|
وصفة سحرية خلدونية للإصلاح الإقتصادي: الضرائب ، تحديد النسل والصناعة والأسعار
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 4944 - 2015 / 10 / 3 - 19:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( ق2 ف3 ) (ج ) وصفة سحرية خلدونية للإصلاح الإقتصادي: الضرائب ، تحديد النسل والصناعة والأسعار كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون الفصل الثالث : اجتهادات إبن خلدون لعصره وعصرنا الضرائب ، تحديد النسل والصناعة والأسعار الضرائب 1-- حين لا يتدخل السلطان بنفوذه فى التجارة والصناعة والزراعة ، وحين يكفُّ عن الظلم ، لا يبقى له من مورد إلا فى الضرائب . وهنا أيضا يتصدى له ابن خلدون بترشيد الضرائب أو الجباية . إنها نظريته الثاقبة التي طبقها ريجان وأشاد بها . تخفيف الضرائب مرتبط بتقليل دور الدولة فى النشاط الاقتصادى وتركها الناس ينتجون بدون تعقيدات حكومية وملايين الموظفين ، جالسين فى مكاتبهم يستنزفون ايراد الدولة ويسوغون لها فرض المزيد من الضرائب لإعالتهم ، وهذه الضرائب من عرق الكادحين ، وهي تعرقل عملهم وتُحبطه . ويرى ابن خلدون أنه أنه إذا قلت جباية الدولة قلت الوظائف الرسمية وقلت مصروفات الدولة وتشجع الناس على العمل فيكثر الإنتاج ويزداد العمران ، خصوصا مع قلة الغرامات ، والضرائب ، إلا أن تلك الضرائب المحدودة تتكاثر بزيادة الإنتاج وزيادة المنتجين أى زيادة عدد دافعى الضرائب . أما إذا زادت الضرائب والمغارم ضعفت عزائم الناس عن العمل ، لأن ناتج عملهم تأخذه الدولة ، فتتناقص الضرائب لقلة الإنتاج وتدهوره . ومع زيادة الضرائب على ذلك الإنتاج القليل الآخذ في التناقص يزاد العسف في تحصيل الضرائب وفي إزديادها مما يعجل بخراب العمران . . وهذا رأى رائع ، نتمنى تطبيقه فى مصر .!! 2 ـ ويضع إبن خلدون قواعد تربط بين مراحل الدولة وفرضها للضرائب ، فالدولة في بدايتها تكون بسيطة قليلة الإنفاق والمصاريف ، لا تعرف الترف ولاتفرض ضرائب كثيرة ، وحين تدخل في دول الترف تتكاثر مصاريفها ومشاكلها فتضطر لفرض ضرائب لتنفق منها على العسكر والحماية ، فيأتي الكساد والخراب . وتقوم دولة جديدة تبدأ عهدها بإلغاء الضرائب التي لا داعي لها . 3 ـ وفي موضع آخر يؤكد على أن وفرة الإنتاج تعني التصدير والتأنق والترف ، وبالتالي إزدهار الصناعات والحرف ( جمع حرفة ) . أو يقول أن العمل يعني المكسب والمعاش ، والمكسب الزائد يعني الإستثمار واقتناء الكماليات ، أما إذا تناقص العمران تناقص العمل وتناقص الإنتاج وتخربت المرافق من المياه وغيرها . تحديد النسل 1 ــ تناقص العمران أو زيادة العمران تعنى فى الرؤية الخلدونية تناقص أو تكاثر السكان . وواضح أنه يربط وفرة الانتاج بزيادة العمران أو زيادة عدد السكان ، هذا إذا عملوا وأنتجوا بلا تدخل من السلطان ( الدولة ) وبلا ظلم وبلا ضرائب باهظة . 2 ــ هنا يتلامس ابن خلدون مع قضية جدلية فى عصرنا ، هو ( تحديد أو تنظيم النسل ) التى لا وجود لها فى الدول المتقدمة القوية . ولكن تتبنى نظم الحكم المستبدة الفاشلة سياسة تحديد أو تنظيم النسل . ولكن الانسان فى حد ذاته أعظم ثروة ، وأعظم مورد للإنتاج ، هذا إذا تم ( تصنيعه ) بالتعليم الجيد وتم توفير المناخ المناسب له لكى يبدع وينتج ، فى مجتمع ديمقراطى عادل ، يحترم كرامة الانسان وحريته ، ويقف مع الفاشل حتى ينجح ، ويختفل بالناجح ليزداد نجاحه ، ويحتفى بالمتفوقين والعباقرة ويوفر لهم ما يحتاجون . 3 ــ العكس تماما فى النظم المستبدة التى يتحكم فيها فرد ومعه الملأ ، أو بتعبير ابن خلدون ( العصبية ) سواء كانت عسكرية ، أو حزبا يحتكر السلطة والثروة . هنا يفوز أهل الثقة المنافقون الذين لا يجيدون سوى الرقص فى مواكب المستبد وأعوانه ، وليس لديهم موهبة سوى فى النفاق ، بهذا النفاق يحتلون مكانة الخبراء ، بينما الخبراء المتخصصون يلقون التجاهل ، و يُعانون الفقر والاضطهاد لو تكلموا فى الاصلاح . فى هذه الحالة ينتشر الفقر ، وتنكمش الطبقة المتوسطة ، وتتعاظم الفجوة بين المترفين والفقراء . وبدلا من الاصلاح السياسى والاقتصادى والتعليمى بتأسيس دولة ديمقراطية حقوقية يلجأ المترفون الى تقليل أعداد الأغلبية الجائعة بسياسة تحديد أو تنظيم النسل . 4 ــ وكم كان ابن خلدون رائعا وهو يرى أن البديل عن تدخل الدولة فى الانتاج وظلمها هو كثرة السكان ، وكثرة الأيدي العاملة التي تجد المجال مفتوحا لأن تعمل وتنتج في دولة مستقرة عادلة . وهذا ما يبدو من خلال الربط بين كثرة السكان وكثرة الإنتاج في حديث إبن خلدون ، فهو يقول أن تفاضل المدن في كثرة الأرزاق والأسواق ناشئ عن كثرة العمران والسكان . وازدياد السكان مع كثرة العمل يعني زيادة الإنتاج ، وزيادة الإنتاج ينتج عنه فائض بقدر الزيادة السكانية والعمرانية ، ويتحول هذا الفائض إلى الرفاهية وإنتاج الكماليات والتصدير . هذا طبعا فى ظل نظام عادل . 5 - وقد جاءت تلك الآراء أو الوصفة الخلدونية ضمن نظرات ثاقبة تصلح لأن تكون قواعد عامة ، منها : أن بعض المدن تتخصص في بعض الصناعات وتشتهر بها . الترف يخلق أنشطة إقتصادية جديدة . تختلف الأقطار في أحوالها الإقتصادية مثل إختلافات المدن إقتصاديا . النشاط الإقتصادي أساس الإختلاف بين الريف والحضر . بإزدهار النشاط الإقتصادي في الريف يتحول إلى حضر. نوعية الحيوان في الرعي تحدد درجة التحضر لدى الرعاة ، وتحدد مدى تنقلهم قريبا أو بعيدا عن الحضر ، ولذلك كان العرب البدو أكثر خشونة وتخلفا لقدرة الإبل على التوغل بعيدا في عمق الصحراء. يقوم الحضر على أساس الكماليات بينما تقوم حياة البدو على الضروريات . الصنائع (الصناعة) : وعلى الرغم من موطنه الفقير في الصنائع ( الصناعات ) بالنسبة لمصر وغيرها فإن تقعيد إبن خلدون للصنائع يظل صالحا لعصرنا . وقد وضع في ذلك عدة قواعد منها : 1- العرب أبعد الناس عن الصنائع لأنهم أعرق في البداوة وأبعد عن التحضر وما يستلزمه من صنائع ، وفي المقابل ، فإن الصنائع ترتبط بازدهار العمران ، وعلى قدر العمران يكون التقدم في الصنائع والتأنق فيها ، وترسخ الصنائع برسوخ الحضارة وطول أمدها ، حتى لو تراجع العمران . وإذا تناقص العمران وتراجع الترف إكتفى المجتمع بالضروريات وقلت الصنائع وانتهت صناعات الترف مثل الجواهرجية والزخرفة . 2- تجود الصنائع إذا كانت مطلوبة ، ومن أتقن صناعة قل أن يتقن غيرها ، لأن الملكات صفات للنفس فلا تزدحم داخل النفس الواحدة ، فإذا بدأ الإنسان بفطرته بتعلم صناعة فإن نفسه تصطبغ بهذه الصناعة وتكون أضعف عن قبول غيرها، وينطبق ذلك على مجال الفكر والعلم .. . الأسعار : وقد وضع إبن خلدون عدة قوانين للأسعار جديرة بالإعتبار ، منها : 1- بالنسبة لعلاقة الأسعار بالعمران والضروريات والكماليات : إذا زاد العمران رخصت السلع الضرورية وارتفعت أسعار الكماليات ، وإذا نقص العمران إرتفعت أسعار السلع الضرورية ، وانخفضت أسعار الكماليات . لأن الكماليات لا يطلبها الجميع ولايعمل فيها الجميع. وإذا زاد العمران أصبحت الكماليات مطلوبة فلا يكفي المعروض منها حاجة الطالبين فتزداد الرغبة فيها ويعلو ثمنها ويرتفع . وإذا زاد العمران إنتعشت الصنائع وارتفعت أجور الحرفيين وانتعشت أعمال الحرف. والواضح أن هذه القوانين تشير لقانون العرض والطلب الذي بدأ به علم الإقتصاد في الغرب . 2- وفي موضع آخر يتحدث عن أجورالحرفيين وظاهرة التضخم عند كثرة العمران والترف . يقول أنه بكثرة العمران والترف تتحول الكماليات إلى ضروريات وترتفع أسعار الحرفيين مما يجعل الأسعار كلها ترتفع على قدر العمران ، ويحتاج رب الأسرة إلى دخل كبير ليغطي مصاريف أسرته ، مما يجعل من العسير على الفقير أن يعيش في تلك المدن . وهذه الحالة تنطبق على عصرنا الراهن . 3- وعن أسعار العقارات والمزارع : يقول أنها تتغير إذا أشرفت الدولة على الأنهيار ، لأن أصحاب الدولة المشرفة على الإنهيار يضطرون إلى بيع ممتلكاتهم لتتحول إلى ملاك آخرين ، يشترونها رخيصة ثم يعلو سعرها بعد ذلك ، وهنا يريح الإستثمار في العقارات في الشراء من أصحاب المجد الزائل ، ولكن بشرط ألا تمتد أيدي أمراء الدولة الجديدة إلى ذلك الإستثمار بالإغتصاب أوبشرائه بثمن بخس . وإيراد العقارات تكفي المعاش فقط ، وتكون مصدرا للدخل للذرية الفقيرة . وواضح أن هذه القواعد لا تزال سارية المفعول ، ويعرفها جيدا من عاش في مصر عبدالناصر. 4- ويقترب مرة أخرى من نظرية العرض والطلب في حديثه عن نقل السلع فيقول أن الأفضل نقل السلع متوسطة الجودة ، وقال أنه يرتفع ثمن السلعة المنقولة من مكان بعيد أو مكان خطر ، لأن حجمها يكون قليلا ، أي أن عرضها يقل فيرتفع سعرها ، ولكن حين تأتي السلعة بوفرة يكثر عرضها ويقل ثمنها . واقترن حديثه ذلك بالهجوم على الإحتكار وفسر شؤم الإحتكار على الزرع بأنه سبب حقد الناس على المحتكر للأقوات ، مع أن نظرية العرض والطلب التي أشار إليها هي التفسير الصحيح . 5- وفي النهاية يرى إبن خلدون أن رخص الأسعار يضر بالفلاحين والتجار ومن لهم علاقة بتلك السلعة التي يرخص سعرها ، وبالتالي يتأثر إيراد الدولة . وأعطى مثلا على ذلك برخص أسعار الحبوب وقلة دخل المنتجين والتجار وأصحاب المخابز ، ولكنه أكد على أهمية أن تكون أسعار الغذاء رخيصة لأنها سلع ضرورية للجميع . وترك المسألة معلقة . وقد رأت الدولة المصرية الحل لتلك المشكلة في تدعيم سعر الرغيف ، وأن تتحمل الفرق لتعويض من يقع عليه الضرر ولتحافظ على سعر الرغيف ليكون في متناول الفقير ، وألحقت بذلك نظام بطاقة التموين ، ولكن المشكلة في وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين ، والمواءمة بين سياسة الدعم وتحرير الأسعار وآليات السوق . كما أن الحكومة الأمريكية تقوم بدعم المزارعين ، وتشترى منهم فائض القمح لترسله مساعدات خارجية ، أو لتتخلص منه بإلقائه فى البحر . ونعود إلى إبن خلدون وهو يتحدث عن الغلاء الفاحش ويجعله ضارا أيضا بالناس ، حيث يقوم معاش الناس على التوسط والإعتدال ، ولا يستريحون لسرعة تغير الأسعار في السوق .
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وصفة سحرية خلدونية للإصلاح الإقتصادي: عدم تدخل الدولة فى الا
...
-
– إجتهادات خلدونية في إقتصاديات العمران ( علم العمران أو الإ
...
-
آل سعود : على دين الكذاب أبى هريرة
-
( ق2 ف3 ) أ إجتهادات سياسية لإبن خلدون سارية المفعول
-
رسالة الى الأحبة : عن التسجيل فى موقع أهل القرآن
-
( ق2 ف3 ) أ إجتهادات خلدونية في السياسة العمرانية (علم الاج
...
-
زوجة مردت على النفاق .!!
-
( ق2 ف3 ) عبقرية إجتهادات إبن خلدون في علم العمران (الإجتماع
...
-
سبحانك ربى .. هذا بُهتان عظيم .!! .الى متى يستمر تشويه الاسل
...
-
( ق2 ف3 ) : أخطاء خلدونية مختلفة
-
( ق2 ف3 ) أخطاء خلدونية منهجية
-
الاجتناب .. ولآخر مرة .!!
-
هذا الشيعى ( عبد الحسين )
-
بين الشورى والإستبداد في تاريخ المسلمين : قراءة سريعة
-
( ق 2 ف 2 ) التأثر الموضوعي فى المقدمة : في القضايا السياسية
-
التأثر الموضوعي في القضايا الإجتماعية : من ملامح التاريخ الإ
...
-
بيان من المركز العالمى للقرآن الكريم : الى متى يستمر قتل الح
...
-
( ق 2 ف 2 ) التأثر الموضوعي لابن خلدون فى المقدمة في القضايا
...
-
التأثر الموضوعي : المعارف الجغرافية بين المسعودي وإبن خلدون
...
-
ابن خلدون بين المنهج العقلى والصوفى
المزيد.....
-
معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
-
-مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن
...
-
تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة
...
-
اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
-
تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
-
تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ
...
-
المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
-
نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب
...
-
“محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام
...
-
سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|