أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالامير الركابي - وليد جمعه: شاعر يقتل شعره وظله2/2















المزيد.....

وليد جمعه: شاعر يقتل شعره وظله2/2


عبدالامير الركابي

الحوار المتمدن-العدد: 4935 - 2015 / 9 / 24 - 22:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



عاش وليد كاعظم مقامر في تاريخ العراق الحديث، فهو مقامر ليس بالمعنى ال" دستيوفسكي" النفسي والوجودي، فالمقامرة لدى وليد جمعه فعل تحد مضاد وابداع خارج عالم الابداع، تعرف بعد ثلاثة ايام من وصوله للدنمارك على جريدة الريسز الدنماركية وصار يقراها بطلاقة وهو لايعرف اللغة الدنماركية، وعثر بعد يومين على مقهى "الريسسجية " هناك، وقد اخذني اليها في احدى زياراتي لكوبنهاكن، وقتها كانت خطاه قد بدات تثقل واعلانه عن كرهه لجميع الناس يتزايد، وقد سالته حينهاعن الشعر فقال لي "هي شوية موهبة وخلصت"، قامر وليد في مقهى ابراهيم على طاولة المقهى بين الدومينو والطاولي والريسز، وكنت دائما مااتي الى المقهى فاجده يلعب مع عمال المقهى، ومع عابرين يتركهم وينهض بمجرد ان يراني، عندما لايجد الريسز او مقهى للعب الدومينو كما في طرابلس في لبنان، كان يلعب بالات " الفليبرز"وبالورق في مقهى في كوبنهاغن، ذلك كان تبديده الاخر ضد الثقافة والروابط العائلية معا، مرة سالته وكنا في حوالي العاشرة والنصف مساء، ونحن حائرين لانعرف ماذا نفعل :" وليد ليش ماتروح لاهلك" فرد علي :
"اذا اروحلهم هسه يظل بالهم"واكمل " يكعدون يحققون وياي للصبح ليش اجيت وشجابك واخاف وراك مصيبه" واما قصته مع الزواج فهو يلخصها يالتالي حين ارتات عائلته مرة ان تزوجه ابنة خالته، واجتمعت على الغداء والعروس موجودة ووليد حاضر، وبعدما تغدت العروس تجاشأت بصوت عال، نهض وليد قائلا: "هسه اجي" ولم يعد حتى هذه اللحظة، بعدها لاداعي للسؤال عن الاسباب، فمن يفكر ان يسال شخصا يكتب الشعر ليتلفه ويقامر ويحشش ويسكر وله تلاثة " دكات" ....اذا كان يريد ان يتزوج او لا؟
فقط "المصدقون" يفعلون ذلك بحماس لانهم جنس "طايف على مي الكروش"، هؤلاء كانوا يسمون مقهى ابراهيم بمقهى "المعقدين"، اما نحن فنطلق عليها بزهو وتحبب اسم "مقهى ابراهيم" او" مقهى المثقفين" ولان وليد كان يشتمني كثيرا، خاصة في سنيه الاخيرة حين اشتدت كراهيته للعالم، فلقد زاد يقيني بعمق محبته لي، ومقداركرهه لابل مقته لاصراري وجديتي، لكنه لايتوقف عن الحنين لشخص يسميه "صديق عمري"، ويعشق اكزوبري مرددا عبارة له " الصداقة مثل شجة السنديان لايمكن ان تزرعها اليوم لتتفيأ بفيئها غدا" وفي اخر زيارة له الى بغداد قضى ليلته يشتمني قرب مقهى ابراهيم القديمة في فندقه الرخيص، وفي اليوم الثاني كنت اجلس في مقهى الشابندر مع صديق اخر هو "احمد خلف" نتحدث عن روايته "الحلم العظيم" فدخل وليد صدفة ومعه شخص اخر،وما ان راني حتى تعالى صوت نحيب ملأ المقهى، وضع هو وقتها راسه على كتفي وراح ينوح مرددا "يايمه" بصوت عال وانا اطبطب عليه.
كان وليد ايضا " سياسيا" على طريقته، تنقل من " البعث" الى "التروتسكية" الى الشيوعية الدوغمائية ايام الجبهة الوطنية وحكم الحزبين، في شبابه لمع باعتباره صاحب ذاكرة فذه لانه يحفظ نصوص عفلق عن ظهر قلب، وكان قارئا نهما، يقول عن التروتسكية "التروتسكي اذا لم يجد من ينشق عليه انشق على نفسه وانها حركة ثقافية تتشبه بالسياسة" عاش في بيروت بعد انتهاء الجبهة بين الشيوعيين والبعثيين وطرد صدام لحلفائه، وكان في بيروت خلال الاجتياح الاسرائيلي لبيروت، وهو الذي يكره السلاح، حمل بندقية كان يجرها كمن يجر قطة ميته، وفي الجامعة الامريكية مرض وارتفعت حرارته يومها وصار يهذي هذيانا موجعا، كان يريد امه، اي العودة الى الرحم ومنه الى العدم، في سوريا كتب قصائد باللهجة واخوانيات ساخرة وهجائية، ركز الكثير منها على "فخري فخاتي" كما كان يسميه باعتباره رمز الفساد الاخلاقي وفساد الذمة، قصائده كانت تتناقل وتصنع جوا من السخرية، لامن فخري بل من الحالة المزرية التي بلغتها الاوضاع عموما.
لم يكن وليد سياسيا الا باعتباره مضادا للسياسة وللقائم منها، فقد كنا نسيح في بحر من صنع غيرنا من الموهومين، نجهد لكي نخربه بلا جدوى على امل الوصول الى اللاشيء، هذا النمط من المواقف لم يحقب بعد، ولا جاء من يريد التعامل معه كقضية جديرة بالاعتبار ضمن مسار الخيارات التاريخية المعاشة في العراق والمنطقة، فهو لايدخل في باب النمذجة بين الحداثة الاولى وجيل الستينات، والبحر مازال ينسج الصفات والادوار على وفق ايقاع خرابه وموته متهما الضحايا بانهم السبب في حصول ماهو حاصل من نهايات كارثية، ولكل تلك الاسباب ظل وليد يقتل شعره وظله، فيمشي من دون ظل وحيدا،ويكتب شعرا حادا واضحا وهو يعرف ان مايكتبه لن يوضع في مكان، صديقنا المتوفى هو الاخر ادم حاتم، ترك ديوانا وحيدا باسم دال "لا احد" وهما معا كانا الاقرب الى نفسى، وقد ذهبا ليتركاني وحيدا اتحمل اللعنة الاثقل واراكم "الشتيمة تلو الشتيمة من شبابيك اليسار الاخرق ومن صدقوا ويصدقون".
من كان يمكنه تحمل تبعة البحث عن المسرب الضائع وسط تاريخ متعثر رملي سائر الى الخراب الاقصى،لم يتوقف وليد عن تحميلي تبعات البحث عن الوهم بينما كنا ممحيين امام "القدسيات الزائفة" و" الحداثة المزورة" ابتداء من بدر شاكر السياب و نازك، الى حسين مردان اول معتقل بسبب الشعر العاري، الى جيل الستينات ونفاجته على وقع وصدى انتفاضة الطلاب الفرنسيه 1968 وكل حركة الشبيبه الاوربية، وماركوز وحركات الكفاح المسلح، وجيفارا وطاووسية الستينيين من مؤيد الراوي الى فاضل العزاوي، وكل جماعة كركوك مرورا بعبدالرحمن الربيعي، ومحمد خضير وجان دمو، كل هؤلاء هم "مصدقون" ومعهم فهد والجادرجي وفؤاد الركابي ومحمد مهدي كبة وصولا الى نوري السعيد والعسكري وعبدالمحسن السعدون.
مع السينات بدات الرياح تذرو الخيمة المهلهله ولم يعد هنالك من ماوى غير الخراب والتخريب بازاء طريق سوف تفضي للكارثة الكبرى، لا" نهضة عربية" ولا عصر حداثة، والقائم في السياق الحداثي يجب ان يعرى ولو كان الثمن حياة مبددة الى اخر قطرة، هؤلاء الذين يصدقون ان من يقرا كتب ماركس يصبح ماركسيا، ومن يقرا سارتر وكامو يتحول الى الوجودية والعبث، تلك الانماط موجودة ايضا في "الدولة"، وفي الكتابة والصحافة بما يؤلف اكذوبة عاشها العرب في العصر الحديث، مستعيرين مناخا تثافيا وقواعد تفكير وتواريخ يتعسفون كي يدخلوها بيتا يرفضها ولا يمكن ان تنمو وتترعرع فيه، وهذا النوع من الوعي بالخطيئة الكبرى، وتوقع الخراب هو ماينتمي اليه وليد جمعة شعريا، وماانتسب اليه فكرا وسياسة ومايلتحق به " ادم حاتم" وقلائل يحتار في تصنيفهم المتابعون فيضعونهم في خانة الالتباس الخطير، حتى بعد ان انهار كل شي وتحولت تجربة الحداثة العربية والعراقية في مقدمتهاالى ركام.
هذا النوع من الانتماء غير المنظر له، الذي يخترق مقدسات زائفة معممة هو ماكان يمارسه وليد جمعه حين يقتل شعره، يكتبه ولايهتم بجمعه يبعثره راميا اياه من الشبابيك كما فعل مرة وهو في ضيافتي في لبنان، كانت ردة فعله على الزيف الطاغي والكارثة الاتية تتحول الى انمحاء والى رفض للبحث عن بدائل ومشاريع، كرهها وكرهني بسببها لكنه حين قرا اخيرا وبعد قرابة اربعين عاما من "الحفر في الصخر" كما كان ينعت محاولاتي مطلقا علي تعبير " رهين المحابس"، حين قرا " ارضوتوبيا العراق وانقلاب التاريخ " عام 2008 اصيب بالذهول وظل يسر وهو يردد مع نفسه هل يمكن ان يكون هنالك "مخرج" لعالم محكوم عليه بالانهيار؟
مات وليد جمعه الذي ظل يمارس الموت يوميا على مدى 74 عاما كانت كل لحظة فيها بمثابة ادانه و"وعفطة قبل صباح الخير" تهدى ل" المصدقين" ممتهني الدجل.



#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وليد جمعه: الشاعر الذي قتل شعره/1 2 /
- امة- مابين النهرين- الامبراطورية والكونية في تاريخ العراق ال ...
- - امة مابين النهرين- امة حصتها الغياب /12/
- ملحق: عراق مابعد - الدولة المدنية-؟؟
- خيار -المؤتمر التاسيسي-وانهيار تجربة الحداثة القسرية/22/
- خيار -المؤتمر التاسيسي-و -الدولةالمدنية- المستيلة في العراق
- يارئيس الوزراء: مقترح- المؤتمر التاسيسي- على مكتبك وفيه الحل ...
- ماركس ومحمد يغادران ساحة التحرير
- استدراكات على المنظور الجزئي للتاريخ لدى ماركس
- - الاشتراكية النظرية- و - الاشتراكية التكوينية- والانقلاب ال ...
- - الاشتراكية النظرية- و - الاشتراكية التكوينية- والانقلاب ال ...
- البواعث - المصلاوية- لصراع - فهد- مع - ذو النون ايوب- و- داو ...
- عراق الحقبة الرابعه
- 28 ايار: ذكرى انتفاضة الاهوار المسلحة 1967/1968 .. وحزب صدام ...
- 28 ايار: ذكرى انتفاضة الاهوار المسلحة1967/1968 وحزب صدام بري ...
- مفهومان ماديان للتاريخ؟
- من الشيرازي الى السيستاني : الامركيون و- داعش- وحقبة التشييع ...
- بدء الطور الثاني من عملية تشييع القبائل السنية في العراق(1/2 ...
- الحركة الشيوعية العراقية وثقافة الموت
- الاحتلال الامريكي الثاني للعراق: خاصيات احتلال كيان امبراطور ...


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالامير الركابي - وليد جمعه: شاعر يقتل شعره وظله2/2