أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بقلم الأستاذ عبد اللطيف الزين - عن الطنجية المراكشية بعمقها الأصيل ..















المزيد.....

عن الطنجية المراكشية بعمقها الأصيل ..


بقلم الأستاذ عبد اللطيف الزين

الحوار المتمدن-العدد: 4936 - 2015 / 9 / 25 - 20:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


حتى لا يبقى الحديث عن الطنجية المراكشية رهين المنظور الاستهلاكي أو الدعائي بغرض جلب السياح ؛ لا بأس من وضع المهتم في السياقات التي تؤطر حضور الطنجية في حياة بهجاوة .
أولا: لم تتميز أكلة "الطنجية" بكونها وجبة مطبوخة في جرة من طين فقط ؛ بل لأن نوعية اللحم التي تطبخ فيها استثنائية (الكرعيـن / أي قوائم ثور أو عجل أو جمل)
ثانيا: هناك من المراكشيين من يحيد عن طبخ "لكرعين فالطنجية "؛ ويكتفي ب "لحم الراس" أو " الديالة " أو " اللسان " أو" الضرع " أو " الملج " ، بل" الكرشة" أحيانا أو" لمحاشم ". وتطبخ كل تلك الأنواع من لواحق اللحوم بنفس التوابل المعلومة لإعداد الطنجية ، مع القليل من الحمص الجاف أو الفاصوليا بعد ترطيبهما بالماء سلفا . لذلك يبقى تقديم " الطنجية " على أنها وجبة من لحم الغنمي فقط رأي يفتقر إلى دقة التوصيف الأصيل للأكلة. بل إن بعض المراكشيين من الحرفيين " ديال القاع والباع واللسان فيه دراع " يفتي بالقولة المشهورة لدى قدماء الصناع التقليديين " الغنيمي فالطنجية متروك" أي لا يعتد به ؛ وربما بخلفية استهجان البعض تفتت اللحم داخل الجرة لصغر سن الضأن فتصاب الوجبة بالتشوه عند إفراغ " القلوشة " كما يحلو للبعض تسميتها . إنما من المراكشيين من يتباهى ببراعته في طبخ الطنجية بالغنمي، ولا يقلل ذلك من القيمة المهارية لمن يعدها بالكرعين أو الذي يعدها بالغنمي .
ثم لا يمكن الحديث عن أكلة "الطنجية" دون الإشارة إلى مهارة وخبرة " المعلم الفرناطشي" والذي لا يستغنى عن حرفيته في العناية ب(الطنجية)؛ حسب نوعية اللحوم وكميتها وتوقيت الحاجة إليها. ومن أشهر المحترفين في " تافرناطشييت " ( باعياد بحي الموقف وقبله باحسون بدرب الحمام بنفس الحي ) .
ويجدر بنا التوقف عند العمق الاجتماعي (للطنجية المراكشية) ؛ إذا ما أردنا إنصاف أهل " الصينية والرشوق ومكلت اللوز"، بحيث كان الحرفيون من أهل اليسر من الذين يمتلكون منازل كبيرة ( الرياضات ) ؛ عندما تبرمج نساؤهم يوما لحملة تنظيف البيت كان الزوج يقوم بتخفيف عبء إعداد وجبة الغذاء بترتيب أمور (الطنجية فالسويقة)، حتى تبقى " مولاة الدار" منشغلة بترتيبات عملية " التخمال*" كما تسميها الأوساط الشعبية بمراكش . وهو موقف جد متقدم بالنظر إلى الفئة التي كانت تحياه كقيمة من خلال العلاقة بين الأزواج، وقد تؤدي " الطنجية " نفس الخدمة وبشكل أرقى وأروع ؛ عندما يعتري الزوجة الملل والنفور من نفس الوجبات، فتأتي مساهمة الزوج لتكسير تلك الرتابة المقيتة التي يشعر بها الواحد منا وهو يرى نفسه رهين استهلاك مألوف تمجه النفس . بل تحضر " الطنجية " بمستوى إنساني أعمق عند تدبير الأب لطارئ مرض الأم؛ فيكون الأبناء في حاجة إلى وجباتهم الراتبة فينقذ الأب الموقف (بشي قلوشة فاعلة تاركة) لتدارك الارتباك الذي ينتج عن طارئ تعب الأم بفعل علة عابرة .وقد أضاف الأستاذ عبد العزيز الفتال أنها تفيد الأسر إذا كان لديها انشغال بالرحيل من بيت الى آخر . لكل ذلك لم تكن وجبة الطنجية مجرد أكلة ترف فقط؛ وإنما كان لها دور اجتماعي ذو قيمة ثقافية تترجم السلوك المدني ما بين الناس من خلال المعيش بالملموس. ونفس الوظيفة التي تؤديها " الطنجية " لدى الأسر الموسرة كذلك الشأن عند بسطاء الحرفيين. ويتساوى الجميع في توظيف " الطنجية " لمعالجة النزاعات التي يمتد أثرها إلى أهالي المتخاصمين. فلا ينــطفئ الغيض والتنابذ بين عمين أو خالين أو أبوين " من ولاد الحومة" إلا عندما يتدخل ذوو النيات الحسنة؛ فيوجهون دعوة لكلا المتنازعين رغبة في حضورهما " نزاهة " دون علم أي منهما بحضور الآخر، ويتم ذلك إما بجنان المنارة أو باب جديد أو غابة الشباب أو جنان بندرا خارج سور باب دباغ أو بحدائق أكدال با حماد التاريخية ...، حتى إذا اجتمع القوم ومر اليوم بأكله وشربه وقصائد ملحونه تحت ظلال الزيتون وأجواء التنكيت " مكاين غيرشد فيا نشد فيك ، وشد فراسك لا تشد فيك النشبة*". وفي ختام تلك الأجواء يتدخل الشخص الأكثر اعتبارا واحتراما لدى الجميع ؛ فيطالب المتخاصمين بالصلح وتبادل الاعتذار اعتبارا " للملحة والطعام " وتقدير رابطة الدم الذي يجري في شرايين من تقاسموا وجبة " الطنجية " وخصوصا إذا تم إعدادها ب" الكموسة"*. وبالمودة والدعابة تتم عملية " بوسان الراس " وتنقية الأجواء. لكن الأروع في هذا السياق هو عودة الدفء إلى علاقات ذوي المتصالحين من كلتا العائلتين. بهذه الدلالات يحضر موقع " الطنجية " في حياة المراكشيين وثقافتهم الشعبية؛ موازاة لقيمتها الغذائية عندما تقدم للضيوف. ولهذا التزمت ( جمعية بانا لبساط للفنون والتراث) ومازالت تقوم بإعداد 40 طنجية أو ينيف بمــــناسبة إحياء ( ليلة عاشوراء ) من كل عام حتى يتمــكـــــن أهل الذاكرة الشعبية من أبناء البهجة من صلة الرحم وإنعاش العلاقات التي تكون قد مرت عليها أحيــانا ما يزيد عن الثلاثة عقود أو أكــثــــــر . وختاما لا بد من لفت الانتباه الى أن الـمـشـهور لدى المراكشيين هو قيام الحرفيين من أهـــل الـســـــوق بإعداد الطنجية ، لكن ذلك لا يعني عجز النساء عن إنجازها؛فهناك "شي عيالات " لا يستطيع درب من الذكور إثبات مهارة " تمراكشييت " أمامهن عند إعدادها .


هوامش :

لمحاشم : العضو التناسلي لثور أو لعجل.
التخمــال: عملية تنظيف البيت وأفرشته ؛ مع إمكانية تغيير تأثيث بعض الغرف
النـشبـة : تأتي بمعنى المصيدة أو بمعنى الإيقاع بأحدهم خلال الكلام ( باش تشد فيه القشابة مزيان )
الكموسة: لمة من سنابل القنب الهندي توضع في قطعة قماش ابيض نظيف لتكون ضمن المحتويات . علما أن هذه النوعية من "الطناجي" لا أحد يتجرأ على إعدادها إلا الراسخون في فقه التهكم والتقشاب .

تــنــويــه : وللطنجية موقع دال في حياة المراكشيين ؛ وذلك من خلال توظيفها في المثل الشعبي
القائل : " بشويا بشويا حتا يدخل الجمل للطنجية " ، حيث على صغر حجمها فإنها قادرة
على استيعاب حجمه بالتقسيط . ويطلق المثل للدلالة على مهارة تليين موقف متصلب
بجعل صاحبه يقبل تدريجيا ما كان يأباه في السابق .







#بقلم_الأستاذ_عبد_اللطيف_الزين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بقلم الأستاذ عبد اللطيف الزين - عن الطنجية المراكشية بعمقها الأصيل ..