أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - العراق وهوية المستقبل















المزيد.....

العراق وهوية المستقبل


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 10:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن المصير التاريخي للأمم هو النتاج المتراكم فيها، كما انه التعبير المباشر وغير المباشر عما يعتمل في أعماقها من صراع، والمؤشر على ما فيها من اتجاهات وتيارات فكرية وسياسية. ومن هذه الحصيلة يمكن رؤية الاتجاه العام للتطور والارتقاء، كما يمكنها أن تعطي لنا إمكانية رؤية معالم الانحطاط والسقوط. وهي عملية متناقضة لا يخلو منها تاريخ قومية وأمة، خصوصا في مراحل الانتقال العاصفة. ففيها تتمظهر أكثر مما في أي وقت آخر استعداد القومية والأمة على كشف معدنها الخاص. وهي عملية لا جبرية فيها لغير الاستعداد الفعلي على مواجهة ما ندعوه الآن بالتحديات الكبرى. وإذا كان العراق بؤرتها في العالم العربي المعاصر، فانه يكشف بذلك عما فيه من أبعاد جوهرية بالنسبة لفكرة المصير القومي وصراع المأساة والأمل فيه. وهي حالة لا يمكن فصلها عن هوية العراق التاريخية بوصفه احد المصادر التاريخية الجوهرية للفكرة العربية وهويتها الثقافية.
فالعراق الحالي ليس مختبر الصراع العالمي، وليس ميدان الحرب العالمية ضد الإرهاب، وليس مكان التجريب الفج للديمقراطية، بقدر ما انه جغرافية الكينونة المتأزمة للفكرة العربية وهويتها القومية الثقافية. وهو الأمر الذي أعطى وسوف يعطي له صورة النموذج الواقعي للبدائل المفترضة. فالعراق يعاني من أزمة بنيوية شاملة. وهي أزمة متراكمة فيما يمكن دعوته ببؤرة الانحطاط الشامل. بمعنى أن تاريخه الحديث يكشف عن طبيعة تراكم الأزمة البنيوية في الدولة والمجتمع والثقافة التي جعلت منه فريسة سهلة للاحتلال وميدانا للتجريب الفج ومعتركا للإرهاب الدموي، عوضا عن يكون جغرافيا التراكم القومي الثقافي العربي. وهما الاتجاهان اللذان لا يزالان يتصارعا في وجوده الحالي والمستقبلي.
إن مجرد النظر إلى ما يجري فيه من أحداث وتحولات عاصفة وصراع دموي كاف بحد ذاته من اجل إثارة استغراب العقل والضمير. وهو استغراب يحتوي دون شك على قدر معقول من الواقعية انطلاقا من أن ما جرى فيه وسوف يجري هو تحطيم وكسر عنيف لأنماط متخلفة من العلاقات السياسية والاجتماعية والفكرية. لكننا نقف في الوقت نفسه أمام استغراب محير للعقل والضمير دون أن يشحنهما بقوة الاندهاش الملازم للمعرفة الحقيقة. وذلك لان مجرى الأحداث وتحولات القوى المناهضة للصدامية لم ترتق بعد في مجملها إلى مستوى الرؤية الوطنية والمصالحة الاجتماعية القادرة على وضع أسس البديل الديمقراطي الحقيقي في العراق. وهي مفارقة تعكس مستوى الخلل الفعلي في القوى السياسية الفاعلة حاليا فيه. من هنا نقف أمام تحطم نموذج متخلف للتوتاليتارية والدكتاتورية دون أن تتضح معالم البديل المعلن عن الديمقراطية والنظام الشرعي.
بمعنى أن ما يجري في العراق لم يتعد كسر نموذج معين من التوتاليتارية والدكتاتورية دون أن يذلل أو ينفي مقدمات ومكونات التوتاليتارية والدكتاتورية. وهي حالة تشير إلى أن العراق مازال يقف أمام ثنائية المأساة والأمل. بمعنى انه ما يزال يقف أمام الإشكاليات الجوهرية التي لازمت أزمته البنيوية العميقة. وهي أزمة تمتد لأربعة عقود متتالية لازمت ما يسمى بالمرحلة الثورية، التي لم تنتج في الواقع غير تشويه فكرة الدولة والوطنية والقومية والمجتمع المدني والثقافة الحرة. وهي أزمة تراكمت مكوناتها واحتدت آليتها بقوة في مجرى العقدين الأخيرين بحيث أصبحت بؤرة وفلك الانحطاط الشامل. وهو أمر يدل على أنها ليست جزء من تاريخ الدولة. فالأزمة هي بمعنى ما دليل على حيوية الدولة والمجتمع والفكر عندما تكون جزء من تاريخ الدولة والمجتمع في محاولاتهما حل المشاكل أو تذليل التحديات التاريخية الكبرى. بينما تحولت في العراق بفعل سيادة الفكرة الراديكالية بمختلف أصنافها إلى أسلوب توسيع وتعميق مداها المادي والمعنوي. وهي الحالة التي يقف أمامها العراق حاليا منكسر العقل والقلب والضمير والروح والجسد. لكنها الحالة التي تحتوي شأن كل الحالات المثيرة في تاريخ الأمم على تناقض المأساة والأمل.
فعندما نتأمل ما يجري اليوم في العراق من أحداث بمعايير التاريخ والمعاصرة، فإنها تبدو الصيغة الأكثر إثارة لإشكالية المأساة والأمل. إذ ليس هناك إشكالية اعقد بالنسبة للعراق من كيفية تذليل مقدمات المأساة التاريخية التي يعاني منها في مجرى تاريخه الحديث، وبالأخص في مجرى عقوده الأربع الماضية. وهي عقود مقبولة بمقاييس الزمن ولا معنى لها بمعايير التاريخ. لأنها لم تصنع أية رؤية متراكمة ايجابية في عقل الأمة وضميرها. من هنا شعور الأغلبية المطلقة بأنه زمن ضائع وبائد. وفي أفضل الأحوال أن يجري تصويره على انه زمن خراب الدولة وانحطاطها والمجتمع وتفتيته والثقافة وسقوطها.
وعندما نضع ما يجري اليوم في العراق من أحداث بميزان التأمل الحالم والرؤية الواقعية، فإننا نجد أنفسنا مضطرين لمواجهة الماضي والمستقبل بقدر واحد. إذا ليس هناك من إشكالية اعقد بالنسبة للعراق اليوم من كيفية التحرر من ثقل الماضي والسير قدما نحو معاصرة المستقبل فيه.
ذلك يعني أننا نقف أمام حالة بوجهين تحتوي على قدر متكافئ من المأساة والأمل. المأساة من أن ما جرى هو انتهاك لمقومات الحق والعدالة ومنطق العقل والحس السليم، وما يجري الآن لا يستجيب لما كانت عليه الأحلام والرغبات المخلصة في قدرة العراق على التذليل السريع لهذا الكم الهائل من خراب التوتاليتارية والدكتاتورية المعشعش في كل خلايا الوجود. واليقين في أن كل ما يتعارض مع منطق الحرية والإخلاص سوف ينتهي ويزول شأن كل ما لا قيمة له في الوجود. ومن ثم الأمل بإمكانية استعادة الصبيان والصبايا، والفتيان والفتيات، والشبان والشابات، والرجال والنساء أحلام الماضي والمستقبل.
فقد سلبت التوتاليتارية والدكتاتورية الماضي والحاضر من حياة الفرد والمجتمع، وحولت الحياة إلي كم من متطلبات العيش، ومن ثم أفقدت الجميع حق الحلم بمستقبل أفضل. لقد كانت العبودية غايتها الكبرى دون أن تدرك بان العبودية لا تصنع غير عبيدا خانعين وساسة مغامرين. والنتيجة الوحيدة المترتبة عليها هو توسيع وتعميق الفراغ والخواء الشامل. من هنا همجيتها المريعة في "مآثرها"، أي في قدرتها على إنتاج خراب العقول وصحراء الروح وتشوه الجسد. وهي الحالة التي يقف أمامها العراق في محاولاته الانتقال من التوتاليتارية إلى الديمقراطية. وهي مهمة غاية في التعقيد، إلا أنها الأمل الوحيد للحرية الفعلية.
فقد اندثر نوع من التوتاليتارية والدكتاتورية دون أن تندثر التوتاليتارية والدكتاتورية كنموذج وأسلوب في الحكم والفعل والفكر والذهنية والنفسية. بينما يشكل الخروج من ربقتهما "المتجددة" محور الأمل. وبدونه لا يمكن تحقيق التحرر الفعلي والبناء العقلاني والنمو المتجانس والمستديم. وهي مهمة لا يمكن للقوى المتحكمة في زمام السلطة الحالية انجازها. فقد كشفت وبرهنت أحداث سنتين بعد سقوط الصدامية على أنها ليس فقط لم تفلح في تذليل التوتاليتارية والدكتاتورية، بل وأدت إلى إعادة إنتاجهما بطرق ومستويات مختلفة. وهي نتيجة وجدت انعكاسها في نمو وتغلغل النزعة العرقية والطائفية في نفسية وذهنية القوى السياسية. وهي حالة تكشف عن انحطاط هذه القوى من جهة، وعن انسداد افقها الاجتماعي والوطني من جهة أخرى. وهي حالة لا تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى الإفلاس التاريخي لهذه القوى. وهو الأمل القابع في أعماق العراق والعراقيين. بل انه مصيرهما الذي لابد منه. فإذا كانت الصدامية هي مصدر المأساة الأخيرة للعراق، فان العرقية والطائفية هي وجهها الجديد ومصدرها المتجدد. وهي مفارقة تتمثل ما قالته العرب من أن شر البلية ما يضحك! وهي حقيقة يمكن تأويلها في ظروف العراق الحالية والمستقبلية على أن ما يجري فيه الآن هو الفصل الأخير من لعبة الملهاة السياسية الخارجة عن منطق العراق والوطنية. إنها استمرار المأساة، لكنها تحتوي في الوقت نفسه على قدر هائل من التفاؤل بان ضحكة العراق الأخيرة سوف لن تكون قهقهة عابرة أو ابتسامة خائبة، بل توديعا ساخرا لكل تلك القوى العاجزة عن أداء ما ادعت وتفاخرت به من قدرة على تمثيله على مسرح تاريخه المستقبلي. أما ما قامت به فلم يتعد في الواقع غير استبدال المستقبل بالمقبل. وإذا كان كل آت قريب لأنه جزء من الزمن، فان المستقبل هو الآن الدائم لأنه جزء من معترك البدائل العقلانية.
إن العراق ما زال يعاني من معترك الزمن والتاريخ، ومازال الصراع قويا وحادا بين من يقبل على السلطة للاستئثار بها، ومن يسعى لتمثل حقيقة الدولة ومستقبل الأمة. فالأول لا يؤدي إلا إلى المأساة والهزيمة، أما الثاني فهو مصدر الإبداع والسعادة. وهي الخاتمة التي لابد وان يتذوقها العراق بوصفها حقيقته التاريخية والثقافية التي لا يمكن تجزئتها من قبل قوى جزئية وعابرة. وفي هذا يكمن مصدر الأمل الخالد فيه.
بعبارة أخرى، إن مصدر الأمل الفعلي في العراق مرهون بقدرته على تمثل حقائق المستقبل. فالتاريخ الماضي في بناء الدولة والمجتمع والثقافة لم يكن أكثر من زمن الخراب الفعلي. وإذا كانت حقائق الأمور تقاس بخاتمتها، فان ما توصل إليه العراق بعد قرن كامل من الزمن يكشف عن أن تاريخه الفعلي يقوم في تأسيس بدائل واقعية وعقلانية تتجاوز حالة ونفسية وذهنية الخراب من اجل تجاوز مرحلة الانحطاط إلى مرحلة النهضة الجديدة. وهي نهضة لا يمكن أن يكون شعارها غير المستقبل والعمل بمعاييره. بمعنى العمل من اجل بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني والثقافة العقلانية. فهي الأضلاع الضرورية والوحيدة القادرة على إعادة بناء الهوية الوطنية والقومية للعراق بوصفه كينونة عربية ثقافية. ومن ثم إشراكه اللاحق من خلال نموذجه الواقعي في إعادة الاعتبار لفكرة المستقبل، بوصفها مضمون هويته الفعلية. ومن خلالها إعادة الاعتبار للأمل المكبوت فيه من ثقل التوتاليتارية والاستبداد والاحتلال.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستفتاء والمحاكمة – الابتذال الديمقراطي لفكرة الحق
- العد العكسي لزواج المتعة بين القيادات الإسلامية الشيعية والق ...
- المأساة والأمل في العراق
- هادي العلوي: المثقف القطباني 11 من 11
- هادي العلوي: وحدة اللقاحية والمشاعية الشرقية 10 من 11
- هادي العلوي: المثقفية والابعاد الروحية والحضارية 9 من 11
- هادي العلوي - المثقفية والابعاد الاجتماعية والسياسية -8 من 1 ...
- هادي العلوي: المثقفية او القيمة الابدية للمثقف 7 من 11
- هادي العلوي - الثقافة الحقيقية هي الثقافة المعارضة 6 من 11
- هادي العلوي - الثقافة والسلطة كالعقل والطبع 5 من 11
- هادي العلوي - التاريخ المقدس هو تاريخ الحق 4 من 11
- هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11
- هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11
- هادي العلوي المثقف المتمرد 1 من 11
- الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة
- الدستور الثابت والنخبة المؤقتة
- أورليان الجديدة وأور القديمة – جذر في الأصوات وقطيعة في الأن ...
- الحداد الرسمي لفاجعة الكاظمية = مأتم ابدي + ثلاثة أيام
- جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية-6 من 6


المزيد.....




- استهداف أصفهان تحديدا -رسالة محسوبة- إلى إيران.. توضيح من جن ...
- هي الأضخم في العالم... بدء الاقتراع في الانتخابات العامة في ...
- بولندا تطلق مقاتلاتها بسبب -نشاط الطيران الروسي بعيد المدى- ...
- بريطانيا.. إدانة مسلح أطلق النار في شارع مزدحم (فيديو)
- على خلفية التصعيد في المنطقة.. اتصال هاتفي بين وزيري خارجية ...
- -رأسنا مرفوع-.. نائبة في الكنيست تلمح إلى هجوم إسرائيل على إ ...
- هواوي تكشف عن أفضل هواتفها الذكية (فيديو)
- مواد دقيقة في البيئة المحيطة يمكن أن تتسلل إلى أدمغتنا وأعضا ...
- خبراء: الذكاء الاصطناعي يسرع عمليات البحث عن الهجمات السيبرا ...
- علماء الوراثة الروس يثبتون العلاقة الجينية بين شعوب القوقاز ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - العراق وهوية المستقبل