أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (9)















المزيد.....

العرب قبل وبعد الإسلام (9)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4937 - 2015 / 9 / 26 - 01:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إذا كان عرب ما بعد الإسلام أفضل من عرب ما قبل الإسلام وقال عنهم محمد أنهم أهل (جاهلية) فهل الإسلام غيّر من العقلية العربية/ البدوبة (الجاهلية) ؟ إنّ الوقائع المذكورة فى كتب التارخ العربى/ الإسلامى ، تنفى وجود أى تغير حدث لتلك العقلية ، وحروب العرب (المسلمين الموحدين) ضد أشباههم من (عرب مسلمين موحدين) تؤكد على أنّ العقلية العربية (واحدة) لم تتغيّر، سواء قبل أو بعد الإسلام . وهل يستطيع العقل الحر أنْ يتجاوز عن روح (الشماتة) والفرح والبهجة التى سادتْ بين أتباع معاوية وهو فى الشام عندما بلغهم مقتل محمد بن أبى بكر؟ فكان رد فعل على بن أبى طالب أنْ قال ((إنّ حزننا عليه على قدر سرورهم به)) ثم قام فى الناس خطيبًا وبعد أنْ صلى على النبى قال إنّ ((مصر قد افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم.. إلخ)) (الطبرى – تاريخ الأمم والملوك – مؤسسة الأعلمى – بيروت – لبنان – ج 4 – 83) وأعتقد أنّ شهادة على بن أبى طالب غاية فى الأهمية عن أحداث غزو العرب لمصر ونهب مواردها ، وهى الأحداث التى يصفها الإسلاميون والعروبيون ومعظم الماركسيين (المصريين) بأنها أحداث ((عظيمة لأنها خلــّـصتْ مصر من ظلم الاحتلال الرومانى) بينما الباحث صاحب العقل الحر، يرى أنّ الاحتلال العربى لم يختلف عن الاحتلال الرومانى ، وكانت د. زبيدة عطا من بين أصحاب العقول الحرة ، لأنها امتلكتْ قدرًا كبيرًا من الموضوعية عندما وصفتْ وضع الفلاح المصرى أثناء فترة الاحتلال الرومانى فكتبتْ ((اختلف وضع الفلاح كمستأجر فى ضياع كبرى أو تابع لمجلس القرية أو مستقل يدفع ضرائب للدولة. ولكن على أية حال لم يُـصبح قنـًـا (أى عبدًا) بل كان فلاحــًا حرًا ، كما ذكرتْ برديات عديدة وعقود البيع والشراء والايجار. ومن حقه أنْ يشكو (الباجارك) أو مسئول الاقليم إذا أساء إليه. وهناك ملاحظة مهمة وهى أنّ القانون الامبراطورى منذ ثيودسيوس يمنع تملك الأجانب للأراضى المصرية. فكبار ملاك القرن السادس كانوا من المصريين وكذلك غالبية موظفى الإدارة المالية)) ثم أضافتْ ((والذى نستخلصه من تلك الدراسة هو أنّ الفلاح المصرى كان تحت الحكم البيزنطى فلاحـًـا حرًا ولم يكن قنــًا (= عبدًا) للأرض . وأنّ تشريعات الأباطرة استهدفتْ تحقيق العدالة للفلاح لضمان حصول الدولة على دخلها... وهذه هى الأوضاع التى واجهتْ العرب غداة الفتح الإسلامى (الدكتورة زبيدة رغم موضوعيتها إلاّ أنها لم تتخلــّـص من التراث العربى/ الإسلامى الذى أصرّ على وضع مساحيق التجميل على بشاعة الاحتلال العربى ، ويرفض أتباعه استخدام لغة العلم ليكون التعبير الدقيق (الغزو العربى) وليس (الفتح الإسلامى)
فماذا حدث بعد الغزو العربى ؟ كتبت د. زبيدة بلغة العلم ((وقد اهتم العرب منذ البداية بخراج مصر وأراضيها وحرصوا على نفس النسبة التى كان يجمعها البيزنطيون ، وفقــًا للرسائل المُـتبادلة بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص. ولقد اختلفتْ سياسة الخلفاء بين السماحة والشدة فى الجباية... حيث أنّ الخليفة سليمان بن عبد الملك كتب إلى واليه فى مصر قائلا : احلب الدر حتى ينقطع.. واحلب الدم حتى ينصرم)) أما أهم نتيجة توصلــّـتْ إليها د. زبيدة فهى ((أصبحتْ شحنة القمح تذهب إلى مكة كما كانت تذهب إلى القسطنطينية من قبل)) (الفلاح المصرى بين العصر القبطى والعصر الإسلامى – هيئة الكتاب المصرية- سلسلة تاريخ المصريين – رقم 48- عام 1991- من ص12- 14)
وذكرتْ د. زبيدة معلومة غاية فى الأهمية عن واقعة حقيقية تتعلق ببيع الكروم والنبيذ الذى ((كان المشروب المُـفضــّـل لدى المصريين أثناء الفتح (= الغزو العربى) وزُرعتْ مساحات كبيرة من الأراضى بالكروم وكان المصريون يتولون عصرها بعد جنيها ، وفى إحدى البرديات القبطية التى تعود للقرن الثامن فيها طلب الحصول على جرتيْن من النبيذ من أجل الجنود (العرب) ومن تلك الواقعة يتبيّن أنّ العرب الذين احتلوا مصر- كانوا يسمحون ببيع النبيذ والخنازير، ولكن بشرط دفع الخراج عليها وعليها عـُـشر أثمانها وفق تعليمات عمربن الخطاب. بل إنّ العرب الغزاة لم يكتفوا بضريبة الأرض (الخراج) ولا بضريبة (الرؤوس) أى الإتاوة التى يجب على كل مصرى دفعها للغزاة ، ولم يكتفوا بحصيلة (الجزية) المفروضة على الذين رفضوا الدخول فى الإسلام ، لم يكتفوا بكل ذلك ، ففرضوا العديد من أشكال الضرائب (الإتاوات) مثل فرض ضريبة على المراعى وتربية المواشى ، وضريبة على بعض أصناف الطعام ، ويعود إنشاؤها للضرائب العينية التى تقررّتْ على القمح والزيت.. وهذه الضريبة تقرّر فرضها على أهل الشام وأهل مصر... وتحوّلتْ تلك الجبايات (وفق تعبير د. زبيدة) إلى ما يُعرف بضريبة الطعام ، وهى ضريبة عينية أهم ما يُـجبى فيها القمح.. وكان أول إرسالها إلى مكة فى عهد عمر بن الخطاب ، الذى أمر بحفر خليج فى النيل إلى القلزم لتسهيل نقل الطعام إلى المدينة ومكة ، ظلّ يُـحمل فيه الطعام بعد عمر بن عبد العزيز إلى أنْ قضى عليه إهمال الولاة . والبرديات تــُـشير إلى أنه كانت تــُـجبى إلى جانب القمح محصولات أخرى ، وفى بردية تعود إلى القرن السابع وفيها من القسم الأول 32 أردبًا وفى القسم الثانى 120 أردبًا.. إلخ وفى خطاب آخر يأمر الوالى كاتبه أنْ يتجه إلى شنشسور (فى المنوفية) ويُـخرج الأقباط (أى المسيحيين) ويرسل إليه مائة أردب قمحـًا وفى أمر ل (قرة بن شريك) إلى أهالى (كوم أشقوه) أنهم أصابهم من ضريبة الطعام أحد عشر أردبـًا قمحـًا.. وقد نـُـقلتْ غلات أخرى بخلاف القمح والعدس إلى جزيرة العرب. بل إنّ الأمر ازداد بشاعة عندما فرض العرب ضريبة على المرور من مكان إلى مكان آخر وأطلقوا عليها (ضريبة الجسور) وكانت رُبع دينار. وفى وثيقة أخرى إشارة إلى ضريبة تخص البحرية فــُـرضتْ على القرى.. ومما فــُـرض على المصريين (ضيافة العرب) وورد فى إحدى البرديات ذكر (ضريبة النزل) ونتيجة كثرة الضرائب التى فرضها الغزاة العرب على المصريين ((ارتفعتْ شكوى الجباه من خلال البرديات من هروب الفلاحين وتأخيرهم فى الدفع.. ووصل ظلم العرب لدرجة أنّ القرية ((تتحمل ضرائب من ترك أرضه)) كما أنّ العرب الغزاة استخدموا نظام (السُخرة) فى بناء الجسور. ونظرًا لهروب الفلاحين من أراضيهم فإنّ العرب (فى محاولة للحد من هذه الظاهرة) منعوا الفلاحين من مغادرة قراهم إلاّ بتصريح ، فالمواطن (المصرى) إذا أراد أنْ يتــّجه إلى مكان يقيم فيه ردحـًا من الزمن ، لم يكن مُـلزمًا (فقط) بالحصول على تصريح من (العربى) حاكم المدينة أو المنطقة التى يتبعها ، وإنما كان مُـلزمًا بإفادة الموظف المحلى بمكان إقامته الجديد . واختتمتْ د. زبيدة هذا الفصل بأنْ كتبتْ أنّ العرب حرصوا على ضمان تحصيل الضرائب.. ورغم أنّ العقيدة الإسلامية (السمحة) لا تــُـثـقل على رعاياها وحثــّـتْ على (الرفق) فى معاملاتهم ، فإنّ حرص الولاة والخلفاء على الخراج أدى إلى استمرار الضغط على المزارع المصرى وارهاقه بما لا يستطيع وكان هذا وراء ثورات القبط فى عهد بنى أمية (د. زبيدة- من ص98 – 116)
لقد تعمّـدتُ الاستشهاد بكتاب د. زبيدة لأنها : 1- ليست ضد الإسلام بل هى مُـدافعة عنه فى معظم صفحات الكتاب مثل قولها فى الفقرة السابقة (العقيدة الإسلامية السمحة) 2- ردّدتْ ما تقوله الثقافة المصرية السائدة عن المسيحيين المصريين بأنهم (القبط) وغاب عنها أنّ قبطى = مصرى وفق علم اللغويات وعلم المصريات ، كما أنّ الثورات المصرية ضد العرب اشترك فيها المسيحيون والمسلمون المصريون ، بل وكثيرون من العرب الذين عاشوا فى مصر، وتمرّدوا على تعليمات عمر بن الخطاب الذى منعهم العمل بالزراعة 3- أنّ د. زبيدة (رغم دفاعها عن الإسلام) فإنها كانت شديدة الموضوعية وهى تنقل من كتب التراث العربى/ الإسلامى جرائم العرب ضد شعبنا المصرى (وهذا يُحمد لها) ومن أمثلة ذلك :
نقلتْ ما ذكره المقريزى من أنّ خلفاء بنى أمية وبنى العباس ((كانوا يمنحون الاقطاعات للمقربين إليهم)) وكتبتْ ((كان أهم ما فــُـرض على المصريين : الجزية والخراج إلى جانب ضرائب أخرى . ولقد حـدّدتْ الشريعة (الإسلامية) ومعاهدات (الفتح) مقدار الجزية. ثم نقلتْ نص الآية القرآنية التى (أوجبتْ) الجزية والتى تبدأ ب ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله.. حتى قوله من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) (التوبة/ 29) وهو تشريع لم يخطر على عقول (عرب ما قبل الإسلام) الذين أطلق محمد عليهم صفة (جاهليين) لأنّ عرب ما قبل الإسلام لم يكن يعنيهم ولاء الإنسان للإله (هبل) أو (إيل) أو (العزى) أو (اللات) وإنما كان يعنيهم (فقط) الانتصار على القبيلة المُـعادية والسيطرة عليها والاستحواذ على ممتلكاتها.
ونقلتْ د. زبيدة ما كتبه ابن عبد الحكم القرشى عن واقعة القسيس الذى طلب تحديد مقدار (الجزية) المفروضة على المسيحيين ، فقال له عمرو بن العاص ((إنما أنتم خزانة لنا)) ونقلتْ واقعة أخرى ذكرها ابن عبد الحكم وهى أنّ عمر بن عبد العزيز (الذى أخذ صفة الخليفة العادل) أمر عامله المسئول عن الخراج (حيان ابن سريح) أنْ ((يجعل جزية موتى القبط (أى المسيحيين) على أحيائهم ، حتى إذا مات فرد من أهل القرية كانت تلك الجزية ثابتة عليهم)) فهل وُجد فى التاريخ الإنسانى كله استعمار أشد وأبغض وأقسى من الاستعمار العربى ، الذى يفرض (الجزية) على (الموتى) ؟ فى تحايل خبيث لتكون النتيجة أنّ الأحياء يتحمّـلون جزية الموتى ، أو كما قالت د. زبيدة حتى تتحمّـل القرية جزية الراحلين إلى العالم الآخر.
ونقلتْ د. زبيدة الرسائل المُــتبادلة بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص حول مسألة الخراج والجزية ، وأنّ تلك الأموال المنهوبة كانت لها الأولوية فى اهتمامات الخلفاء المسلمين (وليس نشر الإسلام كما يزعم مرضى العاطفة الدينية) فكتبتْ د. زبيدة ((ومن الخطابات المُــتبادلة بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص نــُـلاحظ اهتمام الخليفة بخراج مصر، ولومه عمرًا لأنّ (الفراعنة) والمقوقس جبوها أكثر مما جباها عمرو، واتهمه بأنّ عماله الذين وصفهم بعمال السوء هم المسئولون عن هذا . ولكن عمرًا كان مُــتـفهمًا لطبيعة مصر واحتياجاتها . وأنّ الإثقال على أهلها سيؤدى إلى خرابها ، وذكر للخليفة أنّ (الفراعنة) جبوها أكثر منه لأنهم كانوا أرغب فى عمارة أرضهم منه. وأنّ النهر يُـخرج الدر، وأنّ حلبها حلبـًـا يقطع درها ، ولن تستفيد الدولة الإسلامية خيرًا ، لأنه سيضر بالأرض ومزارعيها . وفى خطاب آخر من عمرو إلى الخليفة عمر قال ((أهل الأرض انتظرونى (أى طلبوا مهلة) إلى أنْ تــُـدرك غلتهم )) وأنّ عمرو بن العاص أرسل أحد المصريين إلى مكة (بناءً على طلب الخليفة عمر) فذكر الرجل للخليفة إنّ محاولة أخذ الخراج قبل تمام الزرع يعنى الاضرار بالمزارع والعجز فى الجباية فيما تلى من أعوام)) ونقلتْ د. زبيدة ما ذكره الواقدى فى كتابه (فتوح الشام) أنّ الجباه الذين اختارهم عمرو بن العاص لم يختلفوا عن الجباه فى العصر البيزنطى ((من عسف وجور تجاه الأهالى.. خاصة أنّ الولاة المسلمين (الأدق العرب) حرصوا على جباية الخراج وتخوفوا من نقصانه حتى لا يتهمهم الخلفاء بالإهمال كما حدث مع عمرو حين جباها عبد الله بن سعد 14 مليونــًا فقال عثمان لعمرو: يا أبا عبد الله.. درّتْ اللقحة بأكثر من درها الأول فردّ عليه عمرو: أضررتم بولدها (د. زبيدة – المصدر السابق – من ص89- 94)
وبينما الغزاة العرب فرضوا العديد من أنواع الضرائب (= الإتاوات) وابتدعوا (ضريبة الطعام) و(ضريبة الجسور) أى ضريبة على كل من يرغب فى الانتقال من قرية إلى أخرى ، وفرضوا (الضيافة الإجبارية) وفق تعليمات عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص ونصّ فيها على أنّ ((للمسلمين (الأدق للعرب) حيث نزلوا ومن نزل عليه ضيف واحد من المسلمين أو أكثر من ذلك ، كانت لهم ضيافة ثلاثة أيام (مُـفترضة) عليهم (أى إجباريًا والأدق لغويًا مفروضة وليس مُـفترضة) وأنّ لهم أموالهم وأرضهم فشرط هذا كله على القبط خاصة) (ابن عبد الحكم القرشى – فتوح مصر وأخبارها – ص55) وللعقل الحر أنْ يتخيـّــل موقف الرجل المصرى ومشاعره وهو يستضيف (اللفظ المُـهذب للتنطع والبلطجة والإرهاب) إنسانـًا عربيًا أو أكثر، وسط زوجته وأولاده ولمدة ثلاثة أيام ، وكانت القسوة الأشد هى وضع شعبنا المصرى أمام ذلك الإمتحان العسير، حيث عليه الاختيار بين ثلاثة أمور: الإسلام أو الجزية أو القتال (ابن عبد الحكم القرشى – ص53) بينما الغزاة العرب فعلوا كل ذلك فإنّ الغزاة الرومان كانوا أقل قسوة وأكثر عدالة باعتراف د. زبيدة التى كتبتْ ((لقد سعى دقلديانوس لاصلاح النظام الضريبى استجابة لشكوى الأهالى (المصريين) من كثرة الجبايات نتيجة هجر المُـزارعين لقراهم فأعيد مسح أراضى الامبراطورية ووضع التقدير الجديد على أساس وحدة انتاج الأرض من الأرض الصالحة للزراعة وأنّ عدد الأقسام فى الوحدة يختلف وفقــًا لخصوبة الأرض ، فهناك وحدة لمزارع العنب والزيتون ووحدة للحبوب ، وهكذا قــُـدّرتْ الضريبة على أساس كل وحدة)) وأضافتْ ((ولقد حرص سيودثيوس فى قانونه على تحقيق العدالة فى الجباية فأعاد ذكر قانون يعود لعام 330م بالنسبة لمدفوعات الضرائب ، فلن يُـقاسى أى شخص من أيد غير أمينة أو أحكام ظالمة. ولن يُساق بسوط أو يُجلد أو يتعرّض لتعذيب أو اضطهاد ، فالسجون للمجرمين ووفقــًا لهذا القانون فإنّ دافع الضرائب فى مأمن)) (د. زبيدة – المصدر السابق – 72، 73)
فإذا ما قارن العقل الحر ذاك القانون الرومانى ، بما فعله العرب الغزاة الذين تستــّـروا خلف الدين ، بينما كان كل همهم جمع الأموال ونهب المحاصيل الزراعية ، فإنّ النتيجة أنّ عرب ما بعد الإسلام لم يختلفوا عن العرب السابقين عليهم والذين وصفهم (والأدق وصمهم محمد بالجاهلية) ولعلّ ما قاله على بن أبى طالب عن معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص يكون دليلا دامغــًا على أنّ الإسلام لم يُـغيّر العرب ، حيث قال إنه كان يتمنى أنْ يتولى حكم مصر شخصًا آخر غير عمرو بن العاص وأعوانه الفجرة العرصة)) الطبرى – مصدر سابق – ص83) وأظن أنّ تعبير على بن أبى طالب فى وصف عمرو بن العاص وأعوانه ب (الفجرة العرصة) قد يخجل أى إنسان فى العصر الحديث من استخدامه ، بينما السؤال الذى يشغل العقل الحر هو: لماذا استخدم على بن أبى طالب هذا التعبير؟ وهل كان فيه شطط ومبالغة ؟ أم عن خبرة (حياتية) وعاها من خلال معرفته بأصول عمرو بن العاص وما عرفه من أنّ أم عمرو كانت واحدة من أشهر الداعرات العاهرات فى مكة ، وأنّ نسبه لأب توزع بين خمسة رجال ؟ وإذا كان هذا هو رأى على بن أبى طالب فى عمرو بن العاص وأعوانه ، فإنّ السؤال الذى يتغافل عنه مرضى العاطفة الدينية هو: لماذا اختاره عمر بن الخطاب ليكون على رأس الجيش (العربى) الذى غزا مصر؟ وهل كان عمر بن الخطاب يجهل (تاريخ) عمرو بن العاص و(تاريخ) أمه ؟ وكيف يجهل عمر بن الخطاب ذلك التاريخ المُـشين لعمرو بن العاص وأمه وهو أحد أبناء قريش ، وأنّ ذلك التاريخ المُـزرى كان معروفــًا للكافة ، بدليل ما ذكرته أروى بنت الحارث بن عبد المطلب (أنظر مقالى السابق رقم 8 عن العرب قبل وبعد الإسلام) يذهب ظنى أنّ عمر بن الخطاب كان على علم بتاريخ عمرو بن العاص وأمه ، ولكنه تغاضى عن كل ذلك ، مقابل (نجاح) الغزو على مصر، وأدرك أنّ عمرو بن العاص هو ((رجل المهمة)) وأنّ احتلال أراضى شعب يتطلب من (الغازى) أنْ يكون بلا ضمير وبلا وازع من شرف قبل أنْ يكون (رجل سياسة) ولعلّ هذا الاختيار من عمر بن الخطاب يُـفسّر ما فعله عمرو بن العاص فى مصر، وفى الفصل الذى كتبه ابن عبد الحكم القرشى تحت عنوان (مصر فــُـتحتْ عنوة) أنه عن فلان عن فلان عن داود بن عبد الله الحضرمى أنه ((سمع عمرو بن العاص يقول : لقد قعدتُ مقعدى هذا ، وما لأحد من قبط مصر علىّ عهد ولا عقد)) وقال : ((إنْ شئتُ قتلتْ وإنْ شئتُ خمّـستْ وإنْ شئتْ بعتْ)) ومعنى (خمُـستْ) أى الحصول على النسبة المُـقرّرة فى القرآن (سورة الأنفال) أما معنى قوله (بعت) فقد نفذه فى (برقة) ووفق نص ابن عبد الحكم القرشى ((فسار عمرو بن العاص فى الخيل حتى قدم برقة فصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤدونها جزية على أنْ يبيعوا من أحبوا من أبنائهم فى جزيتهم)) (ص66، 67، 116)
وكان من بين سر إعجاب عمر بن الخطاب بعمرو بن العاص ، أنّ الأخير لكى يُـقنع الأول بغزو مصر قال له ((إنك إنْ فتحتها (كأنها مغلقة) كانت قوة للمسلمين (الأصح للعرب) وعونــًا لهم ، فهى أكثر الأرض أموالا ، وأعجزها عن القتال والحرب)) وظلّ عمر بن الخطاب مُــتردًا فترة ولكن بضغط من عمرو بن العاص وافق على الغزو)) (ابن عبد الحكم – ص 47) وإذا كان المُـدافعون عن الإسلام وعن العرب يقولون أنّ (فتح مصر) كان بعهد وب (الصلح) فإنّ ابن عبد الحكم نقل كلام المُعاصرين للأحداث الذين قالوا إنّ ((عمرو بن العاص (فتح) مصر بغير عقد ولا عهد)) وعن الإسكندرية فإنها ((فــُـتحتْ عنوة بغير عهد ولا عقد ولم يكن لهم صلح ولا ذمة)) (من ص 63- 67) وكان من بين إعجاب عمر بن الخطاب بعمرو بن العاص أنه عندما طلب الأول من الأخير وصف مصر قال له (( مصر نيلها عجب ، وأرضها ذهب ، وهى لمن غلب ، ونساؤها لعب ، وملكها سلب ، ومالها رغب ، وخبرها جلب ، وفى أهلها صخب ، وطاعتهم رهب وحربهم حرب)) (بدائع الزهور فى وقائع الدهور – ابن إياس – ج1 – قسم 1 – هيئة الكتاب المصرية عام 1982- ص38) تلك هى نظرة الغازى لحضارة مصر (من شخص عربى وٌلد قبل الإسلام من أم تعيش على بيع جسدها ، وعاش الابن ليرفل فى نعيم (الأنفال) أى النهب المُـنظــّـم ، فهل تلك النظرة كانت ستختلف لو عبّر عنها شخص (عربى) آخر عاش فى فترة (الجاهلية) ولم يُـسعده الحظ ليعيش فترة (اللا جاهلية) التى اعتمدتْ على غزو الشعوب المُـتحضرة ونهب خيراتها ؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب قبل وبعد الإسلام (8)
- العرب قبل وبعد الإسلام (7)
- العرب قبل وبعد الإسلام (6)
- العرب قبل وبعد الإسلام (5)
- العرب قبل وبعد الإسلام (4)
- العرب قبل وبعد الإسلام (3)
- العرب قبل وبعد الإسلام (2)
- العرب قبل وبعد الإسلام (1)
- مغزى الدفاع عن جنسية الوطن
- القيم الروحية بين السياسة والعلمانية
- العدوة لعصور الظلام
- السامية والحامية ولغة العلم
- رد الى الاستاذ الأستاذ طلال الربيعى بشأن مقالى (أسباب فشل ال ...
- أسباب فشل اليسار المصرى
- الدولة شخصية اعتبارية
- الإخوان المسلمين وأنظمة الحكم
- الإخوان المسلمون وعلاقتهم بالاستعمار الإنجليزى والأمريكى
- أفغانستان فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين
- الفرق بين لغة العلم ولغة العواطف الدينية
- حياة سيد قطب الدرامية


المزيد.....




- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - العرب قبل وبعد الإسلام (9)