أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (12)















المزيد.....

العرب قبل وبعد الإسلام (12)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4942 - 2015 / 10 / 1 - 11:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العرب قبل وبعد الإسلام (12)
طلعت رضوان
هل الملوك والرؤساء العرب فى عام 2015 الميلادى يختلفون عن عرب ما قبل الإسلام ، بل عرب ما بعد الإسلام ؟ الإجابة يُـقأدّمها هذا المشهد الذى رواه الطبرى حيث كتب : حـدّثنى فلان عن فلان عن عبد الرحمن بن عبيد أبى الكنود قال : مرّ عبد الله بن عباس على أبى الأسود الدؤلى فقال : لو كنتَ من البهائم كنتَ جملا.. ولو كنتَ راعيَا ما بلغتَ من المرعى.. ولا أحسنتَ مهنته فى المشى . قال : فكتب أبو الأسود الدؤلى إلى على بن أبى طالب : أما بعد فإنّ الله جلّ وعلا جعلك واليًا مؤتمنـًا (وراعيًا)... إلى أنْ قال : إنّ ابن عمك (عبد الله بن عباس) قد أكل ما تحت يديه بغير علمك فلم يسعنى كتمانك.. فانظر رحمك الله واكتب إلىّ برأيك (الطبرى- تايخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلمى للنسر- بيروت – لبنان- ج4- ص108)
وهذا النص يطرح على العقل الحر أسئلة وعدة افتراضات 1- لماذا وصف عبد الله بن عباس (ابن عم على وابن عم النبى محمد وراوى أحاديث عن محمد ومُـفسر للقرآن) أبى الأسود الدؤلى بأنه مثل (البهائم) ؟ وهل تلك النظرة للإنسان تختلف عن نظرة (عرب الجاهلية) ؟ ولماذا يكون احتقار الكائن الحى (الجمل فى الخبر) ؟ وما ذنب الكائنات الحية غير العاقلة لتكون مجالا لإزدراء الإنسان ؟ كما فعل ابن عباس 2- لماذا كتب أبو الأسود الدؤلى إلى على بن أبى طالب عقب إهانة ابن عباس له ؟ والسؤال بصيغة أخرى : لماذ لم يكتب قبل الإهانة التى تعرّض لها عن نهب ابن عباس لما تحت يديه من أموال ؟ والسؤال بصيغة ثالثة : لو أنّ ابن عباس لم يشتم أبى الأسود الدؤلى ، فهل معنى ذلك أنّ الأخير كان سيظل على صمته وعلى سرقة مال (المسلمين) لصالح ابن عباس ؟ والسؤال بصيغة رابعة : لماذا لم يتحرّك (ضمير) أبى الأسود الدؤلى قبل تعرضه للشتيمة والإهانة من ابن عباس ؟
أرسل على بن أبى طالب خطابـًا إلى ابن عباس يسأله فيه عن الأموال التى تحت يديه (ولم يُخبره برسالة أبى الأسود الدؤلى) فكتب إليه ابن عباس : أما بعد فإنّ الذى بلغك باطل وإنى لما تحت يدى ضابط قائم له وحافظ ، فلا تــُـصـدّق الظنون والسلام . فكتب إليه على بن أبى طالب : أما بعد فأعلمنى ما أخذتَ من الجزية ومن أين أخذت وفيم وضعت . فكتب إليه ابن عباس : أما بعد فقد فهمتُ تعظيمك (مرزأة) ما بلغك إنى رزأته من مال أهل هذا البلد ، فابعث إلى عملك من أحببتَ فإنى ظاعن عنه والسلام . ثمّ دعا ابن عباس أخواله بنى هلال بن عامر فجاءه الضحاك بن عبد الله وعبد الله بن رزين.... ثمّ اجتمعتْ معه (قيس) كلها فحمل مالا.. وقال أبو زيد وقال أبو عبيدة : كانت أرزاقا (هكذا !!) قد اجتمعت.. فحمل معه مقدار ما اجتمع.. فبعث (الأخماس) {أى وفق ما نصّ عليه القرآن فى سورة الأنفال} كلها فلحقوه بالطف (مكتوبة هكذا وربما الطبرى يقصد الطائف) فتوافقوا يُريدون أخذ المال . وبعد تفاصيل كثيرة عن آراء رؤساء بعض القبائل حول توزيع هذا المال المنهوب (الأنفال) لم يتم حسم الأمر، فانصرفوا ومضى ابن عباس ومعه نحو عشرين رجلا (من أتباعه والمُـقربين منه) حتى وصلوا مكة. ثم رجع إلى البصرة وقال عن المال الذى تحت يديه ((هى أرزاقى)) والأدق لغويَا (هو رزقى ، نسبة إلى المال وليس هى) وهكذا يتم تبرير النهب المُـنظم على أنه (أرزاق) وهبها له (الله) وفق الإيمان بميتافيزيقا الإسلام ((وترزق من تشاء بغير حساب)) (آل عمران/28)
وبعد عدة مراسلات بين على وابن عمه ابن عباس ردّ الأخير قائلا ((والله لإنْ ألقى الله بما فى بطن هذه الأرض من عقيانها وبطلاع ما على ظهرها أحب إلىّ من أنْ ألقاه وقد سفكتُ دماء الأمة (إشارة إلى الصراع بين على ومعاوية والحروب التى دارتْ بينهما) وجمع ابن عباس ما كان قد تبقى من أموال بيت المال ويقدر بستة ملايين درهم.. وعندما وصل إلى مكة كتب رسالة إلى على بن أبى طالب قال له فيها : إنّ حقى فى بيت المال لأعظم مما أخذتُ منه)) (يقصد اختلس منه) ولم يكتف بذلك وإنما هـدّد ابن عمه والخليفة الشرعى قائلا ((لئن لم تدعنى من أساطيرك لأحملنّ المال إلى معاوية يُـقاتلك به)) فهل هناك تبجح أكثر من ذلك ؟ ومِنْ مـَنْ ؟ من ابن عم على وابن عم محمد و(حبر الأمة الإسلامية)
ومن الدروس المهمة فى التاريخ العربى/ الإسلامى ظروف وتفاصيل مقتل على بن أبى طالب ، فذكر الطبرى عن فلان عن فلان أنّ ابن ملجم وأصحابه فلان وفلان اجتمعوا وتذاكروا أمر الناس وعابوا على ولاتهم . ثم ذكروا أهل (النهر) وترحـّـموا عليهم ، وقالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئــًا.. إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم الذين كانوا لا يخافون فى الله لومة لائم.. فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتـلـهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم إخواننا.. فقال ابن ملجم : أنا أكفيكم على بن أبى طالب . وقال البرك بن عبد الله : أنا أكفيكم معاوية بن أبى سفيان . وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص . فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذى توجـّـه إليه حتى يقتله أو يموت دونه. فأخذوا أسيافهم (الأدق لغويًا سيوفهم) فسموها (أى غمسوها فى السم) وتواعدوا فى سبع عشرة من رمضان أنْ يثب كل واحد منهم على صاحبه الذى توجـّـه إليه. فأما ابن ملجم المرادى فكان عداده فى كمده فخرج فلقى أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهة أنْ يُـظهروا شيئــًا من أمره فإنه رأى ذات يوم أصحابــًا من (تيم الرباب) وكان على بن أبى طالب قتل منهم (يوم النهر) عشرة فذكروا قتلاهم ولقى يومه ذلك امرأة من (تيم الرباب) يُـقال لها (قطام) وقد قـُـتل أبوها وأخوها (يوم النهر) وكانت فائقة الجمال فلما رآها ابن ملجم التبستْ بعقله ونسى حاجته التى جاء لها.. ثم خطبها.. فقالت : لا أتزوّجك حتى تشفى لى.. قال : وما يُـشفيكِ ؟ قالت : ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل على بن أبى طالب.. قال : هو مهرٌ لك.. فأما قتل على فلا أراكِ ذكرته لى وأنت تــُـريدينى.. قالت : بلى ألتمس غرته.. فإنْ أصبتَ شـُـفيتْ نفسك ونفسى.. ويُـهنئك العيش معى.. وإنْ قـُـتلتَ فما عند الهش خير من الدينا وزينتها وزينة أهلها.. قال : فوالله ما جاء بى إلى هذا المصر (أى تيم الرباب) إلاّ قتل على.. فلكِ ما سألتِ.. قالت إنْ أطلب لك من يسند ظهرك ويساعدك على أمرك.. فبعثتْ إلى رجل من قومها من (تيم الرباب) يُـقال له وردان.. فكلمته فأجابها.. وأتى ابن ملجم رجلا يقال له (شيب بن بجرة) فقال له : هل لك فى شرف الدنيا والآخرة ؟ قال : وما ذاك؟ قال : قتل على بن أبى طالب . قال : ثكلتك أمك.. لقد جئتَ شيئــًا إدًا.. كيف تقدر على على ؟ قال : أكمن له فى المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه.. فإنْ نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا.. وإنْ قـُـتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها.. قال : ويحك لو كان غير على لكان أهون علىّ.. قد عرفتُ بلاءه فى الإسلام وسابقته مع النبى.. وما أجدنى أنشرح لقتله. قال : أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين ؟ قال : بلى . قال : فنقتله بمن قتل من إخواتنا . فجاؤوا (قطام) وهى فى المسجد الأعظم مُـعتكفة.. فقالوا لها : قد اجمع رأينا على قتل على.. قالت : فإذا أردتم ذلك فأتونى.. ثم عاد إليها ابن ملجم فى ليلة الجمعة التى قــُـتل فى صبيحتها على بن أبى طالب سنة 40 هـ فقال هذه الليلة التى واعدتُ فيها صاحبىىْ أنْ يقتل كل واحد منــّـا صاحبه.. فدعتْ لهم بالحرير فعصـّـبتهم به. وأخذوا أسيافهم (سيوفهم) وجلسوا مقابل السـُـدة التى يخرج منها على.. فلما خرج منها ضربه (شيب) بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق وضربه ابن ملجم فى قرنه بالسيف وهرب وردان حتى دخل منزله.. فدخل عليه رجل من بنى أبيه وهو ينزع الحرير عن صدره. وقال : ما هذا الحرير والسيف ؟ فأخبره بما كان.. فجاء بسيفه فعلا به وردان حتى قتله وخرج (شيب) نحو أبواب كنده فى الغلس.. وصاح الناس.. فلحقه رجل من حضرموت يُـقال له (عويمر) وفى يد (شيب) السيف فأخذه وجسم عليه الحضرمى.. فلما رأى الناس قد أقبلوا فى طلبه وسيف (شيب) فى يده خشى على نفسه.. فتركه. ونجا (شيب) فشدوا على ابن ملجم فأخذوه وضربه رجل بسيفه فصرعه.. وقبل أنْ يموت قال له على : أى عدو الله.. ألم أحسن إليك ؟ قال : بلى.. قال : فما حملك على هذا ؟ .. إلخ
أما (البرك بن عبد الله) فإنه فى تلك الليلة التى ضـُـرب فيها على ، قعد لمعاوية.. فلما خرج ليُـصلى شدّ عليه بسيفه فوقع السيف فى إليته (= مؤخرته) فأمر به معاوية فقـُـتل ثم طلب طبيبًا.. إلخ.. وأما عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج وكان اشتكى بطنه. وأمر خارجة بن حذافة ليصلى بالناس.. فرأى عمرو بن بكر فضربه وقتله (الطبرى – مصدر سابق – من ص 110- 114)
هذا المشهد المأساوى يضع أمام العقل الحر الأسئلة والافتراضات التالية 1- هل نجاح ابن ملجم فى قتل على بن أبى طالب ، مع فشل (البرك بن عبد الله) فى قتل معاوية وفشل عمرو بن بكر فى قتل عمرو بن العاص كان (مصادفة) أم أنّ الرواية فيها تفاصيل خافية ولم تصل إلى الطبرى وغيره من المؤرخين ، ولماذا تم إخفاء تلك التفاصيل ؟ 2- لماذا لا يكون ما حدث مؤامرة مُـحكمة للتخلص من على بن أبى طالب ؟ وتجميل المشهد بحبكة (بوليسية) بالترويج لحكاية أنّ الهدف لم يكن التخلص من على وحده وإنما كان الهدف يشمل معاوية وعمرو بن العاص ؟ 3- لماذا جاءتْ ضربة السيف فى مؤخرة معاوية وليست فى صدره أو رأسه ؟ 4- هل وجع بطن عمرو بن العاص مُبرّر مُـقنع لعدم خروجه للصلاة بالناس ؟ 5 – ما تحليل عقلية ونفسية الفتاة (قطام) التى طلبتْ من ابن ملجم قتل على بن أبى طالب ، حتى تــُـوافق على الزواج منه ؟ ولماذا اشترطتْ أنْ يأتيها ب (غرته) ؟ والغرة فى قواميس اللغة العربية ((أول الشىء وأكرمه)) وغرة الرجل (ناصية وجهه) أى أنها طلبتْ رأس على بن أبى طالب . ومغزى قولها أنّ قتل على سوف يشفيها ، فكيف يكون قتل الإنسان (حتى ولو كان من الخصوم) السبيل إلى شفاء الروح أو الجسد ؟ فلماذا كل هذا الانحطاط الأخلاقى ؟ 6- وهل ابن ملجم قتل على تلبية لطلب الفتاة (قطام) ؟ وكيف يستقيم ذلك مع أنه هو الذى اقترح قتل على ومعاوية وابن العاص ؟ 7- أنّ القتل تمّ فى شهر رمضان (شهر الصيام لدى المسلمين والذى يقول عنه المأثور العربى/ الإسلامى انّ ((الشياطين تكون محبوسة فيه فلا تخرج للوسوسة فى عقول الناس وصدورهم بفعل الشر)) وهل تلك العقلية تختلف عن عقلية (عرب ما قبل الإســلام) ؟
ويُـواصل الطبرى سرد ما حدث فكتب أنّ معاوية بن أبى سفيان عندما بلغه نجاة عمرو بن العاص كتب إليه : وقتلٌ وأسباب المنايا كثيرةٌ / منية شيخ من لؤى بن غالب/ فيا عمرو مهلا إنما أنت عمه/ وصاحبه دون الرجال الأقارب/ نجوتَ وقد بلّ المرادى سيفه/ من ابن أبى شيخ الإباطح طالب/ ويضربنى بالسيف آخر مثله/ فكانت علينا تلك ضربة لازب/ وأنتَ تــُـناغى كل يوم وليلة/ بمصرك بيضـًا كالظباء السوارب)) وعندما وصل خبر مقتل على إلى عائشة زوجة محمد سألتْ من قتله ؟ قالوا لها : رجل من مراد . قالتْ : فإنْ يك نائيًا نعاه / غلامٌ ليس فى فيه (= فمه) التراب . فعاتبتها زينب بنت أبى سلمة وقالت لها : ألعى بن أبى طالب تقولين هذا؟
وقال ابن مياس المُرادى : ((ونحن خلعنا مُـلكه من نظامه/ بضربة سيف إذْ علا وتجبّرا / ونحن كرام فى الصباح أعزة/ إذا الموتُ بالموت ارتدى وتأزرا)) وقال يمتدح الفتاة (قطام) التى طلبتْ رأس على بن أبى طالب ((ولم أرَ مَـهرًا ساقه ذو سماحة/ كمهر قطام من فصيح وأعجم/ ثلاثة آلاف وعبد وقينة/ وضربُ على بالحسام المُـصمّم/ فلا مَهر أغلى من على وإنْ غلا / ولا قتل إلاّ دون قتل ابن ملجم)) أما أبو الأسود الدؤلى (المُـتعاطف مع على) فقال ((ألا أبلغ معاوية بن حرب/ فلا قرّتْ عيون الشامتينا / أفى شهر الصيام فجعتمونا / بخير الناس طـُـرًا أجمعينا / قتلتم خير من ركب المطايا / ورحـّـلها ومن ركب السفينا))
وبعد مقتل على جاء الدورعلى ابنه الحسن الذى طالب بالخلافة. وقيل أنّ أول من بايعه (قيس بن سعد) ثم بايعه الناس... واستخلف أهل العراق الحسن على الخلافة. وكان الحسن يرفض القتال... ولكنه يُريد أنْ يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل فى الجماعة. وعرف الحسن أنّ قيس بن سعد (الذى سبق أنْ بايعه) لا يُوافقه على رأيه فنزعه (أى أسقط عنه بيعته بالخلافة) وأمـّـر عبد الله بن عباس (أى بايع عبد الله بن عباس) فلما علم الأخير بالذى يُريد الحسن أنْ يأخذه لنفسه.. كتب إلى معاوية يسأله الأمان ويشترط لنفسه على الأموال التى أصابها.. فشرط له ذلك معاوية (أى وافقه معاوية) وعن فلان عن فلان عن إسماعيل بن راشد قال : بايع الناس الحسن بن على بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته فى إثنى عشر ألفــًا وأقبل معاوية فى أهل الشام حتى نزل مسكن.. وبينما الحسن فى المدائن نادى مناد فى العسكر ألا إنّ قيس ين سعد قد قــُـتل فانفروا.. فنفروا ونهبوا سرادق الحسن حتى نازعوه بساطــًا كان تحته.. فلما رأى الحسن تفرق الأمة عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح.. فبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمره بن عبد شمس فقابلا الحسن فى المدائن وأعطياه ما أراد وصالحاه ((على أنْ يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف (أى 5000 × 1000) فى أشياء اشترطها ثم قام الحسن فى أهل العراق وقال : ((يا أهل العراق إنه سخى بنفسى عنكم ثلاث : قتلكم أبى وطعنكم إياى وانتهابكم متاعى)) ودخل الناس فى طاعة معاوية.. ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس.. ولما بلغ خبر الصلح إلى الحسين (شقيق الحسن) قال : نشدتك الله أنْ تصدق أحدوثة معاوية وتكذب أحدوثة على (أى أبيه) اندهش الحسن من موقف شقيقه فقال له : اسكتْ.. فانا أعلم بالأمر منك... وبعد الصلح مع معاوية كتب الحسن إلى قيس بن سعد يأمره بالدخول فى طاعة معاوية. فقال قيس للناس : أيها الناس اختاروا الدخول فى طاعة إمام الضلالة أو القتال مع غير إمام.. قالوا : لا بل نختار أنْ ندخل فى طاعة إمام الضلالة.. فبايعوا لمعاوية.. وبالفعل تمّـتْ المبايعة لمعاوية وصار لقبه الجديد (أمير المؤمنين)
وللعقل الحر أنْ يتأمل موقف الحسن بن على : هل كان سعيه لمنصب الخلافة (بعد مقتل أبيه) لصالح الرعايا (أى الجماهير الشعبية وفق المصلح الحديث) أم لمصلحته الشخصية ؟ الوقائع التى ذكرها المؤرخون (مثل الطبرى وغيره) تؤكد أنه كان يسعى وراء مصلحته الشخصية والدليل على ذلك 1- تحالفه مع معاوية ألد أعداء والده 2- لم يُـوافق على الصلح مع معاوية إلاّ بعد أنْ وعده الأخير بالحصول على مال الكوفة (خمسة آلاف ألف) 3- أنّ الحسن هو الذى كتب لقيس بن سعد (ممثله) أنْ يُـبايع لمعاوية 4- الدرس المهم الذى قـدّمه قيس بن سعد عندما خيّر الناس بين طاعة إمام الضلالة (أى معاوية) أو القتال بغير إمام (بمعنى عدم الاعتراف بالحسن) فكانت الكارثة (التى تكرّرت كثيرًا فى التاريخ العربى/ الإسلامى) أنْ اختار الناس الدخول فى طاعة إمام الضلالة.
يؤكد تحليلى السابق أنّ الحسن طمع فى المزيد من نهب أموال أهل الكوفة. فبعد أنْ استتبّ له الأمر، طلب من معاوية أنْ يُضاعف له نصيبه من جزية وخراج أهل الكوفة. بل إنّ الحسن فى تملق واضح لمعاوية قال له : ((إنْ أعطيتنى ما أريد فأنا سامع مطيع)) ورغم ذلك لم يُجبه معاوية لطلبه.
ولأنّ الولاة التابعين للخليفة يهمهم ما يحصلون عليه من أموال ، ولا يعنيهم (نشر الإسلام) كما يدّعى أصحاب العاطفة الدينية ، فإنّ الواقعة التالية التى ذكرها الطبرى ، فيها التأكيد على ما أذهب إليه ، حيث ذكر أنّ معاوية استعمل عبد الله بن عمروبن العاص على الكوفة. فأتاه المغيرة بن شعبة وقال لمعاوية : استعملتَ عبد الله بن عمرو بن العاص على الكوفة.. وعمرًا على مصر، فتكون أنتَ بين لحىْ (الأدق فكىْ) الأسد فعزله عنها واستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة.. فلما بلغ عمرو بن العاص ذلك ، قال لمعاوية : استعملتَ المغيرة على الكوفة ؟ فقال نعم. فقال عمرو: أجعلته على الخراج ؟ قال : نعم . قال : تستعمل المغيرة على الخراج فيغتال المال (الأدق لغويًا وأسلوبيًا ينهب المال) فيذهب فلا تستطيع أنْ تأخذ منه شيئــًا.. ثم نصحه قائلا : استعمل على الخراج من يخافك ويهابك ويتقيك.. فعزل المغيرة عن الخراج واستعمله على الصلاة (الطبرى – مصدر سابق – من ص 121- 127) والدرس المُستفاد من تلك الواقعة 1- أنّ عمرو بن العاص سعى لتثبيت ابنه فى منصب (والى الكوفة) المسئول عن جمع الخراج ، أى السيطرة على مال أهل الكوفة 2- عمرو بن العاص يتهم المغيرة بن شعبة بالفساد عندما قال لمعاوية أنّ المغيرة سوف يغتال المال (أى ينهب المال) 3- عزل المغيرة وتعيينه لمنصب (تأدية الصلاة) أى بعيدًا عن جمع الأموال ، وهو هدف الولاة وليس نشر الإسلام . فهل ما حدث يختلف عن الوضع السابق على الإسلام فى الفترة التى نعتها محمد ب (الجاهلية)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (11)
- العرب قبل وبعد الإسلام (10)
- العرب قبل وبعد الإسلام (9)
- العرب قبل وبعد الإسلام (8)
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية
- الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
- الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى


المزيد.....




- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (12)