أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عامر سليم - صديقي دانغوت الشيوعي














المزيد.....

صديقي دانغوت الشيوعي


عامر سليم

الحوار المتمدن-العدد: 4946 - 2015 / 10 / 5 - 09:01
المحور: سيرة ذاتية
    


في بداية تسعينات القرن الماضي شاءت الاقدار ان اكون في بلد افريقي في مهمة عمل لمدة اسبوعين فقط.. كان احد اعضاء الوفد من ذلك البلد الافريقي وكان من اقرب اصدقائي في شركة الانشاءات التي عملنا معها لسنوات وهوالذي سهل زيارتي التي لم افكر بها في يوم من الايام..كنا نعمل في مقر فرع الشركه هناك.. وفي الليل نجتمع في النادي الملحق بها لقضاء السهره ... في الليله الاولى جاء صديقي الى النادي مع رجل متوسط القامه يميل الى البدانه ..ذو بشره شديدة السواد لحد البريق وكانت ضحكته البريئه الهادئه تكشف عن اسنان غايه في البياض مما يجعلك ترتاح له من النظره الاولى.
غمز لي صديقي قائلا: اقدم لك صديقي دانغوت الشيوعي
ولجم دهشتي بعجل قائلا : حتى اسهل عليك الامر انه من الناس الذين ترتاح لهم....
تمتم دانغوت مبتسما بهدوء : نعم اسمي دانغوت و شهرتي هي الشيوعي علما انني لست شيوعيا!
بهذه البدايه الغريبه عرفت احد اجمل الناس الذين قابلتهم في حياتي انه دانغوت الشيوعي!
كان دانغوت طبيبا للاطفال يعيش في بلده قريبه من مقر الشركه يجيد الانكليزيه بطلاقه اضافة الى لغته المحليه ..طوال الاسبوعين اللذين قضيتهما في ذلك البلد كانت اجمل الاوقات حين يجالسنا ويشاركنا السهره لساعتين او ثلاثه ونحن نحتسي البيره المحليه المركّزه ونتحدث بمختلف الامور !
سألته يوما سؤال يحمله المواطن الشرق اوسطي معه اينما يحلْ !
دانغوت.... لماذا لاتهاجر؟ وانت تعاني من سؤ الاوضاع والخدمات وفقدان الامن و الدكتاتوريه والمليشيات في وطنك..!
اجابني بنظره لن انساها ماحييت .. ربما لانني طبيب قبل كل شئ!
كنت حينها على ابواب المراحل الاخيره من معاملة طلب الهجره بعد اكثر من ثلاث سنوات في اعداد الوثائق وترجمتها ومعادلتها وامتحان اللغه! لذا كان موضوع الهجره شاغلي الوحيد!
اضاف دانغوت بهدوء كهدوء تلك الليله التي ازدحمت بالنجوم والتي ذكرتني بلوحة فان كوغ الشهيره :

انا حصلت على شهادتي من بريطانيا وكان بأمكاني ان ابقى هناك بعد الدراسه ولكن حاجة الناس لي هنا اكبر من حاجتي ورغباتي الخاصه..(قالها وهو ينظر إلي بعينيه الصافيتين كالبلور).. اعلم انك هارب من اشرس دكتاتور في العالم وانا لا ازايد عليك !
ثم اضاف وهو يبتسم وكأنه يجاملني بطيبته الجميله.. ولحسن حظك انت مهندس!
وتابع قائلا..قد تكون ظروفك مختلفه... انا افهم حماسك وانت في المراحل الاخيره من معاملة الهجره التي تحدثني عنها بنشوة من يخرج من نفق مظلم وخانق.. ولكنني يا آمور(هكذا كان يلفظ اسمي الاول) لا اريد ان اكون معارضا انتهازيا يستثمر من مواقفه ..من السهل ان اهاجر او اطلب اللجوء واعيش هانئا مطمئنا مع عائلتي في الغرب وموقفي معروف بل ويكفي لقبي الذي اطلق عليّ ...الشيوعي.... واغلبهم لايعرف معنى الكلمه ولكنها تعني عندهم الانسان الطيب الذي يعيش بينهم ومعهم... اعالج الفقراء باجور رمزيه و اعالج المعدمين مجانا... تصور حتى هؤلاء يصرون على دفع الاجور ولو كانت قطعه نقديه لاقيمه لها يقدموها قائلين ..دانغوت نعلم انك شيوعي ولكن عليك ان تأخذ هذا لتبقى معنا ..كنت اخذها مبتسما وشاكرا حتى لا اجرح كرامتهم .. وانا ارى عيونهم الحزينه تتوسل بقائي معهم!
انا اعيش يوميا مع السؤال التالي.. ماهو الأنفع لفقراء وطني ان اعالج الاطفال ليكونوا اصحاء قادرين على بناء مستقبلهم ووطنهم ام معارض ثرثار يملأ الدنيا زعيقا وصراخا وتحليلا كما يفعل الكثير من اصدقائي المهاجرين!
لست ضد الصوت المعارض لكشف السّراق والفاسدين في وطني ولكن ان يتولى الجميع هذه المهمه ويغادر فمن سيبقى للوطن ولفقرائه وخصوصا عندما تكون مهنتك مهنه انسانيه.
عندما تحسبها بمسؤوليه اخلاقيه ستجد انني في الطريق الصحيح .. ثم ختم حديثه متنهدا...يا آمور انا لا اتحدث اطلاقا في السياسه حتى اتجنب الاعتقال وربما القتل من اجل ثرثره يعرفها ويعيشها الجميع لا اريد ان اخسر نفسي ويخسرني الفقراء! وها انت تجبرني على حديث السياسه لانكم مهووسين بها !
ضحكت وقلت له : كما تعلم عندما نجتمع مع الخمره لايروق لنا الحديث الا بالمواضيع الثلاثه المعروفه والمحرّمه في اوطاننا,السياسه ..الدين ..الجنس

بعد تلك الليله لم نتحدث بهذه الثلاثيه.. بل كنا نتحدث عن الادب والفن وحياة الناس وطبيعتهم..قبل ان تنتهي مهمتنا ونغادر البلد دعاني دانغوت على الغداء مع صديقي وقضينا يوما ممتعا وجميلا مع عائلته المكونه من زوجته التي تعمل معلمه في مدرسة البلده واطفاله الثلاثه كان بيته بسيطا ومبني قرب بيت العائله ..يحوي مكتبه كبيره اغلبها كتب اكاديميه وكان البيت يعج بالتماثيل واللوحات الافريقيه المختلفه حتى قلت له ساخرا لماذا لاتجعله متحفا! وهكذا ستكون صاحب عياده ومتحف!
عندما ودعته صافحته بحراره قائلا ..اتمنى ان نلتقي ثانية ( كنت اشك بانني سأراه ثانية واحسست انه يشاركني في شكّي)

مر عام وانا مشغول بترتيب حياتي الجديده في وطن المهجر..وفي ليله صافيه مطرزه بالنجوم تذكرته ..فكتبت له رساله..لم استلم منه جوابا ..فبعد هجرتي بشهور فقدت صديقي الذي كان يعمل معي في الشركه بحادث مؤسف!
ومعه فقدت صديقي دانغوت
دانغوت ذلك الشيوعي الحقيقي.... الذي لم يكن شيوعيا!









#عامر_سليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلمان بين الباروك والبربوك*!
- الليالي العربيه السوفياتيه
- ما سِرْ العَجّه.. في سوق الشورجه ؟
- * عين واحده .. ام عينانْ
- الاطفال احبابنا ..لا احباب الله
- ازمة الفكر بين الواقع العربي و المنظور الكوني.... ماهو الاخت ...
- المقامات البهلوانيه...... المقامه الثالثه
- القصر.... بين الوهم والقهر
- الى سامح ابراهيم حمادي...مع التحيه
- الى ليندا كبرييل....مع التحيه
- المقامات البهلوانيه......المقامه الثانيه
- مقامات الشاطر حسن البهلوان..... المقامه الاولى
- la putain (ولكن) *
- عامر .. ك
- حجي راضي يقرأ مقال!!
- نزهة المشتاق في اختراق النفاق!
- المعطف قراءه تفكيكيه بنيويه بسحاق لغوي!!
- كيف تطبخ مقالا ليبراليا أو نيوليبراليا


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عامر سليم - صديقي دانغوت الشيوعي