يتفرّفوا ولا يجتمع لهم أمر)) أى أنه يرى الحل فى التصفية الجسدية ل (قادة المٌـعارضة) ثم سأل عبد الله بن سعد الذى قال ((أرى يا أمير المؤمنين أنّ الناس أهل طمع.. فاعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم)) أى أنه يرى شراء ذمة المُـعارضين برشوتهم بالمال لأنهم (أهل طمع) وهنا ملاحظة أنّ أحد الذين استشارهم عثمان مع (التصفية الجسدية) وآخر مع الرشوة. وقال معاوية بن أبى سفيان : أشير عليك أنْ تأمر أمراء أجنادك فيكفيك كل رجل منهم ما قبله. وأكفيك أنا أهل الشام.. ولما جاء الدور على عمرو بن العاص قال ((أرى أنك قد ركبتَ الناس بما يكرهون فاعتزم أنْ تعتدل.. فإنْ أبيتَ (= رفضتَ) فاعتزم أنْ تعتزل فإنْ أبيتَ فاعتزم عزمًا وامض قـُـدمًا)) فقال عثمان ((ما لكَ (قمل فروك) أهذا الجد منك ؟ فاسكتْ عنه دهرًا)) وأعتقد أنّ كلام (= نصيحة أو مشورة) عمرو بن العاص فيه (مُـفاجأة) غير مُــتوقعة ، فهو الوحيد الذى نصح عثمان ب 1- العدل 2- الاعتزال إنْ لم يستطع تحقيق العدل ، أى ترك منصب الخلافة وهو قول خطير، عند وضعه داخل منظومة الخلافة الإسلامية التى لا تسمح ب (عزل) الخليفة الذى هو (خليفة الرسول والله) بل و((ظل الله على الأرض)) لذلك كان رد عثمان القاسى البليغ ((ما لكَ قمل فروك)) فهل لتلك الجملة معنى غير التحقير؟ وأنّ فرو رأس ابن العاص مليىء ب (القمل) ؟ لذلك عاد ابن العاص إلى رشده وقال لعثمان ((لا والله يا أمير المؤمنين.. أنتَ أعز من ذلك.. ولكن قد علمتُ أنْ سيبلغ الناس قول كل رجل منا فأردتُ أنْ يبلغهم قولى فيثقوا بى فأقود إليك خيرًا أو أدفع عنك شرًا)) (الطبرى – ص373، 374) والمفارقة أنّ ابن العاص كان أحد الذين تباكوا على عثمان وحكمه ورفعوا (قميص عثمان) الذى به برّروا الانضمام لجيش معاوية بن أبى سفيان ضد على بن أبى طالب وصاحب مؤامرة التحكيم الشهيرة ، وتلك من المُـفارقات التى يتغاضى عنها العروبيون والإسلاميون وأدعياء الليبرالية وأغلب الماركسيين (المصريين) المؤمنين ب (العروبة)
ولكن هذا التملق لعثمان لم يمنع التمرد عليه وعلى أتباعه ، فهذا سعيد بن العاص (أمير الكوفة) خرج أهل الكوفة عليه بالسلاح ((فتلقوه فردوه وقالوا لا والله لا يلى علينا حكمًا ما حملنا سيوفنا.. حتى يكون فيها دماء)) ثم قال حذيفة ((إنّ الرجل ليُـصبح على الإسلام ثم يمسى وما معه منه شىء ثم يُـقاتل أهل القبلة ويقتله الله غدًا فينكص قلبه فتعلوه إسته (مؤخرته) فلما رجع سعيد بن العاص إلى عثمان مطرودًا أرسل أبا موسى الأشعرى أميرًا على الكوفة)) وهنا يجب التوقف أمام جملة ((إنّ الرجل ليُـصبح على الإسلام ثم يمسى وما عليه منه شىء ثم يُقاتل أهل القبلة)) فهل هناك تفسير آخر غير أنّ الإسلام لم يُـغيّر من طبائع العرب ؟ لدرجة قتل أهل القبلة (أى المسلمين الموحدين) وعن استمرار آلية القتل فإنّ أتباع عثمان استشهدوا بحديث للنبى محمد قال فيه ((من خرج وعلى الناس إمام عادل ليشق عصاهم ويُفرّق جماعتهم فاقتلوه كائنــًا من كان)) وطبعًا كان هدفهم حماية عثمان من القتل.. ورغم ذلك : ((خرج الناس على عثمان وتكاثروا عليه ونالوا منه أقبح ما قيل (الأدق لغويًا نال منهم) وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون.. ليس فيهم أحد يُـنهى أو يذب إلاّ نفير زيد بن ثابت وكعب بن مالك وحسان بن ثابت.. فاجتمع الناس وكلــّـموا على بن أبى طالب.. فدخل على عثمان وقال له : الناس ورائى وقد كلــّـمونى فيك والله ما أدرى ما أقول لك وما أعرف شيئــًا تجهله.. ولا أدلك على أمر لا تعرفه.. إنك لتعلم ما نعلم.. وقد رأيتَ وسمعتَ وصحبتَ رسول الله.. ونلتَ صهره.. وما ابن قحافة (أبو بكر) بأولى بعمل الحق منك ولا ابن الخطاب بأولى بشىء من الخير منك.. وإنك أقرب إلى رسول الله.. فالله الله فى نفسك فإنك والله ما تــُـبصر من عمى ولا تعلم من جهل.. وإنّ الطريق لواضح بيّن وإنّ أعلام الدين لقائمة. تعلــّـم يا عثمان أنّ أفضل عبادة إمام عادل.. وإنى سمعتُ رسول الله يقول ((يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر، وليس معه نصير ولا عاذر، فيُـلقى فى جهنم كما تدور الرحى ثم يرتطم فى غمرة جهنم)) وإنى أحذرك الله وأحذرك سطوته ونقماته فإنّ عذابه شديد أليم وأحذرك أنْ تكون إمام هذه الأمة المقتول.. فإنه يُـقال : يُـقتل فى هذه الأمة إمام فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة.. وتلبس (= تلتبس) أمورها عليها ويتركهم شيعـًا فلا يُـبصرون الحق.. إلخ فقال عثمان : .... لقد وليتُ شبيهـًـا بمن كان عمر يُولى.. أنشدك الله يا على : هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة قد ولاه ؟ قال : نعم.. قال : فلمَ تلومنى إنْ وليتُ ابن عامر فى رحمه وقرابته ؟ قال على : سأخبرك أنّ عمر بن الخطاب كان كل من ولى قائمًا يطأ على صماخه إنْ بلغه عنه حرف جلبه (أى الشدة مع المُـفسدين) وأنتَ لا تفعل ورفقتَ على أقاربك.. قال عثمان : هم أقاربك أيضـًا.. فقال على : لعمرى إنّ رحمهم منى لقريبة.. ولكن الفضل فى غيرهم.. فقال عثمان : هل تعلم أنّ عمر ولى معاوية خلافته كلها (ولذا) وليته.. فقال على : أنشدك الله هل تعلم أنّ معاوية كان أخوف من عمر؟ قال : نعم.. قال على : أما أنت يا عثمان فإنّ معاوية يقطتع الأمور دونك وأنتَ تعلمها ويقول الناس هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية.. إلخ (الطبرى- من 374- 377)
فى هذا الحوار المهم بين عثمان وعلى فإنّ العقل الحر لابد أنْ يقف مُــتأملا قول على لعثمان عن الحديث الذى سمعه من الرسول حول الإمام الجائر، وعن مصيره يوم القيامة ((وليس معه نصير ولا عاذر فيُـلقى فى جهنم كما تدور الرحى.. إلخ)) ويقف العقل الحر- كذلك - مُــتسائلا : كيف يكون مصير عثمان جهنم وهو أحد العشرة المُـبشرين بالجنة ؟ خاصة وأنّ الوقائع كلها تؤكد أنه لم يعدل ، وبالتالى ينطبق عليه قول الرسول عن الإمام الجائر، أى الظالم؟ أما لو تم الوفاء بوعد دخول الجنة ، فإنّ العقل يتساءل من جديد : كيف ذلك رغم أنه لم يُـراع قواعد العدالة ؟ وهل (الله) سيعفو عنه ويُـدخله الجنة (وفقــًا لحديث محمد عن العشرة المُـبشرين بالجنة) ؟ أم سيُـدخله جهنم وفقــًا لحديث محمد عن الإمام الجائر؟ وبالتالى يتم سحب تأشيرة (دخول الجنة) تلك إشكالية لم يتعرّض إليها أحد (وفق قراءاتى) لا من الإسلاميين ولا من الماركسيين ، ومع ملاحظة أننى غير مشغول بمصير عثمان فى الآخرة ، وإنما انصرف عقلى إلى أنّ تاريخ عثمان وولايته فيها التأكيد على أنه كان أشبه بزعيم القبيلة فى الفترة التى نعتها محمد ب (الجاهلية) وبالتالى فإنه لا فرق بين (عرب ما قبل الإسلام) و(عرب ما بعد الإسلام)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (12)
- العرب قبل وبعد الإسلام (11)
- العرب قبل وبعد الإسلام (10)
- العرب قبل وبعد الإسلام (9)
- العرب قبل وبعد الإسلام (8)
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية
- الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (13)