أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - ثوب المسيح أكمامهُ قصيرة ..ثوب المطر أطول قليلاً















المزيد.....

ثوب المسيح أكمامهُ قصيرة ..ثوب المطر أطول قليلاً


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1356 - 2005 / 10 / 23 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


(( إلى ديمة* .. أغنية الراي من الشاب خالد .. ونغم من ماصول تومان البصري . ))

يهطل المطر في الصباحات الدافئة بسلالم من أمل أخضر في عيون طفلة تتدثر بصمت أمها المتمددة على فراش عزلتها بعد أن مدت الحرب أصابعها وأخذته بعيدا إلى عزلة القدر .
يقول الصينيون : المطر خمرة الأرض . أمي تعتبره القادم ليجعلنا نتزحلق . ولأنه يأتي من علو شاهق فأن أكمام قميصه ستكون طويلة حتماً .
المسيح (ع ) أكمام قميصه قصيرة . هكذا بدا لي في لوحة من عصر النهضة . كانوا يأخذوه إلى منصة الخشب . وعيناه شاخصة إلى السماء . ثمة ملائكة تطير في المكان . ثمة صخب لأناس . هم يهود بالتأكيد . المسيح لا ينتبه إلى هذا الزحام . في زاوية اللوحة كانت غيمه ماطرة . لحظتها تواردت في ذهنه المقدس خاطرة أكمام قميص المطر الطويلة . كان يرتدي قميصا أبيضاً مزقت أكمامه بفعل قسوة الإرغام ليعتلي المنصة . الكمامتان مهترئتان . شعر بالبرد . أبتسم . ثم أغمض عينيه .

كان تومان يعزف بنايه لشوارع فارغة . كانت المدافع تتبادل الشتائم . وكانت أكمام النخل تقصر بفضل مقص الشظايا . الحرب ليست خياط ماهر . المطر يقيس أثوابه بمزاجات الريح ويهبط مترنحا على دمعة طفلة فقدت أبيها في الحرب .

ليلة قرع ناقوس الكنيسة . كنت أحمل دفاتري ذنوب طفولة السطوح وكنت أستمع إلى نواح عاشوراء وأصنع من الفقر برجيت باردو صغيرة . وفي قن الدجاج أنام معها حتى الظهيرة حيث ستظهر الشمس وتفضحنا .
ـ لحظة أقترب المسيح من جرح المسامير . أمي تحولت إلى ثمرة قرع يابسة خبأت بها ورقة ملكية بيتنا الطيني . وكان أبي يسعل مثل دبابة . وأخي الصغير مصاب بإسهال ينزل مثل مطر . وحين دهسته سيارة. أمي تحولت إلى منصة من عظام وتكورت مثل شجرة توت في جبل شمالي .
في ذلك المكان صنعت برجيت باردو أخرى وخبأتها في معطفي لكن شظية بحجم رأس ثقاب دخلت صدري وفضحتني .

يهبط المطر للأسباب التالية :

1 ـ لغسل خطيئة الساسة .

2 ـ لمنادمة العجائز .

3 ـ لتعليم الورد الابتسامة .

4 ـ لجعل الشاعر مقبولا لدى القراء .

5 ـ لغسل خوف السمك حين يدلف إلى شهوة الشبكة ويطفوا طالبا الاستغاثة .

6 ـ من أجل إثبات أبوته للنخل .

7 ـ لمشاركة الفقراء طموحهم بهزيمة عقل الثري وامتلاك ما عنده .

8 ـ يغسل معطف السياب البرونزي بعد إهمال بلدية العشار له .

9ـ يفرق لنا الطالح من الصالح .

وله في هطوله مآرب أخرى ..

تلك ثيمة ما يمكن أن نعتقده انه مانح الحياة ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) صدق الكتاب .

منه ستكسبين فكرة ما انتميت أليه أيتها الصبية . أكمام المطر الطويلة . ما أجمله من عنوان وأنا أهديك لوح الفخار الرطب وبحروف مسمارية أكتب إليك نصا مصغرا من حكاية جلجامش .

كان المطر يغسل طريق الإسفلت بين أوروك وغابة الأرز . بين ناحية المدينة حيث ولد ألوالد وبين لاهاي حيث ينتظر من محكمة العدل حقوق حلمه المغيب في أشرطة الرؤى . وكأن الزمن يقف بحزنه الكوني الذي تجمع في عيون يسوع لحظة شهق شهقته الأزلية وأغمض عينيه وكان المطر بأكمامه البيض المشبعة بكل عناصر الهواء يحول مساحات الحزن وقناديل الدمع إلى عدسات بها نصور ماذا يريد الفلاسفة بالضبط عندما يضعون تجربة المسيح وألمه كخيار لفكرة أن نكون أو لا نكون في وطن تنحر الشظايا نخيله وتثقب الطائرات قواربه السومرية تلك التي انحدرت بأبيك ذات مساء بغدادي إلى طرابلس ثم بيروت ثم المنفى الطويل كأكمام المطر الهابط على نعاس القصب في هور المدينة حين نسجنا من كلبدون الحصيري عباءات لمضائفنا التي تنتظر حكمة الآلهة والكهول لتقول كلماتها : هل ترفض الدكتاتور أم تذهب معه إلى حروبه التي لم تنته إلا حين يشق المارينيز بكاء المسيح بعويل المدرعات و صلبان اليورانيوم ليغسلوا القصب والماء والسمك بفضيحة التلوث وسعادة سقوط التماثيل ..؟

أين أنت ياديمة ؟

أن تومان ظل يعزف بماصوله الخشبي حتى نهاية ليل الثمالة في واحد من حانات العشار . هم لم يدخلوه إليها يوما ما . لقد كان يعزف على الأبواب دائما . كان الثملون والراقصات لا ينصتون إلى كمانات العازفين بل ألي صوت نايه . وفي النهاية الموسيقي يمتلك أجره وتومان يطرده صاحب الحانة بلطف ليعود إلى صمونة وقدح شاي . ولكنه أينما يكون النغم معه .

الأكمام الطويلة هي سترنا الذي يخبئ خجل الشرق .الأكمام القصيرة هي النقص الحاصل في شيء فينا جراء قهر ما . والمسيح تعرض إلى قهر وبدا حزينا ينصت إلى صوت العازف الزنجي ويتعود معه على خلق فضاءات أفريقية لوجود مدينة قرأت خواطر البرامكة والزنج والقرامطة وما تركه ماركس وتشرشل على مصاطب مقاهي شط العرب .
- لاشيء ..
المكان هو المكان . نفس ماكان . الزمان متغير . بندول ساعة الرمل تعدل توقيتاته يد والدك وأصابع الفراهيدي . مؤذن جامع الأمام علي ع يدعو أهل العشار إلى صلاة جماعية .

ارفعوا أكمامكم للتوضؤ .. سيكون الأمام في المقدمة . المشهد يحتاج إلى كاميرا أحادية العدسة .

لا تعكس ضوء أي مرآة . لا تشعلوا المصابيح الكبيرة . ضوء وجهه يكفي .

يرفع أكمامه الطويلة ويقول : الله أكبر . قد قامت الصلاة .

المسيح أكمامه قصيرة . فهو لا يرفعها حين يصلي وقد أزاد الهرج والمرج حوله حين أنجزوا دق ركائز صليب الخشب .

الأمام يتلقى سيفا على هامته ويسقط . وأكمام قميصه المطري تتبلل بالدم البارد . المسيح تدق المسامير على يديه وقد خلعوا عنه قميصه .

موتان مقدسان . واحد بأكمام والآخر من دونهما .

لكنك ياديمة حين تنامين ذات يوم على سوباط من قصب البردي في هور والدك الأزلي ستعيدين المشهد من خلال التطلع إلى صفاء السماء الفسيحة كالفكرة النقية وستبتهجين حتما حين ترين الأكمام بأشكال لا تحصى ومنها تلك التي يرتديها المطر وبها يغسل حزن الأزمنة في هذا الوطن الذي لا يدري لماذا يموت أئمته وفقراؤه وجنوده بهذا الشكل . وعندما تسألين أبيك عن السبب . سيرد لا أعرف ولكن اسألي من ترينهم الآن يسبحون في السماء التي تتطلعين أليها : فهم وهم من يقدروا أن يجيبوا على تساؤلاتك كلها !

* ديمة : هي ابنة المخرج العراقي الكبير قاسم حول





#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالرمل لا بالخيمة تلوذ الحياة
- عود الفارابي
- دمعة رامبو
- ميتافيزيقيا خد الوردة ونباح الكلب
- مديح بنزيف الخاصرة ..تيه الذاكرة والجسد
- ميثولوجيا الأهوار ..طبيعة تستغيث وأحلام عودة المياه الى أزله ...
- المعدان عرب الأهوار زادهم الفطرة والتشيع والكرم
- قبعة مكسيكية ..وموسيقى موزارتية ..وشاي مهيل
- سيف المتنبي
- ميثولوجيا الأهوار..الأهوار والمندائيون ..خليقة تعود الى آدم ...
- عين المعري
- ميثولوجيا الأهوار ..تجفيف الأهوار ..تجفيف لأحلام الأنسان وال ...
- ميثولوجيا الأهوار..الهور ..المكان طوبغرافيا وعناصر الحياة
- هل كنا نحتاج الى يولسيس ..وهل كانت بغداد إيثاكا..؟
- الموسيقى السومرية ..الروح أولاً
- الثقافة العربية _الأسبانية ..رؤية من خلال المنظور التأريخي
- فرنسا والعرب من نابليون وحتى جاك شيراك
- عن الضوء الذي يبعث شهوته الى كل ذكور العالم
- مشوار مع حنجرتي لطيفة التونسية وصديقة الملاية
- الشعر والأقتراب من ذاكرة السياب وأنشودة المطر


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - ثوب المسيح أكمامهُ قصيرة ..ثوب المطر أطول قليلاً