أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد الخميسي - اللحظة الحرجة














المزيد.....

اللحظة الحرجة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1357 - 2005 / 10 / 24 - 10:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يمر كل منا بلحظة حرجة ، يتوقف فيها عند تقاطع طرق صغيرة ، ليسأل نفسه ، وحده ، من دون رقيب أو شهود : أي طريق يتخذ ؟ . حين تكون هناك محفظة نقود ملقاة قرب صاحبها المصاب في شارع ، والناس ملتفون حوله وحولها ، فإن أعين الآخرين ، والضمير الجمعي الذي يصيح " اجمعوا أغراض هذا المسكين لنعيدها لأهله " يمنعك من التقاط المحفظة ووضعها في جيبك . اللحظة الحرجة تنشأ حينما يكون الإنسان وحده أمام المحفظة الملقاة ، ومن ثم يبدأ في التفكير : في كل الأحوال ليس هناك ضمان أن تعود المحفظة لأهل الرجل ، وربما يكون من الأثرياء ، لا يحتاج أهله لما فيها من نقود ، بينما أنا في أشد الحاجة إليها . ألا يحتمل أن العناية الإلهية قد وضعت تلك الأموال في طريقي لسد حاجاتي ؟ ثم ألا يمكن أن يكون الرجل مقطوعا من شجرة ؟ فلمن ستعود النقود ؟ للحكومة ؟ ألست أنا أولى بها في هذه الحالة ؟ . هذه اللحظات الصغيرة ، كثيرة في حياتنا ، حين لا يرانا أحد ويكون علينا وحدنا أن نقرر : من نكون ؟ . في مسرحية " اللحظة الحرجة " للكاتب العبقري يوسف إدريس تغلق الأسرة باب حجرة على ابنها الشاب لكي تمنعه من المخاطرة بحياته في الكفاح المسلح ضد الإنجليز . لكن الباب لم يكن مغلقا بإحكام . وكان بوسع الشاب عمليا أن يتذرع أمام نفسه بأن الباب مغلق ، ومن ثم فإنه لا يستطيع الخروج للمشاركة مع الآخرين في صد العدوان . وكان بوسع الشاب لو أراد أن يدفع الباب بكتفه دفعة بسيطة لينفتح فينطلق إلي مواجهة العدوان مع الآخرين . ولم يكن أحد يراقبه ، كانت تلك لحظته الحرجة الخاصة ، ولم يكن الباب في حقيقة الأمر سوى تجسيد لتلك اللحظة ، بوسعه إذا شاء أن يعتبره حاجزا ، أو أن يتجاوزه . عند يوسف إدريس ارتفعت اللحظة الحرجة إلي مستوى علاقة الفرد بالوطن ،
مكثفة ، وحادة ، وعلى خلفية تاريخية واجتماعية كبرى . هذا في الفن ، الذي يقوم بتكثيف الواقع ، وبلورته ، ورفعه إلي مستوى القضية الإنسانية العامة . لكن الأمر يختلف في الحياة ، ويختلف في كل يوم ، ولا تحل اللحظات الحرجة بنا بهذه الصورة الحدية ، القوية ، والدرامية الملهمة . اللحظات الحرجة في حياتنا تمر بنا متربة ، ومهملة ، ومن غير أن يبدو أنها ستحدد الكثير في حياتنا . من منا لم يتعرض مثلا لسؤال : هل تقبل الأموال غير النظيفة أم ترفضها وأنت في أشد الاحتياج إليها ؟ ثم أن هذه الأموال تأتي في صور مراوغة ، تسمح للفرد أن يبرر لنفسه قبولها بمئات الحجج .
أيضا فإن قبولك أو رفضك لهذه الأموال لا يتقاطع مع قضايا كبرى . ولنفرض أن جهة عرضت عليك أن تكتب مقالا في نعي أحد الشيوخ الحكام ؟ هل تقول لنفسك : ومن سيقرأ أو يرصد هذا المقال ؟ لم لا أكتبه ؟ أم ترفض مقالا قد يفتح لك أبواب الرزق ؟ هل تقبل أو ترفض رشوة لا يراها أحد وهي في طريقها إلي جيبك ؟ هل تقبل أو ترفض الزواج من امرأة ثرية لا تحبها لمجرد التخلص من أزماتك ؟ هل تقبل أو ترفض نفاق شخص مسئول في غرفة مغلقة وأنتما وحدكما ؟ . اللحظة الحرجة التي صاغها يوسف إدريس لحظة خاصة ، مثل اللحظة التي مر بها المخرج السينمائي العالمي إيليا كازان عندما حاكمت المكارثية في أمريكا عددا ضخما من الكتاب والفنانين ، فأنكر نفسه وتحول تاريخه كله ، وتحول هو نفسه إلي شخص آخر . لكن تلك اللحظة تأتي في حياتنا اليومية كعشرات من اللحظات الصغيرة ، التي تبدو بلا قيمة ، ولا يترتب عليها تأثير خاص في الواقع أو التاريخ ، لكن كل لحظة حرجة كهذه تصنعنا ، والطريق الذي نختاره كل مرة يعبد طريقا كبيرا يتخلق فيه شخص ، أو شخص آخر . وعندما رفض الدكتور عبد العظيم أنيس أن يقوم بتدريس ابنة الرئيس السادات ، كان عبد العظيم أنيس يتخذ قراره الصحيح بمفرده ، وحده ، من دون شهود ، لنفسه ، لأنه كان واثقا أنه لا يربح شيئا إذا كسب العالم وخسر نفسه . إن اللحظات الصغيرة تصنعنا ، وتخلق في مجموعها الطريق والإنسان ، والمغني والأغنية ، وخطورة هذه اللحظات أنها تبدو في حينها بلا بطولة ، وبلا خطورة ، مع أنها تشكل وستشكل صلب وجودنا كله ، لأننا في كل لحظة من تلك اللحظات العابرة ندافع عن كل ما هو جوهري وغير ملحوظ في حياتنا وحياة الآخرين . كن عطوفا على الآخرين حين تكون وحدك ، لأن العطف ليس نوعا من الوجاهة أمام الناس ، واتخذ قراراك حين تكون وحدك ، لأن اللحظات الحرجة الصغيرة قد تأكل الروح كما يأكل الصدأ الحديد .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاء الأسواني وروايته التي أثارت ضجة
- هي وأخواتها علماء العراق
- الرواية اليوم
- الانهيار الاقتصادي عصر مبارك
- الثورة مع الاستعمار
- فاجعة مسرح بني سويف
- نجم .. من الذاكرة !
- جغرافيا الفكر والثقافة
- رواية الصحن لسميحة خريس
- أقلام وأوراق
- جابريل جارثيا ماركيز - قصيدة عن الحب
- كنت في شرم الشيخ
- هذه الرواية - نادي القتال
- الفساد جملة واحدة مستمرة
- الليبراليون العرب .. من يخدعون ؟
- أدباء مصريون من أجل التغيير .. موقف أم وجود ؟
- الرقابة والثقافة في مصر
- مسيحيون من أجل القرآن
- حديقة - قصة قصيرة
- المستشار محمد بك نور .. الذي برأ طه حسين


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد الخميسي - اللحظة الحرجة