أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمان محمد شناوة - الخديعة في زمن الحرب















المزيد.....



الخديعة في زمن الحرب


سلمان محمد شناوة

الحوار المتمدن-العدد: 4936 - 2015 / 9 / 25 - 12:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الخديعة في زمن الحرب

هل تم خداع صدام حسين ...

هل تم إعطاء صدام حسين الضوء الأخضر لدخول الكويت واحتلال الكويت , في صفقة غير معلنه ... ثم تم الانقلاب عليه ...

ماذا حدث في لقاء صدام حسين مع السفيرة الأمريكية ابريل غلاسبي , في ذاك اليوم المشئوم ... والذي فتح الطريق للمأساة غزو الكويت سواء كان على الشعب الكويتي أو الشعب العراقي ...

كثير من الأسئلة بلا إجابة وكثير من الأسئلة تظل حائرة من المعرفة ونصف المعرفة .... ومشكلة المعرفة ونصف المعرفة هو الفرق بين الحق والباطل , والكثيرون يتمسكون بناء على حقيقة يظنها مطلقة على فعل يمكن أن يكون مدمرا وقاتلا ... ومشكلة السياسة أن الحق بها نسبي والأفعال تكون حقا أو باطلا بناء على المصلحة , والمصلحة فقط ...

كل الإجابات عن الأسئلة والتي بقيت عالقة , لا تعطيك إجابة كاملة أو معرفة كاملة . إنما تعطيك نصف حقائق ونصف أكاذيب . وكأن الدبلوماسية الأمريكية تبقى عالقة دائما بنصف الحقائق ونصف الأكاذيب ... ونبقى نحن , لا نصدق كل شيء .. وبنفس الوقت لا نكذب كل شي , ربما هذه هي السياسة , وهذه الدبلوماسية ....

محور حديثنا عن صدام حسين وعن السياسة والأمريكية والعراقية وبالتأكيد عن السفيرة الأمريكية في العراق ابريل غلاسبي , هل كانت ضحية او كانت شريكا أساسي في مؤامرة كبيرة على العراق ...

أبريل جلاسبي غادرت بغداد في أواخر أغسطس عام 1990 وعادت إلى واشنطن، وظلت في حالة من الحصار الإعلامي على كل تنقلاتها مفروضة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية لمدة ثمانية أشهر، حيث لم يسمح لها بالحديث مع وسائل الإعلام، ولم تخرج عن صمتها حتى النهاية الرسمية لحرب الخليج الثانية في الحادي عشر من أبريل عام 1991، عندما استدعيت للشهادة بشكل غير رسمي أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي بشان اجتماعها مع صدام حسين .

قالت جلاسبي " إنّها راحت ضحيّة مكر متعمّد على أعلى مستوى واستنكرت نسخة ما دار في الاجتماع وأكدت أن هذه النسخة مزيفة ولا صحة لها " .

وبعد سنتين وأثناء دورة نقاشية شارك فيها مرشح رئاسي في ذلك الوقت في عام 1992 على شبكة أخبار إن بي سي قال المرشح روس بيرو: لقد أخبرنا صدام أنه بإمكانه أن يأخذ الجزء الشمالي من الكويت؛ وعندما أخذ الكويت كلها رفضنا ذلك بشدة، ولو شك أحد في أن هذا ما حدث فعلينا أن نراجع تقارير لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ ولجنة المخابرات التابعة لمجلس الشيوخ لنرى ما تلقته السفيرة الأمريكية جلاسبي من تعليمات .

وفي هذه اللحظة قاطع الرئيس جورج بوش الأب منافسه بيرو وقال: أنا من حقي أن أرد على هذا الكلام الخطير.. لأنه يمس الشرف الوطني .. وأحب أن أقول أن هذا الكلام سخيف للغاية .

في الحادي والثلاثين من يوليو عام 1990 وقبل يومين من الغزو العراقي للكويت أخبر جون كيلي مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى الكونجرس: الولايات المتّحدة ليس لديها التزام بالدفاع عن الكويت والولايات المتّحدة ليس لديها نية في الدفاع عن الكويت إذا تعرضت لهجوم من قبل العراق ....

ماذا يعني هذا الكلام " إن أمريكا ليس لها التزام بالدفاع عن الكويت " ....

ويؤكد بعض المحللين أن الفخّ كان قد أعد بذكاء بالغ من خلال اجتماع جلاسبي مع صدام ثم تم إحكامه أكثر على لساني توتويلير و جون كيلي، ومن ثم فقد مضى صدام حسين قدمًا واخترق الفخ بقدمه معتقدًا أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحرك ساكنًا لو غزت قواته الكويت، وفي الثاني من أغسطس عام 1990 هاجمت قوات صدام حسين الكويت .

بعد احتلال الكويت ...

وبعد شهر واحد من هذا الحدث في بغداد، حصل الصحفيون البريطانيون على شريط يتضمن نسخة مما دار في اجتماع صدام حسين مع أبريل جلاسبي الذي تم في الخامس والعشرين من أبريل عام 1990، وحاول الصحفيون البريطانيون مواجهة السفيرة الأمريكية ....

وسألها الصحفي الأول: هل هذه النسخ للمقابلة التي أجريتيها مع الرئيس العراقي صحيحة سيادة السفيرة ؟ .

ولم ترد السفيرة الأمريكية جلاسبي على هذا السؤال ....

وسأل صحفي ثان: لقد كنتم تعرفون أن صدام سيغزو الكويت، ورغم هذا لم تحذروه من أن أمريكا ستتدخل للدفاع عن الكويت، بل على العكس أخبرتموه أن أمريكا لا علاقة لها بالدفاع عن الكويت .....

وعاد الصحفي الأول ليقول: لقد شجّعتم هذا العدوان وعلمتم بالغزو، كيف كنتم تحسبون الأمر؟ .

وردت السفيرة الأمريكية جلاسبي: من الواضح والمؤكد جدًا أنه لم يكن يتخيل أحد ولم أفكر مطلقًا أن العراق سيقدم على أخذ كل الكويت .

وسأل الصحفي الأول: هل اعتقدتم أن صدام ينوي أخذ جزء من الكويت فقط؟ لكن كيف حتى توصلتم إلى هذا؟ هل أخبرك صدام بذلك؟ هل أخبركم أنه لو فشلت المفاوضات فسيتخلى عن شط العرب في سبيل امتلاك العراق كله وفقًا لما يراه صدام والذي يعني الكويت ضمنيًا؟ .

ولم ترد السفيرة الأمريكية على كل هذه الأسئلة وتركت الصحفيين وغادرت المكان، لكن الصحفييْن ظلا يلاحقانها قائليْن: أمريكا أعطت الضوء الأخضر لهذا الغزو، وعلى الأقل كانت أمريكا تعطي صدام مؤشرًا بأن بعض الاعتداء على الكويت ولو جزئيًا يمكن أن يكون مقبولاً، وأن الولايات المتحدة لا تعارض سيطرة العراق على حقول النفط بالرميلة، والشريط الحدودي المتنازع عليه وجزر الخليج التي ادعى العراق أحقيته بها .

ومرة أخرى لم ترد السفيرة الأمريكية واستقلت سيارتها وأغلقت الباب خلفها .

وحول ما قيل من انها قالت لصدام أن الحكومة الأميركية لا تتدخل في الخلافات الحدودية بين دولتين عربيتين، وهو ما اعتبر بمثابة ضوء أخضر أميركي لمهاجمة الكويت، قالت جلاسبي : هذه الصيغة من اختراع طارق عزيز، المعروف عنه أنه سيد الكلام بصفته وزير إعلام سابق ورئيس تحرير لصحيفة.

والمؤكد أنني لم أعط صدام أي فكرة من نوع إننا لن نتدخل في خلاف حدودي، بل إن ما قلته هو إنه "ينبغي ألا يتدخل لا في الكويت ولا في أي مكان آخر". ثم قُطع اللقاء.

ماذا حدث في تلك المقابلة ...

تقول : طلب صدام مقابلتي قبل أسبوع من اجتياح الكويت سنة 1990، حيث تلقيت اتصالاً من وزارة الخارجية، فاعتقدت أنهم اتصلوا لإبلاغي بالتوجه إلى وزارة الخارجية لمقابلة نزار حمدون الذي كان نائباً لطارق عزيز، أو ربما عزيز نفسه، فاكتفوا بالقول لي بالحضور إلى الوزارة من دون تحديد الشخص الذي سأقابله.

ولدى وصولي وضعوني في سيارة مجهولة مع سائق مجهول وطلبوا منه اصطحابي إلى مكان ما، فأردت أن أعرف إلى أين سأتجه في هذه السيارة، فقالوا لي إلى الرئاسة . وأثناء الطريق لم أكن أفكر بأنني ذاهبة لرؤية صدام، إنما لألتقي شخصاً آخر .

وعندما أدركت أنه هو الذي سألقاه، فكرت بأنه ليس مستحيلاً أن تكون الإنذارات القوية التي وجهتها إلى العراقيين عبر نزار حمدون، خصوصاً تلك الموجهة إلى السفير العراقي في واشنطن من جانب مساعد وزير الخارجية الأميركي، لم تصله لأن الكل كان يرتعب منه، لذا اعتبرت أنها مناسبة جيدة لي لتكرار التعليمات التي وصلتني من الإدارة ومفادها......

"لا تحتل الكويت وارفع يديك عن هذا البلد".

وعندما استدعي السفير العراقي في واشنطن إلى وزارة الخارجية، تم إبلاغه بعدم احتلال الكويت وبضرورة إبلاغ بغداد بهذه التعليمات فوراً , الكل كان قلقاً في العالم العربي، إذ أن الرجل معروف بعبثيته لذا، وما أن انتهى اجتماع واشنطن، كررت هذه التعليمات لنزار حمدون في بغداد وقلت له إن رئيسي (جورج بوش الأب) مهتم جداً بأن أبلغ رئيسكم فوراً بتحذيره بعدم احتلال الكويت .

عندما أدخلوني لمقابلة صدام وجدت بالإضافة إليه، طارق عزيز واثنان أو ثلاثة من معاونيه لتسجيل المحاضر. ولم يوجه صدام حديثه مباشرة إلي ، بل بدأ إبلاغي كيف كان سلوك الكويتيين سيئاً، وتطرق أيضاً إلى الاجتماعات في جدة للقول إنهم كانوا منفعلين وألقى اللوم عليهم .

وأثارت اتهاماته هذه للكويتيين لدي القلق من أن يكون ما سيقوله لاحقاً، سيعيدنا إلى الوراء 20 سنة عندما أعلن رئيس عراقي سابق أن الكويت جزء من الولاية الجنوبية للعراق . وتبادر إلى ذهني أن هذا ما سيقوله. لكن على رغم ما كان تبقى لديه الكثير مما يقوله فقد أبلغته برسالتي .

كشف موقع «ويكيليكس» غطاء السرية حيث تنقل البرقية الأميركية السرية تفاصيل الحديث الذي جرى في هذا اللقاء، حيث أكدت غلاسبي أن أميركا «لن تعذر أبداً تسوية الخلافات بأي طرق غير سلمية»، ناقلة «رسالة صداقة» من الرئيس الأميركي حينها جورج بوش الأب، فيما ردّ صدام على هذه الرسالة بمثلها، لكنه أبدى قلقه من الدعم الأميركي لـ«أنانية» الكويت والإمارات، مشدداً على أن العراق لا يريد الدخول في حرب إلا أنه سيقوم بذلك، إذا تعرض للإهانة العلنية، مهما كان الخيار مدمّراً.

وتفيد البرقية الأميركية العائدة إلى 25 تموز 1990 التي أعدتها غلاسبي، بأن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين استدعاها، والتقاها بحضور وزير الخارجية العراقي حينها طارق عزيز، ومدير مكتب صدام، ومدونين، ومترجم عراقي. وأكدت غلاسبي إن صدام «كان مضيافاً وعقلانياً، بل حتى حميماً خلال اللقاء الذي دام ساعتين».

وبدأ صدام حديثه بالقول إنه يريد توجيه رسالة إلى بوش، ثم أعاد سرد «تاريخ القرارات العراقية في إعادة العلاقات الدبلوماسية (مع أميركا)، وتأجيلها عند ابتداء الحرب (مع إيران)، كي لا ينظر إلى العراق على أنه ضعيف ومحتاج». وتابع صدام واصفاً «الانتكاسات» التي شهدتها العلاقات الثنائية منذ عام 1984، «وأبرزها فضيحة ’إيران غيت‘«. كما أكد الرئيس العراقي الراحل، أنه «بعد انتصار الفاو، ازدادت الشكوك العراقية حول النوايا الأميركية، وبأن أميركا لم تكن راضية عن رؤية الحرب تنتهي».

وفيما أشارت غلاسبي إلى أن صدام اختار كلماته «بحذر»، قال الأخير إن هناك «بعض الدوائر» في الحكومة الأميركية، بما يشمل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) ووزارة الخارجية، التي تتصرف بسلبية إزاء العلاقات العراقية - الأميركية. وأضاف صدام «بعض الدوائر (الأميركية) تجمع المعلومات عمن قد يخلف صدام حسين، وتواصل تحذير الجهات الخليجية من العراق، وتعمل على ضمان إلا تقدم أية مساعدة للعراق».

وشدد صدام على أن العراق يواجه مشاكل مالية جدية، بدين يبلغ 40 مليار دولار أميركي، موضحاً أن «العراق الذي أحدث انتصاره في الحرب ضد إيران، فارقاً تاريخياً بالنسبة للعالم العربي والغرب، يحتاج إلى خطة مارشال»، ومستطرداً «لكنكم تريدون أسعاراً منخفضة للنفط»، فيما اعتبرته غلاسبي «اتهاماً» للأميركيين، بحسب الوثيقة.

لكن صدام أكد أنه بالرغم من هذه الانتكاسات، «التي أزعجتنا فعلاً، نأمل في أن نتمكن من تطوير علاقة جيدة»، وأضاف «لكن هؤلاء الذي يفرضون انخفاض أسعار النفط، يشنون علينا حرباً اقتصادية، ولا يمكن للعراق أن يقبل تعدّياً كهذا على كرامته وازدهاره». وأوضح صدام إن «رأسي الحربة هما الكويت والإمارات»، مردفاً «بحذر»، أن «العراق لن يهدد الآخرين، لكنه لن يقبل أي تهديد له. نأمل في ألا تسيء الحكومة الأميركية الفهم».

وقال الرئيس العراقي ، إن «العراق يقبل بأن لكل دولة الحرية في اختيار أصدقائها، لكن الحكومة الأميركية تعرف أن العراق، لا أميركا، هو من حمى أصدقاء أميركا خلال الحرب (مع إيران)، وهذا متوقع بما أن الرأي العام الأميركي، ناهيك بالجغرافيا، كان ليجعل من المستحيل قبول أميركا بسقوط 10 آلاف من جنودها في معركة واحدة، كما فعل العراق» .....

وتساءل صدام «ماذا يعني إن تعلن الحكومة الأميركية التزامها بالدفاع عن أصدقائها، فردياً وجماعيا ؟»...

قبل أن يجيب بنفسه: «بالنسبة للعراق، يشكل ذلك انحيازاً فادحاً ضد الحكومة العراقية» .....

وفي «التطرق إلى إحدى نقاطه الأساسية» بحسب غلاسبي، قال صدام إن المناورات الأميركية مع الإمارات والكويت، «شجعتهما في سياستهما البخيلة»، مشدداً على أن «حقوق العراق ستسترجع، واحدا تلو الآخر، حتى لو تطلب ذلك شهراً أو أكثر من عام بكثير»، معرباً عن أمله في أن «تكون الحكومة الأميركية متناغمة مع كل أطراف هذا الخلاف».

وأوضح صدام أنه «يفهم إن الحكومة الأميركية مصممة على تواصل تدفق النفط، والمحافظة على صداقاتها في الخليج»، لكن ما لا يفهمه هو «لماذا يشجع الأميركيون هؤلاء الذين يضرون بالعراق؟» , في إشارة منه إلى المناورات الأميركية في الخليج .

وأعرب صدام عن «اعتقاده التام» بأن الحكومة الأميركية تريد السلام، لكنه توجه إلى غلاسبي قائلا «لا تستخدموا الأساليب التي تقولون إنكم لا تحبونها، كليّ الذراع».

و«استفاض» صدام بحسب غلاسبي في الحديث عن «عزّة العراقيين» الذين يؤمنون بـ«الحرية أو الموت»، قبل إن يؤكد أن العراق سيضطر إلى الرد إذا استخدمت أميركا هذه الأساليب.

وقال صدام إن العراق «يعلم أن باستطاعة أميركا إرسال الطائرات والصواريخ وإنزال الأذى العميق بالعراق»، لكنه أضاف متمنياً ألا «تدفع أميركا العراق إلى نقطة الإهانة ، التي سيتم عندها التغاضي عن المنطق . العراق لا يعتبر أميركا عدوة ، وقد حاول أن يبني صداقة»، وتابع قائلا إن «العراقيين يعرفون معنى الحرب ولا يريدون المزيد منها. لا تدفعونا إليها، لا تجعلوها الخيار الوحيد المتبقي للدفاع عن كرامتنا».

وأكد الرئيس العراقي، إنه لا يطلب أي دور أميركي في الخلافات العربية - العربية، لأن «الحلول يجب إن تأتي من خلال الدبلوماسية العربية والثنائية». واعتبر أن بوش (الأب) لم يقم بأي خطأ استثنائي إزاء العرب، لكن قراره حول الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية كان «مخطئاً، فقد اتخذ تحت الضغط الصهيوني». وبعدما طالب صدام أميركا بأن تنظر إلى حقوق «200 مليون عربي، بالطريقة نفسها التي تنظر فيها إلى حقوق الإسرائيليين»، خلص إلى القول بـ«إننا لن نتضرع إلى أميركا للحصول على صداقتها، لكننا (إذا حصلنا عليها) سنفي من جانبنا بها».

ونقلت غلاسبي عن صدام استرجاعه حادثة كمثل عما قاله، مفادها أنه أبلغ زعيم الأكراد العراقيين عام 1974، بأنه «كان مستعداً لتقديم نصف شطّ العرب إلى إيران، للحصول على ازدهار لكل العراق، فراهن الكردي على أن صدام لن يقوم بذلك، وكان الكردي مخطئا. وحتى اليوم، فإن المشكلة الحقيقية الوحيدة مع إيران هي شطّ العرب ، وإذا كان إعطاء نصف الممر المائي هو العائق الوحيد بين الواقع الحالي وازدهار العراق ، فيؤكد صدام انه سيتخذ قراراً متماشياً مع ما قاله عام 1974».

من جهتها، قالت غلاسبي لصدّام إن الرئيس الأميركي طلب منها «توسيع وتعميق العلاقات مع العراق»، معتبرة أن تعرض «بعض الدوائر» الأميركية في السياسة والإعلام سلباً للحكومة العراقية ، لا يقع تحت سيطرة الحكومة الأميركية. واعتبرت غلاسبي أن معارضة بوش لقانون العقوبات على العراق كانت بادرة حسن نية منه لتأكيد الصداقة مع بغداد، فـ«قاطعها صدام ضاحكا»، وقال «لا شيء يمكننا شراؤه في أميركا، كل شيء ممنوع ما عدا القمح، ولا أشك في إن ذلك سيعلن مادة ذات استخدامات مزدوجة قريبا»، لكنه أضاف انه قرّر عدم إثارة هذه القضية، والتركيز بدلاً عن ذلك، على «قضايا أكثر أهمية بكثير».

وسألت غلاسبي صدام «أليس منطقياً أن نكون قلقين عندما يقوم الرئيس العراقي ووزير خارجيته بالقول علنا إن خطوات الكويت تساوي اعتداءً عسكريا ؟ ومن ثم نعلم أن وحدات عديدة من الحرس الجمهوري أرسلت إلى الحدود ؟ أليس منطقياً أن نسأل بروح الصداقة لا المواجهة: ما هي نواياكم ؟».

فأجاب صدام بأنه سؤال منطقي وأن «من واجب أميركا القلق على السلام الإقليمي كقوة كبرى»، ثم استطرد: «لكن كيف يمكننا أن نجعل الكويت والإمارات تفهمان عمق معاناتنا؟»، موضحاً أن الوضع المالي وصل إلى درجة من الصعوبة ستضطر عندها الحكومة العراقية إلى قطع المساعدات عن يتامى الشهداء وأراملهم، قبل أن «ينهار المترجم وأحد المدونين مجهشين في البكاء»، بحسب غلاسبي.

وروى صدام عند هذه النقطة محاولات تواصله مع دول الخليج، قائلا «صدقيني لقد حاولت أن أقوم بكل ما في استطاعتي: أرسلنا مبعوثين، وكتبنا رسائل، وطلبنا من الملك فهد (السعودي)، تنظيم قمة رباعية (العراق، السعودية، الإمارات والكويت). اقترح فهد قمة لوزراء النفط عوضاً عن ذلك، ووافقنا على اتفاق جدة على رغم أنه كان أدنى من مستوى توقعاتنا بكثير. وبعد يومين أعلن وزير النفط الكويتي أنه سيريد إلغاء الاتفاق خلال شهرين».

وأضاف صدام «أما بالنسبة للإمارات، فقد ترجيت الشيخ زايد بأن يتفهم مشاكلنا، عندما ذهبنا إلى الموصل للترفيه بعد قمة بغداد. وقال الشيخ زايد: انتظر حتى أعود إلى أبو ظبي. لكن عند عودته أدلى وزير النفط بتصريحات سيئة للغاية» .....

ثم خرج صدام من اللقاء ليتلقى مكالمة من رئيس الجمهورية المصري حسني مبارك، طلبت منه غلاسبي أن يخبرها بتفاصيلها حيث قال صدام إن مبارك نقل له خبر موافقة الكويتيين على التفاوض، وأن «رئيس الوزراء الكويتي سيلتقي في الرياض مع الرجل الثاني في الحكومة العراقية عزت إبراهيم الدوري، ثم سيأتي الكويتيون إلى بغداد قبل الاثنين 30 تموز 1990»، مضيفاً «لقد قلت لمبارك، إن شيئاً لن يحصل (عسكريا) حتى يتم اللقاء، ولن يحصل شيء خلال اللقاء أو بعده إذا أعطانا الكويتيون أملاً على الأقل » .

لنعود قليلا إلى مذكرات وزير الخارجية جيمس بيكر (( سياسية الدبلوماسية )) , حتى نفهم منها , ماذا حدث هل هي مؤامرة على النظام العراقي , أو هو جنون الاضطهاد والذي يشعر به بعض القادة , ويقود البلاد إلى كارثة حقيقية نتيجة سوء تقدير , أو سوء تصرف في زمان ومكان خطأ ....

يقول جيمس بيكر في مذكراته " في يوم 25 تموز / يوليو غادرت واشنطن في السابعة والربع صباحا متوجها إلى جاكرتا لإجراء مشاورات تستغرق سبعة أيام في أسيا , وفي وقت لاحق من ذلك اليوم اسُتدعيت جلاسبي إلى مقر الخارجية العراقية في بغداد وبدون سابق إنذار نُقلت إلى مكتب صدام , لعقد اجتماع دام ساعتين , وبسبب الطبيعة المفاجئة للاجتماع تصرفت جلاسبي بدون تعليمات محددة , ولكن على ضوء التوجيه العام الصادر في 19 تموز / يونيو .

ويقول " في تقريرها المؤلف من ثماني صفحات المرسل في برقية واحدة عن الاجتماع , والذي يعد بحق وفقا للتقاليد الدبلوماسية تحليلا دقيقا لحديث صدام الملتوي أشارت جلاسبي إلى إن صدام يريد طمأنه الرئيس بأن نواياه سلمية , وهكذا فانه يأمل إن تخف حدة الانتقادات الأمريكية للعراق , ووافق صدام على التفاوض مع السعوديين والكويتيين في غضون فترة وجيزة , وكان حادا في انتقاد الكويتيين , لرفضهم مساعدته في تخفيف الأزمة المالية للعراق , ولم يكن يعتقد إن الرئيس وإنا , ضالعان في هذا السلوك .

واعترفت جلاسبي إن المناورات المشتركة مع الإمارات ولدت الأثر المطلوب , وبات صدام يشعر ألان بالقلق من النوايا الأمريكية ويتوق لتجنب إغضاب الولايات المتحدة , وخلصت جلاسبي " لقد ملكنا اهتمامه تماما وهذا شي حسن , واعتقد إن من الملائم ألان تخفيف حدة الانتقادات العلنية للعراق حتى نرى كيفية سير المفاوضات .

هذا ما ذكره جيمس بكر عن أحداث يوم 25 تموز / يوليو , ولكن للمتبع لنفس المذكرات في سرد شبه تفصيلي لعلاقة العراق مع أمريكا يشعر إن العلاقة متوترة وغير مستقرة , وهناك ثقة شبه مفقودة بين الإدارة الأمريكية ومع الجانب العراقي ... ومتصاعدة ربما نجد إن ما حدث لا بد إن يحدث ... ولكن يبقى السؤال : هل كان هذا التصعيد مدبرا بحيث يكون لقاء صدام مع ابريل جلاسبي هو قمة جبل الجليد , والذي يخفي تحته قدر كبير من المؤامرة , وفقدان الثقة والعمل على استغلال كل موقف وكلمة وتلميح لتأجيج الموقف ويؤدي إلى هذه النهاية المدمرة ....

يقول جيمس بيكر في مذكراته (( سياسة الدبلوماسية )) ...

استندت السياسة الأمريكية تجاه العراق التي ورثها الرئيس بوش من إدارة ريجان على التصميم على إجهاض الطموحات التوسعية للحكومة الثورية في إيران , فحلم أية الله الخميني بنشر الأصولية الإسلامية الراديكالية , في مختلف أرجاء الشرق الأوسط كان ينظر إليه بكل صواب على انه تهديد حقيقي خطير لاستقرار والمصالح الأمريكية وهوي هدد الحلفاء الرئيسين لأمريكا ( إسرائيل ومصر والسعودية ) فسوف تسقط المنطقة بأسرها الذي سوف يهدد إمدادات البترول للغرب ويزيد فرص نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط .

يقول في نهاية 1982 خلص الرئيس ريجان إلى إن المصلحة القومية تقتضي تطوير العلاقات مع العراق .
وفي عام 1983 وبعد تنصل صدام من الإرهابي الشهير أبو نضال قررت إدارة ريجان رفع اسم العراق من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب .

وبعد عام استؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة استغرقت 17 عاما ...
وبدأت أمريكا تقدم ضمانات قروض مكنت بغداد من شراء الحبوب الأمريكية , وخلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية تم تزويد العراقيين بالمعلومات الاستخبارية العسكرية ...

وفي عام 1987 عندما بدأت إيران في مهاجمة ناقلات النفط على أمل حرمان العراق من عائداته الحساسة , من صادرات النفط قررت أمريكا رفع العلم العراقي على الناقلات المحايدة ونشرت سفناً حربية في الخليج لحميتها من الاعتدأت الإيرانية .

وعندما انتهت الحرب العراقية / الإيرانية في أب أغسطس 1988 كانت إدارة ريجان في أشهرها الأخيرة وقرر الرئيس الأمريكي ريجان ترك أي عملية وإعادة تقييم جادة حول السياسة الأمريكية تجاه الخليج إلى خلفه , لذلك أمر الرئيس الأمريكي بوش بأجراء مراجعة إستراتيجية بعيد أداء اليمين الدستوري , وانتهت مراجعة تمهيدية في نيسان ابريل 1989 ولكن إقرارها بصفة نهائية تأجل إلى تشرين الأول / أكتوبر .

خرج العراق في حالة عسر شديد , فقد انهار الاقتصاد العراقي بالفعل ودمر الكثير من المدن العراقية وتحول الجانب الأعظم من البنية الأساسية إلى إطلال ... وكان صدام في ماسة حاجة للمال لتعمير بلاده ...

كان جيران صدام وخاصة مصر يشعرون بالامتنان لصد العدوان الإيراني وكان حلفاءه الغربيين وخاصة فرنسا وألمانيا أكثر اهتماما ببيع التكنولوجيا له ...

يقول بيكر .... في ذلك الوقت كنا نرى في العراق حليفا عربيا مفيدا ومحتملا في تحريك عملية السلام المحتضرة في الشرق الأوسط , وكنا نفترض إن عرافا اقل انقساما سيكون مفيدا إلى حد ما لعملية السلام وكنا نعتقد انه لو اختار العراق فانه بوسعه تشجيع الفلسطينيين والتأثير عليهم وأردنا اختبار إن العلاقات السياسية والاقتصادية الوثيقة مع العراق ربما تقنعه بان لا يكون حجر عثرة ويقول جيمس بيكر " تشجعت إنا شخصيا بهذه الفكرة ليس فقط عن طريق عدد من زعماء الشرق الأوسط , بل أيضا بواسطة بعض أفضل أصدقاء إسرائيل ومنهم عضو جمهوري بمجلس الشيوخ طلب مني بشكل خاص استمالة العراق .

في ذلك الوقت كانت الإدارة الأمريكية تخوض صراع حادا من أكثر فترات التغير الجذري في التاريخ وهو انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك حلف وارسو , وتوحيد ألمانيا ....

يقول جيمس بيكر " البدايات الأولى لإدارة ريجان توسعت سياسة ضمانات القروض للعراق لاستيراد الحبوب بشكل مذهل , وكانت الشركات الائتمانية السلعية التابعة لوزارة التجارة تقدم أكثر من مليار دولار كضمانات قروض في العام لشراء مواد غذائية أمريكية , وفي عام 1989 أصبح العراق تاسع اكبر مشتر للمنتجات الزراعية الأمريكية وحظيت هذه البرامج بشعبية طاغية في الكونجرس الأمريكي ولدى السياسيين المسئولين الزراعيين ...

وكان سجل العراق في تسديد القروض نظيفا , ولو حاولنا عزل العراق لحرمنا الشركات الأمريكية والزراعية منها فرص تجارية مهمة ....

في 6 تشرين الأول / أكتوبر 1989 اجتمع جيمس بيكر مع طارق عزيز , في ذاك اللقاء , اخذ طارق عزيز يكيل الاتهامات لأمريكا بأنها تحاول التدخل في الشؤون الداخلية للعراق , حيث تلقى عزيز تقارير تفيد بقيام دبلوماسيين أمريكيين كبار بالاتصال بنظرائهم العرب لإثارة مخاوفهم تجاه نوايا العراق ....

واشتكى طارق عزيز كذلك من تخفيض القروض الائتمانية السلعية العراقية وتخفيضها من مليار دولار إلى 400 مليون دولار في العام , وأثار قضية البنك الايطالي بنكا ناسونالي في جورجيا والذي قدم إلى العراق ثلاثة مليارات دولار بدون خطابات ضمان معتمدة , حيث كانت هناك اتهامات لمسئولين عراقيين في قضية البنك الايطالي , وكانت القضية متابعة من القضاء الأمريكي .

لكن المشكلة مع صدام تعقدت في أوائل 1990 وبات خطابه أكثر حدة وتهديدا , وقام بإعدام صحفي بريطاني إيراني المولد بتهمة التجسس , وتعالت شكوى صدام من افتتاحية أذيعت في صوت أمريكا وتضمنت إشارة سريعة للدولة البوليسية في العراق , واخذ يتهم أمريكا بالتدخل بالخليج وقام ببناء ست منصات صواريخ تصل مداها إلى إسرائيل وعزز جهوده لامتلاك تكنولوجيا متقدمة يمكن تطويعها في برامجه العسكرية والنووية .

في 13 فبراير / 1990 اجتمع صدام مع كيلي وابريل جلاسبي لمدة 9 دقيقة في بغداد , وأشارت كل الروايات انه اجتماع ودي , حيث قال صدام انه مع تراجع الاتحاد السوفيتي كقوة عظمي فان إمام الولايات المتحدة فرصة للمساعدة في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط .

وكان مغزى رسالته انه يفضل السلام على الحرب في الشرق الأوسط , ولكنه يشكك في قدرة أمريكا بممارسة الضغط على إسرائيل ...

ومع تزايد أذى صدام أعربنا عن قلقنا بحدة اكبر ففي 17 شباط / فبراير 1990 أوضح سكروكروفت للسفير العراقي استياء الرئيس من انتقادات صدام الأخيرة للولايات المتحدة وبعد ثلاث أيام أرسلت وزارة الخارجية توجيها قويا لسفارتنا في العواصم العربية متضمنا تعليمات للسفراء بشرح اختلاف أمريكا الجذري مع العراق حول الانتشار النووي والأسلحة الكيماوية ونشر صواريخ سكود وحقوق الإنسان وفي 3 آذار / مارس قال سكيب جنيم نائب كيلي السفير العراقي بان تصريحات صدام مروعة ...

الطامة الكبرى وسقطة صدام التي لا تغتفر ....

في الثاني من نيسان / ابريل تغيرت حساباتنا الاستراتيجة تجاه العراق عندما هدد صدام إسرائيل صراحة في رسالته إلى القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية للمرة الأولى أكد صدام امتلاك العراق أسلحة كيماوية وتوعد قائلا " اقسم بالله العظيم إن نحرق نصف إسرائيل لو تعرضنا للهجوم " .

أثارت هذه التصريحات العالم الغربي وأصدرت الإدارة الأمريكية تعليمات لتاتويلر بان تصفها بأنها نارية وغير مسئولة وعنيفة ...

يقول جيمس بيكر ... انه في اليوم التالي بقى كميت وروس بعد انتهاء الاجتماع الصباحي للعاملين لبحث التطور الجدي حيث قالا لي " إن لفظ حرق إسرائيل لا يجب النظر إليه كثورة منعزلة وقال روس إن سياستنا تقوم على وهم خاطئ بان بوسعنا حمل هذا الرجل على الاعتزال وقال كميت " لا يمكننا لم اعد اشعر بالارتياح لهذه السياسة أنهم رجال غلاظ لا تجدي معهم غير الشدة ".

وبما إن سياسة الثواب لم تؤت بثمارها فقد حان وقت سياسة العقاب وتم مطالبة وزارة الخارجية عقد اجتماع للجنة النواب لدراسة تعديل سياسة أمريكا تجاه العراق لتصبح سياسة احتواء .

في 11 نيسان / ابريل أرسل كميت برقية بهذا التوجه إلى جلاسبي لنقله إلى العراقيين بان العراق ستكون على مسار تصادم مع الولايات المتحدة لو واصل العراق تبني إجراءات تهدد الاستقرار في المنطقة وتوقض المساعي الدولية للحد من التسلح وتهزءا بالقوانين الأمريكية .

أرسل كيميت مذكرة يحث فيه وزارة الخارجية لإلغاء برنامج الائتمان السلعي برمته وقال " لو استمررنا في تقديم الائتمانات السلعية وائتمانات أي اكس أي أم فإننا نعتقد إن صدام سيعتبر القرار مؤشرا ايجابيا سيدفعه إلى الاستخفاف بالجهود الأخرى التي ربما نتخذها لوقف حملته للحصول على الأسلحة النووية .

وفي الأول من مايو أدلى جيمس بيكر بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ , وفي سياق الرد على سؤال للسيناتور روبرت كاشين من ويسكونسين قال جيمس بيكر : من السابق لأوانه بعض الشئ بحث عقوبات محتملة ضد العراق " .

وفي 30 نيسان / ابريل بعث الملك فهد برسالة للرئيس قال فيها ان حكومته تسعى لتهدئة الأمور مع العراق , وفي نفس الوقت زار وفد من السفراء العرب جيمس بيكر ومنهم سفير الكويت ومصر للتدخل في النزاع وقالوا له إن التصريحات النارية وضع مألوف لدى بعض القادة العرب ..

وفي يوم 29 / ايار اجتمعت لجنة النواب للمرة الثانية لمراجعة مختلف الخيارات , وبعد عرض احدث المستجدات حول الائتمانات السلعية وتحقيقات البنك الايطالي ساد شعور بالإجماع لصالح تعليق القروض الاقتصادية للعراق , وفي اليوم التالي وفي قمة بغداد ندد صدام بالكويت لمشاركتها في حرب اقتصادية ضد بلاده وتحدى أمير الكويت الذي رفض مطالب صدام بتقديم مليارات الدولارات على سبيل التعويض وتقديم تنازلات إقليمية .

وفي 26 تموز / يوليو 1990 اشتكى طارق عزيز في مذكرة لامين عام الجامعة العربية من تورط الكويت والأمارات في عدوان مباشر ضد العراق بزيادة إنتاجهما من البترول , وهو نفس الاتهام الذي ساقه صدام علانية في خطاب ألقاه في اليوم التالي في الاحتفال بالذكرى الثانية والعشرين لعودة حزب البعث , وحذر صدام الذي اتهم الولايات المتحدة بتقديم الخنجر المسموم لأعدائه من انه لم تجدي الكلمات فمن الضروري فعل شي ما .

في 19 تموز / يوليو أرسلت الخارجية الأمريكية برقية موجزة لسفارات الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط تتضمن توجيها بالسياسة الجديدة حول النزاع العراقي / الكويتي , وصدرت تعليمات إلى الدبلوماسيين بالتأكيد على نقطتين في كافة اتصالهم مع نظرائهم العرب وهما ..
أولا : ضرورة تسوية النزاعات بالوسائل السلمية وليس عن طريق التهديد باستخدام القوة .
ثانيا : إن الولايات المتحدة لا تزج بنفسها في موضوع هو من صميم القضايا الثنائية يخص العراق والكويت .

وفي 21 تموز / يوليو أي بعد يومين من رصد الأقمار الصناعية تحركات حاشدة للقوات والعتاد العراقي باتجاه الحدود الكويتية , طلبت الإمارات العربية من الولايات المتحدة المشاركة في مناورة عسكرية مشتركة لإظهار التضامن ضد تهديدات صدام الجديدة حيث تم أداء المناورات في يوم 23 تموز / يوليو 1990 .

وفي يوم 25 تموز / يوليو .... كان اجتماع صدام حسين مع ابريل جلاسبي والذي ذكرناه .

وفي 2 أب / أغسطس غزت القوات العراقية دولة الكويت .

هذا مختصر لتصاعد الإحداث بين أمريكا والعراق خلال فترة ما قبل الغزو ... فهل تم دفع صدام دفعا للحرب , وان لم يترك له بابا واحد للحوار والدبلوماسية .. إن صدام كان يشعر بجنون الاضطهاد , ولا يوجد أي حقيقة لكل المخاوف والتي أثارها خلال فترة من الزمن ...

يقول شيفرنادزه في موسكو بعد ثلاث أيام من الغزو " انه تصرف غير رشيد غير ذي معنى بل إن صدام نفسه قال لجلاسبي قبل أسبوع من الغزو (( لا تدفعونا نحو الحرب )) ولا تجعلوها الخيار الوحيد الذي يبقى لنا للدفاع عن كرامتنا , فإذا ما آذت الولايات المتحدة العراق علنا فلن يبقى أمامنا من خيار سوى الرد مهما كان غير منطقي ومدمر للذات )) ... ولسوء الحظ حول صدام كلماته إلى واقع .


وهو حقيقة تصرف غير رشيد , ولكن محور الأمر هو علاقة العراق مع الولايات المتحدة والتي كانت متوترة وغير مستقرة , فهل كانت علاقة يريدها صدام علاقة ندية , أم انه كان يريد إن يعترف له بدور اكبر في الشرق الأوسط خاصة بعد خروجه من حربه مع إيران منتصرا , أو هي جنون العظمة والاضطهاد والتي تكون عند القائد أو الزعيم , وخلال سير الإحداث لا نجد دور للكويت سوى في زيادة الإنتاج وانخفاض أسعار النفط في ذلك الوقت والتي رأى به صدام حرب اقتصاديه عليه وعلى بلده وهو خرج من الحرب مديونا ب 40 مليار دولار , والحقيقة لها وجه أخر , إن الأمارات شريكة للكويت في زيادة الإنتاج والعمل على خفض أسعار النفط , ولكن النيران أصابت الكويت ولم تصيبها هي , لأن الكويت الأقرب للعراق وكانت الكويت وسيلة في الصراع الأمريكي والعراقي , وهو صراع أشبه بصراع القوى وتحقيق الذات والبحث عن مواطن الثقة في نفس كل منهما , حيث أمريكا لا تريد إن تندفع بقوة تجاه العراق , ولم يكن العراق يريد إن يلقي بنفسه بقوة تجاه أمريكا , فهما أشبه بالمتحالفين في شراكة جديدة , لا يريد كل منهم إن يسفر عن كل أوراقه , حتى لا يخرج مهزوما بصراع أشبه بصراع الأقوياء ...

ويبقى السؤال هل هي مؤامرة أعدت بدقة حتى يسقط صدام فيها , وخصوصا إن سياسة الاحتواء والتي انتهجتها أمريكا تصل إلى هذه النتيجة ؟












#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجازر الارمن ... وأبادتهم ..
- معركة تحرير تكريت
- داخل حدود وطن وهمي ...
- المرأة حين تصنع الأرهاب ...
- شيماء الصباغ ... طريق حرية لا ينتهي
- مجزرة شارلي ايبدو .. الارهاب هل له وجه اخر غير الكراهية ..
- الايمان الوجودي
- المتشددون ... والمجتمع
- النضال من اجل 8 ساعات عمل ..
- ماذا يعني إن يكون الأمير مقرن وليا للعهد ....
- نظرية مالتوس عن حتمية الفقر ...
- الاخلاق ... والألتزام ...
- سيمون دي بوفوار امرأة لا تشبه إلا نفسها ...
- الحرية من الحُسين الى جيفارا ....
- المنسيون في ثورة الحسين ...
- تأمل في ارادة حرة ...
- بين عبد الرحمن بدوي وسارتر
- كيف نفهم الوجودية ...
- هؤلاء البعيدين عن الدولة ....
- الوطن يختفي حين تسود الطائفية ...


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلمان محمد شناوة - الخديعة في زمن الحرب