أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد إبريهي علي - التحديات السياسية والأجتماعية للتنمية وفرص الشباب: ورقة خلفية لتقرير التنمية البشرية المستدامة 2012















المزيد.....



التحديات السياسية والأجتماعية للتنمية وفرص الشباب: ورقة خلفية لتقرير التنمية البشرية المستدامة 2012


أحمد إبريهي علي

الحوار المتمدن-العدد: 4938 - 2015 / 9 / 27 - 23:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة الدراسة و المفاهيم الأساسية:
انطلقت هذه الورقة من مراجعة الدراسات التي تناولت العلاقة بين البنية الاجتماعية و النشاط السياسي . وذلك ضمن تقاليد البحث في علوم الاجتماع السياسي ، والاجتماع ، والسياسة.
و أيضا ، حاولت الورقة الاقتراب من الحقائق النمطية للتغير و التطور و شرطها الاجتماعي الثقافي للمجتمع الوطني في ظل الدولة.
يبدو ان النظام المجتمعي للعراق بعد عام 2003 توقف عن العمل بعد سقوط الدولة بالاحتلال ثم انفرط عقده و تناثرت مكوناته جماعات متجاورة بسلام أو متعادية. و حسب المدرسة العراقية في علم الاجتماع يفسر هذا الانفراط بأسبقية الدولة على المجتمع بالمفهوم الكلي . أي ان الدولة العراقية الحديثة هي صانعة هذا المجتمع و لم تتمكن من انجاز المهمة حتى انهيارها . و الدولة كما ارى دائما هي أسبق من المجتمع الوطني الذي يتكون عبر اليات عمل نظامها الذي يجمع و ينسق و يجانس ضمن عملية بعيد الأمد تفضي الى ظهور الانتماء العفوي المتأصل الى المجتمع الكبير و علوية الهوية الوطنية في السياسة و الموقف من الحكم و الدولة. و لكن العراق كان يواجه قوى تشده خارج كيانه الوطني عبر الفاعلية القوية لأيديولوجيات تبشر بدولة/ امة على نطاق اخر. و ايضا قدمت مفاهيم الثنائية ( حضارة المدينة- العشيرة: ثقافة البداوة - الحداثة ) على انها علة عدم النضج الوطني و التي تجلت ايضا في الشخصية المزدوجة ( الوردي، سليم).
ان مفهوم الثنائية ( Duality ) مألوف في المنهج الاقتصادي لدراسة التطور والذي برز في الخمسينيات من القرن الماضي. و هو لا يعدو استقراء للتاريخ يعتمد للتبسيط تصنيف الاقتصاد و المجتمع في قطاعين : تقليدي يتمثل بالزراعة و المجتمع الريفي، و الحديث الذي يرتكز على الصناعة و أنشطة أخرى في نطاق النسق الحضري. و تبدا المجتمعات مسيرة الاندماج بالحضارة الصناعية من وضع ابتدائي حيث تهيمن الزارعة على الاقتصاد و أغلب السكان في الريف، و مساحة القطاع الحديث في الإنتاج و التشغيل صغيرة. الا ان القطاع الحديث أكثر ديناميكية لأنه يجسد نتائج التقدم الحضاري و الاقتصادي في العالم من جهات عدة : التكنولوجيا ألأحدث ، و الإنتاجية العالية مع رقي اساليب الإدارة و التنظيم و علاقات العمل. و لهذا القطاع، أيضا، النفوذ السياسي الذي يضمن تحيز التشريعات و السياسات لمتطلبات نموه و تعاظم زخم انتشاره عبر تحويل فائض القيمة و القوى العاملة الفائضة عن حاجة الإنتاج الزراعي الى القطاع الحديث. وهكذا تستمر عملية اتساعه مع التقلص النسبي اقتصاديا للقطاع التقليدي و انحسار المجتمع القديم. ومن نتائج هذه العملية تراجع نسبة السكان في الريف لصالح المدينة. هذا النمط من التحول تسارع في العراق بتأثير الريع النفطي ووصل سكان الحواضر الى حوالي 70 بالمئة من مجموع السكان قبل الحرب مع ايران. و لكن المجتمع المديني لم يكن ثمرة التصنيع بل توسع القطاع الحكومي بإنفاق موارد النفط وربما يفسر تدخل المورد النفطي ، اضافة على الدور الخارجي في نشأة الدولة الحديثة ، هذا الاحتدام بين قيم ما قبل الحداثة و متطلبات انسجام المجتمع الوطني على اسس الحداثة. و يلقي ضوء على النزاع الذي ظهر عنيفا خلال السنوات ألأخيرة بين الجماعات التي كان انصهارها في الوطنية العراقية مفترضا.
اما التفاوت الثقافي ( Cultural Lag ) الذي سماه العلامة علي الوردي تناشز، و الذي يعني اقتفاء ألأثر على مسافة، فهذا المبدأ مألوف جدا في الاقتصاد أيضا. فالتطور يشترط تفاوت سرع التغير لعناصر البناء الاقتصادي الاجتماعي دائما. و منها ما تقدم في الثنائية ، فالقطاعات الحضرية تنمو اسرع بكثير من القطاعات الريفية . اذ نجد البلدان في بداية شوط الالتحاق بالعصر الحاضر تسهم الزراعة لديها بأكثر من 60 بالمئة من الدخل الوطني و سكان الريف فوق 70 بالمئة من مجموع السكان، و يذكر على سبيل المثال ان سكان المدن الفرنسية كان 16 بالمئة من مجموع السكان أيام الثورة نهاية القرن الثامن عشر. و لكن عند و صول البلدان ذروة التطور، كما في الولايات المتحدة ألأمريكية ينخفض الإسهام النسبي للزراعة في الدخل و العمل الى ما دون 3 بالمئة ، وتقترب البلدان المتقدمة عموما من هذه البنية و ينسجم معها انتشار السكان بين الريف و الحضر. و في ذات الوقت تتغير كثيرا الأحجام النسبية لفروع الصناعات و الأنشطة الحضرية عموما و المركب المهني التعليمي للقوى العاملة و هو في تغير مستمر. و كل ذلك يفسر بتفاوت سرع التغير الذي هو قانون موضوعي اساسي للتطور ينبثق عن تراتبية الاحتياجات و تسلسل اشباعها حسب نمو مجموع الإمكانية الاقتصادية .
ثم ان اختلاف المواقف من التحولات معروف أيضا. فمثلا التحول الى المجتمع ما بعد الصناعي لا يفهم من كافة مجموعات المصالح و الأوساط الاجتماعية بانه ايجابي . فلقد ظهر في الغرب خلال السنوات ألأخيرة نوع من نزاع المصالح بين الطبقة العاملة الصناعية و البرجوازية التقليدية من جهة و القطاع المالي الذي تصاعدت هيمنته بشكل لافت قبيل الأزمة المالية ألأخيرة و مجموعات المصالح المرتبطة به من جهة أخرى.
لاشك ان عدم التجانس الثقافي بالمعنى الأنثروبولوجي أكيد في العراق ،ومع ذلك أظهرت المجموعات الممثلة لطرفي الثنائية استعدادا عاليا للتعايش السلمي و التفاهم العميق بل و الاحترام المتبادل في ستينيات القرن الماضي، و ذلك قدر تعلق ألأمر بالأنظمة ألأخلاقية و المعايير الحاكمة للسلوك . بيد ان النزاع السياسي كان محتدما و هو ما يشير الى صعوبة ربط السلوك السياسي بالبنية الاجتماعية و صورتها الثقافية و الضمير ألأخلاقي للجماعات التي يتألف منها المجتمع الكبير و شكلها التجميعي الذي تقوم عليه السياسة .
لقد تكاثر الحديث حول تآكل الطبقة المتوسطة في العراق و سوف يتضح فيما بعد ان هذا التدهور الذي تحدث عنه كثيرا مثقفو العراق تراكم بين منتصف الثمانينات و الاحتلال. و تندرج هذه الظاهرة ضمن مفهوم الحرمان النسبي . أي ليست الطبقة الوسطى ذاتها تلاشت بل ظهر ما يسمى عدم اتساق المنزلة Status نتيجة الانخفاض الاستثنائي لمستويات الدخل و المعيشة و قد استعادت هذه الطبقة و ضعها الاعتيادي بفضل المورد النفطي، أيضا، بعد عام 2003. اما دورها السياسي فهو بحاجة الى بحوث مستفيضة تأخذ ما جرى منذ الحرب مع ايران موضوعا رئيسيا لها. و من الضروري الإشارة بعدم و جود معيار و حيد لتصنيف المجتمع الى مكونات. و مفردة الطبقة المتوسطة ذاتها ينظر اليها من زاوية الإنجاز التعليمي و المعرفة و الأبداع ، و ايضا درجة تمثل الحداثة و طراز العيش، وكذلك تتدرج على مدى معين من مستويات الدخل و الثروة ، اضافة على الدور القيادي بصفتها الوسط الاجتماعي المنتج للنخب القائدة. و عندما لا تتفق تلك المعايير تعاني ما يسمى الحرمان النسبي أو عدم اتساق المنزلة و الذي تبلور أطروحة لتفسير الحركات الاجتماعية و الحراك السياسي. يبقى التحدي ألأكبر في استقطاب الهويات الطائفية- الأثنية للعراقيين و الذي ينازع على نحو تدميري بناء ألأمه /الدولة العراقية، و هو ارتداد الى هوة سحيقة من التخلف و ضياع الفرص في ألأمن و الرفاه و حقوق الأنسان، ناهيك عن حق العراقيين في دولة تامة الاستقلال و السيادة و مستقبل و اضح للأجيال القادمة .





تطور الشخصية و نضج المجتمع:
عند اجتياز فترة البلوغ يصبح الأشخاص مؤهلين بيولوجيا للاستقلال وعلى الرغم من الاعتراف القانوني بهذه الأهلية لكنها لا تتحقق اجتماعيا. أي لا يتمكن الشاب من تأكيد ذاته في عضوية اجتماعية تامة اذ لا تمنح الثقافة السائدة العضوية التامة والفاعلة إلا للكبار. يبحث الإنسان في مرحلة البلوغ وبداية الشباب عن دليل ومرجعيات لصياغة فرديته وتنظيم سلوكه. وعندما يخفق نظام التعليم عن تهيئة ما يساعد الشباب على التوجه سوف يعاني القلق إزاء صعوبة الاختيار. والملاحظ اقتصار نظام التعليم على الاهتمام بالمحتوى المعرفي، في المقام الأول، ولذلك يفتقر الشباب الى الوضوح والمهارة للانخراط في الحياة الاجتماعية بإيجابية ونجاح. وعلى الأغلب لا يجد أمامه إلا مجريات الحياة اليومية يخوض غمارها بالتجربة والخطأ. ولان الأقران، في هذه الحالة، هم المجموعة المرجعية ولذلك يتصرف كما تتوقع منه تلك المجموعة المهيمنة في محيطه الصغير، وهكذا يتجه في حراكه الاجتماعي والسياسي فيما بعد. أي يكون السلوك الفردي امتثالا لقواعد النمط المهيمن في النطاق ويأتي تأكيد العضوية الاجتماعية عبر هذا الامتثال وكذلك استعراض الجدارة القيادية. والتحدي الذي ينبغي الوقوف عنده مليا هو كيف تجتمع عناصر التمكين لدى الشباب في التنشئة الأسرية وبيئة التعليم ومنظومة القيم، بحيث تنكشف أمامهم الخيارات لاستكمال بناء الشخصية عبر التوجه الهادف لصناعة مستقبل حياتهم بجميع أبعادها، وليس الامتثال للدارج في المحيط الصغير حتى ولو كان تطرفا وجريمة. نعم إن نزعة الانسجام مع الدارج تخدم وظيفة الاستقرار في المجتمعات ولكن في نفس الوقت تعيد إنتاج وإدامة جميع عناصر الوضع القائم.
إن اهتمام الشباب بالسياسة والأبعاد الدينية واللغوية للهوية وأنماط الاستجابة للاحتياجات المشتركة ونزاع المصالح يتشكل عبر تنافس وتفاعل مصادر التأثير واليات التعبئة في الشبكة الاجتماعية ذات النطاق الصغير للشاب. لا شك أن الشخصية تتطور ارتباطا بمراحل التحول البيولوجي، البدني والذهني، لكنه يجري في سياق اجتماعي – ثقافي. أي إن التفاعل بين المستوى الفردي والمجتمعي يبقى ميداناً خصبا للنظر والتجريب على حد سواء. ويتوقف تقدم الشخصية ودرجة اكتمالها في نهاية المطاف على مدى النجاح أو الفشل في كافة مراحل تطورها السابقة. إذ يؤثر الفشل في تنشئة الطفل والحدث على سمات الشخصية زمن البلوغ والشباب فيما بعد. وعندما نقر بوجود أخطاء فادحة في المراحل المبكرة فما هي السياسات التي تساعد على تقليل أضرار تلك الأخطاء، على الفرد والمجتمع، في مراحل عمرية متقدمة. وعندما نفهم أن أساليب التنشئة المبكرة أنبتت قيما وأنتجت معاييرا ومحركات وكوابح تسهم في تشكيل أنماط السلوك وتحديد المواقف. فهل في وسع الدراسات السيكولوجية المنفتحة على الثقافة السائدة بمعناها الانثروبولوجي معالجة ادوار الشخصية بالكشف والمكاشفة خاصة عندما يعتقد على نطاق واسع أن السلوك الذي دمر فرص الأمن والنماء للعراق هو أداء الشخصية المسكونة بأمراض التنشئة. وإذا استعرنا أدوات التحليل الاقتصادي نقول أن الفوضى الدموية التي عاشها العراق كانت تعبيرا عن تناقض صارخ بين القيم العليا ودوال التفضيل على المستوى الاجتماعي الجزئي micro .
وهو دليل على أمراض التنشئة عندما تصبح حياة الشخص مسخرة بالكامل لتمثيل رغبة جامحة في إزالة الآخر، ومظاهر إحباط لعدم التمكن من إزالته.
إن الأخطاء التي أورثت أمراضا يعزوها البعض (جماعة اريكسون مثلا) إلى الفشل في تجاوز الأزمة التي تنطوي عليها كل مرحلة من مراحل التطور. أما عندما يجتاز الإنسان تلك الأزمات بنجاح فانه يراكم وسائل لمزاولة حياة سليمة. وكما أن مسار تطور الشخصية طراز من الديالكتيك لكنه في غاية التعقيد لان الشخصية نظام مفتوح على أوسع نطاق، ومن الناحية المنطقية تكون العوامل الخارجية، على نظام الشخصية الفردية، كثيرة ومع ذلك يصر البعض (رشتون مثلا) على الأهمية الحاسمة للعوامل البيولوجية – الجينية، وان التنوع في الخصائص وأنماط السلوك مرده إلى تنوع داخلي في التكوين البيولوجي الجيني. وعلى أساس هذا الفرض يبقى للعوامل الثقافية والاجتماعية دور يتمثل في تزويد الشخصية بالمؤثرات المسؤولة عن رفع أو خفض درجة الإحساس بالخطر على الوجود وتتولى البيولوجيا والجينات الباقي. والشخصية المعافاة والحيوية تعاود النهوض من كل أزمة مع إحساس متعاظم بالوحدة الداخلية، وقدرة على إصدار أو تبني الأحكام الموضوعية الصائبة، بمعيار خارجي، إزاء مختلف المسائل. وزيادة الطاقة على الفعل والانجاز طبقا لمعايير الشخصية ذاتها ومعايير المجموعة المرجعية، بمعنى بلورة الهوية الايجابية. وتثور هنا تساؤلات هل ينطبق هذا على المجتمع العراقي أو شريحة الشباب منه على أساس التجميع البسيط للشخصيات الفردية.
ومن المعلوم أن العقود الماضية كانت كلها استثنائية في تقلب واضطراب البيئة السياسية الثقافية وعدم استقرار البنية الاجتماعية بكافة مكوناتها الاقتصادية والمجتمعية وبذلك فقد أصابت تكوين الشخصية بضرر فادح يمكن وصفه بالأزمة. ولا يمكن الجزم بان المعايير الحاكمة للسلوك مستمدة دائما من قيم متعالية فوق الأزمات والظروف المتغيرة. لا شك في وجود تلك القيم والاتفاق على سموها ولكن هذا لا يعني فاعليتها دائما. من المهم التأكد أن العنف والأشكال الأخرى من السلوك المنافي لمقومات الحضارة هي اعراض لشخصية مضطربة لأنه يتناقض مع الضوابط الأكثر رسوخا في بنيانها. وكيف يمكن التصدي لهذا الطراز من الانحراف هل إن مفهوم الثورة الثقافية ذو صلة بالإصلاح المنشود وأيضا، هناك حاجة لإيضاح أهداف السياسة العامة في نطاق الشباب هل تقتصر على إدماجهم في المجتمع لضمان المسايرة والاستقرار. أم تستمد الأهداف الجزئية من توجه عام لصناعة مجتمع مغاير حيث تنتفي إمكانية إنتاج العنف وأشكال الأداء السلبي والتدميري بما يحفظ الأمن والنظام العام ومواصلة الارتقاء الذي يتجلى في التقدم الاقتصادي والرفاه والعدالة والسمو الحضاري بالمعنى الاشمل. وهل بوسع السياسات الوصول بالمجتمع الى هذه المواصفات وهو التحدي الأكبر أمام المعرفة المتخصصة. على مستوى الفرد، لكل مرحلة في مسار تطور الشخصية زمن امثل لإنجاز مهمتها في ثمرة معتبرة هي حصيلة توازن. وربما يوجد لهذه الخاصية نظير على المستوى الاجتماعي الكلي الدولي إذ تشترك المجتمعات الوطنية للعالم في عصر واحد، وتتعاطى في نفس الوقت، مع أعلى مرحلة وصلتها الحضارة. ولا بد من فروقات جوهرية بين مجتمعات مهدت لعناصر النهضة العلمية والتنظيمية الحديثة، وأنجزت الثورة الصناعية ثم أنهت مرحلة التصنيع في النصف الأول من القرن العشرين، وانتقلت إلى ما يعرف، اليوم، بالمجتمعات ما بعد الصناعة، وأخرى لحقت بها، ومجتمعات بقيت إجمالا متلقية الى يومنا هذا ومنها مجتمعاتنا العربية. ان التجربة التي عاشتها المجتمعات الأكثر فاعلية في صناعة العصر الحديث راكمت مراحل تطورها طبقات من الوعي الجمعي هي السجل السيكو – اجتماعي لتلك المسيرة. وهذا يعني أن التباين في تكوين الشخصية الفردية والذات الجماعية جوهري بين مجموعات بشرية في مرحلة واحدة من مراحل المدنية Civilization وشروطها الاقتصادية والإدارية والتنظيمية وعلاقاتها العابرة للكيانات السياسية – الجغرافية.
ومثلما أجبرت المجتمعات المتلقية على معايشة نتائج الحربين العالميين كذلك وجدت نفسها تتعامل مع احدث إمكانات التكنولوجيا عندما خاضت الحروب فيما بينها. واستنسخت مناهج التعليم على خارطة موضوعات مطابقة تماما لأوضاع البلدان المنتجة للمعرفة، واستهلكت نتائج الثورة المعلوماتية أولا بأول. وتبنت قواعد النظام الاقتصادي لليبرالية الجديدة والعولمة التجارية والمالية، ولازال اقتصادها في طور التكوين وتعاني التنافر الواضح بين قيم الحداثة وموروثها الحي وسطوته على وجدان الناس وتصورهم للعالم. وقد يصل التعارض والاضطراب ذروته في مرحلة البلوغ Adolescence والشباب إذ تشهد هذه المرحلة تفاعل ضغوطها البيولوجية والنفسية في البيئة الاجتماعية التي لم تعد قادرة على تزويد الأفراد بعناصر الدعم الضرورية لتكوين الشخصية المتوازنة. لأنهم عرضة لمؤثرات متناقضة على نحو صارخ منها ما يدعوهم إلى تمثل الموروث جملة وتفصيلا وهو مطروح بمدونات متنافية، وضع الناس في حيرة بين الهوية الوطنية وتنافر الهويات الفرعية. ورفض الموروث أو الموقف النقدي الانتقائي منه أو تجاهله دون الانتهاء إلى وضوح تام يقدم دليلا عمليا بشان ما جرى بعد عام 2003 واحتمالات تطوره.
إن الانقسام يجعل مهمة التحليل صعبة، فالشخصية المذعنة أو المتمثلة لمسلمات المجموعة والتي أصبحت طائفة أو أثنية بأكملها، في هذه الحالة، هي أداة طيعة في النزاع مع الآخر، في حين تبدو الشخصية ذات الموقف النقدي من قيم المجموعة أو غير المكترثة بها أكثر استعدادا للتفاهم والشراكة مع الآخر. الميل للانسجام والولاء والانتماء هذه من عناصر الشخصية الفردية التي يقوم عليها الاستقرار وبالتالي النظام العام وسيادة القانون أصبحت وظيفتها الايجابية معطلة في ظل الانقسام، بل تحولت الى موارد للعنف ومناهضة الاستقرار.
والآن وفي ضوء تلك الخلفية ما هي المضامين العملية لمفهوم المشاركة في النطاق الذي يكتنف العلاقة بين الوطنية والمواطنة.
المواطن و الدولة:
ترجح نصوص دستور عام 2005 والخطاب السياسي الرسمي في العراق مفهوم المواطنة الليبرالية. أي احترام الحقوق المدنية والسياسية للأفراد لا سيما حماية خياراتهم الشخصية وحياتهم الخاصة وحريات التعبير والانتماء إلى المنظمات والأحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات كما في لوائح حقوق الإنسان في مقابل احترامه للقانون وتأدية الالتزامات التي يفرضها ، أي القانون، تجاه الدولة. في حين تتطلب نهضة العراق وإعادة بناء الدولة مواطنة بالمعنى الذي اصطلح على تسميته جمهوري Republican والذي يرسم للمواطن دورا أوسع وأكثر ديناميكية فهو صاحب رسالة وصانع لحاضر ومستقبل مجتمعه. ولم يظهر جليا لأي المفهومين ستكون الغلبة. وفي السنوات الماضية حصل استقطاب لتعظيم المكاسب المادية ومواقع التأثير في الدولة والمجتمع مع سلبية تجاه الكل الاجتماعي ومصيره وما يواجه من تحديات وفرص. هذه الشخصية الانتهازية النفعية استحوذت على الجهاز البيروقراطي للدولة والأحزاب والمنظمات وأنشطة الأعمال. وظهرت نماذج شخصيات أخرى تشترك في صفات الامتثال والتلقي والانقياد الذي يصل الى حد انعدام الذات الفردية وانحسار روافد تكوينها وتسود وسط هذه النماذج ثقافة الكراهية والعنف و توفر الأدوات الطيعة لتغذية العنف وعدم الاستقرار. والنخب السياسية والإدارية والفكرية هي من تلك النماذج ومن المتوقع في هذا الوضع ان تبقى ممزقة متعادية ولذلك هي منخرطة في إعادة إنتاج الأزمة. وما لم يظهر نموذج لشخصية ايجابية من نوع مختلف من المستبعد ظهور الطبقة القائدة في المجتمع الكبير نحو مستقبل أفضل للعراق. والالتباس الذي عليه الشباب في مفاهيم الوطن والمواطن والدولة ونزاع الولاء بين الهوية الفرعية والعراق من بين أهم أسبابه خصائص النخب العليا وانعدام الفوارق بينها ومحيطها الاجتماعي. كما أن المجتمع لا يستطيع إظهار نخبة ذات قدرات أخلاقية وإدارية وتنظيمية أعلى تستطيع تحريك الأوضاع لتجاوزها فهو ضحية أساليب التفكير والثقافة السائدة التي تضافرت بمجموعها لإنتاج أزمة الوضع القائم. وتلك حلقة مفرغة لابد من كسرها لان العودة إلى خصائص التوازن الديناميكي ومواصلة الارتقاء تفتضيها الطبيعة البشرية ذاتها.
ما لم تؤكد عناصر النخب المهيمنة احترامها العميق للمبادئ التي لا بد منها لأي مجتمع معاصر ودولة يستمر انحسار المدى الممكن للمواطن بالمعنى الجمهوري انف الذكر. إن الدور الذي تريده الدولة للشباب يسهم في صياغة توجهاتهم. فهل هم رعايا، مواطنون بالمعنى الليبرالي ،أم مواطنون ناشطون رسوليون يتحمسون لبناء امة ناضجة. إن علاقة الدولة بالشباب تنتظمهامؤسسات عديدة حكومية وغير حكومية. ولا تقتصر المسالة على تهيئة الأساس الاقتصادي الذي يساعد الشباب على تكوين أسرة جديدة بكفاءة ولياقة اجتماعية. بل الأمن المهني والاقتصادي والقناعة بالعمل. أي يقتنع الشباب بأنهم أعضاء في مجتمع يبادلهم الثقة والاحترام وإزالة العقبات في طريق ارتقاءهم. ومع كل ما يقال حول الحقوق المدنية والسياسية لا بد من التسليم بأن الرفاه والانتفاع من وسائل الحضارة المعاصرة أصبحت عمليا من مكونات تعريف المواطنة. فقد أدركت الدول أن ضمان الحد الأدنى من مستوى المعيشة والعلاج ومساعدة الشباب في الحصول على فرص العمل هي ضرورية جدا لتامين احترام المواطن للدولة والامتثال للقوانين. ولذلك لم يعد ممكنا اختزال المواطنة إلى الحقوق السياسية والمدنية في مقابل المواطنة الصالحة بمعنى تحكيم الأفراد لقوانين الدولة والاحتكام الى سلطتها، طالما أخذت المتطلبات الاقتصادية للحياة طريقها إلى حقوق الإنسان المواطن في ضمائر الناس. ومن الصعب الوقوف عند منتصف الدورة لان الاستدامة ليست ممكنة دون تضمين مفهوم المواطنة التزامات على الأفراد تجاه الدولة. ومنها عنصر الحماس لإصلاح الأوضاع العامة والمشاركة لتعزيز كفاءة المنظومة الوطنية للخدمات ومقومات النمو الاقتصادي بما في ذلك الموقف من العمل وقيم الإتقان والعطاء والإيثار.
عندما تنفصل المواقف المطلبية عن فضاء الالتزامات المتبادلة والإمكانات الكلية للمجتمع المشروطة بمدى الانسجام مع تلك الالتزامات تصبح مشكلة كبيرة وتقود الى التناقض بالصميم مع مجموع مصالح المجتمع. عندما تقر الحقوق الاقتصادية والحضارية للمواطن في مقابل التزامات من ذات النوع تجاه الدولة في سياسة واضحة تستند الى قاعدة اجتماعية واسعة ورقابة اجتماعية طوعية على صيانة الوفاء بالالتزامات المتبادلة عند ذاك يحصل انعطاف جوهري في مسار العراق نحو المستقبل. وفي هذا السياق تجد احتياجات الشباب فسحة اكبر من الموارد والعناية ويتقلص التفاوت وتؤدي العملية، في نهاية المطاف، الى تعاظم المشتركات وولادة المجتمع الوطني الموحد سياسيا. ويعاني هذا اللون من التفكير إشكالية وضع الابتداء الذي يرسم حدود إمكانية الانطلاق الذي يتطلب حتما استعدادا للانخراط في منظومة علاقات جديدة. لكن مورد النفط يهيئ لمعالجة المسالة بتوجيه جزء منه نحو ترضيات مطلبية هنا وهناك دون التمكن من التحول نحو نموذج المجتمع المنتج ذاتيا لشروط حياته كلها. وللشباب الدور الأكثر حيوية في عملية الإنتاج وإعادة الإنتاج الشاملة هذه.
المواطنة هي الوجه الآخر للأمة في تلازم ضروري. لقد عانى العراق مأساة الفصل بين الأمة والدولة لان الايديولوجيات التي سادت بعد الولادة الحديثة للعراق السياسي كانت تقوم، مع الأسف، على هذا الفصل، وظلت مفردة الأمة محتكرة للقومية اللغوية والدين والولاء المقدس كان للأمة حسب تعريف تلك الايديولوجيات لها. وان الدولة الشرعية هي الشكل السياسي الذي سوف تتخذه تلك الأمة، والناس في انتظار دائم لتشكيل تلك الدولة المتخيلة. إن إعاقة صيرورة العراق الى امة يعادل نزع الشرعية عن الدولة العراقية ما اضعف التكوين السياسي الوطني للمجتمع العراقي.
وان الوجود الفعال للأمة يتمثل في انتماء المواطنين الى كيانها وليس مجرد العضوية الرسمية والشكل القانوني لها. وعند اشتداد الاستقطاب الطائفي – الاثني الى حد يصعب معه القول بوحدة الانتماء إلى ثقافة وتاريخ بالمعنى السيكولوجي ، تتعمق أزمة الفصل بين الدولة والأمة ، رغم ضخامة المشتركات عند النظر موضوعيا إلى التاريخ والواقع الحي. ومع دوام السلم الأهلي في وطن واحد ودولة واحدة فان الوعي الجمعي للحياة المشتركة عبر الزمن يساعد على تخليق عناصر ثقافة وطنية جامعة وقناعات عميقة بوحدة المصالح والمصير المشترك وهذه تكفي لتجلي علاقة المواطن / الأمة. وهذه العملية التاريخية جارية في العراق ولكنه ، مع الأسف ، كان مسرحا لقوى سياسية تقاوم وصول تلك العملية الى نهايتها المنطقية وهي الأمة العراقية. والتي تمثل الوعاء الطبيعي للمواطنة الايجابية بالمفهوم الجمهوري، انف الذكر، وفي دولة الرفاه والالتزامات المتبادلة والمجتمع الموحد المنتج لشروط حياته المشتركة بالمعنى الاشمل.
وعند هذه اللحظة من مسار النقاش نعود لفحص العلاقة بين المشاركة والمواطنة. ان مفهوم المواطنة الذي عانقته هذه الدراسة يتضمن المشاركة عبر مبدأ الالتزامات المتبادلة ودولة الرفاه. أما مفردة المشاركة التي تناولتها أدبيات التنمية الاجتماعية والبشرية وفي السياسة، فقد تحركت على مدى واسع من المرونة في التعريف الإجرائي. فنجدها تارة تقترب من العضوية الطبيعية في مجتمع معاصر، ولذلك تنصرف عمليا الى التمكين من تلك العضوية الطبيعية بتهيأة التعليم، والتدريب، الى جانب الخدمات الصحية لضمان القدرة على العمل وكسب الدخل ومزاولة الدور السياسي. وأحيانا تضاف الى ذلك سياسات لإيجاد فرص عمل أو انخراط الشباب في أنشطة مدرة للدخل، وتسهيلات للتمتع بوقت الفراغ وربما منظمات مجتمع مدني لتعزيز إسهام الشباب في الشأن العام.
ومن النادر أن تصل التدابير إلى النفوذ الكافي للتأثير فعلا في القرار العام. اذ يبقى الشباب في نظر المجتمع، وربما في أنفسهم، بحاجة الى تصويب الكبار لأفكارهم وسلوكهم. لان الكبار يتميزون بالخبرة المكتسبة بالممارسة والتي تزود الشخصية بعناصر النمو وصولا الى الاهلية الكاملة بمعايير المؤسسات المرجعية. وأفصحت نتائج الانتخابات في مصر عن هذا اللون من التفكير رغم ما شاهده المجتمع من زخم الشباب في مختلف الأنشطة التي قادت الى التغيير. والمهم إزالة العوائق واثر الأحكام المسبقة التي تمنع الأفراد من الإفصاح عن قدراتهم ومزاولتهم للأنشطة والأدوار التي تسمح بها تلك القدرات. لقد بين المجتمع العراقي أولوياته بوضوح تام وليس من بينها التكافؤ التام للبشر عبر الأجيال والنوع ، ذكور واناث ، في الحياة العامة.
إن إحاطة الشباب بأجواء تعج بشعارات السباق المطلبي والمشاطرة والمغالبة تغذي النزاع والفوضى وإهدار الفرص الحقيقية للإصلاح والتقدم. إن الاختلاف في المعتقدات الدينية وغيرها والتعارض السياسي من طبيعة الوجود البشري، بل إن الاختلاف والتنوع شرط التغيير. لكن النخب الاجتماعية في العراق فشلت في الجمع الخلاق بين الاختلاف والتنوع ووحدة المجتمع العراقي ونظام الدولة الواحدة ، ولذلك ابتعد طيف أنماط السلوك في العراق عن الصورة النظرية للأنظمة الطبيعية التي تؤكد ان النظام الأمثل هو الذي يؤدي وظيفتي الاستقرار والتغير ولذلك يجمع دائماً بين الوحدة والانسجام الى جانب التنوع والاختلاف . هذه البيئة السياسية التي شكلت حلقة مفرغة مع النزاع الطائفي تشكل الرعاية والتعزيز للشخصية السلبية الهدامة التي تقدم بيان سماتها .
البنية الاجتماعية و السياسة:
البنية الاجتماعية مفهوم يتسع في تعريفه ، احيانا، كي يحتوي كل الوجود الاجتماعي في داخله بما في ذلك، الاقتصاد و نظامه و تنظيم الحياة الاقتصادية، و الطبقات و النخب و مؤسسات الحكم واجهزة الدولة البيروقراطية والمنظمات غير الحكومية و قطاع الأعمال. اضافة الى الجماعات و العلاقات الاجتماعية فيما بين الأفراد و المجموعات . بل و أكثر من ذلك يشمل النظام ألأخلاقي و الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي. وقد يضيق التعريف الى الطبقات في ضوء تقسيم العمل و العلاقات ذات ألأساس الاقتصادي بين القوى العاملة و رأس المال و الإدارة ، أو ينصرف الى الروابط المجتمعية بين الأفراد و الجماعات و المؤسسات التي تقوم عليها.
كانت الحركات الاجتماعية تدرس في نطاق العلاقة بين البينة الاجتماعية والحراك السياسي، ومنشغلة بشرح التغيرات في التوجهات السياسية لتلك الحركات، وايدولوجياتها، وأهدافها ودوافعها وكذلك الميل للعنف . وتدريجيا انحسرت مساحة البحث الى الدائرة الضيقة للحراك Mobilization . أي حول كيفيات إدارة الموارد وكسب المؤيدين والتغلغل في البيئات السياسية لتنمو وتنجح. إن تكوين الهويات الجماعية وتحفيز وتضخيم العواطف هذه تلعب أدوارا مهمة وكانت مهملة ضمن الممارسة الأكاديمية. ورغم إن ربط تغيرات التوجهات السياسية للحركات بالبنية الاجتماعية ينظر إليه في عداد القديم. لكن الاهتمام بالثورة والحراك الاثني والنزاعات الأهلية أعاد الاهتمام بالتوجه السياسي للحركات، أي لماذا تكون إصلاحية أو ثورية، دنيوية أو دينية، براغماتية او ايديولوجية، وطنية أم أممية، سلمية أو عنيفة... وهكذا. كان الشائع في الأبحاث إرجاع الحركات الاجتماعية بأشكال مختلفة الى الإحباط بسب الحرمان ونزاع الطبقات او الوسط السكاني المهمش. وقبل ظهور المقاربات الأخيرة كان يسود البحث مبدأ الصلة السببية بين البنية الاجتماعية والسياسة على اختلاف في تعريف تلك البنية. ومن أقدم تلك المناهج التحليل الطبقي الذي يفسر نشوء الحركات الراديكالية في النزاع المتأصل بين الطبقات وهو الوجه الآخر لنمط الإنتاج أو العلاقة بين قوى الإنتاج وعلاقة الملكية وتوزيع الأدوار في العملية الإنتاجية وانتشار ثمارها. وضمن هذا التيار تظهر أهمية تنظيم الإنتاج والذي يعكس مرحلة تطور قوى الإنتاج وتكوين الطبقات وخصائصها. والتي تظهر في الايديولوجيات وأهداف الحركات السياسية. فعندما تكون مساحة المنشاة الصغيرة والفردية واسعة في الأساس الاقتصادي للبنية الاجتماعية يختلف الأمر عن مرحلة سيادة الإنتاج الكبير. فعندما تتماثل إعداد كبيرة من البشر في الأجر والعلاقة بين العمل والإدارة والملكية يتماثل الناس عند ذاك في الإحساس بالحيف ووسائل التعبير عن الاحتجاج. ولكن هذا الطراز من التنظير واجه صعوبات جمة في الاختبار التجريبي والتحقيق التاريخي في خضم الاحتجاجات والانتفاضات المشهودة والموثقة، كما سيتضح، ولذلك ظهرت فرضية الحرمان النسبي وهذه مرنة الى حد كبير حيث يفسر الاحتجاج والتمرد ليس بمستوى الصعوبة التي تواجه البشر بالمجمل بل الفارق بين واقع حياتهم وتوقعاتهم. ولذلك تفسح هذه الفرضية المجال لعوامل أخرى ومؤسسات أسهمت في صناعة تلك التوقعات أو صور الحياة المنشودة لشرائح الطبقات المحتجة بشكل أو آخر. أي يمكن فهم فرضية الحرمان النسبي بعدم اتساق المنزلة الاجتماعية Status للساخطين. وعدم الاتساق يزداد في المجتمعات الانتقالية أو التي تعرضت إلى هزات انقلابية بعثرت نسيجها المستقر. فتجد هذه الشريحة تنتمي الى المستويات العليا من الطبقة المتوسطة بمعيار الانجاز التعليمي ومؤهلات الدور القيادي ، من هذه الزاوية ، ولكنها واطئة الدخل والثروة أو ليست متمثلة لمعالم الشخصية للتيار الاجتماعي الثقافي الرئيسي في المجتمع الوطني، أو بالعكس ما يجعلها تفتقر الى الاستقرار في الهرم الاجتماعي . وهذا الوضع القلق تكون له مفاعيل سيكولوجية تتفاقم مع طول الفترة الزمنية لعدم الاستقرار. وفي علم الاجتماع رأي يحظى بالاعتراف الواسع مفاده أن المجتمع المتكامل المستقر يعتمد على نظام أخلاقي حيث التوقعات المعيارية تكون في حالة توازن مع التقسيم السائد للعمل، والثروة والأدوار. وكلما نمت المجتمعات بسرعة وتغيرت تصبح البنى الاجتماعية اكثر تعقيدا من جهة التمايز والتخصص، وربما يبرر هذا المنطلق القول بتعددية النخب، والتي يمليها ، اي التعددية، تنوع وظائف الإدارة والسيطرة في الدولة ، وأنشطة الأعمال ، والتعليم ، والاعلام ، ومجموعات المصالح التي تتعدد مع تنوع وثراء البناء الاقتصادي . وتلك جميعها تحتم التكيف في المعايير والقوانين التي تنظم وتحكم النزاع ، الذي يتخذ صيغا مختلفة مع التغيير. إن المجتمعات المتغيرة سريعا تصبح عرضة للخربطة disruption . كما أن الأفراد الأكثر تأثرا بالتغير السريع يعيشون اشكالا من الشد الاجتماعي والسيكولوجي يجعلهم أكثر استعداد للانخراط في حركات راديكالية سواء دينية أم دنيوية. وعندما يتأخر التكيف أو يتلكأ يتأزم المجتمع وقد يتفجر النزاع في ممارسات تدميرية للإنجازات المتراكمة. والتأخر والتفجر قد يفسر بان النخب المؤثرة اقل ديناميكية من حركة مجمل الواقع الذي تتطلب السيطرة عليه وقيادته على مسار آمن من نخبة ذات قدرات إبداعية. أما إذا كانت النخب المهيمنة ، بغض النظر عن أسباب وظروف صعودها، متحفظة مترددة مجادلة لمشروعية التغيير يتعرض المجتمع الى خطر التمزق والفوضى.
الذين ربطوا بين التمرد والعنف من جهة وتمزق النظام الأخلاقي من جهة أخرى حاولوا إثبات اطروحاتهم بإعادة دراسة سلوك الطبقة العاملة البريطانية أيام الثورة الصناعية، وكذلك الثورات في العالم النامي فيما بعد . إن تفسير التوجهات السياسية بما يعتري النظام الأخلاقي من اهتزاز هو أيضا ضمن مبدأ الإرجاع للبنية الاجتماعية لان النظام الأخلاقي ضمنها. وهذه نقطة عندها يقترب مفهوم البنية الاجتماعية من مفردة عامة Generic Term بمثابة وعاء يعبأ بما يريده الباحث. ومثلما يتفاوت تعريف البنية الاجتماعية أيضا تختلف آلية الربط بين الموقع الاجتماعي والسلوك السياسي. وفي حين تعتمد التحليلات الطبقية والاقتصادية والبنية المجتمعية Community Structure تصورات أكثر تحديدا وصلابة للبنية الاجتماعية مع إصرار على الوعي العقلاني للمصالح السياسية والاقتصادية، فان اطروحات الحرمان النسبي والسلوك الجماعي تقدم مفاهيما أكثر تجريدا للبنى الاجتماعية والاتجاهات الجمعية حيث يلعب التهميش والانحراف النفسي والإحباط دورا مهما. وعندما يصل الانقسام الاثني إلى مرحلة الهويات المتنافرة تنهار جميع تلك النماذج النظرية في صيغتها الرسمية الأصلية ولا يبقى منها، تقريبا، سوى الخبرة المكتسبة من فن التنظير ومهارة الربط في محاولة تحليل ظواهر ما بعد الانقسام الاثني. وفي هذا الخضم تبرز فضائل الأصالة والاستقلال في التفكير والتنظير بل وحتى التنظيم لإدارة الحراك لمواجهة الاضطراب العنيف لما بعد الانقسام الاثني.
ولذلك يقال أن تلك المناهج في نموذجها الأصلي فشلت في توقع أنواع من الحركات الاجتماعية كانت مصممة أصلا لشرحها وربما التبشير بها. ويتجه التركيز في الآونة الأخيرة على استراتيجيات الحركات وفاعلية تنظيم الحراك والتعبئة , ولا شك إن لطبيعة الدولة ونظام الحكم، ودرجة الضبط القانوني – الدستوري للإكراه والقمع في ظل الديمقراطية بمختلف مراحل اقترابها من النضج، اكبر الأثر على التوجهات السياسية ونوع الحراك المنظم وأساليبه. لان تلك الخصائص تتجلى في تحديد مشروعية الأساليب وإلا كيف تبرر أخلاقيا الحركات السرية التي تشرعن القتل وصولا للأهداف عندما تتاح في المجتمع كثرة من الأدوات السلمية لمزاولة العمل السياسي مهما كانت وطأة الحرمان والتهميش.
والحركات التي تتمادى في إنكار هذه الحقائق ينحسر عنها تدريجيا الدعم المجتمعي حتى من الأوساط التي تبنت مصالحها أو مطالبها الثقافية والاثنية. بل يذهب التنظير في الغالب، إلى الربط بين الناس في أوضاعهم الطبقية وما يقاسونه من حرمان مطلق أو نسبي وانقسامهم في الولاء للهويات المتنازعة والحركات الاجتماعية وحجم وفاعلية الحراك السياسي وأدواته. مع إغفال لحقيقة الوجود الدائم لمنظومة من المؤسسات التي تزاول تأثيرا كبيرا في التحفيز والتثبيط في كل الاتجاهات. وتلك المؤسسات تبقى فاعلة في كل الظروف ومنها: المؤسسات الدينية، والمنظمات الكبرى في قطاعات الأعمال، ومنابر المدارس الفكرية الرئيسية، وشبكات توجيه الرأي العام، وقنوات التأثير الخارجي على عناصر النخب الفاعلة وغيرها. أي لا توجد في الواقع هذه التلقائية المفترضة لتأثير البنية الاجتماعية في تكوين المجموعات وتوجهاتها السياسية بمعزل عن تلك المؤسسات وبعفوية النظام الطبيعي واليات تماثل الصورة النظرية عمل الأسواق الحرة كما يعرضها الاقتصاد المدرسي للتيار السائد.
ان تقاليد البحث في السلوك الجمعي تفترض أن الأشخاص الأكثر احتمالا للانخراط في حركات الاحتجاج هم الأكثر تعرضا للتغير الذي هز أركان الكيانات القائمة، والطبقات والشرائح التي تسافل دورها أو تعرض نظامها الأخلاقي للاختراق والتشويه. ولكن كيف تفهم الاختلافات بين الدفاع عن نظام أخلاقي يهتز أو تراتبية اجتماعية تتعرض للانهيار والتمرد على نظام قائم، أو مناهضة مشروع التحول إلى نظام اقتصادي أو سياسي جديد. إن المصادرة على الربط بين تغير الخارطة البشرية للمصالح الاقتصادية وتكوين الجماعات السياسية وحراكها ربطا تلقائيا، دون توظيف ذلك التغير في تنظيم الحراك وموقف المؤسسات انفة الذكر، ليس له مصداق تجريبي. يقوم التقليد الأمريكي في العلوم السياسية على نظرية جماعة المصلحة والذي ينظر للسلوك السياسي على انه سباق دائم لحيازة مقومات التأثير فيما بين الجماعات بمختلف مستويات القوة. وقد أنتج هذا التقليد أفكارا تحظى بالقبول الجماهيري لفهم النزاع السياسي والاحتجاج ضمن عمليات التأثير للمجتمع التعددي، تعدد المصالح وتعدد النخب. والإشكالية في مدى نجاح المؤسسات السياسية عندما تحاول إدارة نزاع المصالح لإنتاج حقائق سياسية جديدة. والتحدي الذي يواجه هذه النظريات يتمثل في عدم استعداد الافراد للمشاركة في الفعل الجماعي إذا كان بوسعهم الانتفاع من مكاسب الجماعة دون أن يتحملوا تكاليف الفعل الجماعي أو ما يسمى الركوب المجاني free rider. ولكن لا توجد حركة دون أفراد يسهمون في نشأتها و ادامتها، فما هي تلك المحفزات والمؤثرات التي أقنعتهم، هذا ما يهتم به تنظير الحراك.
صلة العنف بالشباب بحاجة إلى تفصيل فهناك فرق يميز بين العنف في سياق النزاعات الفردية ومن المحتمل أن يكون الشباب لخصائصهم البيولوجية والنفسية اقل قدرة من الكبار، بالمتوسط، في السيطرة على مشاعرهم العدوانية وقد تضاف قائمة من الأسباب العرضية مثل البطالة والفقر وخيبات الأمل وهذه العوامل قد تفسر السلوك الإجرامي الفردي والانخراط في المجموعات الخارجة على القانون التي تمارس السرقة والنهب وما الى ذلك.
لكن ضغط الإحباط والإحساس بالظلم في نطاق فئة الشباب بالذات لا يفسر مزاولتهم للعنف المرتبط بالنزاعات ذات الطابع الاثني والسياسي. لان هذا النوع من العنف ينبثق عن بنية اجتماعية أوسع نطاقا من الفئة العمرية للشباب ويتمثل منظومة معتقدات ليست من إنتاج فئة الشباب حصرا. وغالبا ما يكون منظما، ذلك العنف. وبذلك فان عناصر الشخصية الشابة توظف لتحويل عناصر من هذه الفئة إلى أدوات للعنف بما في ذلك الهجمات التي تتجه لإبادة المدنيين غير المسلحين وغير المحاربين. فالتطرف ليس صناعة شبابية بل اجتماعية – ثقافية والتنظيمات المتطرفة تتعامل مع الشباب من زاوية الفرصة والمورد. الاستياء والرفض فرصة والاستعداد للعنف مورد يوظف لخدمة أهداف التطرف. وهذا لا يتعارض مع القول إن الإفراد الذين أصبحوا أدوات للعنف ربما يعانون أوضاعا نفسية لا تحتمل ويدفعهم الى العنف يأس من أوضاع قاسية في نظرهم. لكن قسوة الظروف، من منظور الفرد، ويأسه من تحقيق تطلعاته بغض النظر عن مشروعيتها وإمكانيتها لا يقود بالضرورة الى هذا النوع من الموقف دون غيره.
وقد استعارت الكثير من الكتابات التفسير النفسي لانتحار الأفراد على انه يفسر تكوين منظمات العنف السياسي خاصة بالإشارة الى تحول الشخص الذي يزاول العنف الى ضحية. أو يقال أن أوضاعا اجتماعية سياسية تمارس استفزازا استثنائيا لأشخاص تحت وطأتها تدفعهم إلى تدابير استثنائية بمنتهى القسوة والبشاعة وكأنها نوع من المعادل الموضوعي.
وهذا الطراز من التفسير يجافي الموضوعية. إذ لم تتوفر دراسات تجريبية تثبت علاقة مستقرة بين خصائص الوضع القائم ورد الفعل، بل هي الايديولوجيات، والتعبئة والتنظيم والموارد وفرص مزاولة العنف. فالحركة السياسية التي تسوغ هذا الطراز من العنف عقائديا وأخلاقيا تستخدمه متى أمكنها ذلك لتحقيق أهدافها بغض النظر عن عدالة الآخر أو ظلمه من وجهة نظر المراقب المحايد.
أي أن التفسير النفسي لانخراط هذا او ذاك في ممارسة عنيفة لا يفسر ظاهرة العنف. وعند دراسة وقائع القتل الجماعي التي ارتبطت بالنزاعات السياسية والعرقية والدينية. نجد أن الطرف الأضعف، المهمش والمظلوم، هو الأكثر تعرضا للمجازر الجماعية، وليس الأقوياء ثار عليهم الضعفاء المضطهدون وأبادوهم. ان الثقافة المروجة للعنف تحاول دائما، وتنجح أحيانا، في صرف الوعي عن تأمل مشروعية إدخال هذا النوع من العنف أو العنف بصفة عامة في منظومة أدوات التنافس على النفوذ والمغالبة السياسية. بل إن ثقافة العنف لا تريد للمتلقي الاقتراب أصلا من مناقشة مسألة الضوابط الأخلاقية للممارسة السياسية. بل لا تمنحه الفرصة للتمييز بين العدو والمغاير العقائدي والاثني وهو تمييز تقوم عليه بالتأكيد حضارة البشر ووجودهم على الأرض. بل تتكفل تلك الثقافة إعادة قراءة المدونة العقائدية الحاكمة للضمير بطريقة تساوي تماما بين الآخر العقائدي أو الاثني والعدو المحارب الذي يستحق الموت الزؤام. لكن إعادة القراءة تلك ليست ممكنة سياسيا وحركيا إلا مع تواطؤ وسط اجتماعي عريض معها وإلا فان التطرف الانعزالي أو الاقصاء على مستوى النظر العقائدي المجرد موجود في تاريخ كل الديانات ولكن متى يبقى في نطاقه العقائدي ومتى يتحول الى ايديولوجية لحراك عنيف أو حرب؟ هذا السؤال الذي يتحدى المعرفة المتخصصة. إن القراءات المتطرفة للفهم السائد لوجود الجماعة وتاريخها ودورها لا يقتصر على نطاق الدين بل هو ملحوظ في تاريخ الايديولوجيات القومية والطبقية بل وفي انساق فكرية مزامنة يستحوذ عليها الدين أو الفهم القومي او الطبقي.
إن الحرمان النسبي وعدم الرضا موجود في أي مجتمع ودائما توجد أشكال من عدم التكافؤ يمكن إظهارها على انها اعتيادية بالمقارنة والتفسير وبيان المسار الزمني لتقلصها. ويمكن في نفس الوقت المبالغة في وصفها بالنشاز ودلالتها على الظلم الذي يستوجب التمرد. وإذا كانت الحركة منظمة جيداً وتحت تصرفها موارد، ومدعومة من عناصر أو أجنحة من النخب المؤثرة فان الاستياء وعدم الرضا يخلق ويدار لخدمة الهدف. بل إن الحركات ومنظمات الحراك تتعامل مع الحرمان وعدم الرضا على انه فرصة سانحة عكس الحكومة التي تنظر إليها من زاوية انه خطر يهدد قدرتها على السيطرة والضبط.
هذه الاتجاهات في التفكير ذات الطابع الاجرائي الجزئي تستولي على ميادين البحث في العلوم السياسية وسيسيولوجيا النزاع ونظريات النخب وتكوينها وتغيرها. أي إن الحراك ينظر إليه بقدر من الاستقلال الذاتي وأصبحت علاقة البنية الاجتماعية بالسياسة محل نظر فيما يتعلق بإعاقة أو تعزيز الحراك وليس خلقه وتعيين اتجاهاته.
الشباب : العمل و ريادة الأعمال و المشاركة :
عندما يتركز الاهتمام بمشاركة الشباب على السياسة، أي الارتباط بالأحزاب والإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع أو حتى فرصة إشغالهم لمواقع عليا في الإدارة، فان هذا التركيز يختزل الحياة الى نطاق ضيق على رغم أهميته التي لا شك فيها. ويغفل القيمة التي تنطوي عليها ممارسة الحياة بمعناها الواسع والمضامين العملية لتلك الممارسة والتي من نتائجها النضج واكتمال التأهيل. إن الحياة الحقيقية في نظر تشيخوف، الكاتب الروسي المعروف، هي "حياة كل الناس"، وسمى مزاولتها نعمة يحرم منها منتسبو الطبقات العليا. وحقا تتجلى إنسانية البشر في خضم تلك الحياة ومنها يتأهلون للعضوية الطبيعية في مجتمع إنساني. وان الثقافة التي لا تؤكد هذه الحقيقة معوجة تشوه الرؤية وتولد النزاع بين البشر. وأيضا فان تأثير الشباب في السياسات والقرارات المتعلقة بأوضاعهم بالذات أو روابطهم المجتمعية أو مجتمعهم الكبير يتوقف على كيفية انخراطهم في المؤسسات والفعاليات الاجتماعية. وفي مجتمع ديمقراطي يستطيع الشباب اختيار الأشكال التنظيمية التي يرونها مناسبة لاحتياجاتهم وتدعم جهودهم لخدمة أهدافهم. ويبدو أن تمكين الشباب بالقدرات مقدمة ضرورية لنجاح السياسات. إن بطالة الشباب خاصة الفئة العمرية 15-24 ليست ظاهرة عراقية بل وصلت إلى 75% في المناطق الحضرية لدول أخرى. وهذا يفسر بمدى افتقارهم الى المهارات الضرورية للتنافس في سوق العمل، لان البطالة تبدأ بالقوى العاملة الأدنى تأهيلا، وعندما يتحرك الاقتصاد نحو التوظيف الكامل آخر من يستوعبهم. وكون الشباب بصفة عامة أكثر تعرضا للبطالة، والنساء منهم بالذات، لا يتناقض مع كونهم يتفاوتون في قدراتهم الى حد كبير بحسب بيئاتهم الاجتماعية، المحلية وطبقاتهم إضافة على الفروقات التكوينية. ولذلك فان النظام الاقتصادي الاجتماعي الأمثل هو الذي يرتقي بالقدرات المكتسبة إجمالا ويستوعب تنوع القدرات الفردية بتنوع المهن والأدوار . ويستكمل النواقص ويحتوي حالات الفشل والقصور بالبرامج الخاصة والإعانات ومع هذا التوجه يتوافق المنهج الجزئي مع المنهج الكلي الذي يرى في نظام الكل الاجتماعي جميع نطاق الضعف والخلل وفرص التحسين والتنمية . ولذلك يقلل من قيمة برامج التمكين في التعليم والتدريب والصحة العامة وما إليها. ويرى في النظام الكلي نص مسرحي ثابت ويمكن للأفراد والمجموعات تبادل المواقع والأدوار بالحراك وربما بالنزاع، ولكن دائما يوجد فقراء ومجموعات مسلوبة الإرادة. وكان مثل هذا الفهم يغذي حركات التمرد لطلب التغيير الجذري والفوري. وفي الواقع لا يوجد نظام كلي بمثل هذه الصلابة القدرية ومقاومة الحاجة للتغيير بل هو في تغير دائم عادة وهي القاعدة العامة.
التشجيع على ريادة الأعمال عبر المنشاة الصغيرة روجت له المنظمات الدولية بصفته مولداً لفرص العمل والدخل ومكافحة الفقر، وأدرج أيضا في رزمة السياسات المقترحة لمعالجة مشاكل الشباب لتحقيق ذات الأهداف . وعلى أن هذه الفئة أكثر ميلا للاستقلال ولذلك تجتذب أفرادها فرص العمل لحسابهم الخاص لما يسمح به من حرية أوسع ويرضي طموحاتهم. لكن هذه الاطروحات لا تجد نفس الاهتمام في العراق لهيمنة المنشاة الصغيرة والنشاط الفردي على النشاط الاقتصادي غير الحكومي. وقد لجا الشباب اضطرارا الى المنشاة الفردية منذ بدء الحصار، خاصة كونها الكيفية المتاحة لمزاولة العمل. وقد وصل هذا الأسلوب، بالمجمل، الى نهاياته إذ تعاني الأنشطة المعروفة بسهولة الدخول اليها من التزاحم الشديد.
أما الأعمال الفردية التي تقوم على المهارة العالية فقد بقيت ضمن المدى الذي يسمح به التكوين الاعتيادي للمهارات من خلال العمل . ولم يفلح التعليم في زيادة عدد الماهرين فوق ما تسمح به تقاليد التلمذة الحرفية، والتي تتكون في ظلها المهارات بتقاليد واساليب مشوبة بعدم التأكد والمصادفات ولها علاقة بتفاوت قدرات واستعدادات الملتحقين الجدد إلى العمل. وهذا يصح على مهن البناء بمختلف أنواعها والنجارة والحدادة وإصلاح المكائن والأجهزة والعربات وسواها.
وتعترض ريادة الشباب للأعمال Youth entrepreneurship إضافة على عقبات قلة الخبرة نقص الموارد ومخاوف فشل الشراكة بين العمل ورأس المال، وبعد ذلك مشاكل التسويق المرتبطة بالتنافس مع المنتجين المماثلين والآخرين الكبار ذوي المكانة الراسخة في السوق. وقد تكون تكنولوجيا الإنتاج قديمة وبسيطة لمحدودية الموارد. وتقوم المنشاة الفردية، عادة، على منتج وحيد ولهذا ترتفع المخاطرة واحتمال الانسحاب بعد خسارة وإحباط.
ومن نتائج المسوح الإحصائية في دول مختلفة يبدو أن دوافع الاستقلال في توجه الشباب الى المنشاة الصغيرة كانت قوية لمن توجه إليها اختيارا، وقد اظهروا استعداد للابتكار والتطوير وخلق أنواع جديدة من الأعمال، ويتجه إليها ذوي المستوى التعليمي المرتفع من أبناء الشرائح العليا للطبقة المتوسطة. الى جانب ذلك وفي نفس البلدان يتجه إليها الفقراء ذوي التعليم المنخفض واضطرارا. ومن المعلوم ان المنشاة الصغيرة هي شكل تنظيمي على تنوع كبير في رأس المال والتقنيات ونوع المنتج. ولهذا لا يتجه الشباب من كل الطبقات ومستويات التعليم الى الأعمال ذاتها وان كانت تجتمع في شكل تنظيمي واحد يسمى المنشاة الصغيرة .
ان الخلفيات الاجتماعية – الثقافية تؤثر في ريادة الأعمال كثيرا، وهذا ما تؤيده تجربة العراق والعالم، وهي ليست محكومة بوفرة التمويل والعوائد المتوقعة والمخاطر. إن الاستعداد للريادة وخاصة في صفوف الشباب هو عنصر جوهري يلخص إمكانية التقدم الاقتصادي. ولقد شخصت العوائق الثقافية للريادة في آسيا وأروبا الشرقية والوسطى أيضا. ومن الصعب إزالة عقبات البيئة الثقافية أو سلبيات بنية الأعمال ، عبر برامج تعليم ريادة الأعمال. لان معلومات الإدارة والمحاسبة والقانون قد ترفع من قدرات الأفراد ولكنها لا تغير كثيراً اثار الموروث الثقافي في تكوين شخصياتهم وليس لها اثر على الأسواق وعلاقات العمل . ولقد تغيرت التشريعات والضوابط في كثير من بلدان العالم نحو تخفيف وطأة البيروقراطية الحكومية على الأعمال الخاصة ومن أجل تحسين بيئة الأعمال .
و تحسنت فرص التمويل من المصارف أو استحدثت ترتيبات للتمويل الصغير ولكنها لا تكفي بمجموعها لأحداث فرق جوهري . ومن المناسب استحداث مكاتب تقدم العون المباشر لرواد الأعمال في انجاز التراخيص. وربما تساعدهم في الاتصال والتنسيق مع الشركاء المحتملين ومصادر التمويل. وبذلك يساعد زخم الدولة على إقناع الشباب لتحمل مسؤولية الريادة ويهيئ بعض مقومات نجاحها. وهذا الطراز من الشراكة بين الحكومة والمبادرات الخاصة ضروري لانطلاق الاقتصاد العراقي واستكمال الحلقات الناقصة في منظومة العلاقات الايجابية بين الدولة والمجتمع وقطاع الأعمال والشباب. وفي ريادة الأعمال يجد العنصر الشاب مشاركة في الوظيفية الأكثر حيوية وهي الاستثمار والنمو الاقتصادي. وكما تبين توجد حلقة مفرغة بين تخلف البنية الاجتماعية والريادة وتقدمت الإشارة الى إجراءات وتدابير لكسرها. ولكن أخلاقيات العمل والشراكة والتبادل لا زالت بائسة مع ضعف استعداد الأطراف ، في العمليات الاقتصادية الخاصة كافة، للالتزام بضوابط مهنية تسود الأسواق لإزالة الإحساس بالخطر من احتمال فشل الوفاء بالالتزامات. ان الالتزام الطوعي بالضوابط الأخلاقية والعرفية المنظمة للعمل في الأسواق والمبادلات والشراكات بمختلف أنواعها يشجع كثيرا على الريادة وتنشا حلقة رخاء صاعدة بين ترصين البناء الاجتماعي – الثقافي والنمو الاقتصادي والرفاه.
ان تنقية بيئة الأعمال من أشكال السلوك غير الايجابي مهمة صعبة والبداية المناسبة في التشريع التفصيلي والفرض الصارم للقانون لضمان السلوك القويم في قطاع الأعمال. بمعنى توفير الحماية الكافية للحقوق حتى يشعر كل المتعاملين أنهم في بيئة آمنة. الى جانب ذلك أن متطلبات النهوض بالدور الاقتصادي للشباب وتوسيع مشاركتهم هي ذاتها مطلوبة لتنشيط الاستثمار في العراق. كما أن تسهيل انخراط الشباب في النشاط الاقتصادي والريادة الاستثمارية يؤدي الى توسيع فضاء الفرص وإمكانات التنمية. إن فرص الإناث ضمن فئة الشباب اقل من الذكور وربما لا تكفي التدابير التي تساعد الذكور في الحصول على عمل مناسب بما في ذلك الأنشطة الصغيرة لإزالة المعوقات في طريق النساء الى المشاركة في النشاط الاقتصادي وريادة الأعمال مع الانتباه إلى أن العزوف الاختياري عن العمل في صفوف النساء مؤكد على نطاق واسع ولأسباب اجتماعية ثقافية في المقام الأول.
استئناف التنمية و التوجهات الجديدة:
كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد في العراق عام 1980 أعلى من المتوسط في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أحرزت مجموعات البلدان تلك تقدما في العقود الثلاثة الماضية إلا العراق الذي ضاعت عليه فرص النمو فيها وأورثته عجزا في البناء التحتي وطاقات الإنتاج. من الجانب الآخر استمر السكان بالنمو والتركز في النطاق الحضري ونمو مخرجات التعليم ما عمق الفجوة بين خزين الخريجين والطلب المحدود على القوى العاملة عالية المستوى التعليمي. وتلك نتيجة متوقعة ليس فقط لضالة الطاقات الإنتاجية خارج قطاع النفط الخام بل والتخلف التكنولوجي والإداري والتنظيمي. ان الزيادة السريعة في الدخل الوطني للعراق مع ارتفاع إيرادات النفط الخام لا تقترن تماما بزيادة مماثلة في البناء التحتي والخدمات كما ونوعا، وذلك لان تأسيس الطاقات الإنتاجية الجديدة التي تسمح بها إيرادات النفط تتطلب زمنا. وأيضا، مسألة الكفاءة والنزاهة والعدالة. هذه العوامل قد تقلل من الآثار الايجابية لزيادة المورد النفطي على السكان بشكل عام والشباب منهم بالذات، ولكن زيادة الإنفاق الحكومي واثاره المضاعفة وزيادة القدرة على الاستيرادات تؤدي بمجموعها الى تحسين الدخل والاستهلاك العائلي وبذلك يجد الشباب أمامهم مجالاً أفضل للعيش حتى مع بقاء اعتمادهم على عوائلهم. إن انتفاع الدخل العائلي من الإنفاق الحكومي كبير في العراق إذ تصل الرواتب للمنتسبين والمتقاعدين الى حوالي 40% من الإنفاق الحكومي، هذا إلى جانب تحويلات الرعاية الاجتماعية والتعويضات للمتضررين والدخل العيني من البطاقة التموينية. وتوجد قنوات أخرى مثل مقاولات المشاريع العامة وعقود التجهيز، كما أن أنشطة التجارة والنقل تستند في انتعاشها على الإنفاق الحكومي بشكل عام. إن الفساد الإداري والمالي ومستويات الكفاءة المتدنية في إدارة الإنفاق العام هذه تؤثر في الوظيفة المباشرة للموازنة العامة وهي البناء التحتي والخدمات العامة ، وليس فيما يصيب القطاع العائلي من الدخل النفطي، والذي وصلت نسبة ما يصل إليه الى مستوى أعلى بكثير ويفارق جوهري عما كان عليه قبل الحصار. ومن جهة أخرى توسعت المصارف الحكومية في إقراض القطاع العائلي . لكن من الضروري الانتباه الى فئة العوائل الفقيرة التي لم تصل إليها قنوات نقل المورد النفطي وهي العمل في الدولة أو تجهيزها أو في مشاريعها او الاقتراض منها وما الى ذلك، اضافة الى تفاوت الانتفاع من مورد النفط ضمن الفئات ذات المستوى المعيشي المقبول ذي الصلة بمفهوم الحرمان النسبي و هو مصدر للتذمر.
وتصل مشكلة بطالة الشباب الى ذروتها المأساوية في الأوساط الفقيرة. وبينت الدراسات على المستوى العربي الى تفاقم مشكلة بطالة الشباب وضالة التحسن في الدخل إجمالا مع استمرار التفاوت في مستويات الرفاه . وكلها عمقت إحساس الشباب بالخيبة واليأس من عدم إمكان الاستجابة لاحتياجاتهم حتى في الأمد المتوسط. وانتهت تجربتهم إلى القنوط أو الرفض الجذري للوضع القائم وكلاهما نواتج لقناعات فحواها عدم القدرة والعجز عن اكتسابها سواء في جانب الفرد او المجتمع. ولذلك من الضروري إيقاف التدهور بتوجهات مسؤولة من داخل النخب القائدة والحاكمة قبل فوات الأوان. إن قناعة المواطنين بجدارة الأجهزة الحكومية والاطمئنان الى تفانيها من اجل الصالح العام يخفف الى حد كبير من الآثار السلبية لضغوط انخفاض الدخل وقصور الخدمات العامة.
في العراق كانت نسبة مشاركة الذكور في النشاط الاقتصادي 72%، بينما في النساء 13% وذلك للفئة العمرية 15 سنة فأكثر. وبذلك أصبحت نسبة المشاركة لإجمالي سكان تلك الفئة العمرية 42% وهي منخفضة لا شك في ذلك. ولو ارتفعت مشاركة النساء الى نصف ما عليه للرجال لازدادت نسبة المشاركة الإجمالية الى 52% . إن تنمية مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي لها آثار عميقة لا تقتصر على خفض نسبة الإعالة ورفع متوسط دخل الأسرة بل وإعادة توزيع الدخل والثروة فيما بعد، وأيضا ينعكس التقدم في هذا المجال على المكانة الاجتماعية للمرأة. ويلاحظ الأثر الايجابي للتعليم في مزاولة النشاط الاقتصادي للإناث في المستوى التعليمي المرتفع ، دبلوم فأعلى ، 68% بينما في مستوى الإعدادية فأدنى 8%. وهذا التفاوت الكبير يفسر دور العامل الثقافي الذي سبقت الإشارة إليه . حيث يتسامح المجتمع مع عمل المرأة في الدوائر الحكومية والتعليم والصحة ، بينما لا زال المجتمع لا يستطيع مباركة عمل المرأة خارج الأنشطة ذات الطابع الرسمي وفي النطاق الحكومي خاصة. وهذه القيم مسؤولة أيضا من بين عوامل أخرى، عن زيادة بطالة الشباب من الإناث. والتي عندما تقترن بتأخر الزواج تتفاقم إلى حرمان اشمل، وفي نفس الوقت فان القدرة على كسب الدخل تساعد فئة الشباب على تكوين أسرة تتوفر لها أسباب الرفاه. كما أن العمل يعد، من الناحية الاجتماعية، ممارسة للحياة وإثراء للشخصية ويسهم في تأهيل الاستعداد للتعامل الايجابي مع معطيات الحضارة وترقية الوعي السياسي والمشاركة المجتمعية. وعند التركيز على فئات السكان 29 سنة فأدنى نجد أن نسبة المشاركة لهذه الفئة العمرية بدءا من عشر سنوات بلغت عند الذكور 51% من مجموع سكان تلك الفئة، وبضمنها بطالة بنسبة 13% من النشطين الذكور. أما في الإناث فان المشاركة 9% لتلك الفئة العمرية بضمنها 21% بطالة من النشيطات اقتصاديا. أي أن مؤشرات النشاط الاقتصادي للإناث بائسة في العراق. أما للفئة العمرية 15-45 سنة فكانت نسبة المشاركة للرجال 50% وللنساء 8%، وللفئة العمرية 25-34 كانت مشاركة الرجال 93%، بينما النساء 17% من سكان تلك الفئة العمرية. وهذا يؤكد مدى حرمان الشباب الإناث من مزاولة النشاط الاقتصادي لأسباب اجتماعية وثقافية الى جانب العوامل الاقتصادية. ورغم ارتفاع نسب مشاركة الرجال في الفئة العمرية 25-34 إلا أن العمالة الناقصة والبطالة بلغت 25% من النشطين اقتصاديا في تلك الفئة. وأفادت البيانات أن الفئة العمرية 45 سنة فأكثر ينخفض انخراط أفرادها في النشاط الاقتصادي دون المتوسط العام. ويبدو أن أعلى مشاركة في النشاط الاقتصادي بين 25-44 سنة للرجال والنساء على حد سواء. ورغم انخفاض نسب المشاركة للفئات العمرية دون 25 سنة فان البطالة أيضا في صفوف المشاركين مرتفعة وأعلى مما هي عليه في الفئات العمرية اللاحقة. وتفيد تلك الحقائق أهمية هدف التشغيل في السياسة الاقتصادية وكيف ان تحسين البيئة الاجتماعية للشباب يعتمد الى حد كبير على مدى النجاح في إعادة ترتيب البنية الاقتصادية في سياق التنمية باتجاه التحول نحو المجتمع العامل المنتج وحيث يزاول العمل وعلاقاته دورا جوهريا في إعادة تشكيل شخصية الشباب وبالنتيجة الشخصية العراقية بصفة عامة.
إن 16,2% من سكان الفئة العمرية 12-14 سنة خارج صفوف الدراسة وترتفع هذه النسبة الى 35% للفئة العمرية 15-17 سنة والى 61,4% للفئة العمرية 18-21 سنة. وان 10,5% من منتسبي الفئة العمرية 22-29 سنة لم يسبق لهم الالتحاق بالدراسة أبدا هذه بالنسبة للذكور أما الإناث فإن 33% من منتسبات الفئة العمرية 12-14 سنة خارج صفوف الدراسة، و 53,3% من الفئة العمرية 15-17 سنة، و 69% من الإناث للفئة العمرية 18-21 سنة خارج الدراسة. وان 20,5% من سكان الفئة العمرية 22-29 سنة من النساء لم يلتحقن بالدراسة على الإطلاق. وتفيد تلك البيانات استمرار الأمية في الأجيال الجديدة. وان 46% من نساء العراق و 31% من رجال العراق دون الابتدائية للفئة العمرية 12 سنة فأكثر. وان 64% و 75% من الرجال والنساء على التوالي في تلك الفئة العمرية بمستوى الابتدائية فما دون. وهذه المؤشرات تفيد أن المستوى التعليمي منخفض، وثم ارتفاع نسبة حملة الدبلوم فأعلى الى 10% من مجموع السكان وفي الحضر حوالي 13% لنفس الفئة العمرية 12 سنة فأكثر، وفي الريف لنفس الفئة العمرية 84% من السكان في مستوى الابتدائية أو دونها. وعند ملاحظة نسب السكان دون مستوى الابتدائية حسب الفئات العمرية نفهم أن نسبة الأمية انخفضت في العراق قبل الحرب ولكنها أخذت في الارتفاع بعد ذلك خلال سنين الحرب والحصار وما بعد سنة 2003. وهذه الظاهرة ابرز في الإناث منها في الذكور. إن الهرم التعليمي للسكان بحاجة الى إصلاح في العراق من جهة إزالة الأمية وربما شمول جميع السكان بالتعليم الى نهاية المرحلة الابتدائية بالحد الأدنى وتشجيع العوائل والاحداث على اكمال المرحلة المتوسطة أو ما يعادلها. وفي نفس الوقت الالتفات الى المحتوى النوعي في الدراسة ما بعد الثانوية والارتفاع بالمستوى العلمي ما أمكن وتشجيع التدريب المهني لليافعين. بمعنى محاولة الملائمة الى أقصى حد بين حق الإنسان في التعليم وحقه في فرصة العمل والانسجام مع مقتضيات النهوض بالاقتصاد العراقي ومنها رفع نسبة مشاركة السكان في النشاط الاقتصادي حوالي 41% من إناث الفئة العمرية 12-19 سنة و 39% من الفئة 20-29 سنة دون الابتدائية. ان الفئة العمرية 20-29 سنة أي فئة الشباب الناضج وفي ذروة الحيوية وأيضاً،61% من الرجال و 67% من الإناث بمستوى الابتدائية فما دون وهذا المؤشر يبين قدرات الشباب ودورهم وتقسيم العمل المحتمل تبعا للمستوى التعليمي وهو منخفض والمفروض أن تكون تلك النسب لمستوى الابتدائية ولا يوجد سكان بمستوى تعليمي أدنى إلا بنسبة لا تتجاوز 5% يقرأون ويكتبون. حجم الفئة العمرية دون 15 سنة 40,9% من السكان وللفئات 15-34 سنة 34,2% ، 35 سنة فأكثر 24,5% من مجموع السكان. والفئات 15-44 تشكل 40,3% من مجموع السكان. والباقي 18,8% منهم 15,9% للفئة العمرية 45-64 و 2,9% للأعمار 65 سنة فأكثر. ورغم الكبر النسبي للفئة العمرية دون 15 سنة، وعند ملاحظة إمكانية الاختيار بين التعليم والعمل دون سن 22 سنة، فانه يمكن رفع نسبة السكان النشيطين اقتصاديا الى 31% من مجموع السكان إذا وصلت نسبة المشاركة الى 90% من الرجال و 60% من النساء للفئة العمرية 22-64 سنة لوحدها وعلى فرض عدم مشاركة الفئات العمرية الأخرى. وعند افتراض إبلاغ نسبة المشاركة من الفئات العمرية الأخرى خارج تلك الفئة العمرية لمن هم فوق عمر 14 سنة الى 40% يمكن إيصال نسبة السكان النشيطين اقتصاديا في العراق الى 38%، وهو هدف ذو مغزى عميق لمستقبل الاقتصاد والمجتمع في العراق، وعمليا قد يمكن الوصول الى 35%،بينما في الوقت الحاضر تدور النسبة حول 25%. ان لهذه المسالة علاقة بالوضع الاقتصادي للشباب لان زيادة التشغيل لكافة الأعمار في سن العمل ينعكس على تقليص بطالة الشباب. ان تلك الأهداف تقترن بزيادة النمو الاقتصادي خارج النفط الخام والى مستويات كالتي شهدتها اليابان وكوريا أيام نهضتها ألأولى التي وصفت بالمعجزة والصين حاليا. ويقدم هذا التوجه الحل المناسب للمشكلة الاقتصادية للشباب حيث يصعب تحسين فرصهم في العمل والمشاركة الاجتماعية الناجحة بالانفصام عن نمو الاقتصاد الوطني وتطوير طاقاته الإنتاجية في الزراعة والصناعة ومختلف الأنشطة خارج النفط الخام والإدارة الحكومية. وبذلك يمكن توظيف الشباب بما يسهم في الرخاء الوطني واستدامة النمو لان فرص العمل تلك حقيقية بإنتاجية تتناسب مع الأجر والتحديث التكنولوجي المطلوب.
أوضحت هذه الدراسة إن النظام التعليمي بما فيه التقني والمهني لا يمكن الخريجين من العمل بصفة عمال مهرة. وان المهارات تكتسب من خلال العمل، ولان الشباب المتعلم يتجنب العمل اليدوي ولذلك يقترن المستوى التعليمي المرتفع بانعدام المهارة العملية ما يعقد مشكلة بطالة الخريجين. لان الطلب على القوى العاملة في مختلف الأنشطة يقترن مع بنية مهارية تعينها طبيعة المهام وتقنياتها، وبالتالي فان ندرة ذوي المهارة يقلص إمكانات تشغيل الآخرين أيضا. وسوف يساعد تغيير تكنولوجيا الإنتاج في ميادين السلع والخدمات على زيادة جاذبية فرص العمل مع تسريع اكتساب المهارات وانتشارها. وهذا صحيح على الأغلب عدا أعمال البناء التي بقيت ممتنعة عن إحلال التكنولوجيات التي تستغني عن المهارات الحرفية الى حد كبير. يتمثل شباب العراق تطلعات شرائح الطبقة المتوسطة في ظل اقتصاد الريع، وذوي ميول نخبوية واضحة. ويتجلى هذا التوجه لدى جميع المتعلمين من مختلف الطبقات. وحتى الذين زاولوا منهم أعمالا يدوية من النادر أن ينسجموا معها بصفتها طريقة لتأكيد الذات من خلال العطاء والكفاح لتحقيق التطلعات الفردية المشروعة. وهذه الحقائق تستدعي الإسراع في تعميق رأس المال واعتماد التكنولوجيا الأكثر حداثة التي يستطيع الشباب تعلم العمل معها بيسر وإنتاجية عالية تسمح باجر مرتفع يستجيب لتطلعاتهم. ويغري العازفين عن العمل منهم، رجالا ونساء، للانخراط في النشاط الاقتصادي. وأيضا، تزداد أهمية العلاقات الاجتماعية للعمل وهذه تزدهر مع رقي الادارة والتنظيم وتأكيد حقوق العاملين واعتماد اساليب المشاركة الضرورية لإدامة الإحساس بالدور والكرامة. وإرساء هذه المقومات في مرتكزات قطاع الأعمال ونظام الاقتصاد عموما يقتضي جهودا منظمة للتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص. ولا شك في قدرة الإنتاج الكبير، في إطار الشركات المساهمة، على تحسين بيئة العمل، وتسهيل تسديد مساهمات التقاعد والضمان الاجتماعي إضافة على الخدمات ذات الطابع الإنساني للعاملين، وازدهار روابط المنتسبين لتسهم في ارتقاء الحياة الاجتماعية بقيم المرحلة الصناعية للحضارة وما بعدها.
لقد كشف تقرير التحديات التنموية في الوطن العربي، الذي صدر أخيرا عن البرنامج الانمائي للأمم المتحدة عن حقائق نمطية لاقتصاد الريع معروفة في العراق، وأحسن الإشارة الى التناقضات التي افرزها تحويل الاقتصاد الى نظام السوق الحر وانسحاب الدولة من دائرة الإنتاج والاستثمار الإنتاجي. تلك المرحلة التي أظهرت الى الوجود قوى تطالب بتغيير نوعي وربما تضع نهاية لنظام وصف بالاقتصاد السياسي للدولة الريعية وهو تعميم متعجل يجمع، قسراً، المغرب والسعودية في مصنف واحد . ويقترح التقرير التحول الى الدولة التنموية الملتزمة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ويفهم التقرير أن الحركة من اجل التغيير تنتشر لتغطي الميدان السياسي والاجتماعي للمنطقة العربية بأكملها و هو أيضا استنتاج متسرع. وان هذه الدراسة تختلف مع مضمون التقرير في الربط بين البنية الاجتماعية ومرتكزها الاقتصادي بما في ذلك تنظيم الحياة الاقتصادية ونظامها ، وحراك الربيع العربي كما هو مبين. ولا شك أن تلك القوى الثائرة تنشد طرقا أخرى للتنمية تعطي أولوية لعلاقة محكمة بين مسائل الديمقراطية والحكم الصالح والعدالة الاجتماعية وفرص العمل المحترمة كما بين التقرير. لكن إمكانية التحول الناجح الى هذا المنشود ليست أكيدة وهو لا يتوقف على فهم مطالب الشارع كما يرى التقرير والذي ليس من السهل احتوائه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وكان من المنتظر تعميق البحث في شروط امكانية الانتقال على مسار أفضل وليس إعادة تجميع للمواقف المطلبية في السياسة والثقافة والمجتمع والاقتصاد و تقديمها على أساس انها مشروع للخلاص. ولكن لا بد من الانسجام مع شعار التحول نحو الدولة التنموية بعد أن تعرف هذه الدولة باليات عمل ممكنة إجرائيا في الواقع المتعين تاريخيا. فكيف تستطيع توظيف الموارد الكافية والطبيعية على تنوعها الى نمو في مجتمع يحترم حقوق الإنسان، ويخفض الفقر، ويولد فرص عمل محترمة وفي نفس الوقت "ينظر الى الإنفاق الاجتماعي – من الموازنة العامة – على انه استثمار في المستقبل". إن هذا السؤال يتحدى المعرفة القائمة واستعداد المجتمع وأوساطه الثائرة أصلا. إن الإجابة تتطلب العودة الى تقاليد البحث الصارم، عن الحقائق المتناقضة والمحيرة في الطبيعة البشرية والمجتمع، والتي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية في نظريات النمو والتنمية. إن المراجعة الشاملة للسياسات يجب ألا تنتهي بتسطير أهداف اكبر وتسويات خيالية للتناقضات بين متطلبات الأمن والاستهلاك من جهة والنهوض بالاستثمار الإنتاجي لتطوير الإمكانات الاقتصادية الأساسية من جهة أخرى. إن تقاليد البحث الرصين نبهت قبل عشرات السنين الى أن السياسات Policies من أدق فنون المعرفة إذا ما أخذت بمعناها المنهجي والمهني. لأن السياسة الفعالة تتطلب أصلا معرفة منظومة العلاقات السببية وان الصلة بين الأداة Instrument والهدف Target لا بد أن تكون مدعمة تجريبيا وكميا، وهذه مهمة ليست سهلة على المستوى الكلي. إذ كيف يمكن مثلا زيادة الميل للادخار الى 30% في دولة مثل مصر و/ أو زيادة كفاءة الاستثمار بنسبة الثلث مثلا، وفي نفس الوقت التوسع في الإنفاق على التعليم والصحة ومكافحة الفقر وما بينهما توفير فرص عمل محترمة للجميع. إن إشاعة ثقافة مضمونها ان الأهداف في غاية السهولة والحكومات السابقة لم تتمكن من انجازها لأنها اهتمت بالأمن وغالت في قيمة النمو الاقتصادي بدلالة متوسط الدخل للفرد وكان عليها تنمية القدرات الجوهرية لتمكين الأفراد من اختيار حياة ذات قيمة من جانبهم قد تؤدي الى ربيع عربي آخر بسبب المبالغة في التطلعات في حين يجب إنهاض روح الكفاح من اجل الإنتاج والبناء في موازاة التمسك بالحق الحرية والعدالة الاجتماعية. إن الأهداف المقترحة للبلاد العربية غنيها والفقير هي ذات الوصفة المقدمة لكل الشعوب في كافة مراحل التطور وهذا السبب لوحدة يكفي للحكم بافتقارها للبحث العميق في الإمكانية وهي المبدأ الأساس في كل الاستراتيجيات والسياسات والخطط التي يراد لها ملامسة الواقع والاستجابة الفعلية للاحتياجات المشروعة للبشر.
صحيح أن الفساد المالي للنخب أسهم في الفشل حيث لم تتمكن الدول من انجاز التطوير المنشود في البناء التحتي والخدمات العامة وتحسين أداء الجهاز البيروقراطي. ورافقت مجريات التحول عمليات تركيز للثروة وتفاوت اشد في توزيع الدخل وانحسار الاستثمار عن الزراعة والصناعة نحو القطاعات التي تتناغم مع السلوك في اقتصاد ريعي مثل السياحة والفنادق وما إليها. وأيضا صحيح أن الاقتصاد العربي أرغمه التحول إلى الانفتاح التجاري والمالي إلى اعتماد سياسات لا تتناسب مع مقتضيات النمو السليم. ولكن الإصرار على هذا النوع من التحرير مستمر من لدن الجهات الدولية التي روجت له والذي يتضمن طرحه ترك التنمية بالكامل لأنه لا يوجد في نظرهم فضاء للتدخل في الأسواق الحرة وتخصيص القطاع الخاص للموارد في ظلها. بل كانت وصفات التحرير تعاني من فوبيا الاقتصاد الحكومي. لقد قلل منهج التنمية البشرية المستدامة الذي ترعاه الأمم المتحدة من شان النمو الاقتصادي كثيرا وفي مناخ دولي يروج لتصورات تربط على نحو متزمت بين كفاءة الأسواق في نظام الاقتصاد الحر وتخلي الحكومات عن التزامات دولة الرفاه . ولذلك كانت الحصيلة ملتبسة. ولقد استطاعت دول نامية وناهضة الحفاظ على الاستقلال في نهجها الاقتصادي والاجتماعي عن بصيرة وثقة. ونجحت في إحراز قدر أعلى من الرفاه والعدالة الاجتماعية.
في حين تحول العراق الى سوق مفتوحة لترويج التصورات والأدبيات الدولية في التنمية والعدالة والسياسة والشفافية والحكم الصالح كرست نموذج التلقي السلبي والهت أبناءه عن التشخيص الموضوعي والأصيل لمشكلاتهم والسبل الصائبة لحلها. والمحزن أن المنظمات الدولية أشاعت ثقافة الخوف على الإنسان من الدولة وليس تقوية الدولة لحماية الإنسان من الجريمة وضمان عيشه حرا من الرعب في مجتمع امن. وذلك من خلال الربط المحكم بين تنمية الدولة من الفساد وتنمية كفاءتها وزيادة قوتها لفرض القانون وحفظ أرواح الناس وحرياتهم وأموالهم وكرامتهم. أي أسهمت تلك الأنشطة الدولية في تعميق العداء بين الدولة والمجتمع دون إصلاح أي منهما.
وآن أوان الانطلاق من تجربة العلاقة بين الدولة والمجتمع في العراق نحو إعادة نظر شاملة في مقاربات الإصلاح. والذي لا يتحقق إلا عندما يصبح من الممكن ولادة تيار عريض ومهيمن سياسيا يتبنى القيم والضوابط التي تؤدي إلى التزام كافة مستويات النظام الاجتماعي: الفرد، والعائلة، ومؤسسات الدين والثقافة وصناعة الرأي العام وأجهزة الدولة بالحقوق والواجبات المتبادلة بوضوح تام وإيمان عميق.
إن عجز الحكومات عن توظيف الخريجين حسب تطلعاتهم ظهرت بداياته في السبعينات في الدول العربية غير النفطية وفي العراق أصبح واضحا منتصف الثمانينات. وأحيل القارئ الى نتائج مسح الواقع والاحتياجات (الطلب) على القوى العاملة في العراق عام 1986. والذي اظهر أن جميع الاختصاصات الهندسية والعلمية أصبحت فائضة آنذاك عن طلب الحكومة والقطاع الخاص مجتمعين. وتلك تجربة رائدة في العراق كان يمكن نشرها دوليا ، في حينها، باعتراف منظمة العمل الدولية ، لولا التحفظات المبالغ بها. واتسعت الفجوة بعد ذلك بفعل الحصار وما بعده. والآن أتيحت مقدمات أفضل لإعادة النظر بالتدابير والسياسات والتي تناولتها هذه الدراسة وذلك من خلال إعادة بناء الاقتصاد على أسس تجعل من الممكن استيعاب الشباب ومشاركتهم ضمن النهوض الشامل. والحمد لله رب العالمين
د. احمد ابريهي علي












المصادر :
1- Asean Socio – Cultural Community Blue-print-, Asean Secretariat, June, 2009, Jakarta, pp 5-11.
2- Diamer, Matthew, etal, Sociopolitical Development, Work Salience, and Vocational Expectations Among Low Socioeconomic, Development Psychology, 2010, vol. 46, No. 3, pp619-635.
3- Oxford Poverty and Human Development Initiative (OPHI), Country Briefing: Iraq , December 2011, http://www.ophi.org.uk.
4- UNDP, Human Development Report 2011, Sustainability and Equity: A Better Future For All, Summary.
5- Walder Andrew G. Political Sociology and Social Movements, Annual Review of Sociology, 2009, pp 393-412, (a journal. annual reviews.org ) .
6- Ngcobo, Sindisiwe, Youth participation and the concept of celebrating Young People, Youth Development Journal, September 2004, 15th Edition, http://www.ydn.org, pp 11-20.
7- Hinadu, A.M., A Youth Empowerment Scheme as A Strategy for Poverty Reduction in Nigeria: Project Impact Assessment and Constraints, in ibid, pp39-47.
8- UNDP, Arab Development Challenges Report 2011: Towards the Development State in the Arab Region.
9- Hirschle, Tom ,The Sociology of Youth Behavior: Improving Health & Well-Being with learning, Development , Cornell University, [email protected].
10- Delgado – Moreira, Juan , M., Cultural Citizinship and Creation of European Identity, Electronic Journal of Sociology (1997).
11- Farid, Samah Ahmed, Creative Adults and Socio-Cultural Challenges: Sociological Study in Egypt, International Journal of Psychological Studies, Vol. 3, No. 2, December 2011, http://www.ccsenet.org.
12- John, Simpson and Christensen, Jens During, Small Enterprise Program, Job Creation and Enterprise Department, ILO, Geneva, 2009.
13- Rushton, Philippe, Ethnic nationalism evolutionary Psychology and Genetic Similarity Theory, nations and Nationalism, 11(4), 2005, pp489-507.
14- Bezci, Senol, Youth in Crisis: An Eriksonian interpretation of aloscent Identity in "Franny", Novitas-Royal, 2008, vol.2, No.1, , ISSN, 1307-4733, pp1-12.
15- Bertalanffy, Ludwig, von, General System Theory: Foundation Development Application, Allen Lane the penguin press, pp1-15, 252-261, 264-266.
16- Clark, Helen, Youth Participation: Creating good Citizen´-or-good subjects, Anthropology Matters, Vol.10, No.1 (2008), http://www.anthropolgymatters.com.
17- Cordesman, Anthony H., etal, The Causes of Stability and Unrest in the middle East and North Africa: An Analytic Survey, Center for Strategic and International Studies, April 18, 2012.
18- Credits Suisse, Credit Suisse Global Wealth Data book, October 2010.
19- Inwent, Capacity Building, Germany, Development Psychology in Youth inwent.org.
20- Bar , M.D. and Govindasamy , A.R, Hegemony with out Conversion : Religious Nationalism in Modern Malysia , OCIS , Global Change , Peace and security , pp5-190 .
21- Vlas , Natalia , Is Religion Inherently violent : RELIGION AS Athreat and promise on the Global security , Centre for Political Analysis ,Babes – Bolyai university , Romania , PP297- 303 .
22- مسح شبكة المعرفة، الجداول: الخصائص الديموغرافية والقوى العاملة، الجهاز المركزي للإحصاء وتقنيات المعلومات، بغداد، الموقع الالكتروني COSTT .
23- علي، احمد ابريهي، اقتصاد العراق بين العجز ومتطلبات الانطلاق، أبحاث المؤتمر الاقتصادي العراقي عام 2008، منشور على الموقع IIER .
24- علي، احمد ابريهي، الاستثمار الأجنبي في عالم الاقتصاد الحر والانفتاح المالي، بيت الحكمة، 2011، الصفحات 214-222.
25- علي، احمد ابريهي، اقتصاد النفط والاستثمار النفطي في العراق، بيت الحكمة، بغداد، 2012.
26- الوردي ، سليم ، ضوء على ولادة المجتمع العراقي المعاصر ، كتاب الصباح الثقافي ، 2009 .



#أحمد_إبريهي_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكم والزمن في الوعي الأقتصادي: تتمة
- الكم والزمن في الوعي الاقتصادي : تتمة
- الكم والزمن في وعي المشكلات الأقتصادية
- ازمة الأقتصاد العراقي وفرص الأصلاح
- نحو مقاربة واقعية للمشكلة الأقتصادية


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد إبريهي علي - التحديات السياسية والأجتماعية للتنمية وفرص الشباب: ورقة خلفية لتقرير التنمية البشرية المستدامة 2012