أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - بدوي في أمريكا 1















المزيد.....

بدوي في أمريكا 1


عبد القادر أنيس

الحوار المتمدن-العدد: 4944 - 2015 / 10 / 3 - 22:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بدوي في أمريكا 1
هذه السلسلة من المقالات هي عبارة عن قراءة في محاضرة لعائض القرني تحت عنوان (أمريكا التي رأيت)
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=19662&full=1
عائض القرني، داعية إسلامي سعودي .يصنف بأنه "صاحب منهج وسطي لأهل السنة والجماعة"، وهو من "أبرز رواد ما عُرِف بالصحوة في الثمانينات والتسعينات" .
هكذا عرفته ويكيبيديا.
http://urlz.fr/2tTS
لكن قراءة محاضرته وسيرته الذاتية تشهد على أن الرجل شيخ وهابي متطرف ظلامي بائس، لا يمت بصلة، لا للوسطية ولا للصحوة. وكيف يكون غير هذا وهو خريج تعليم ديني قروسطي يستحيل أن يتأهل المتعلم بعد أن يتشرب به حتى الثمالة لحياة متصالحة مع العصر ومقتضياته ولا مع أية وسطية أو صحوة، إلا أن تكون الصحوة هي صحوة أشباح الماضي الدموي البشع.
الموقع الذي نشر هذه المحاضرة، مكتوبةً ومسموعةً، حرص على التقديم لها بهذا الكلام: "بالرغم مما وصلت إليه أمريكا من التقدم العلمي، والتكنولوجيا الحديثة والماديات لكنها في علم الروح والأخلاق والقيم انحطت إلى الحضيض، وإن الناظر عن قرب في تلك البلاد يرى فيها انحلالاً خلقياً، واضطراباً نفسياً، وتفككاً اجتماعياً، واختلالاً أمنياً، وكل ذلك مؤذن ومؤشر بقرب زوال تسلطهم، وجبروتهم على العالم، وهذه المحاضرة تحكي رحلة الشيخ إلى أمريكا".
هكذا هي أمريكا والغرب بصفة عامة، في عيون بدوي وهابي مثل عائض القرني، بل في عيون كل الإسلاميين وغيرهم من المؤدلجين. وهذا بالذات ما حفَّزني على قراءة محاضرته، تحدوني رغبة قوية في التعريف بطريقة تفكير هؤلاء الناس الخطيرة والكيفية التي هيمنوا بها على العالم الإسلامي فأوصلوه إلى هذا الدرك الأسفل من الانحطاط والإرهاب والفوضى والتخلف والكذب والتدليس وهم يتصرفون كمن يرى الخشبة في عين الآخر ولا يرى الشعرة في عينه.
بدأ القرني محاضرته بإلقاء أبيات شعرية هي غاية في الغرور والتبجح:
ما زرتُ أمريكا فليـ ستْ في الورى أهلَ المزار
بل جئتُ أنظرُ كيف ند خل بالكتائب والشعار
لنحرر الإنسان من رِق المذلة والصغارْ
وقرارنا فتحٌ مجيـ ـدٌ نحن أصحابَ القرارْ
ورأيتُ أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسامْ
قد زادني مرأى الضلا ل هوىً إلى البيت الحرام
وتطاوَلَت تلك السنو ن فصار يومي مثل عامْ
ما أرضهم أرضاً رأيـ ـتُ ولا غمامهمُ غمامْ
هو إذن لم يأتِ أمريكا للسياحة والاعتبار بما حققته هذه البلاد وشعبها العظيم المبدع الخلاق المتفتح المضياف من إنجازات حضارية جبارة بعد أن تلاحمت فيها وتعايشت في سلام كل أعراق الدنيا ولغاتها. لم يحاول أن يعرف ولا أن يعتبر بأن في نيويورك مثلا نجد 36 في المائة من سكانها وُلِدُوا في الخارج، وفيها يتحدث الناس ما يقرب من 170 لغة مختلفة ويعبر 47.7 من سكانها عن أنفسهم بلغات غير الإنجليزية في بيوتهم ويقارن كل هذا مع عجز بلداننا عن إقامة دول ومجتمعات قابلة للحياة ينعم الناس فيها بالحرية والسلام.
https://fr.wikipedia.org/wiki/New_York
لكن هذا البدوي لم يكن معنيا بمعرفة أسرار كل هذا التحضر والتمدن والتعايش السلمي وقبول الاختلاف واعتبار التنوع ثراء جرّب الناس هناك جدواه، كما فعل رواد الحضارة العربية الذين أدركوا مدى الفارق الحضاري الذي يفصلنا عنهم وأدركوا بعضاً من أسرار تفوقهم ودعوا الناس إلى الأخذ عنهم كما يأخذ التلميذ عن المعلم. القرني جاء أمريكا متعاليا غازيا على طريقة أسلافه الذين غزوا البلدان لينشروا فيها عقيدة بدوية رِقِّية إقصائية. قال:
بل جئتُ أنظرُ كيف نَدْ خُل بالكتائب والشعار
لنحرر الإنسان من رِق المذلة والصغارْ
وقرارنا فتحٌ مجيـ ـدٌ نحن أصحابَ القرارْ
هنا لا بد أن أعترف بصدقه عندما يقول (بل جئتُ أنظرُ كيف نَدْ خُل بالكتائب والشعار)، ولو كان في منتهى السذاجة والجهل. هو صادق تشهد على ذلك الملايير التي تنفقها بلاده لنشر العقيدة الوهابية الإرهابية في أرجاء العالم عبر شراء الذمم وتشييد المراكز الإسلامية والمساجد وتمويل المشاريع الدينية بسخاء قل نظيره. وكانت نتيجة كل ذلك قد تُوِّجت بهجمات 11 سبتمبر بعد أن سبقها ولحق بها دمار شامل طال بلداننا المنكوبة بالفكر الديني الوهابي خاصة. لقد استغل الإسلاميون والوهابيون، ومازالوا، مساحات الحرية التي يتمتع بها الناس في الغرب تحت ظل مبادئ الحرية والديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان أبشع استغلال فجاءوا بكتائبهم من الدعاة الظلاميين ليغزوا تلك البلدان. لعلها كانت سِنَةٌ ونوم ألَمَّت بالغرب فدفع جراءها الثمن غاليا.
لكن لم أجد لتبجح القرني تفسيرا معقولا وهو يزعم أنه إنما جاء أمريكا ليتفقد كيفية إدخال الكتائب الوهابية وشعاراتها الظلامية، بغية تحرير الإنسان هناك من عبودية الذل والصَّغَار المفروضة على إنسان هذه الحضارة الغربية بعد أن انحرفت عن صراط الله المستقيم، وبغية إخراجه من الظلمات إلى النور، تماما مثلما فعل السلف الصالح قبل قرون عندما غزوا الشعوب و(حرروها) من الأكاسرة والقياصرة والفراعنة ولكن ليفرضوا عليها شريعة عنصرية ظلامية بدوية رقية لا تختلف عما سبقها.
ورغم سذاجة هذا البدوي، ورغم لا معقولية تبجحه، فإننا يجب أن نعترف أن الخطر الذي يمثله وأمثاله حقيقي وجدي على الحضارة الإنسانية دون أن يعني أنني أشك ولو للحظة في إمكانية تراجع العقل والعلم والديمقراطية والحرية أمام زحف البداوة والخرافة والجهل، مع أن الإسلاميين حققوا نجاحات معتبرة في بث الفوضى في العالم، ولكنها نجاحات لا يعود الفضل فيها إلى دهائهم وفطنتها ولا إلى سلامة عقيدتهم بقدر ما يعود إلى خلل كامن في عقيدة حقوق الإنسان نفسها، كما رأى، وبحق، المفكر جورج طرابيشي في مقالة تنبئية مبكرة:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=3311
الله، إذن، وحسب عائض القرني، هو الذي "أغدق عليهم من النعم"، "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
هكذا إذن يختزل القرني هذه الحضارة الإنسانية الراقية العجيبة بجرة قلم وبمنتهى الجحود. الله هو وراء كل هذه المنجزات الحضارية العملاقة. لكنه اختار الكفار ليغدقها عليهم، لحكمة أرادها وليس من حقنا التساؤل حولها، وأهمل خير أمة أخرجت للناس لحكمة أيضا. وطبعا لسنا في حاجة إلى أن نسأل القرني فيما إذا كان بمقدوره أن يقدم لنا إنجازا واحدا هبط من السماء، بل فكرة واحدة مفيدة جاءت بها الكتب السماوية وساهمت في ترقية حياة الناس في مأكلهم ومشربهم ومركبهم وصحتهم وراحتهم وتعايشهم السلمي وإدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية... العكس هو الصحيح طبعا. فما تحقق من تقدم في كل مكان إنما تم ضد إرادة قوى الدين الظلامية وفي ظروف قاهرة فرضها رجال الدين وهم يعارضون كل جديد باعتباره خرقا وتعديا لصلاحياتهم وتجاوزا لعلمهم المستمد من علم الله اللدنيّ.
أمريكا، إذن، لم تَحْظَ برضا القرني. لقد ظل طوال محاضرته يحن إلى قيم بداوته الإسلامية الكاذبة السائدة في بلده. هي كاذبة لأننا نعلم علم اليقين أن السعودية لا ولن تبلغ كعب أمريكا في كل شيء. ومن العبث أن نتحدث فيها عن حقوق الإنسان، سواء أكان هذا الإنسان مواطنا سعوديا يعيش حياته في حالة من القصور تجرده من أدنى حقوق المواطنة، ناهيك عن مختلف الحريات الغائبة تماما من حياة الناس هناك خاصة وضع النساء والمسحوقين من السكان، أما إذا كان مهاجرا فحالته هناك أقرب إلى العبودية، بينما ذهب القرني ليحرر الناس منها في أمريكا. والسعودية وعائضها وقرنيها هم أبعد الناس عن الحديث عن تحرير الناس وهدايتهم إلى الطريق المستقيم.
بهذه العقلية ذهب القرني إلى أمريكا. وهو في الحقيقة لم يذهب إلا بعد أن أذن له الله: (أمر الله عزَّ وجلَّ بالسير في الأرض، فقال: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ" [الأنعام:11] وقال سبحانه: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا" [محمد:10] وقال: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" [آل عمران:190].)
ومع هذا الترخيص الرباني فقد حرص هذا الشيخ الوهابي على التماس تبرير آخر لسفره مخافة أن يتهم بارتكاب جريمة السياحة إلى بلد الكفار:
قال "والسفر إلى البلاد الكافرة لثلاثة أسباب جائز:
السبب الأول: أن تطلب علاجاً ما وجَدْتَه في بلاد المسلمين.
السبب الثاني: وأن تطلب علماً ليس موجوداً عند المسلمين، كعلم التكنولوجيا، وعلم المادة الذي سبقونا فيه بمراحل.
السبب الثالث: وأن تدعو إلى الله على بصيرة، بشرط أن تكون واثقاً من إيمانك ومن دينك."
هذه هي الأسباب التي أجاز بها القرني رحلته إلى أمريكا، كما يزعم. وبما أن القرني لم يذهب للعلاج ولا ذهب لطلب العلم النافع فقد بقي السبب الأخير: ذهب يدعو إلى الله رأفة بالأمريكيين الذين يعانون "انحلالاً خلقياً، واضطراباً نفسياً، وتفككاً اجتماعياً، واختلالاً أمنياً".
يتبع



#عبد_القادر_أنيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى القرضاوي يريدها دولة ديمقراطية مدنية 3
- حتى القرضاوي يريدها دولة ديمقراطية مدنية 2
- حتى القرضاوي يريدها دولة ديمقراطية مدنية 1
- تشريح مقولات جنت علينا 6: لا يَصْلُحَ آخِرُ هذه الأمة إلاّ ب ...
- تشريح مقولات جنت علينا 5: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما ...
- تشريح مقولات جنت علينا 4: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) ...
- تشريح مقولات جنت علينا 3:- من رأى منكم منكرا فَلْيُغَيِّرْه ...
- تشريح مقولات جنت علينا (2): -الحمد لله الذي هداني للإسلام قب ...
- عبد القادر أنيس - كاتب علماني من الجزائر - في حوار مفتوح مع ...
- تشريح مقولات جنت علينا (1)
- عندما يتعاون الإسلامي والعلماني على ممارسة التجهيل
- الملياردير الأمريكي والصياد المكسيكي
- يريدون شواطئ إسلامية، هل نتركهم؟
- أفنان القاسم بين التنوير والتجهيل 3
- أفنان القاسم بين التنوير والتجهيل 2
- أفنان القاسم بين التنوير والتجهيل
- الثورات العربية 4: العصر العربي الجديد
- الثورات العربية: 3- فانوس علاء الدين
- الثورات العربية 2: علبة باندورا
- مساهمة حول الثورات العربية: يقظة سحرية، تصويت ميكانيكي (1)


المزيد.....




- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - بدوي في أمريكا 1