أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - في وداع الدكتور محمد المشاط















المزيد.....

في وداع الدكتور محمد المشاط


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 4936 - 2015 / 9 / 25 - 23:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رحل عن عالمنا مساء يوم 19 أيلول/سبتمبر الجاري في فانكوفا/ كندا، بعد مرض عضال لم يمهله طويلاً، الشخصية الوطنية، والدبلوماسي اللامع، الدكتور محمد صادق المشاط، سفير العراق الأسبق في عدد من أهم عواصم دول العالم، كفرنسا والنمسا، وبريطانيا، وأخيراً الولايات المتحدة.

ورغم أنه لم يسعفني الحظ باللقاء به في حياته، إلا إني أعتبره صديقاً عزيزاً عليَّ بفضل مبادرته الكريمة قبل أكثر من عشر سنوات، حيث كان يتابع كتاباتي على الانترنت، وله فضل المبادرة في التواصل معي عبر البريد الأكتروني أولاً، ثم عبر الهاتف، حيث يحرجك بتواضعه وأدبه الجم، وهو الذي تسنم عدة مناصب وزارية مهمة وقبل أن ينخرط في السلك الدبلومسي، فتطورت العلاقة بيننا إلى صداقة حميمة. وكان الرجل كريماً في ثنائه ومشجعاً ومؤيداً لطروحاتي، بل وملهماً لي في الكثير من الأحيان. وكان دائماً هو السباق في تقديم التهاني بمناسبات الأعياد، أو عندما يقرأ مقالاً لي يرغب في مناقشته معي... لذلك جاء نبأ وفاته كصدمة مفاجئة ومؤلمة لي.

ولا يخفى أن الرجل، وكأي شخصية وطنية عمل في الشأن العام العراقي أن يسلم من خصوم، فلا بد وأن يكون موضع جدل واختلاف، ولم يكن الراحل المشاط استثناءً، إذ تعرض إلى حملة ظالمة من قبل بعض الكتبة من أيتام النظام البعثي المقبور لأنه تبرأ من هذا النظام الذي تسبب في تدمير العراق، وخاصة بعد جريمة غزو الكويت. لذلك وبعد حرب تحرير الكويت مباشرة عام 1991، رفض العود إلى العراق، واستقال من منصبه كسفير، وطلب اللجوء إلى كندا مع عائلته والى ان وافاه الأجل.

ولحسن الحظ أن الفقيد ترك لنا مذكراته التي نشرها عام 2008، وأتحفني بنسختين، وكنت قد كتبت مراجعة إيجابية عنها(*)، وهي غنية بالمعلومات المفيدة عن النظام، ودوره في الأحداث، ومعاناته من عقليات الحزبيين. و هذه المذكرات تعتبر مصدراً مهماً للباحثين في الشأن العام العراقي، خاصة وأن قيمة المذكرات عادة تتناسب مع مكانة ومؤهلات كاتبها، ودوره في الأحداث التاريخية التي يكتب عنها، والمناصب التي تبوأها في أداء مهاه في تلك الفترة الساخنة. لذلك تتخذ مذكرات الراحل المشاط أهمية خاصة، ولأسباب عديدة لا يمكن الشك في صدقيتها، فهي في رأيي تعتبر شهادة موثقة للتاريخ عن فترة حرجة مر بها العراق تركت آثارها المدمرة إلى مستقبل غير معلوم.

فالرجل مؤهل للإدلاء بمثل هذه الشهادة المهمة من عدة نواحي، فهو لم يكن شاهد عيان على الأحداث الساخنة فحسب، بل وكان مشاركاً فيها، وفي قلب العاصفة، وذلك لعلاقته المباشرة بحزب البعث الذي كان عضواً فيه لثلاثين عاماً، والمسؤوليات التي أنيطت به، والمناصب العالية التي تبوأها لأكثر من عشرين عاماً إبان حكم البعث، خاصة وكان الراحل يتمتع بقاعدة ثقافية عريضة، ومؤهلات أكاديمية متنوعة، وخبرة عملية واسعة، فهو حاصل على شهادة البكالوريوس في القانون من كلية الحقوق/جامعة بغداد، وبكالوريوس وماجستير في علم الإجرام (Criminology) من جامعة كاليفورنيا/أمريكا، وشهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة مريلاند/أمريكا. أما خبرته العملية، فقد تدرج الدكتور المشاط في السلم الوظيفي وحسب مراحل تحصيله العلمي، ابتداءً من مدير البعثات العام، و أستاذ جامعي، ووكيل وزارة، ثم وزير التعليم العالي، ورئيساً لجامعة الموصل لسبع سنوات، ومن ثم سفيراً لخمسة عشر عاماً، ممثلاً لبلاده في أهم عواصم الدول الغربية مثل، باريس مرتين، وفيينا، ولندن، وأخيراً، وفي أحلك فترة مر بها العراق، في واشنطن إبان غزو الكويت وما تلاه من حرب تدمير العراق.

لقد تم نقل الدكتور المشاط كسفير من لندن إلى العاصمة الأمريكية في أواسط شهر آب (أغسطس) 1989، في فترة بدء تحسن العلاقات بين أمريكا والعراق. وكما جاء في مذكراته، أنه يقتضي العرف المتبع في حالة نقل سفير من عاصمة إلى عاصمة دولة أخرى أن يعود السفير إلى بغداد لتلقي التعليمات من وزير الخارجية والمسؤولين الآخرين عن طبيعة مهامه في المكان الجديد. ولما عاد إلى بغداد والتقى طارق عزيز، وزير الخارجية آنذاك، ونزار حمدون، وكيل الوزير، فوجئ بتعليمات لم يكن يتوقعها فيما يتعلق بسياسة الدولة والحزب. فيقول أن أهم سبب دفعه للإنتماء لحزب البعث هو شعاراته ومبادئه المعلنة، وخاصة فيما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية التي هي قضية العرب المركزية. ولكن في هذا اللقاء بطارق عزيز، أصيب بصدمة لم يتوقعها، فيقول الدكتور المشاط : "ولكن الذي لفت نظري، وبشكل لم أكن أتوقع قوله بصريح العبارة، بما معناه بضرورة الابتعاد عن التعرض أو انتقاد أو مهاجمة إسرائيل، منتهياً بالقول إن موقفنا واضح من القضية الفلسطينية، إذ إننا نقبل بما تقبله منظمة التحرير الفلسطينية." وهنا يصاب الكاتب بخيبة أمل فيضيف قائلاً: " لقد أدهشني هذا القول من وزير الخارجية وعضو القيادة القطرية، إذ أن أساس التحاقي بحزب البعث كان إعجابي بأحد المبادئ الأساسية في أدبيات الحزب، وهي اعتبار القضية الفلسطينية العمود الفقري وأساس القضية العربية. ولكنني نجحت في إخفاء دهشتي، حيث سألته عن بعض الأمور الروتينية المتعلقة بواشنطن،...الخ"

ومن ثم التقى بوكيل الوزير، نزار حمدون، الذي كان قد عمل سفيراً في واشنطن لعدة سنوات، فيقول
أن حمدون قدم له قائمة بأسماء شخصيات قال عنها مهمة يجب تعميق العلاقة معها. ولدهشة الدكتور المشاط، أنه أكتشف فيما بعد أن بعض هذه الشخصيات كانوا من عتاة الداعمين لإسرائيل. وقبل انتهاء الاجتماع قال بالحرف الواحد: "يا دكتور أرجو أن تهتم بقضايانا العراقية، وعليك أن لا تتحرش بإسرائيل أو تتعرض لها لأننا في حاجة إلى أمريكا، ...".

ومن هنا نعرف أن كل ذاك الضجيج الذي أثاره حزب البعث حول القضية الفلسطينية، كان مصطنعاً ومجرد ضحك على الذقون، ومتاجرة بمأساة الشعب الفلسطيني، واستغلالها للتسلط على رقاب الشعب العراقي واضطهاده، وتبديد ثرواته في عسكرة البلاد، بحجة تحرير الأرض من النهر إلى البحر!! وهي ذات الذريعة التي تمسكت بها غالبية الحكومات العربية لبقائها في السلطة، ومحاربة الديمقراطية واضطهاد شعوبها، رافعة الشعار الديماغوجي الزائف (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة).

ولما استلم الراحل مهام عمله كسفير في واشنطن، بدأت حملة ضد الحكومة العراقية لتجاوزاتها الفظة على حقوق الإنسان، وحملات إبادة الجنس، مثل الأنفال وحلبجة وغيرهما، وكان على السفير بحكم عمله، أن يدافع عن سمعة الحكومة التي يمثلها، لذا وجد نفسه في موقف حرج، لأنه كان عليه أن يدافع عن سياسة لا يؤمن بها. فمن الواضح أنه كان يعرف في قرارة نفسه أنه يدافع عن قضية باطلة تتنافى مع ضميره، فيقول بهذا الصدد: "ولكن يجب أن أقولها صراحة إن موقفي الدفاعي كان كثيراً ما يحز في قلبي، إذ كان لا بد من تكذيب ما هو واقع فعلاً في العراق، أي إنني لم أكن مؤمناً بصدق ما أتحدث به. وكنت أقاسي من هذا الأمر، ولكن لم تكن لدي أية حيلة سوى السكوت أو محاولة تفسير ما لا أؤمن به، خاصة فيما يتعلق باستعمال العراق الأسلحة الكيمياوية ضد الأكراد، وخروقات حقوق الإنسان المستمرة. وبالطبع فإني لم أكن مرتاحاً أبداً في الإستمرار في استعمال ما تورده لي وزارة الخارجية من توجيهات كمادة دفاعية في مواجهة الحملات الاعلامية."

إن معظم مذكرات الفقيد تخص الأحداث التي وقعت بعد قيام صدام حسين بجريمة غزو الكويت في 2/8/1990، وزج العراق في أحلك فترة في تاريخه. وهي يوميات التهيئة للحرب التدميرية للعراق، ومساعي السفير لدرأ هذه المخاطر، ونشاطاته في واشنطن في هذا الخصوص، والنتائج التي توصل إليها، ومفادها أن الغرض من هذه الحرب هو تدمير العراق وإعادته إلى مرحلة ما قبل الثورة الصناعية، وليس تحرير الكويت فقط.

وقد حاول إيصال هذه الرسالة إلى القيادة العراقية ولكن دون جدوى. فيقول أنه قبل وقوع حرب تحرير الكويت بأسابيع، دُعي مع بقية السفراء العراقيين في دول أعضاء مجلس الأمن الدولي إلى بغداد وتم اللقاء في الخارجية العراقية يوم 24 كانون الأول/ديسمبر 1990، حيث افتتح طارق عزيز، وزير الخارجية، الاجتماع بالترحيب ثم قال ما نصه: " نحن طلبنا قدومكم إلى بغداد لكي تسمعوا منا، أي إننا لم نستدعكم لكي نسمع منكم عن الأزمة الحالية". ويعلق الراحل الدكتور المشاط : "لقد وقع قوله عندي وقع الصاعقة، إذ إنني كنت أتأمل أن أعرض حصيلة ما حصلت عليه من معلومات إنطلاقاً من واجبي كسفير، إضافة إلى تحليلي الشخصي للحقائق التي حصلت عليها، والتي كنت قد كتبت فيها في السابق إلى الخارجية".
ومن هذه المذكرات، نعرف أنه كان لدى الراحل المزيد من المعلومات الجديرة بالنشر، وقد وعد بأنه سيتبع مذكراته بكتاب آخر يعمل على تأليفه ونشره مستقبلاً، ولكن مع الأسف الشديد لم يصدر هذا الكتاب، إلى أن وافاه الأجل في بلاد الغربة.
تعازينا الحارة لعائلته الكريمة وأصدقائه ولأنفسنا... ولفقيدنا الذكر الطيب.
[email protected]
ــــــــ
رابط ذو صلة
د.عبدالخالق حسين: قراءة في مذكرات الدكتور محمد المشاط
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=146317



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السعودية ترفض اللاجئين لكنها تبني لهم 200 مسجد في ألمانيا
- حول القرار البرلماني بحجب المواقع الإباحية
- فوز كوربين زلزال سياسي في بريطانيا
- معضلة الفساد في العراق
- من المسؤول عن مأساة السوريين الفارين إلى الغرب؟
- البديل عن حكومة الطوارئ
- مناقشة هادئة مع دعاة حكومة الطوارئ
- حذار من تحريف التظاهرات عن أغراضها المشروعة
- حوار مع القراء حول سقوط الموصل
- هل حقاً المالكي هو السبب في سقوط الموصل؟
- معوقات الإصلاح السياسي والإداري
- مرحى لقرارات العبادي الإصلاحية
- أزمة كهرباء، أم أزمة أخلاق؟
- لعبة حكومة الإقليم مع العراق و تركيا
- هل تركيا على خطى سوريا؟
- تصريحات المالكي وغضب السعودية ومرتزقتها؟
- حول الاتفاق النووي الإيراني
- تحية لذكرى ثورة 14 تموز المجيدة
- المعضلة العراقية والحلول المقترحة
- الوهابية، حركة فاشية دينة يجب تجريمها


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - في وداع الدكتور محمد المشاط