|
الشك في ما بين الحقيقة و الزيف
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4936 - 2015 / 9 / 25 - 14:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لو تاملت قليلا لتجد ان العقل الانساني يحتار ما بين الوصول الى اليقين و عدم ادراكه و الشك في الغموض و التناقضات التي تعيشه في حياتك . ان البشرية مرت بمراحل عديدة في المعيشة و التفكير و النظرة الى الحياة، ومنها الطفولة؛ اي المرحلة الانسانية التي يمكن ان نسميها بالمرحلة الطفولية؛ و هي التي لم تدرك ما حولها و لم تحس بما موجود من حيث الفكر و الفلسفة و هي تعيش في تلقائية كما يعيش الطفل في سنواته الاولى . ومن ثم وصلت الى مرحلة المراهقة بعدما انبثقت القصص و الاساطير و تفتحت الخيالات الانسانية حول وجوده كمخلوق مغاير لما موجود حوله، بعد التطور البيولوجي و منه العصبي الذي حصل فيه و احدث طفرة في كيانه و تركيبته العامة، و تغيرت الحال تدريجيا ببروز الدين بعد تجمع الانسان في هيئات مستقرة الى ان وصلت للقبيلة و العشيرة و تجمعات متقاربة مع بعضها . و انغرزت في كيانه الحس بالانتماء الى شيء يجمعه مع غيره فكانت التجمعات الاولية، و من ثم للقبيلة الدور الاولي في هذا المجال، و كانت الهيئة الاولية البسيطة التي لا تحتاج الى فكر او ايديولوجيا و تعمق في الحياة بل مجرد التعايش و التعاون و الحياة المشترك ببساطة التي عمقت لديه الحس و الفكر و التعمق المعيشي العقلي باحتياجه الى الانتماء و الحاجة الى تلك التجمعات البسيطة الشكل و التركيب و العمق . اما بعد مراحل متتالية متواكبة مع بعضها سواء تخللتها تراجعات او تحفظات، انبثقت مرحلة بروز الاسطاير و التي عوضت عن الفراغ الذهني الذي سيطر على حياة الانسان و فرض عليه توجهات ذهنية عقلية فكرية بسيطة، الى ان تطورت و اتسعت الى ان ارغمت البشرية في الاعتقاد بما سطرت بنفسها من الاساطير، و من ثم انتقلت الى مرحلة بروز الدين المعلوم عن تاريخه، و كيف آمن الانسان بشيء كان من صنع يده او من كان له الملامسة المباشرة معه او عايشه و منه ما افاده في حياته وفي استمراريتها . و هكذا تعمقت الافكار و التاملات للوصول الى الحقيقة غير المدركة، و البداية كانت باليات والات و عقليات بسيطة غير متاهلة لادراك التعقيد الموجود في بنية الحياة و عمقها . اي برزت اديان تعددية الالاه و تعمق الانسان في عبادة الاخر لارضاء الذات و كل ذلك لدى المتعمق الممكن ان نسميه بالمفكر البدائي لغوصه في امور بدافع معرفة الحقيقة التي فرضه عقله الذي تطور بشكل نسبي مرحلة بعد اخرى . اي بمعنى اخر، ان التفكير في الحياة وما فيها و بعمق فلسفي و محاولة للاجابة على الاسئلة التي كونٌها الادراك البسيط بما يحط به سيدفعه للتغول فيما لم يدركه من قبل و التمسه او فكر في ما هو المجهول في هذا المضمار . هكذا وصلت الانسانية الى مرحلة يمكن ان نسميها المراهقة لما فيها من الامور الحياتية و الفكرية و العقلية غير المستقرة، و هي فيما بعد المرحلة الطفولية التي لم توجد فيها اي فكر او فلسفة او كل ما يمت بصلة بالذهن البشري لادراك الحقيقة، و تحولت الى الفوضى في التفكير و الاحساس بشيء مجهول غير مدرك، و الاصرار على ما لابد ادراكه و معرفته بازدياد المعرفة العقلية شيئا فشيئا باستمرارية الحياة و التعمق فيها، و العمل وفق الاحتياجات اليومية و الضرورات الفكرية و الحياتية التي فرضت التفكير في كل ما يجول و يصول حول الانسان دون معرفة المصدر و السبب . اي بدايات مرحلة المراهقة للبشرية جمعاء، بدات بعد تحول العقل البشري من الاستناد على القصص و من ثم الاساطير الى الاديان و استمر لحين الوصول الي ما نحن فيه من التناقضات من الانتهاء من هذه المرحلة في بقاع معينة و لازالت البقاع الاخرى غائصة و منغرزة في عمق الاعتماد على الدين كفكر و ايديولوجيا، و اعتقاد تحول الى امر مقدس لا يمكن المساس به و هي بداية الفوضى العارمة التي تعيشها البشرية بعد انتهاء مرحلة الاساطير . فان استمرار هذه المرحلة لقرون اوعقود اصبح معتمدا على المستوى الذي يصل اليه الانسان من التفكير السليم و ضرورة تامين احتياجاته و رقي عقليته المعتمد على ضمان العوالم الحياتية الخاصة بانسان ذاته دون انشغاله باي شيء يعيق انتقاله بسلاسة الى مرحلة النضوج للبشرية، و هي ما بعد المراهقة الانسانية جمعاء من حيث الفكر و الفلسفة و العقلية و النظرة الى الكون والحياة و الانسان ذاته . اي كلما ابتعدنا عن المرحلة المعتمدة على مابعد الاساطير و هو الدين، يمكن ان نعتقد اننا خرجنا من مرحلة المراهقة و هذا غير مضمون الاستمرار باتجاه مستقيمو غير معلوم الزمن، لان يمكن ان يصاب بانحراف يعيده عقود او قرون . هذه هي الحقيقة و كل ما يُقال عن الحقائق المصطنعة الاخرى ليس الا زيف و مصطنع من اجل اقناع الذات بخيال واهي غير حقيقي ، اما لارضاء الذات و اقناعه بما لا يمكن ادراك الحقيقة بسهولة و خدعه بالمزيف على انه الحقيقي، او السذاجة المسيطرة على عقل الانسان و توهيم الذات دون ان يدرك بنفسه انه في الخيال او الفكر الواهم و يؤمن به و يعتقد بانه الحقيقي الصحيح الذي لا حقيقة مابعده، كما نرى لدى الانبياء و الرسل و الادعياء و التابعين و الموالين و المنتمين اليهم فكرا و عقلا وفلسفة و نظرة الى الحياة و ما فيها . و ما يدفع الى التحرك وعدم الثبوت على شيء او الابتعاد عن الانغراز دون الخروج هو الشك الذي يخلقه العقل الانساني في كل جوانب الحياة، و هو الدافع الذاتي في السير نحو الامام لحين الوصول الى مرحلة النضوج في حياة البشرية، اي مرحلة ادراك الحقيقة و تمييزها عن الزيف .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اذا التقشف يكلفه حياته فما بالك بالاصلاح
-
مابين القران الاصلي و المزيف
-
كوردستان الجنوبية اكثر بؤسا من الاجزاء الاخرى !
-
وشى بي في ايام الدكتاتور و ينتقدني اليوم على انتقادي لحزبه ا
...
-
هل من الممكن ان تنهار التظاهرات في العراق ؟
-
لماذا فتحت تركيا ابوابها امام نزوح النازحين مرة اخرى ؟
-
هل تعيد روسيا التوازن الى المنطقة ؟
-
هل تدعم السلطة الكوردستانية هجرة الشباب ؟
-
هل تتلقفها تركيا من السماء
-
كيف تنظر ايران الى العراق ؟
-
لماذا يستقيل الشباب من اقليم كوردستان ؟
-
الجماعات الاسلامية في كوردستان حائرة بين الحس القومي و الفلس
...
-
لازال اردوغان ساريا على عقليته و توجهاته
-
الاحتجاجات تكشف معادن المثقفين العراقيين
-
لماذا اوصلوا الثورة في كوردستان الى هذه الحال
-
الشعب هو الذي انفرد به ام هو الذي انفرد بالشعب ؟
-
الوضع في كوردستان بحاجة الى احتجاجات عارمة
-
لن تعيد روسيا تجربة افغانستان و لكن !
-
كشف بوتن ما وراء قضية سوريا الدموية
-
على اي اساس تُدارعلاقة اقليم كوردستان مع دول الاقليم
المزيد.....
-
ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف
...
-
صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
-
-الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت
...
-
روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم
...
-
-بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر
...
-
-حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م
...
-
تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
-
البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ
...
-
-بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض
...
-
علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع
...
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|