أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - نعيم عبد مهلهل - ميثولوجيا الأهوار ... الأهوار في عيون المستشرقين والرحالة ...انصاف الآخر لسحر المكان















المزيد.....


ميثولوجيا الأهوار ... الأهوار في عيون المستشرقين والرحالة ...انصاف الآخر لسحر المكان


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 10:49
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


ـــ الحلقة العاشرة ـــ

(( تقدم الطيار بخطوات سريعة ووقف بجوار الرجل الأشقر موجها نظره إلى الرجال كبار السن ، قال : هذا هو مارسيل مود وينوي تأليف كتاب عن حياتكم يحمل عنوان ( أيام في الأهوار ) ..أبتسم أغلب الرجال وحركوا رؤوسهم بإتجاهات مختلفة.
بعد انقضاء ساعة من النهار كان حشد من الأولاد يسيرون خلفه يرفعون دشاديشهم قريبا من الأفخاذ وفي الأغلب كانت تظهر أعضاؤهم الذكرية متوترة تهتز يمنا وشمالاً ))
مقطع من رواية الهروب إلى اليابسة
للروائي العراقي محمد الحمراني

كانت آلهة سومر تفكر بذاكرة المكان أكثر مما تفكر بذاكرة الزمان لن المكان في الرأس السومرية مستقر الراحة وأبد الحلم كما في ( دلمون ) الفردوس المفترض الذي يتطلب الذهاب إليه مشحوفا ومرديا طويلا وكيس من أرغفة الخبز وبركات انو ..
كان انو شيخ الآلهة يجد في الماء مساحة السطوة والتفكير ومثلما كان النيل يحتاج قرابين العذراوات ليطفئ شهوة الآلهة بالرغبة إلى الجمال البشري . كان الفرات الذي يمد أجنحة السعة في جنوب العراق مع دجلة ليصنعا مسطحات الأهوار يحتاج إلى قرابين لنحصل على جدلية ميثولوجية أممية توزع تشابه الطقوس بين كل شعوب الأزل منذ نشوء الإشارة والكلمة وهو ما يعتقده الأثري ماكس مالوان الهاجس العالمي المشترك الذي قادنا لنبحث بين التراب عن تاريخ البشرية الأول . وقبل مالوان كان التبشير المسيحي يمتلك الرغبة للوصول إلى هذه الأمكنة ويحول أن يجري اتصالا مع شعب الأهوار ومنهم ما تعرض له المندائيين في سياق هذا القصد كما كلام ( إدموندو ليوبيري ) مؤلف كتاب المندائيون آخر المعرفيين : إن الراهب الدومنيكي ( ريكولدو بنيني )ربما يكون من أوائل المسيحيين الذين أتصلوا بالصابئة المندائيين في العراق عام 1290 م وكتب عنهم ما شاهده في العراق .
هذه المعلومة تؤسس في الذهن ملاحظة أن المكان كان مصدر رغبة الأستشراق حتى قبل الكثير من الأماكن وان رحلات ربما مجهولة الآن نظمت الذي لا يبدو أنه بعيد عن مستويات الوعي الحضاري كما يؤكده الباحث حسين الساعدي في مقالة له عن تاريخية الأهوار قوله : ((أصبحت الاهوار مركزا علميا يقصده طلاب العلم والمعرفة(من القرن السادس إلى القرن التاسع) المتمثل في المدرسة الحلية التي صدمت إمام حملة التفريس التي قام بها ملوك المغول وحافظت على الهوية العربية وساهمت في تطوير البحث العلمي ونمت في أجوائها العلوم الإسلامية من فقه وأصول وعقائد وفلسفة وأدب.
وللجزائر في البطائح دور تاريخي وعلمي بعد انهيار مدرسة الحلة لتحتل مكانتها العلمية في القرن العاشر والثاني عشر حتى أصبح المركز العلمي الأول في العالم الشيعي. وكان لدولة افرسياب دور مهم في تلك الفترة بتنمية العلوم والمعارف. واستقبلت الأهوار هجرة عربية واسعة منذ القرن الثالث الهجري حتى القرن الثالث عشر فأمست القبائل العربية بعاداتها وتقاليدها ومميزاتها الشخصية والاجتماعية والقيمة تمثل الشكل الحقيقي لسكان الاهوار إما الطبيعية الجميلة في الاهوار ))
وإذا عرفنا إن هذه الفترة كان المندائيون في اغلب تواجدهم السكاني يعيش في مدن البطائح التي هي مدن الأهوار . وما ذكره مالوان في مذكراته عن مشاعر رئيس البعثة ( اليوناردو وولي ) يؤكد طبيعة هذا القدم الأستشراقي عندما ذكر في كتاب مذكراته إن وولي كان منساق إلى الفكرة المرسخة في الذهن المسيحي
على قول التوراة من إن تارح والد النبي إبراهيم عليه السلام كان من ضمن سكان هذه المناطق وان وولي أجهد نفسه كثيرا ليثبت ذلك حتى انه في احد المرات تصور بترجمة أشارت في لوح لذلك إلا إنه لم يكن متأكدا فآثر الصمت .
لكن القرن العشرين وهو القرن البريطاني في العراق كان هو قرن التلاقي الحقيقي بين مناطق الأهوار والرحالة والمستشرقين ورجال الآثار الأجانب وقبلهم في العهد العثماني كان دور قناصل الدول الكبرى ( روسيا ، بريطانيا ، فرنسا ، ألمانيا ) الأكثر نشاطا في رؤية أستشراقية غير مكتملة فكريا إذ كان يغلب عليها جانب الاستفادة والنهب ومزاولة البيع والشراء في التراث العراقي فمع وثيقة الانتداب بدأت المس بيل ( العميلة البريطانية ) والسيدة التي بهرت أضواء المجتمع البغدادي ردحا من الزمن قبل أن تنتهي بحالها إلى الموت الرحيم ومن ضمن ما مارسته إدارتها للمتحف العراقي بعدما كانت تقتسم الملتقطات الثرية مع المكتشفين كما فعلته مع وولي في كشفه عن مقبرة أور المقدسة .
هذه المرأة كانت تمثل دليلا ومكان النصيحة لكل من يرغب بالكشف عن روح المجتمع العراقي ببيئاته المختلفة ومنها بيئة الأهوار .
كما أن خط سير العمليات العسكرية للجيش البريطاني وهو يغزو العراق ويحتله في الحرب الكونية الأولى كان يمر في هذه المناطق وشهدت ساحة العمليات العسكرية في مثلث البصرة ــ ناصرية ــ العمارة معارك ومناوشات كثيرة كان فيها لعرب الأهوار دور جهادي كبير ومنهم من ترك أيشان القصب والتحق مع المجاهد الكبير محمد سعيد الحبوبي ونال منى الشهادة في معركة الشعيبة وكان آل حيدر الذين سكنوا سوق الشيوخ وهي أحدى المدن الجنوبية الواقعة على حواف الاهوار وهي عائلة عربية لها مكانة أدبية ودينية أنجبت فطاحل الساسة والأدباء كالشيخ محمد حسن حيدر وآية الله أسد حيدر صاحب الكتاب الفقهي المهم ( الأمام الصادق والمذاهب الأربعة ) والشيخ الأديب والشاعر جميل حيدر يدفعون بأهالي الأهوار في مناطق القريبة من سوق الشيوخ وهي مدن الكرمة والطار والعكيكة والفهود وحتى بطائح الجبايش إلى المشاركة مع العلامة الحبوبي لصد التقدم الإنكليزي .
من هذه الوقائع التي ينبغي أن يفرد لها رؤى خاصة بدا اللقاء الأكثر سعة ومعايشة بين الذاكرة الأستشراقية أو العلمية أو الرحلات ومنطقة الأهوار بأهلها وطبيعتها وعاداتها الروحية والاجتماعية وكان معظم المؤلف عن حياة هؤلاء الناس المنتمين إلى الطبيعة بوعي فطري عجيب يتحدث عن طبائع البشر ونمط الحياة والتفكير الاجتماعي وطقوس وعادات سكان الأهوار ومنهم من ذهب إلى رؤى الاركولوجيا ومنهم من راح إلى أصول الديانة والتراث الروحي كما فعلت المستشرقة البريطانية ( الليدي دواروا ) في بحثها الجليل والمهم في التراث المندائي لطائفة الصابئة وهم من سكان الأهوار القدماء وكانت وهي تراقب حياة هؤلاء القوم تكتب مشاهدتها عن عموم حياة أهل الاهوار بشتى طوائفهم ومللهم ولها عن سكان الاهوار محاضرة في المعهد الملكي البريطاني تحدثت فيها عن طبيعة المكان وروح العادات والتقاليد وأشارت إلى الكثير من العادات وطقوس العيش والممارسات اليومية التي تتحدث عن نمط مميز وخصوصية جميلة من حياة هؤلاء الأقوام وقبل ذلك كانت دواروا قد تحدثت في كتبها ومحاضراتها عن نمط الوحدانية الأزلي والمميز لعبادات التي تجعل الماء روحا لتعميد ذاتها والتقرب إلى الواحد العلي وكانت مياه الاهوار كما في رؤى دواروا الأستشراقية تمثل المكان الملائم للحظة المندائية عندما تذكر إن طقوس الاغتسال وممارسات التعميد كانت في أزلها الأول قائمة على مياه تلك الأمكنة والمصنوعة من الفيضان الموسمي للنهرين الخالدين دجلة والفرات .
رؤى المستشرقة البريطانية مثلت في معظمها بحث عن أصول دين ولكنها استفادت كثيرا من المكان وعادات أهله بشتى أطيافهم رغم إن مجمل سني عيشها في مناطق الأهوار كانت في القرى والمدن المندائية الذين كانوا يعيشون في تعايش مسالم واخوي مع إخوانهم المسلمين وان اغلبهم كان في انتسابه القبلي ينتسب إلى قبيلة عربية .
من ضمن الذين قرأوا المكان وعاشوه اللورد ( كالفن ماكسويل ) الذي عاش سنينا في اهوار العمارة والناصرية وهو صاحب كتاب أستشراقي آخر يدعى ( لوردات الأطلسي ) الذي تعده المعارف البريطانية أنجيل الدراسات الأستشراقية وهو مكتوب عن حياة شعب جبال الأطلس في المغرب . لكن كتابه عن الأهوار هو ( قصبة في مهب الريح ) وهو نتاج فترة معايشة في خمسينيات القرن الماضي في قرى ومدن الأهوار وفيه موصوفات رائعة لمجمل الحياة ببسيطتها وتغيراتها وبفصول متعددة تتحدث عن مجمل طبائع الحياة الأهوارية كالصيد والزواج والطهور والعادات الاجتماعية والروحية والأسطورية .
كانت رؤية ماكسويل في كتابه تتمثل في البحث عن شكل الحياة بعمقها وكان يراقب ويسجل بإتقان لاسيما حين نعرف إن الرجل في مهمته الأصلية هو عميل للاستخبارات البريطانية كما مجايله ( لورنس ) الضابط الجاسوس في القسم العربي بدائرة القاهرة البريطانية والذي خرق بحصيلة استشراقية استخبارية أدبية في كتابه الشهير ( أعمدة الحكمة السبعة ) ورغم إن كالفن ماكسويل لم يشر إلى مهنيته وطبيعة ما أتى لجله لكنه كان أمينا ووفيا في الوصف والعجيب إن ماكسويل كان ( شاذا جنسيا ) كما ذكر الناشر في مقدمة الكتاب في طبعته الإنكليزية .
رؤى إستشراقية أخرى ظهرت في سيرة إبداعية أخرى للمكان كشفت قوة الوصف وانشداد إلى تفاصيل الحياة أبدعها رحالة أخر عاش بين هؤلاء القوم واغلبها في اهوار العمارة ليسجل نمطا حياتيا راعا وتصورا كونيا وروحيا عن ذاكرة ومعتقد هؤلاء البشر الذين يقتنعون بصيغ العيش رغم صعوبتها حيث كان ويلفر ويثسكر صاحب كتاب ( المعدان ) والذي عاش بيتهم لسبع سنوات بدءا من عام 1951 ليظهر بكتاب موسوعي عن نمط حياة وطقوس هذه الشريحة المهمة من سكنة الاهوار حيث كانت مشاعره الأولى في المعايشة والكتابة غامضة كقوله : (كان المعدان حين زرتهم أول مرة‚ متوجسين من العالم الخارجي) وثانية يقول في هذا الأتجاه : (كان كل شيء بدائيا وغير مريح‚ لكني مع ذلك كنت أشعر بالسعادة)..
وكتاب المعدان هو أول فهم أستشراقي لشعب يعتقد انه سليل أولئك الذين صنعوا مجد سومر وعظمتها ومنهم من قام بالتشكيك باصولهم الحضارية والرافدينية وقال إنهم بقايا من استقدمهم الحجاج والي الكوفة من الهند مع قطعان جواميسهم ليغير من طوبغرافية وديموغرافي المكان الثائر والمعاند والمتمثل في الثورة العلوية الشيعية ضد جبروته وتسلطه .
غير أن كتاب المعدان بروحه المستشرقة ووعي القصد فيه خلص إلا أن طبائع ( عرب الاهوار ) هي نمط مسالم من الهدئة الإنسانية وإنهم يفكرون بوعي المكان وطبائعهم تمثل طقساً حياتيا متوارثاً فيه من قيم المجتمع الأصيل الشيء الكثير :
(تعبت من مواصلة الاستماع إلى الحديث لصعوبة اللهجة , وقرَّرت أن اتأمل وجوه الحاضرين مندهشا بالفرق الواسع في الضخامة والبروز بين ملامحهم وملامح البدو العرب , هو ذات الفرق بين حصان العربة والحصان الأصيل ، كان من الصعب إصدار رأي تحت ظروف كتلك . يجلس كل رجل منهم ملتفا بعباءته معتمرا العقال السميك على الكوفية الموحدة في تلك المنطقة ، فوجئت بأنهم خفيفو الظل , مرحو الطباع , سلسوا الانقياد , ولكنهم , أستطيع أن أحدس ، سريعو الغضب شديدو التعنت حين يُستَفَزون .)
ظل ويثفرد يؤرشف حياة الناس هناك . كتب برح قلمه وبحيادية وترقب . أستشرق باطن ما يملكون وأقام آصرة الزمن لوحدانية هؤلاء وأعاد لهم روح وعي الاهتمام المفقود لديهم بسبب نأيهم عن المتغير بفعل أحقاد الحقب المظلمة منذ سيوف المغول وحتى دخول مود بغداد وكان الكاتب يضع فصولا من مراحل حياة وهو يدون طقوس الضيافة التي يتلقها من أسرهم الكريمة ووجهائهم ولو أن الوجاهة تقل في الاهتمام لن المعدان يشتركون بطبائع طبقية تكاد تكون واحدة من حيث السكن والملبس والمعيشة ورغم هذا كتب ويثسكر بإخلاص وإيمان وهو يستشرق يوميات القرية الأهوارية ويصف طقوس صباحاتها ولحظات صيد الأسماك والخنازير ورعي قطعان الجواميس .
لقد كان إلمام الكتاب بحياة أهل الأهوار كبيرا وكان هذا مدعاة سعادة لما كان الكاتب يتمناه في نهاية المطاف وهو يتآلف معه بمودته الكبيرة ووصفه الشيق لطبائعهم الجميلة والأصيلة :
(جلسنا على بُسُط مزركشة مفروشة وجلس الآخرون على الجانبين ، وضع المسلحون منهم البنادق أمامهم . انتبهت إلى وجود بُسُط جميلة موشاة بالذهبي والأزرق ، مركونة بعيداً بعد أستبدالها بالجديدة التي نجلس عليها . هناك صندوق خشبي مرصوف إلى الجدار عند نهاية الحائط . قرب المدخل يوجد زير فخاري مليء بالماء يستقرُّ على قاعدة خشبية . لم يكن هناك أثاث آخر . يحتل الموقد موقعا وسطا اقرب إلى الممر، وهناك أيضا بجانب النار مجموعة من أباريق القهوة أكبرها حجما بطول قدمين ، فيه تسكب ذبالات الأباريق الأخرى طبقاً للتقاليد العربية . والسائل القاتم يستخدم لملء بقية الأباريق . يجب أن تكون القهوة الطازجة في الإبريق الصغير معدة دائما قبل وصول الضيوف . يقوم رجلٌ مُسن يرتدي الدشداشة بلا عباءة بإ نضاج القهوة بدقة تتناسب ومهارته في تقدير الوقت .)..
لقد كان الرحالة ومستشرقي المكان ينظرون إلى طباع البشر بدقة عالية كما فعل الميجر هيجكوك في كتابه الحاج ريكان وهو يدرك إن في طبائع هؤلاء الناس ماهو مرتبط بذهن تاريخ المنطقة وخصوصيتها : لقد كانوا يصنعون عالمهم برغبة ما ورثوه مما كان والذي كان مجبولا على الفطرة والنبل والبساطة . لهذا فهم كانوا مثار إعجاب ضيوفهم الجانب في كل حين وكانوا يدركون حتى العمق الخرافي للرمز والشواهد وكانوا يذهبون إلى تصديق ما يعتقده الإنسان العادي كما يحدث في تدوينات المستشرقون والرحالة للجانب الخرافي من ذهنية عرب الأهوار كما في أسرار هور حفيظ وما تتناقله الحكاية من عجائب الجن والنيران المجهولة حتى انك تستطيع تشبيهه بمثلث برمودا فكل شيء يغيب فيه حتى اعتى الرجال .. وكنت قد أثرت مثل هذه الرؤى مع الباحث جبار الجوبيراوي في مؤتمر مثقفي العراق الأول بعد التغيير عافي نيسان عام 2005 في سياق اشتراكنا معا في ورشة التراث الشعبي وكان حديثا طويلا رأى فيه الجوبيراوي أن الذين أتوا من الغرب حدووا المكان برؤية المنذهل وعرج في تصوره عن حياة المندائيين في العمارة وقال انه طالما بحث ويفكر بتعميق بحوثه بشان المعايشة التاريخية والوجدانية لهم مع أهل الأهوار..
لتكون الكلمات التي عثرت عليها في مقالة من غير توقيع تمثيلا للنهاية الرائعة التي أوجدها كاتب سيرة عرب الأهوار (المعدان ) وهي حصيلة عمر وتمازج واختلاط ومعاشرة :
((ثيسكر سبق هيردال في التعرف على المعدان‚ بل أنه يختلف عن الجميع بصفته مواطنا كونيا عثر في المعدان على أهله‚ أبطال روايته التي سيكتبها فيما بعد ليتأكد من أنه كان حيا يوما ما‚ لقد انفتح أمامه باب الجنة حين انزلقت قدماه على أول مشحوف (زورق) جاب به الأهوار‚ والتي صارت له فيما بعد الوطن الذي يضم بين ثنيات عاطفته حقيقة الكون‚ حين أصبح ثيسكر طبيبا طوال الفترة التي قضاها هناك وهو الذي لم يدرس الطب فانه كان يستجيب لنداء قدره و جزء من إرادة أدرك أنه لا يقوى على عصيانها‚ إرادة وضعت بين يديه الشفاء لآلاف المبعوثين من الألم‚ كان ذلك الألم طريقه إلى المخيلة الجمعية التي صنعت منه وعدا‚
انضم ثيسكر إلى قائمة الرسل في ذاكرة المعدان‚ فصارت الحكايات التي توارثتها أجيالهم لا تخلو من ذكر له‚
وهو الذي لم يكن يحلم إلا في الذهاب إلى تلك التلال البعيدة التي يظن المعدان أنها المكان الذي خبأت فيه الجن كنوز القارات الغاطسة‚ حين محيت الاهوار بتجفيفها في تسعينيات القرن الماضي ذهب شعب كامل إلى العدم‚ ومعه اختفت الغرانيق واللقالق ودجاج الماء وطيور الوقواق والزرازير والبجع وكلاب الماء والخنازير والإوز والبط‚ كان شعبا ساهرا على أبجدية الطبيعة‚ ولذلك كتب ثيسكر في (المعدان) ما لا نعرفه عن الحياة المحتملة )) ..
أنهم يوثقون عالم ينفتح على أبديته بسعة . العالم القرمزي المليء بأضواء الانبهار إلى طبيعة هي تخبئ من سحرها شيء . واضحة وعميقة ومفكرة . طبيعة كشف فيها الرحالة صفات بذرة النقاء والقناعة بما يأتي أي كان فالرضى هو ما نمتلكه إزاءه . إنها ذات القناعة القديمة التي سكنت الرأس السومرية عندما تفرض عله الطقوس أن يذهب حيا ليسلس سرمدية السيد الميت في قبوه كما وجودهم في قبو ملوك سلالة أور الثلاثة وما حواه القبر 800 للأميرة السومرية ( بو آبي ) المسماة خطأً الاميرة شبعاد المقترنة بسمعتها الأممية بقيثارتها الجميلة وقد وصف مشهد موت الرغبة والقناعة لأولئك البسطاء ماكس مالوان ..وكان وصفا أدبياً رائعاً في الصفحة 52 من المذكرات : (( (كان مشهد المقبرة الملكية رائعاً عندما كنا نعمل جميعاً. وأذكر أن أحد القبور الملكية ضم ما لا يقل عن 74 شخصاً دفنوا أحياء في قاع المهوى الملكي العميق. بدأ عندما كشفنا سجادة ذهبية اللون مزينة بأغطية الرأس لسيدات البلاط، متخذة أوراق شجرة الزان، وعليها آلات القيثارة والقيثارات (Harps and lyres) التي عزفت الترنيمة الجنائزية إلى النهاية).
الإنكليزي ( غافن يونغ ) له حصة في هذه المعايشات اللذيذة مع الهور وعالمه وأهله وكان قد جاب قبل رحلة الأهوار سفر صحراوي في الجزيرة العربية لكن عمله الجديد في مؤسسة الموانئ العراقية التي كانت بإدارة بريطانية قادته ليعيش هذا العالم ويحبه أيما حب ليخرج بحصيلة كبيرة عن هذا العالم وجذوره في كتابه ( العودة إلى الأهوار ) والصادر مترجما عن دار المدى والكتاب يتحدث عن حصيلة مدهشة من سني المعايشة والزيارات المتكررة التي قام بها الكاتب ليتحدث بلغة أدبية رائعة عن المكان وطبيعته منذ عهود سومر الأولى وحتى موت صديقه الوفي والشخصية الدينة المبجلة في اهوار العمارة وقصاباتها السيد ( سروط ) زمن طويل جابت فيه ذاكرة يونغ أعماق هذا العالم ورسمت كل تصورات ما كان وسيكون ومنها قلقه على المكان جراء وقائع حرب السنوات الثمان بين العراق وإيران وكان أوارها في عودة أخيرة له للمكان الذي تحدث عنه في محاضرة ببلده (( إن الصدفة وحدها من قادته إلى عالم الحلم الخضر ، عالم القصب والطيور وانيات الحسنة )).
ظلت رؤى الرحالة والمستشرقين تنقب في المكان وتحرص على كشف أسراره وإظهار لب معدنه وظلت الأهوار بغرابتها وبساطة الحياة وتميزها تمثل جدلا لعالم تعرض إلى الكثير من مذابح البيئة والبشر إلا أن المكان مهما عدلت في هيئاته وغيرت يبقى يفضل الانتظار لعودة أخرى وكان الكتب التي سطرها الجانب الغرباء كفيلة بأن تصبح شموع أمل عجز عن إذكاء نار أحلامها أهل البيت لهذا بدت الأهوار بأقلام الرحالة والمستشرقين أكثر إشراقاً وحتى ثراءً في المعلومة والكشف والتقييم ...



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثوب المسيح أكمامهُ قصيرة ..ثوب المطر أطول قليلاً
- بالرمل لا بالخيمة تلوذ الحياة
- عود الفارابي
- دمعة رامبو
- ميتافيزيقيا خد الوردة ونباح الكلب
- مديح بنزيف الخاصرة ..تيه الذاكرة والجسد
- ميثولوجيا الأهوار ..طبيعة تستغيث وأحلام عودة المياه الى أزله ...
- المعدان عرب الأهوار زادهم الفطرة والتشيع والكرم
- قبعة مكسيكية ..وموسيقى موزارتية ..وشاي مهيل
- سيف المتنبي
- ميثولوجيا الأهوار..الأهوار والمندائيون ..خليقة تعود الى آدم ...
- عين المعري
- ميثولوجيا الأهوار ..تجفيف الأهوار ..تجفيف لأحلام الأنسان وال ...
- ميثولوجيا الأهوار..الهور ..المكان طوبغرافيا وعناصر الحياة
- هل كنا نحتاج الى يولسيس ..وهل كانت بغداد إيثاكا..؟
- الموسيقى السومرية ..الروح أولاً
- الثقافة العربية _الأسبانية ..رؤية من خلال المنظور التأريخي
- فرنسا والعرب من نابليون وحتى جاك شيراك
- عن الضوء الذي يبعث شهوته الى كل ذكور العالم
- مشوار مع حنجرتي لطيفة التونسية وصديقة الملاية


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - نعيم عبد مهلهل - ميثولوجيا الأهوار ... الأهوار في عيون المستشرقين والرحالة ...انصاف الآخر لسحر المكان